بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ ١
نسخ
مشاركة
التفسير
إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ ١
تفسير سورة التكوير وهي مكية
قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا عبد الله بن بحير القاص أن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني أخبره أنه سمع ابن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ : ( إذا الشمس كورت " ، و وإذا السماء انفطرت " ، و " إذا السماء انشقت
وهكذا رواه الترمذي عن العباس بن عبد العظيم العنبري عن عبد الرزاق به
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( إذا الشمس كورت ) يعني أظلمت وقال العوفي عنه ذهبت وقال مجاهد اضمحلت وذهبت وكذا قال الضحاك
وقال قتادة ذهب ضوءها . وقال سعيد بن جبير ( كورت ) غورت
وقال الربيع بن خثيم ( كورت ) يعني رمي بها
وقال أبو صالح ( كورت ) ألقيت وعنه أيضا نكست . وقال زيد بن أسلم تقع في الأرض
قال ابن جرير والصواب من القول عندنا في ذلك أن التكوير جمع الشيء بعضه إلى بعض ومنه تكوير العمامة وهو لفها على الرأس وكتكوير الكاره ، وهي جمع الثياب بعضها إلى بعض فمعنى قوله ( كورت ) جمع بعضها إلى بعض ثم لفت فرمى بها ، وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوءها .
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج وعمرو بن عبد الله الأودي حدثنا أبو أسامة عن مجالد عن شيخ من بجيلة عن ابن عباس ( إذا الشمس كورت ) قال يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ويبعث الله ريحا دبورا فتضرمها نارا وكذا قال عامر الشعبي ثم قال ابن أبي حاتم
حدثنا أبي حدثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن ابن يزيد بن أبي مريم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قول الله : ( إذا الشمس كورت ) قال كورت في جهنم "
وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا موسى بن محمد بن حيان حدثنا درست بن زياد حدثنا يزيد الرقاشي حدثنا أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشمس والقمر ثوران عقيران في النار "
هذا حديث ضعيف لأن يزيد الرقاشي ضعيف والذي رواه البخاري في الصحيح بدون هذه الزيادة ثم قال البخاري
حدثنا مسدد حدثنا عبد العزيز بن المختار حدثنا عبد الله الداناج حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الشمس والقمر يكوران يوم القيامة "
انفرد به البخاري وهذا لفظه وإنما أخرجه في كتاب بدء الخلق وكان جديرا أن يذكره هاهنا أو يكرره كما هي عادته في أمثاله! وقد رواه البزار فجود إيراده فقال
حدثنا إبراهيم بن زياد البغدادي حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبد العزيز بن المختار عن عبد الله الداناج قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن خالد بن عبد الله القسري في هذا المسجد مسجد الكوفة وجاء الحسن فجلس إليه فحدث قال حدثنا أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال إن الشمس والقمر نوران في النار يوم القيامة فقال الحسن وما ذنبهما ؟ فقال أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول أحسبه قال وما ذنبهما
ثم قال لا يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه ولم يرو عبد الله الداناج عن أبي سلمة سوى هذا الحديث
إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ ١
سورة التكوير
مكية في قول الجميع . وهي تسع وعشرون آية
وفي الترمذي : عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من سره أن ينظر إلي يوم القيامة فليقرأ إذا الشمس كورت ، وإذا السماء انفطرت ، وإذا السماء انشقت " . قال : هذا حديث حسن غريب .
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا الشمس كورت
قوله تعالى : إذا الشمس كورت قال ابن عباس : تكويرها : إدخالها في العرش . والحسن : ذهاب ضوئها . وقاله قتادة ومجاهد : وروي عن ابن عباس أيضا . سعيد بن جبير : عورت . أبو عبيدة : كورت مثل تكوير العمامة ، تلف فتمحى . وقال الربيع بن خثيم : " كورت رمي بها ; ومنه : كورته فتكور ; أي سقط .
قلت : وأصل التكوير : الجمع ، مأخوذ من كار العمامة على رأسه يكورها أي لاثها وجمعها فهي تكور ويمحى ضوءها ، ثم يرمى بها في البحر . والله أعلم . وعن أبي صالح : كورت : نكست .
إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ ١
أي: إذا حصلت هذه الأمور الهائلة، تميز الخلق، وعلم كل أحد ما قدمه لآخرته، وما أحضره فيها من خير وشر، وذلك إذا كان يوم القيامة تكور الشمس أي: تجمع وتلف، ويخسف القمر، ويلقيان في النار.
وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتۡ ٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتۡ ٢
وقوله ( وإذا النجوم انكدرت ) أي انتثرت كما قال تعالى ( وإذا الكواكب انتثرت ) الانفطار : 2 وأصل الانكدار الانصباب
قال الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال ست آيات قبل يوم القيامة بينا الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت واختلطت ففزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن واختلطت الدواب والطير والوحوش فماجوا بعضهم في بعض ( وإذا الوحوش حشرت ) قال اختلطت ( وإذا العشار عطلت ) قال أهملها أهلها ( وإذا البحار سجرت ) قال قالت الجن نحن نأتيكم بالخبر . قال فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج ، قال فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى وإلى السماء السابعة العليا قال فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم
رواه ابن جرير وهذا لفظه وابن أبي حاتم ببعضه وهكذا قال مجاهد والربيع بن خثيم ، والحسن البصري وأبو صالح وحماد بن أبي سليمان والضحاك في قوله ( وإذا النجوم انكدرت ) أي تناثرت
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( وإذا النجوم انكدرت ) أي تغيرت . وقال يزيد بن أبي مريم عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وإذا النجوم انكدرت ) قال انكدرت في جهنم وكل من عبد من دون الله فهو في جهنم إلا ما كان من عيسى وأمه ولو رضيا أن يعبدا لدخلاها رواه ابن أبي حاتم بالإسناد المتقدم
وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتۡ ٢
وإذا النجوم انكدرت أي تهافتت وتناثرت . وقال أبو عبيدة : انصبت كما تنصب العقاب إذا انكسرت . قال العجاج يصف صقرا :
أبصر خربان فضاء فانكدر تقضي البازي إذا البازي كسر
وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يبقى في السماء يومئذ نجم إلا سقط في الأرض ، حتى يفزع أهل الأرض السابعة مما لقيت وأصاب العليا " ، يعني الأرض . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : تساقطت ; وذلك أنها قناديل معلقة بين السماء والأرض بسلاسل من نور ، وتلك السلاسل بأيدي ملائكة من نور ، فإذا جاءت النفخة الأولى مات من في الأرض ومن في السماوات ، فتناثرت تلك الكواكب وتساقطت السلاسل من أيدي الملائكة ; لأنه مات من كان يمسكها . ويحتمل أن يكون انكدارها طمس آثارها . وسميت النجوم نجوما لظهورها في السماء بضوئها . وعن ابن عباس أيضا : انكدرت تغيرت فلم يبق لها ضوء لزوالها عن أماكنها . والمعنى متقارب .
وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتۡ ٢
{ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ } أي: تغيرت، وتساقطت من أفلاكها.
وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ سُيِّرَتۡ ٣
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ سُيِّرَتۡ ٣
أي زالت عن أماكنها ونسفت فتركت الأرض قاعا صفصفا.
وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ سُيِّرَتۡ ٣
وإذا الجبال سيرت يعني قلعت من الأرض ، وسيرت في الهواء ; وهو مثل قوله تعالى : ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة . وقيل : سيرها تحولها عن منزلة الحجارة ، فتكون كثيبا مهيلا أي رملا سائلا وتكون كالعهن ، وتكون هباء منثورا ، وتكون سرابا ، مثل السراب الذي ليس بشيء . وعادت الأرض قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمنا . وقد تقدم في غير موضع والحمد لله .
وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ سُيِّرَتۡ ٣
{ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ } أي:: صارت كثيبا مهيلا، ثم صارت كالعهن المنفوش، ثم تغيرت وصارت هباء منبثا، وسيرت عن أماكنها.
وَإِذَا ٱلۡعِشَارُ عُطِّلَتۡ ٤
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِذَا ٱلۡعِشَارُ عُطِّلَتۡ ٤
وقوله ( وإذا العشار عطلت ) قال عكرمة ومجاهد عشار الإبل قال مجاهد : ( عطلت ) تركت وسيبت
وقال أبي بن كعب والضحاك أهملها أهلها : وقال الربيع بن خثيم لم تحلب ولم تصر تخلى منها أربابها
وقال الضحاك تركت لا راعي لها
والمعنى في هذا كله متقارب والمقصود أن العشار من الإبل وهي خيارها والحوامل منها التي قد وصلت في حملها إلى الشهر العاشر واحدها عشراء ولا يزال ذلك اسمها حتى تضع قد اشتغل الناس عنها وعن كفالتها والانتفاع بها بعد ما كانوا أرغب شيء فيها بما دهمهم من الأمر العظيم المفظع الهائل وهو أمر القيامة وانعقاد أسبابها ووقوع مقدماتها
وقيل بل يكون ذلك يوم القيامة يراها أصحابها كذلك ولا سبيل لهم إليها وقد قيل في العشار إنها السحاب يعطل عن المسير بين السماء والأرض لخراب الدنيا . و [ قد قيل إنها الأرض التي تعشر وقيل : إنها الديار التي كانت تسكن تعطل لذهاب أهلها حكى هذه الأقوال كلها الإمام أبو عبد الله القرطبي في كتابه " التذكرة ورجح أنها الإبل وعزاه إلى أكثر الناس .
قلت بل لا يعرف عن السلف والأئمة سواه والله أعلم
وَإِذَا ٱلۡعِشَارُ عُطِّلَتۡ ٤
وإذا العشار عطلت أي النوق الحوامل التي في بطونها أولادها ; الواحدة عشراء أو التي أتى عليها في الحمل عشرة أشهر ، ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع ، وبعدما تضع أيضا . ومن عادة العرب أن يسموا الشيء باسمه المتقدم وإن كان قد جاوز ذلك ; يقول الرجل لفرسه وقد قرح : هاتوا مهري وقربوا مهري ، ويسميه بمتقدم اسمه ; قال عنترة :
لا تذكري مهري وما أطعمته فيكون جلدك مثل جلد الأجرب
وقال أيضا :
وحملت مهري وسطها فمضاها
وإنما خص العشار بالذكر ; لأنها أعز ما تكون على العرب ، وليس يعطلها أهلها إلا حال القيامة . وهذا على وجه المثل ; لأن في القيامة لا تكون ناقة عشراء ، ولكن أراد به المثل ; أن هول يوم القيامة بحال لو كان للرجل ناقة عشراء لعطلها واشتغل بنفسه . وقيل : إنهم إذا قاموا من قبورهم ، وشاهد بعضهم بعضا ، ورأوا الوحوش والدواب محشورة ، وفيها عشارهم التي كانت أنفس أموالهم ، لم يعبئوا بها ، ولم يهمهم أمرها . وخوطبت العرب بأمر العشار ; لأن مالها وعيشها أكثره من الإبل . وروى الضحاك عن ابن عباس : عطلت : عطلها أهلها ، لاشتغالهم بأنفسهم . وقال الأعشى :
هو الواهب المائة المصطفا ة إما مخاضا وإما عشارا
وقال آخر :
ترى المرء مهجورا إذا قل ماله وبيت الغني يهدى له ويزار
وما ينفع الزوار مال مزورهم إذا سرحت شول له وعشار
يقال : ناقة عشراء ، وناقتان عشراوان ، ونوق عشار وعشراوات ، يبدلون من همزة التأنيث واوا . وقد عشرت الناقة تعشيرا : أي صارت عشراء . وقيل : العشار : السحاب يعطل مما يكون فيه وهو الماء فلا يمطر ; والعرب تشبه السحاب بالحامل . وقيل : الديار تعطل فلا تسكن . وقيل : الأرض التي يعشر زرعها تعطل فلا تزرع . والأول أشهر ، وعليه من الناس الأكثر .
وَإِذَا ٱلۡعِشَارُ عُطِّلَتۡ ٤
{ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ } أي: عطل الناس حينئذ نفائس أموالهم التي كانوا يهتمون لها ويراعونها في جميع الأوقات، فجاءهم ما يذهلهم عنها، فنبه بالعشار، وهي النوق التي تتبعها أولادها، وهي أنفس أموال العرب إذ ذاك عندهم، على ما هو في معناها من كل نفيس.
وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ ٥
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ ٥
وقوله ( وإذا الوحوش حشرت ) أي جمعت كما قال تعالى ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ) الأنعام 38 ] قال ابن عباس يحشر كل شيء حتى الذباب رواه ابن أبي حاتم وكذا قال الربيع بن خثيم والسدي وغير واحد وكذا قال قتادة في تفسير هذه الآية إن هذه الخلائق [ موافية فيقضي الله فيها ما يشاء
وقال عكرمة حشرها : موتها
وقال ابن جرير حدثني علي بن مسلم الطوسي حدثنا عباد بن العوام أخبرنا حصين عن عكرمة عن ابن عباس في قوله ( وإذا الوحوش حشرت ) قال حشر البهائم : موتها وحشر كل شيء الموت غيره الجن والإنس فإنهما يوقفان يوم القيامة
حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سفيان عن أبيه عن أبي يعلى عن الربيع بن خثيم : ( وإذا الوحوش حشرت ) قال أتى عليها أمر الله قال سفيان قال أبي فذكرته لعكرمة فقال : قال ابن عباس حشرها : موتها
وقد تقدم عن أبي بن كعب أنه قال ( وإذا الوحوش حشرت ) اختلطت
قال ابن جرير والأولى قول من قال : ( حشرت ) جمعت قال الله تعالى ( والطير محشورة ) ص 19 أي : مجموعة
وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ ٥
وإذا الوحوش حشرت أي جمعت والحشر : الجمع . عن الحسن وقتادة وغيرهما . وقال ابن عباس : حشرها : موتها . رواه عنه عكرمة . وحشر كل شيء : الموت غير الجن والإنس ، فإنهما يوافيان يوم القيامة . وعن ابن عباس أيضا قال : يحشر كل شيء حتى الذباب . قال ابن عباس : تحشر الوحوش غدا : أي تجمع حتى يقتص لبعضها من بعض ، فيقتص للجماء من القرناء ، ثم يقال لها كوني ترابا فتموت . وهذا أصح مما رواه عنه عكرمة ، وقد بيناه في كتاب ( التذكرة ) مستوفى ، ومضى في سورة ( الأنعام ) بعضه . أي إن الوحوش إذا كانت هذه حالها فكيف ببني آدم . وقيل : عني بهذا أنها مع نفرتها اليوم من الناس وتنددها في الصحاري ، تنضم غدا إلى الناس من أهوال ذلك اليوم . قال معناه أبي بن كعب .
وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ ٥
{ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } أي: جمعت ليوم القيامة، ليقتص الله من بعضها لبعض، ويرى العباد كمال عدله، حتى إنه ليقتص من القرناء للجماء ثم يقول لها: كوني ترابا.
وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ ٦
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ ٦
وقوله ( وإذا البحار سجرت ) قال ابن جرير حدثنا يعقوب حدثنا ابن علية عن داود عن سعيد بن المسيب قال قال علي رضي الله عنه لرجل من اليهود أين جهنم قال البحر . فقال ما أراه إلا صادقا ) والبحر المسجور ) [ الطور : 6 وإذا البحار سجرت ( [ مخففة .
وقال ابن عباس وغير واحد يرسل الله عليها الدبور فتسعرها وتصير نارا تأجج وقد تقدم الكلام على ذلك عند قوله ( والبحر المسجور )
وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا أبو طاهر حدثني عبد الجبار بن سليمان أبو سليمان النفاط شيخ صالح يشبه مالك بن أنس عن معاوية بن سعيد قال إن هذا البحر بركة يعني بحر الروم وسط الأرض والأنهار كلها تصب فيه والبحر الكبير يصب فيه وأسفله آبار مطبقة بالنحاس فإذا كان يوم القيامة أسجر
وهذا أثر غريب عجيب وفي سنن أبي داود لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا " الحديث وقد تقدم الكلام عليه في سورة فاطر .
وقال مجاهد والحسن بن مسلم : ( سجرت ) أوقدت وقال الحسن يبست وقال الضحاك وقتادة غاض ماؤها فذهب ولم يبق فيها قطرة وقال الضحاك أيضا : ( سجرت ) فجرت وقال السدي فتحت وسيرت . وقال الربيع بن خثيم ( سجرت ) فاضت
وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ ٦
وإذا البحار سجرت أي ملئت من الماء ; والعرب تقول : سجرت الحوض أسجره سجرا : إذا ملأته ، وهو مسجور والمسجور والساجر في اللغة : الملآن . وروى الربيع بن خثيم : سجرت : فاضت وملئت . وقاله الكلبي ومقاتل والحسن والضحاك . قال ابن أبي زمنين : سجرت : حقيقته ملئت ، فيفيض بعضها إلى بعض فتصير شيئا واحدا . وهو معنى قول الحسن . وقيل : أرسل عذبها على مالحها ومالحها على عذبها ، حتى امتلأت . عن الضحاك ومجاهد : أي فجرت فصارت بحرا واحدا . القشيري : وذلك بأن يرفع الله الحاجز الذي ذكره في قوله تعالى : بينهما برزخ لا يبغيان ، فإذا رفع ذلك البرزخ تفجرت مياه البحار ، فعمت الأرض كلها ، وصارت البحار بحرا واحدا . وقيل : صارت بحرا واحدا من الحميم لأهل النار . وعن الحسن أيضا وقتادة وابن حيان : تيبس فلا يبقى من مائها قطرة . القشيري : وهو من سجرت التنور أسجره سجرا : إذا أحميته وإذا سلط عليه الإيقاد نشف ما فيه من الرطوبة وتسير الجبال حينئذ وتصير البحار والأرض كلها بساطا واحدا ، بأن يملأ مكان البحار بتراب الجبال . وقال النحاس : وقد تكون الأقوال متفقة ; يكون تيبس من الماء بعد أن يفيض بعضها إلى بعض ، فتقلب نارا .
قلت : ثم تسير الجبال حينئذ ، كما ذكر القشيري ، والله أعلم . وقال ابن زيد وشمر وعطية وسفيان ووهب وأبي وعلي بن أبي طالب وابن عباس في رواية الضحاك عنه : أوقدت فصارت نارا . قال ابن عباس : يكور الله الشمس والقمر والنجوم في البحر ، ثم يبعث الله عليها ريحا دبورا ، فتنفخه حتى يصير نارا . وكذا في بعض الحديث : " يأمر الله - جل ثناؤه - الشمس والقمر والنجوم فينتثرون في البحر ، ثم يبعث الله - جل ثناؤه - الدبور فيسجرها نارا ، فتلك نار الله الكبرى ، التي يعذب بها الكفار " .
قال القشيري : قيل في تفسير قول ابن عباس سجرت أوقدت ، يحتمل أن تكون جهنم في قعور من البحار ، فهي الآن غير مسجورة لقوام الدنيا ، فإذا انقضت الدنيا سجرت ، فصارت كلها نارا يدخلها الله أهلها . ويحتمل أن تكون تحت البحر نار ، ثم يوقد الله البحر كله فيصير نارا . وفي الخبر : البحر نار في نار . وقال معاوية بن سعيد : بحر الروم وسط الأرض ، أسفله آبار مطبقة بنحاس يسجر نارا يوم القيامة . وقيل : تكون الشمس في البحر ، فيكون البحر نارا بحر الشمس . ثم جميع ما في هذه الآيات يجوز أن يكون في الدنيا قبل يوم القيامة ويكون من أشراطها ، ويجوز أن يكون يوم القيامة ، وما بعد هذه الآيات فيكون في يوم القيامة .
قلت : روي عن عبد الله بن عمرو : لا يتوضأ بماء البحر لأنه طبق جهنم . وقال أبي بن كعب : ست آيات من قبل يوم القيامة : بينما الناس في أسواقهم ذهب ضوء الشمس وبدت النجوم فتحيروا ودهشوا ، فبينما هم كذلك ينظرون إذ تناثرت النجوم وتساقطت ، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض ، فتحركت واضطربت واحترقت ، فصارت هباء منثورا ، ففزعت الإنس إلى الجن والجن إلى الإنس ، واختلطت الدواب والوحوش والهوام والطير ، وماج بعضها في بعض ; فذلك قوله تعالى : وإذا الوحوش حشرت ثم قالت الجن للإنس : نحن نأتيكم بالخبر ، فانطلقوا إلى البحار فإذا هي نار تأجج ، فبينما هم كذلك تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى ، وإلى السماء السابعة العليا ، فبينما هم كذلك إذ جاءتهم ريح فأماتتهم . وقيل : معنى سجرت : هو حمرة مائها ، حتى تصير كالدم ; مأخوذ من قولهم : عين سجراء : أي حمراء . وقرأ ابن كثير سجرت وأبو عمرو أيضا ، إخبارا عن حالها مرة واحدة . وقرأ الباقون بالتشديد إخبارا عن حالها في تكرير ذلك منها مرة بعد أخرى .
وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ ٦
{ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ } أي: أوقدت فصارت -على عظمها- نارا تتوقد.
وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ ٧
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ ٧
وقوله ( وإذا النفوس زوجت ) أي جمع كل شكل إلى نظيره كقوله ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ) الصافات : 22
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن الصباح البزار حدثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك عن النعمان بن بشير أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وإذا النفوس زوجت ) قال : الضرباء كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون عمله وذلك بأن الله عز وجل يقول ( وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون ) الواقعة 7 10 ] قال هم الضرباء .
ثم رواه ابن أبي حاتم من طرق أخر عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير أن عمر خطب الناس فقرأ ( وإذا النفوس زوجت ) فقال : تزوجها أن تؤلف كل شيعة إلى شيعتهم وفي رواية هما الرجلان يعملان العمل فيدخلان به الجنة أو النار .
وفي رواية عن النعمان قال سئل عمر عن قوله تعالى ( وإذا النفوس زوجت ) فقال يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح ويقرن بين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار فذلك تزويج الأنفس
وفي رواية عن النعمان أن عمر قال للناس ما تقولون في تفسير هذه الآية ( وإذا النفوس زوجت ) ؟ فسكتوا . قال ولكن هو الرجل يزوج نظيره من أهل الجنة والرجل يزوج نظيره من أهل النار ثم قرأ ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم )
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله ( وإذا النفوس زوجت ) قال ذلك حين يكون الناس أزواجا ثلاثة
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد ( وإذا النفوس زوجت ) قال الأمثال من الناس جمع بينهم وكذا قال الربيع بن خثيم والحسن وقتادة واختاره ابن جرير وهو الصحيح
قول آخر في قوله ( وإذا النفوس زوجت ) قال ابن أبي حاتم
حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا أحمد بن عبد الرحمن حدثني أبي عن أبيه عن أشعث بن سوار ] عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال يسيل واد من أصل العرش من ماء فيما بين الصيحتين ومقدار ما بينهما أربعون عاما فينبت منه كل خلق بلي من الإنسان أو طير أو دابة ولو مر عليهم مار قد عرفهم قبل ذلك لعرفهم على الأرض قد نبتوا ثم ترسل الأرواح فتزوج الأجساد فذلك قول الله تعالى : ( وإذا النفوس زوجت )
وكذا قال أبو العالية وعكرمة وسعيد بن جبير والشعبي والحسن البصري أيضا في قوله ( وإذا النفوس زوجت ) أي زوجت بالأبدان . وقيل زوج المؤمنون بالحور العين وزوج الكافرون بالشياطين حكاه القرطبي في " التذكرة .
وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ ٧
قوله تعالى : وإذا النفوس زوجت قال النعمان بن بشير : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا النفوس زوجت قال : " يقرن كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون كعمله " . وقال عمر بن الخطاب : يقرن الفاجر مع الفاجر ، ويقرن الصالح مع الصالح . وقال ابن عباس : ذلك حين يكون الناس أزواجا ثلاثة ، السابقون زوج - يعني صنفا - وأصحاب اليمين زوج ، وأصحاب الشمال زوج . وعنه أيضا قال : زوجت نفوس المؤمنين بالحور العين ، وقرن الكافر بالشياطين ، وكذلك المنافقون وعنه أيضا : قرن كل شكل بشكله من أهل الجنة وأهل النار ، فيضم المبرز في الطاعة إلى مثله ، والمتوسط إلى مثله ، وأهل المعصية إلى مثله ; فالتزويج أن يقرن الشيء بمثله ; والمعنى : وإذا النفوس قرنت إلى أشكالها في الجنة والنار . وقيل : يضم كل رجل إلى من كان يلزمه من ملك وسلطان ، كما قال تعالى : احشروا الذين ظلموا وأزواجهم . وقال عبد الرحمن بن زيد : جعلوا أزواجا على أشباه أعمالهم ليس بتزويج ، أصحاب اليمين زوج ، وأصحاب الشمال زوج ، والسابقون زوج ; وقد قال جل ثناؤه : احشروا الذين ظلموا وأزواجهم أي أشكالهم . وقال عكرمة : وإذا النفوس زوجت قرنت الأرواح بالأجساد ; أي ردت إليها . وقال الحسن : ألحق كل امرئ بشيعته : اليهود باليهود ، والنصارى بالنصارى ، والمجوس بالمجوس ، وكل من كان يعبد شيئا من دون الله يلحق بعضهم ببعض ، والمنافقون بالمنافقين ، والمؤمنون بالمؤمنين . وقيل : يقرن الغاوي بمن أغواه من شيطان أو إنسان ، على جهة البغض والعداوة ، ويقرن المطيع بمن دعاه إلى الطاعة من الأنبياء والمؤمنين . وقيل : قرنت النفوس بأعمالها ، فصارت لاختصاصها به كالتزويج .
وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ ٧
{ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } أي: قرن كل صاحب عمل مع نظيره، فجمع الأبرار مع الأبرار، والفجار مع الفجار، وزوج المؤمنون بالحور العين، والكافرون بالشياطين، وهذا كقوله تعالى: { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا } { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا } { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ } .
وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ ٨
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ ٨
وقوله ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ) هكذا قراءة الجمهور : ( سئلت ) والموءودة هي التي كان أهل الجاهلية يدسونها في التراب كراهية البنات فيوم القيامة تسأل الموءودة على أي ذنب قتلت ليكون ذلك تهديدا لقاتلها فإذا سئل المظلوم فما ظن الظالم إذا
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( وإذا الموءودة سئلت ) أي سألت وكذا قال أبو الضحى سألت " أي طالبت بدمها وعن السدي وقتادة مثله .
وقد وردت أحاديث تتعلق بالموءودة فقال الإمام أحمد
حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني أبو الأسود وهو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل - عن عروة عن عائشة عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة قالت حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس وهو يقول " لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم ولا يضر أولادهم ذلك شيئا ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ذلك الوأد الخفي وهو الموءودة سئلت
ورواه مسلم من حديث أبي عبد الرحمن المقرئ وهو عبد الله بن يزيد عن سعيد بن أبي أيوب ورواه أيضا ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن إسحاق السيلحيني عن يحيى بن أيوب ورواه مسلم أيضا وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث مالك بن أنس ثلاثتهم عن أبي الأسود به .
وقال الإمام أحمد حدثنا ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن سلمة بن يزيد الجعفي قال انطلقت أنا وأخي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله إن أمنا مليكة كانت تصل الرحم وتقري الضيف وتفعل [ وتفعل هلكت في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئا قال لا " قلنا فإنها كانت وأدت أختا لنا في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئا قال الوائدة والموءودة في النار إلا أن يدرك الوائدة الإسلام فيعفو الله عنها
ورواه النسائي من حديث داود بن أبي هند به .
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان الواسطي حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن علقمة وأبي الأحوص عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوائدة والموءودة في النار "
وقال أحمد أيضا : حدثنا إسحاق الأزرق أخبرنا عوف حدثتني حسناء ابنة معاوية الصريمية عن عمها قال قلت يا رسول الله من في الجنة ؟ قال النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والموءودة في الجنة "
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا قرة قال سمعت الحسن يقول : قيل يا رسول الله من في الجنة قال الموءودة في الجنة
هذا حديث مرسل من مراسيل الحسن ومنهم من قبله
وقال ابن أبي حاتم حدثني أبو عبد الله الظهراني حدثنا حفص بن عمر العدني حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قال : قال ابن عباس أطفال المشركين في الجنة فمن زعم أنهم في النار فقد كذب يقول الله عز وجل ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ) قال ابن عباس هي المدفونة
وقال عبد الرزاق أخبرنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب في قوله ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ) ، قال جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني وأدت بنات لي في الجاهلية فقال أعتق عن كل واحدة منهن رقبة قال يا رسول الله إني صاحب إبل ؟ قال فانحر عن كل واحدة منهن بدنة
قال الحافظ أبو بكر البزار خولف فيه عبد الرزاق ولم نكتبه إلا عن الحسين بن مهدي عنه .
وقد رواه ابن أبي حاتم فقال : أخبرنا أبو عبد الله الظهراني فيما كتب إلي قال حدثنا عبد الرزاق فذكره بإسناده مثله إلا أنه قال وأدت ثمان بنات لي في الجاهلية وقال في آخره فأهد إن شئت عن كل واحدة بدنة ثم قال
حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا قيس بن الربيع عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين قال : قدم قيس بن عاصم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني وأدت اثنتي عشرة ابنة لي في الجاهلية أو ثلاث عشرة قال " أعتق عددهن نسما قال فأعتق عددهن نسما فلما كان في العام المقبل جاء بمائة ناقة فقال يا رسول الله هذه صدقة قومي على أثر ما صنعت بالمسلمين قال علي بن أبي طالب فكنا نريحها ونسميها القيسية .
وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ ٨
قوله تعالى : وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت الموؤدة المقتولة ; وهي الجارية تدفن وهي حية ، سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب ، فيؤودها أي يثقلها حتى تموت ; ومنه قوله تعالى : ولا يئوده حفظهما أي لا يثقله ; وقال متمم بن نويرة :
وموؤودة مقبورة في مفازة بآمتها موسودة لم تمهد
وكانوا يدفنون بناتهم أحياء لخصلتين : إحداهما كانوا يقولون إن الملائكة بنات الله ، فألحقوا البنات به . الثانية إما مخافة الحاجة والإملاق ، وإما خوفا من السبي والاسترقاق . وقد مضى في سورة ( النحل ) هذا المعنى ، عند قوله تعالى : أم يدسه في التراب مستوفى . وقد كان ذوو الشرف منهم يمتنعون من هذا ، ويمنعون منه ، حتى افتخر به الفرزدق ، فقال :
ومنا الذي منع الوائدات فأحيا الوئيد فلم يوأد
يعني جده صعصعة كان يشتريهن من آبائهن . فجاء الإسلام وقد أحيا سبعين موؤودة . وقال ابن عباس : كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت حفرت حفرة ، وتمخضت على رأسها ، فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة ، وردت التراب عليها ، وإن ولدت غلاما حبسته ، ومنه قول الراجز :
سميتها إذ ولدت تموت والقبر صهر ضامن زميت
الزميت الوقور ، والزميت مثال الفسيق أوقر من الزميت ، وفلان أزمت الناس أي أوقرهم ، وما أشد تزمته ; عن الفراء . وقال قتادة : كانت الجاهلية يقتل أحدهم ابنته ، ويغذو كلبه ، فعاتبهم الله على ذلك ، وتوعدهم بقوله : وإذا الموؤدة سئلت قال عمر في قوله تعالى : وإذا الموؤدة سئلت قال : جاء قيس بن عاصم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ! إني وأدت ثماني بنات كن لي في الجاهلية ، قال : " فأعتق عن كل واحدة منهن رقبة " قال : يا رسول الله إني صاحب إبل ، قال : " فأهد عن كل واحدة منهن بدنة إن شئت " .
وقوله تعالى : سئلت سؤال الموؤودة سؤال توبيخ لقاتلها ، كما يقال للطفل إذا ضرب : لم ضربت ؟ وما ذنبك ؟ قال الحسن : أراد الله أن يوبخ قاتلها ; لأنها قتلت بغير ذنب . وقال ابن أسلم : بأي ذنب ضربت ، وكانوا يضربونها . وذكر بعض أهل العلم في قوله تعالى : سئلت قال : طلبت ; كأنه يريد كما يطلب بدم القتيل . قال : وهو كقوله : وكان عهد الله مسئولا أي مطلوبا . فكأنها طلبت منهم ، فقيل أين أولادكم ؟ وقرأ الضحاك وأبو الضحى عن جابر بن زيد وأبي صالح ( وإذا الموؤدة سئلت ) فتتعلق الجارية بأبيها ، فتقول : بأي ذنب قتلتني ؟ ! فلا يكون له عذر ; قاله ابن عباس وكان يقرأ ( وإذا الموؤدة سألت ) وكذلك هو في مصحف أبي .
وروى عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن المرأة التي تقتل ولدها تأتي يوم القيامة متعلقا ولدها بثدييها ، ملطخا بدمائه ، فيقول يا رب ، هذه أمي ، وهذه قتلتني " . والقول الأول عليه الجمهور ، وهو مثل قوله تعالى لعيسى : أأنت قلت للناس ، على جهة التوبيخ والتبكيت لهم ، فكذلك سؤال الموؤودة توبيخ لوائدها ، وهو أبلغ من سؤالها عن قتلها ; لأن هذا مما لا يصح إلا بذنب ، فبأي ذنب كان ذلك ، فإذا ظهر أنه لا ذنب لها ، كان أعظم في البلية وظهور الحجة على قاتلها . والله أعلم . وقرئ ( قتلت ) بالتشديد ، وفيه دليل بين على أن أطفال المشركين لا يعذبون ، وعلى أن التعذيب لا يستحق إلا بذنب .
وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ ٨
{ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } وهو الذي كانت الجاهلية الجهلاء تفعله من دفن البنات وهن أحياء من غير سبب، إلا خشية الفقر.
بِأَيِّ ذَنۢبٖ قُتِلَتۡ ٩
نسخ
مشاركة
التفسير
بِأَيِّ ذَنۢبٖ قُتِلَتۡ ٩
فيوم القيامة تسئل الموءودة على أي ذنب قتلت ليكون ذلك تهديدا لقاتلها فإنه إذا سئل المظلوم فما ظن الظالم إذا ؟.
بِأَيِّ ذَنۢبٖ قُتِلَتۡ ٩
وقوله تعالى : سئلت سؤال الموؤودة سؤال توبيخ لقاتلها ، كما يقال للطفل إذا ضرب : لم ضربت ؟ وما ذنبك ؟ قال الحسن : أراد الله أن يوبخ قاتلها ; لأنها قتلت بغير ذنب . وقال ابن أسلم : بأي ذنب ضربت ، وكانوا يضربونها . وذكر بعض أهل العلم في قوله تعالى : سئلت قال : طلبت ; كأنه يريد كما يطلب بدم القتيل . قال : وهو كقوله : وكان عهد الله مسئولا أي مطلوبا . فكأنها طلبت منهم ، فقيل أين أولادكم ؟ وقرأ الضحاك وأبو الضحى عن جابر بن زيد وأبي صالح ( وإذا الموؤدة سئلت ) فتتعلق الجارية بأبيها ، فتقول : بأي ذنب قتلتني ؟ ! فلا يكون له عذر ; قاله ابن عباس وكان يقرأ ( وإذا الموؤدة سألت ) وكذلك هو في مصحف أبي .
وروى عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن المرأة التي تقتل ولدها تأتي يوم القيامة متعلقا ولدها بثدييها ، ملطخا بدمائه ، فيقول يا رب ، هذه أمي ، وهذه قتلتني " . والقول الأول عليه الجمهور ، وهو مثل قوله تعالى لعيسى : أأنت قلت للناس ، على جهة التوبيخ والتبكيت لهم ، فكذلك سؤال الموؤودة توبيخ لوائدها ، وهو أبلغ من سؤالها عن قتلها ; لأن هذا مما لا يصح إلا بذنب ، فبأي ذنب كان ذلك ، فإذا ظهر أنه لا ذنب لها ، كان أعظم في البلية وظهور الحجة على قاتلها . والله أعلم . وقرئ ( قتلت ) بالتشديد ، وفيه دليل بين على أن أطفال المشركين لا يعذبون ، وعلى أن التعذيب لا يستحق إلا بذنب .
بِأَيِّ ذَنۢبٖ قُتِلَتۡ ٩
فتسأل: { بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } ومن المعلوم أنها ليس لها ذنب، ففي هذا توبيخ وتقريع لقاتليها .
وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتۡ ٠١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتۡ ٠١
قال الضحاك أعطي كل إنسان صحيفته بيمينه أو بشماله وقال قتادة يا ابن آدم تملي فيها ثم تطوى ثم تنشر عليك يوم القيامة فلينظر رجل ماذا يملي في صحيفته.
وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتۡ ٠١
قوله تعالى : وإذا الصحف نشرت أي فتحت بعد أن كانت مطوية ، والمراد صحف الأعمال التي كتبت الملائكة فيها ما فعل أهلها من خير وشر ، تطوى بالموت ، وتنشر في يوم القيامة ، فيقف كل إنسان على صحيفته ، فيعلم ما فيها ، فيقول : مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها . وروى مرثد بن وداعة قال : إذا كان يوم القيامة تطايرت الصحف من تحت العرش ، فتقع صحيفة المؤمن في يده في جنة عالية إلى قوله : الأيام الخالية وتقع صحيفة الكافر في يده في سموم وحميم إلى قوله ولا كريم . وروي عن أم سلمة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة ، فقلت : يا رسول الله فكيف بالنساء ؟ قال : شغل الناس يا أم سلمة . قلت : وما شغلهم ؟ قال : نشر الصحف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل . وقد مضى في سورة ( سبحان ) قول أبي الثوار العدوي : هما نشرتان وطية ، أما ما حييت يابن آدم فصحيفتك المنشورة فأمل فيها ما شئت ، فإذا مت طويت ، حتى إذا بعثت نشرت اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا . وقال مقاتل : إذا مات المرء طويت صحيفة عمله ، فإذا كان يوم القيامة نشرت . وعن عمر - رضي الله عنه - أنه كان إذا قرأها قال : إليك يساق الأمر يا ابن آدم . وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وأبو عمرو ( نشرت ) مخففة ، على نشرت مرة واحدة ، لقيام الحجة . الباقون بالتشديد ، على تكرار النشر ، للمبالغة في تقريع العاصي ، وتبشير المطيع . وقيل : لتكرار ذلك من الإنسان والملائكة الشهداء عليه .
وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتۡ ٠١
{ وَإِذَا الصُّحُفُ } المشتملة على ما عمله العاملون من خير وشر { نُشِرَتْ } وفرقت على أهلها، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله، أو من وراء ظهره.
وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتۡ ١١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتۡ ١١
قال مجاهد: اجتذبت
وقال: السدي كشفت
وقال الضحاك : تنكشط فتذهب.
وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتۡ ١١
قوله تعالى : وإذا السماء كشطت الكشط : قلع عن شدة التزاق ; فالسماء تكشط كما يكشط الجلد عن الكبش وغيره والقشط : لغة فيه . وفي قراءة عبد الله وإذا السماء قشطت وكشطت البعير كشطا : نزعت جلده ولا يقال سلخته ; لأن العرب لا تقول في البعير إلا كشطته أو جلدته ، وانكشط : أي ذهب ; فالسماء تنزع من مكانها كما ينزع الغطاء عن الشيء . وقيل : تطوى كما قال تعالى : يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب فكأن المعنى : قلعت فطويت . والله أعلم .
وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتۡ ١١
{ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ } أي: أزيلت، كما قال تعالى: { يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ } { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } { وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ }
وَإِذَا ٱلۡجَحِيمُ سُعِّرَتۡ ٢١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِذَا ٱلۡجَحِيمُ سُعِّرَتۡ ٢١
قال السدي: أحميت، وقال قتادة: أوقدت قال وإنما يسعرها غضب الله وخطايا بني آدم.
وَإِذَا ٱلۡجَحِيمُ سُعِّرَتۡ ٢١
قوله تعالى : وإذا الجحيم سعرت أي أوقدت فأضرمت للكفار وزيد في إحمائها . يقال : سعرت النار وأسعرتها . وقراءة العامة بالتخفيف من السعير . وقرأ نافع وابن ذكوان ورويس بالتشديد لأنها أوقدت مرة بعد مرة . قال قتادة : سعرها غضب الله وخطايا بني آدم . وفي الترمذي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة وروي موقوفا .
وَإِذَا ٱلۡجَحِيمُ سُعِّرَتۡ ٢١
{ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ } أي: أوقد عليها فاستعرت، والتهبت التهابا لم يكن لها قبل ذلك
وَإِذَا ٱلۡجَنَّةُ أُزۡلِفَتۡ ٣١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِذَا ٱلۡجَنَّةُ أُزۡلِفَتۡ ٣١
قال الضحاك وأبو مالك وقتادة والربيع بن خيثم أي قربت إلى أهلها.
وَإِذَا ٱلۡجَنَّةُ أُزۡلِفَتۡ ٣١
قوله تعالى : وإذا الجنة أزلفت أي دنت وقربت من المتقين . قال الحسن : إنهم يقربون منها ; لا أنها تزول عن موضعها . وكان عبد الرحمن بن زيد يقول : زينت : أزلفت ؟ والزلفى في كلام العرب : القربة قال الله تعالى : وأزلفت الجنة للمتقين ، وتزلف فلان تقرب .
وَإِذَا ٱلۡجَنَّةُ أُزۡلِفَتۡ ٣١
{ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } أي: قربت للمتقين
عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ ٤١
نسخ
مشاركة
التفسير
عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ ٤١
وقوله ( علمت نفس ما أحضرت ) هذا هو الجواب ، أي إذا وقعت هذه الأمور حينئذ تعلم كل نفس ما عملت وأحضر ذلك لها كما قال تعالى ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) آل عمران 30 وقال تعالى ( ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ) القيامة : 13
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبدة حدثنا ابن المبارك أخبرنا محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن أبيه قال لما نزلت ( إذا الشمس كورت ) قال عمر لما بلغ ( علمت نفس ما أحضرت ) قال لهذا أجرى الحديث
عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ ٤١
قوله تعالى : علمت نفس ما أحضرت يعني ما عملت من خير وشر . وهذا جواب إذا الشمس كورت وما بعدها . قال عمر - رضي الله عنه - لهذا أجري الحديث . وروي عن ابن عباس وعمر - رضي الله عنهما - أنهما قرآها ، فلما بلغا علمت نفس ما أحضرت قالا لهذا أجريت القصة ; فالمعنى على هذا إذا الشمس كورت وكانت هذه الأشياء ، علمت نفس ما أحضرت من عملها .
وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله ما بينه وبينه ترجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدمه [ وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ] بين يديه ، فتستقبله النار ، فمن استطاع منكم أن : يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل وقال الحسن : إذا الشمس كورت وقع على قوله : علمت نفس ما أحضرت كما يقال : إذا نفر زيد نفر عمرو . والقول الأول أصح . وقال ابن زيد عن ابن عباس في قوله تعالى : إذا الشمس كورت إلى قوله : وإذا الجنة أزلفت اثنتا عشرة خصلة : ستة في الدنيا ، وستة في الآخرة ; وقد بينا الستة الأولى بقول أبي بن كعب .
عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ ٤١
{ عَلِمَتْ نَفْسٌ } أي: كل نفس، لإتيانها في سياق الشرط.
{ مَا أَحْضَرَتْ } أي: ما حضر لديها من الأعمال [التي قدمتها] كما قال تعالى: { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا } وهذه الأوصاف التي وصف الله بها يوم القيامة، من الأوصاف التي تنزعج لها القلوب، وتشتد من أجلها الكروب، وترتعد الفرائص وتعم المخاوف، وتحث أولي الألباب للاستعداد لذلك اليوم، وتزجرهم عن كل ما يوجب اللوم، ولهذا قال بعض السلف: من أراد أن ينظر ليوم القيامة كأنه رأي عين، فليتدبر سورة { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ }
فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلۡخُنَّسِ ٥١
نسخ
مشاركة
التفسير
فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلۡخُنَّسِ ٥١
روى مسلم في صحيحه ، والنسائي في تفسيره عند هذه الآية من حديث مسعر بن كدام عن الوليد بن سريع عن عمرو بن حريث قال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فسمعته يقرأ ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ) .
ورواه النسائي عن بندار عن غندر عن شعبة عن الحجاج بن عاصم عن أبي الأسود عن عمرو بن حريث به نحوه .
قال ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق الثوري عن أبي إسحاق عن رجل من مراد عن علي ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس ) قال هي النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل
وقال ابن جرير حدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن سماك بن حرب سمعت خالد بن عرعرة سمعت عليا وسئل عن ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس ) فقال هي النجوم تخنس بالنهار وتكنس بالليل .
وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن خالد عن علي قال هي النجوم
وهذا إسناد جيد صحيح إلى خالد بن عرعرة وهو السهمي الكوفي قال أبو حاتم الرازي روى عن علي وروى عنه سماك والقاسم بن عوف الشيباني ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا والله أعلم
وروى يونس عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي أنها النجوم . رواه ابن أبي حاتم وكذا روي عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة والسدي وغيرهم أنها النجوم
وقال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار حدثنا هوذة بن خليفة حدثنا عوف عن بكر بن عبد الله في قوله ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس ) قال هي النجوم الدراري التي تجري تستقبل المشرق .
وقال بعض الأئمة إنما قيل للنجوم الخنس " أي في حال طلوعها ثم هي جوار في فلكها وفي حال غيبوبتها يقال لها كنس من قول العرب أوى الظبي إلى كناسة إذا تغيب فيه
وقال الأعمش عن إبراهيم قال : قال عبد الله ( فلا أقسم بالخنس ) قال بقر الوحش وكذا قال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عن عبد الله ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس ) ما هي يا عمرو قلت البقر . قال وأنا أرى ذلك
وكذا روى يونس عن أبي إسحاق عن أبي
ه
وقال أبو داود الطيالسي عن عمرو عن أبيه ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( الجواري الكنس ) قال البقر [ الوحش تكنس إلى الظل وكذا قال سعيد بن جبير
وقال العوفي عن ابن عباس هي الظباء وكذا قال سعيد أيضا ومجاهد والضحاك
وقال أبو الشعثاء جابر بن زيد هي الظباء والبقر
وقال ابن جرير حدثنا يعقوب حدثنا هشيم أخبرنا مغيرة عن إبراهيم ومجاهد أنهما تذاكرا هذه الآية ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس ) فقال إبراهيم لمجاهد قل فيها بما سمعت قال فقال مجاهد كنا نسمع فيها شيئا وناس يقولون إنها النجوم قال فقال إبراهيم قل فيها بما سمعت قال فقال مجاهد كنا نسمع أنها بقر الوحش حين تكنس في حجرتها قال فقال إبراهيم إنهم يكذبون على علي ، هذا كما رووا عن علي أنه ضمن الأسفل الأعلى والأعلى الأسفل
وتوقف ابن جرير في قوله ( الخنس الجواري الكنس ) هل هو النجوم أو الظباء وبقر الوحش ؟ قال ويحتمل أن يكون الجميع مرادا
فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلۡخُنَّسِ ٥١
قوله تعالى : فلا أقسم أي أقسم ، و ( لا ) زائدة ، كما تقدم . بالخنس الجواري الكنس هي الكواكب الخمسة الدراري : زحل والمشتري وعطارد والمريخ والزهرة ، فيما ذكر أهل التفسير . والله أعلم . وهو مروي عن علي كرم الله وجهه . وفي تخصيصها بالذكر من بين سائر النجوم وجهان : أحدهما : لأنها تستقبل الشمس ; قاله بكر بن عبد الله المزني . الثاني : لأنها تقطع المجرة ; قاله ابن عباس . وقال الحسن وقتادة : هي النجوم التي تخنس بالنهار وإذا غربت ، وقاله علي - رضي الله عنه - ، قال : هي النجوم تخنس بالنهار ، وتظهر بالليل ; وتكنس في وقت غروبها ; أي تتأخر عن البصر لخفائها ، فلا ترى . وفي الصحاح : و ( الخنس ) : الكواكب كلها . لأنها تخنس في المغيب ، أو لأنها تخنس نهارا . ويقال : هي الكواكب السيارة منها دون الثابتة . وقال الفراء في قوله تعالى : فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس : إنها النجوم الخمسة ; زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد ; لأنها تخنس في مجراها ، وتكنس ، أي تستتر كما تكنس الظباء في المغار ، وهو الكناس . ويقال : سميت خنسا لتأخرها ، لأنها الكواكب المتحيرة التي ترجع وتستقيم ، يقال : خنس عنه يخنس بالضم خنوسا : تأخر ، وأخنسه غيره : إذا خلفه ومضى عنه . والخنس تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة ، والرجل أخنس ، والمرأة خنساء ، والبقر كلها خنس . وقد روي عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى : فلا أقسم بالخنس هي بقر الوحش . روى هشيم عن زكريا عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال : قال لي عبد الله بن مسعود : إنكم قوم عرب فما الخنس ؟ قلت : هي بقر الوحش ; قال : وأنا أرى ذلك . وقال إبراهيم وجابر بن عبد الله . وروي عن ابن عباس : إنما أقسم الله ببقر الوحش . وروى عنه عكرمة قال : الخنس : البقر و ( الكنس ) : هي الظباء ، فهي خنس إذا رأين الإنسان خنسن وانقبضن وتأخرن ودخلن كناسهن . القشيري : وقيل على هذا الخنس من الخنس في الأنف ، وهو تأخر الأرنبة وقصر القصبة ، وأنوف البقر والظباء خنس . والأصح الحمل على النجوم ، لذكر الليل والصبح بعد هذا ، فذكر النجوم أليق بذلك .
قلت : لله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته من حيوان وجماد ، وإن لم يعلم وجه الحكمة في ذلك . وقد جاء عن ابن مسعود وجابر بن عبد الله وهما صحابيان والنخعي أنها بقر الوحش .
فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلۡخُنَّسِ ٥١
أقسم تعالى { بِالْخُنَّسِ } وهي الكواكب التي تخنس أي: تتأخر عن سير الكواكب المعتاد إلى جهة المشرق، وهي النجوم السبعة السيارة: " الشمس "، و " القمر "، و " الزهرة "، و " المشترى "، و " المريخ "، و " زحل "، و " عطارد "، فهذه السبعة لها سيران: سير إلى جهة المغرب مع باقي الكواكب والأفلاك ، وسير معاكس لهذا من جهة المشرق تختص به هذه السبعة دون غيرها.
ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ ٦١
نسخ
مشاركة
التفسير
ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ ٦١
روى مسلم في صحيحه ، والنسائي في تفسيره عند هذه الآية من حديث مسعر بن كدام عن الوليد بن سريع عن عمرو بن حريث قال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فسمعته يقرأ ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ) .
ورواه النسائي عن بندار عن غندر عن شعبة عن الحجاج بن عاصم عن أبي الأسود عن عمرو بن حريث به نحوه .
قال ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق الثوري عن أبي إسحاق عن رجل من مراد عن علي ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس ) قال هي النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل
وقال ابن جرير حدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن سماك بن حرب سمعت خالد بن عرعرة سمعت عليا وسئل عن ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس ) فقال هي النجوم تخنس بالنهار وتكنس بالليل .
وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن خالد عن علي قال هي النجوم
وهذا إسناد جيد صحيح إلى خالد بن عرعرة وهو السهمي الكوفي قال أبو حاتم الرازي روى عن علي وروى عنه سماك والقاسم بن عوف الشيباني ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا والله أعلم
وروى يونس عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي أنها النجوم . رواه ابن أبي حاتم وكذا روي عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة والسدي وغيرهم أنها النجوم
وقال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار حدثنا هوذة بن خليفة حدثنا عوف عن بكر بن عبد الله في قوله ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس ) قال هي النجوم الدراري التي تجري تستقبل المشرق .
وقال بعض الأئمة إنما قيل للنجوم الخنس " أي في حال طلوعها ثم هي جوار في فلكها وفي حال غيبوبتها يقال لها كنس من قول العرب أوى الظبي إلى كناسة إذا تغيب فيه
وقال الأعمش عن إبراهيم قال : قال عبد الله ( فلا أقسم بالخنس ) قال بقر الوحش وكذا قال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عن عبد الله ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس ) ما هي يا عمرو قلت البقر . قال وأنا أرى ذلك
وكذا روى يونس عن أبي إسحاق عن أبي
ه
وقال أبو داود الطيالسي عن عمرو عن أبيه ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( الجواري الكنس ) قال البقر [ الوحش تكنس إلى الظل وكذا قال سعيد بن جبير
وقال العوفي عن ابن عباس هي الظباء وكذا قال سعيد أيضا ومجاهد والضحاك
وقال أبو الشعثاء جابر بن زيد هي الظباء والبقر
وقال ابن جرير حدثنا يعقوب حدثنا هشيم أخبرنا مغيرة عن إبراهيم ومجاهد أنهما تذاكرا هذه الآية ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس ) فقال إبراهيم لمجاهد قل فيها بما سمعت قال فقال مجاهد كنا نسمع فيها شيئا وناس يقولون إنها النجوم قال فقال إبراهيم قل فيها بما سمعت قال فقال مجاهد كنا نسمع أنها بقر الوحش حين تكنس في حجرتها قال فقال إبراهيم إنهم يكذبون على علي ، هذا كما رووا عن علي أنه ضمن الأسفل الأعلى والأعلى الأسفل
وتوقف ابن جرير في قوله ( الخنس الجواري الكنس ) هل هو النجوم أو الظباء وبقر الوحش ؟ قال ويحتمل أن يكون الجميع مرادا
ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ ٦١
الجواري الكنس : إنها النجوم الخمسة ; زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد ; لأنها تخنس في مجراها ، وتكنس ، أي تستتر كما تكنس الظباء في المغار ، وهو الكناس . ويقال : سميت خنسا لتأخرها ، لأنها الكواكب المتحيرة التي ترجع وتستقيم ، يقال : خنس عنه يخنس بالضم خنوسا : تأخر ، وأخنسه غيره : إذا خلفه ومضى عنه . والخنس تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة ، والرجل أخنس ، والمرأة خنساء ، والبقر كلها خنس . وقد روي عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى : فلا أقسم بالخنس هي بقر الوحش . روى هشيم عن زكريا عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال : قال لي عبد الله بن مسعود : إنكم قوم عرب فما الخنس ؟ قلت : هي بقر الوحش ; قال : وأنا أرى ذلك . وقال إبراهيم وجابر بن عبد الله . وروي عن ابن عباس : إنما أقسم الله ببقر الوحش . وروى عنه عكرمة قال : الخنس : البقر و ( الكنس ) : هي الظباء ، فهي خنس إذا رأين الإنسان خنسن وانقبضن وتأخرن ودخلن كناسهن . القشيري : وقيل على هذا الخنس من الخنس في الأنف ، وهو تأخر الأرنبة وقصر القصبة ، وأنوف البقر والظباء خنس . والأصح الحمل على النجوم ، لذكر الليل والصبح بعد هذا ، فذكر النجوم أليق بذلك .
قلت : لله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته من حيوان وجماد ، وإن لم يعلم وجه الحكمة في ذلك . وقد جاء عن ابن مسعود وجابر بن عبد الله وهما صحابيان والنخعي أنها بقر الوحش .وعن ابن عباس وسعيد بن جبير أنها الظباء . وعن الحجاج بن منذر قال : سألت جابر بن زيد عن الجواري الكنس ، فقال : الظباء والبقر ، فلا يبعد أن يكون المراد النجوم . وقد قيل : إنها الملائكة ; حكاه الماوردي .
والكنس الغيب ; مأخوذة من الكناس ، وهو كناس الوحش الذي يختفي فيه . قال أوس بن حجر :
ألم تر أن الله أنزل مزنه وعفر الظباء في الكناس تقمع
وقال طرفة :
كأن كناسي ضالة يكنفانها وأطر قسي تحت صلب مؤيد
وقيل : الكنوس أن تأوي إلى مكانسها ، وهي المواضع التي تأوي إليها الوحوش والظباء . قال الأعشى في ذلك :
فلما أتينا الحي أتلع أنس كما أتلعت تحت المكانس ربرب
يقال : تلع . النهار ارتفع وأتلعت الظبية من كناسها : أي سمت بجيدها . وقال امرؤ القيس :
تعشى قليلا ثم أنحى ظلوفه ويثير التراب عن مبيت ومكنس
والكنس : جمع كانس وكانسة ، وكذا الخنس جمع خانس وخانسة . والجواري : جمع جارية من جرى يجري .
ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ ٦١
فأقسم الله بها في حال خنوسها أي: تأخرها، وفي حال جريانها، وفي حال كنوسها أي: استتارها بالنهار، ويحتمل أن المراد بها جميع النجوم الكواكب السيارة وغيرها.
وَٱلَّيۡلِ إِذَا عَسۡعَسَ ٧١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَٱلَّيۡلِ إِذَا عَسۡعَسَ ٧١
وقوله ( والليل إذا عسعس ) فيه قولان
أحدهما إقباله بظلامه قال مجاهد أظلم . وقال سعيد بن جبير إذا نشأ وقال الحسن البصري إذا غشى الناس وكذا قال عطية العوفي
وقال علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس ( إذا عسعس ) إذا أدبر وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك وكذا قال زيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن ( إذا عسعس ) أي إذا ذهب فتولى
وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري سمع أبا عبد الرحمن السلمي قال خرج علينا علي رضي الله عنه حين ثوب المثوب بصلاة الصبح فقال أين السائلون عن الوتر ( والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ) ؟ هذا حين أدبر حسن
وقد اختار ابن جرير أن المراد بقوله ( إذا عسعس ) إذا أدبر قال لقوله ( والصبح إذا تنفس ) أي : أضاء واستشهد بقول الشاعر أيضا :
حتى إذا الصبح له تنفسا وانجاب عنها ليلها وعسعسا
أي أدبر وعندي أن المراد بقوله ( عسعس ) إذا أقبل وإن كان يصح استعماله في الإدبار لكن الإقبال هاهنا أنسب كأنه أقسم تعالى بالليل وظلامه إذا أقبل وبالفجر وضيائه إذا أشرق كما قال ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ) الليل 1 2 وقال ( والضحى والليل إذا سجى ) الضحى 1 ، 2 وقال ( فالق الإصباح وجعل الليل سكنا ) الأنعام : 96 وغير ذلك من الآيات وقال كثير من علماء الأصول إن لفظة " عسعس تستعمل في الإقبال والإدبار على وجه الاشتراك فعلى هذا يصح أن يراد كل منهما والله أعلم
قال ابن جرير وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب يزعم أن عسعس دنا من أوله وأظلم وقال الفراء كان أبو البلاد النحوي ينشد بيتا :
عسعس حتى لو يشاء ادنا كان له من ضوئه مقبس
يريد لو يشاء إذ دنا أدغم الذال في الدال وقال الفراء وكانوا يرون أن هذا البيت مصنوع .
وَٱلَّيۡلِ إِذَا عَسۡعَسَ ٧١
والليل إذا عسعس قال الفراء : أجمع المفسرون على أن معنى عسعس أدبر ; حكاه الجوهري . وقال بعض أصحابنا : إنه دنا من أوله وأظلم وكذلك السحاب إذا دنا من الأرض . المهدوي : والليل إذا عسعس أدبر بظلامه ; عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما . وروي عنهما أيضا وعن الحسن وغيره : أقبل بظلامه . زيد بن أسلم : عسعس ذهب . الفراء : العرب تقول عسعس وسعسع إذا لم يبق منه إلا اليسير . الخليل وغيره : عسعس الليل إذا أقبل أو أدبر . المبرد : هو من الأضداد ، والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد ، وهو ابتداء الظلام في أوله ، وإدباره في آخره ; وقال علقمة بن قرط :
حتى إذا الصبح لها تنفسا وانجاب عنها ليلها وعسعسا
وقال رؤبة :
يا هند ما أسرع ما تسعسعا من بعد ما كان فتى سرعرعا
وهذه حجة الفراء . وقال امرؤ القيس :
عسعس حتى لو يشاء ادنا كان لنا من ناره مقبس
فهذا يدل على الدنو . وقال الحسن ومجاهد : عسعس : أظلم ، قال الشاعر :
حتى إذا ما ليلهن عسعسا ركبن من حد الظلام حندسا
الماوردي : وأصل العس الامتلاء ; ومنه قيل للقدح الكبير عس لامتلائه بما فيه ، فأطلق على إقبال الليل لابتداء امتلائه ; وأطلق على إدباره لانتهاء امتلائه على ظلامه ; لاستكمال امتلائه به . وأما قول امرئ القيس :
ألما على الربع القديم بعسعسا [ كأني أنادي أو أكلم أخرسا ]
فموضع بالبادية . وعسعس أيضا اسم رجل ; قال الراجز :
وعسعس نعم الفتى تبياه
أي تعتمده . ويقال للذئب العسعس والعسعاس والعساس ; لأنه يعس بالليل ويطلب . ويقال للقنافذ العساعس لكثرة ترددها بالليل . قال أبو عمرو : والتعسعس الشم ، وأنشد :
كمنخر الذنب إذا تعسعسا
والتعسعس أيضا : طلب الصيد بالليل .
وَٱلَّيۡلِ إِذَا عَسۡعَسَ ٧١
{ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } أي: أدبر وقيل: أقبل
وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ ٨١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ ٨١
قال الضحاك: إذا طلع
وقال قتادة : إذا أضاء وأقبل، وقال سعيد بن جبير: إذا نشأ وهو المروي عن علي رضي الله عنه
وقال ابن جرير: يعني ضوء النهار إذا أقبل وتبين.
وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ ٨١
قوله تعالى : والصبح إذا تنفس أي امتد حتى يصير نهارا واضحا ; يقال للنهار إذا زاد : تنفس . وكذلك الموج إذا نضح الماء . ومعنى التنفس : خروج النسيم من الجوف . وقيل : إذا تنفس أي انشق وانفلق ; ومنه تنفست القوس أي تصدعت .
وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ ٨١
{ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } أي: بانت علائم الصبح، وانشق النور شيئا فشيئا حتى يستكمل وتطلع الشمس، وهذه آيات عظام، أقسم الله بها على علو سند القرآن وجلالته
إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ ٩١
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ ٩١
يعني إن هذا القرآن لتبليغ رسول كريم أي ملك شريف حسن الخلق بهي المنظر وهو جبريل عليه الصلاة والسلام قاله ابن عباس والشعبي وميمون بن مهران والحسن وقتادة والربيع بن أنس والضحاك وغيرهم.
إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ ٩١
إنه لقول رسول كريم هذا جواب القسم . والرسول الكريم جبريل ; قاله الحسن وقتادة والضحاك . والمعنى إنه لقول رسول عن الله كريم على الله . وأضاف الكلام إلى جبريل - عليه السلام - ، ثم عداه عنه بقوله تنزيل من رب العالمين ليعلم أهل التحقيق في التصديق أن الكلام لله - عز وجل - . وقيل : هو محمد عليه الصلاة والسلام .
إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ ٩١
وحفظه من كل شيطان رجيم فقال: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } وهو: جبريل عليه السلام، نزل به من الله تعالى، كما قال تعالى: { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ } ووصفه الله بالكريم لكرم أخلاقه، وكثره خصاله الحميدة، فإنه أفضل الملائكة، وأعظمهم رتبة عند ربه
ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلۡعَرۡشِ مَكِينٖ ٠٢
نسخ
مشاركة
التفسير
ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلۡعَرۡشِ مَكِينٖ ٠٢
( ذي قوة ) كقوله ( علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى ] ) النجم 5 6 ] أي شديد الخلق شديد البطش والفعل ( عند ذي العرش مكين ) أي له مكانة عند الله عز وجل ومنزلة رفيعة
قال أبو صالح في قوله ( عند ذي العرش مكين ) قال : جبريل يدخل في سبعين حجابا من نور بغير إذن
ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلۡعَرۡشِ مَكِينٖ ٠٢
( ذي قوة ) من جعله جبريل فقوته ظاهرة فروى الضحاك عن ابن عباس قال : من قوته قلعه مدائن قوم لوط بقوادم جناحه .
عند ذي العرش أي عند الله جل ثناؤه مكين أي ذي منزلة ومكانة ; فروي عن أبي صالح قال : يدخل سبعين سرادقا بغير إذن .
ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلۡعَرۡشِ مَكِينٖ ٠٢
{ ذِي قُوَّةٍ } على ما أمره الله به. ومن قوته أنه قلب ديار قوم لوط بهم فأهلكهم.
{ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ } أي: جبريل مقرب عند الله، له منزلة رفيعة، وخصيصة من الله اختصه بها، { مَكِينٍ } أي: له مكانة ومنزلة فوق منازل الملائكة كلهم.
مُّطَاعٖ ثَمَّ أَمِينٖ ١٢
نسخ
مشاركة
التفسير
مُّطَاعٖ ثَمَّ أَمِينٖ ١٢
( مطاع ثم ) أي له وجاهة وهو مسموع القول مطاع في الملأ الأعلى
قال قتادة ( مطاع ثم ) أي في السموات ، يعني ليس هو من أفناد الملائكة بل هو من السادة والأشراف معتنى به انتخب لهذه الرسالة العظيمة
وقوله : ( أمين ) صفة لجبريل بالأمانة وهذا عظيم جدا أن الرب عز وجل يزكي عبده ورسوله الملكي جبريل كما زكى عبده ورسوله البشري محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله ( وما صاحبكم بمجنون )
مُّطَاعٖ ثَمَّ أَمِينٖ ١٢
مطاع أي في السماوات ; قال ابن عباس : من طاعة الملائكة جبريل ، أنه لما أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال جبريل - عليه السلام - لرضوان خازن الجنان : افتح له ، ففتح ، فدخل ورأى ما فيها ، وقال لمالك خازن النار : افتح له جهنم حتى ينظر إليها ، فأطاعه وفتح له .
( أمين ) أي مؤتمن على الوحي الذي يجيء به . ومن قال : إن المراد محمد - صلى الله عليه وسلم - فالمعنى ( ذي قوة ) على تبليغ الرسالة مطاع أي يطيعه من أطاع الله جل وعز .
مُّطَاعٖ ثَمَّ أَمِينٖ ١٢
{ مُطَاعٍ ثَمَّ } أي: جبريل مطاع في الملأ الأعلى، لديه من الملائكة المقربين جنود، نافذ فيهم أمره، مطاع رأيه، { أَمِينٍ } أي: ذو أمانة وقيام بما أمر به، لا يزيد ولا ينقص، ولا يتعدى ما حد له، وهذا [كله] يدل على شرف القرآن عند الله تعالى، فإنه بعث به هذا الملك الكريم، الموصوف بتلك الصفات الكاملة. والعادة أن الملوك لا ترسل الكريم عليها إلا في أهم المهمات، وأشرف الرسائل.
وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجۡنُونٖ ٢٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجۡنُونٖ ٢٢
قال الشعبي وميمون بن مهران وأبو صالح ومن تقدم ذكرهم المراد بقوله "وما صاحبكم بمجنون" يعني محمدا صلى الله عليه وسلم.
وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجۡنُونٖ ٢٢
وما صاحبكم بمجنون يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - بمجنون حتى يتهم في قوله . وهو من جواب القسم . وقيل : أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرى جبريل في الصورة التي يكون بها عند ربه جل وعز فقال : ما ذاك إلي ; فأذن له الرب جل ثناؤه ، فأتاه وقد سد الأفق ، فلما نظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - خر مغشيا عليه ، فقال المشركون : إنه مجنون ، فنزلت : إنه لقول رسول كريم وما صاحبكم بمجنون وإنما رأى جبريل على صورته فهابه ، وورد عليه ما لم تحتمل بنيته ، فخر مغشيا عليه .
وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجۡنُونٖ ٢٢
ولما ذكر فضل الرسول الملكي الذي جاء بالقرآن، ذكر فضل الرسول البشري الذي نزل عليه القرآن، ودعا إليه الناس فقال: { وَمَا صَاحِبُكُمْ } وهو محمد صلى الله عليه وسلم { بِمَجْنُونٍ } كما يقوله أعداؤه المكذبون برسالته، المتقولون عليه من الأقوال، التي يريدون أن يطفئوا بها ما جاء به ما شاءوا وقدروا عليه، بل هو أكمل الناس عقلا، وأجزلهم رأيا، وأصدقهم لهجة.
وَلَقَدۡ رَءَاهُ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡمُبِينِ ٣٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَقَدۡ رَءَاهُ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡمُبِينِ ٣٢
وقوله تعالى ( ولقد رآه بالأفق المبين ) يعني ولقد رأى محمد جبريل الذي يأتيه بالرسالة عن الله عز وجل على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح ( بالأفق المبين ) أي : البين وهي الرؤية الأولى التي كانت بالبطحاء وهي المذكورة في قوله ( علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ) النجم 5 - 10 كما تقدم تفسير ذلك وتقريره والدليل أن المراد بذلك جبريل عليه السلام . والظاهر والله أعلم أن هذه السورة نزلت قبل ليلة الإسراء لأنه لم يذكر فيها إلا هذه الرؤية وهي الأولى وأما الثانية وهي المذكورة في قوله ( ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ) النجم 13 - 16 فتلك إنما ذكرت في سورة النجم وقد نزلت بعد سورة الإسراء
وَلَقَدۡ رَءَاهُ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡمُبِينِ ٣٢
قوله تعالى : ولقد رآه بالأفق المبين أي رأى جبريل في صورته ، له ستمائة جناح . بالأفق المبين أي بمطلع الشمس من قبل المشرق ; لأن هذا الأفق إذا كان منه تطلع الشمس فهو مبين . أي من جهته ترى الأشياء . وقيل : الأفق المبين : أقطار السماء ونواحيها ; قال الشاعر :
أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع
الماوردي : فعلى هذا ، فيه ثلاثة أقاويل ; أحدها : أنه رآه في أفق السماء الشرقي ; قاله سفيان . الثاني : في أفق السماء الغربي ، حكاه ابن شجرة . الثالث : أنه رآه نحو أجياد ، وهو مشرق مكة ; قاله مجاهد . وحكى الثعلبي عن ابن عباس ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لجبريل : " إني أحب أن أراك في صورتك التي تكون فيها في السماء " قال : لن تقدر على ذلك . قال : " بلى " قال : فأين تشاء أن أتخيل لك ؟ قال : " بالأبطح " قال : لا يسعني . قال : " فبمنى " قال : لا يسعني . قال : " فبعرفات " قال : ذلك بالحري أن يسعني . فواعده فخرج - صلى الله عليه وسلم - للوقت ، فإذا هو قد أقبل بخشخشة وكلكلة من جبال عرفات ، قد ملأ ما بين المشرق والمغرب ، ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض ، فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - خر مغشيا عليه ، فتحول جبريل في صورته ، وضمه إلى صدره . وقال : يا محمد لا تخف ; فكيف لو رأيت إسرافيل ورأسه من تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة ، وإن العرش على كاهله ، وإنه ليتضاءل أحيانا من خشية الله ، حتى يصير مثل الوصع - يعني العصفور حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته . وقيل : إن محمدا - عليه السلام - رأى ربه - عز وجل - بالأفق المبين . وهو معنى قول ابن مسعود . وقد مضى القول في هذا في ( والنجم ) مستوفى ، فتأمله هناك . وفي المبين قولان : أحدهما أنه صفة الأفق ; قاله الربيع . الثاني أنه صفة لمن رآه ; قاله مجاهد .
وَلَقَدۡ رَءَاهُ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡمُبِينِ ٣٢
{ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ } أي: رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام بالأفق البين، الذي هو أعلى ما يلوح للبصر.
وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ بِضَنِينٖ ٤٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ بِضَنِينٖ ٤٢
وقوله ( وما هو على الغيب بضنين ) أي وما محمد على ما أنزله الله إليه بظنين أي : بمتهم ومنهم من قرأ ذلك بالضاد أي : ببخيل بل يبذله لكل أحد
قال سفيان بن عيينة ظنين وضنين سواء أي ما هو بكاذب وما هو بفاجر والظنين المتهم والضنين : البخيل
وقال قتادة كان القرآن غيبا فأنزله الله على محمد فما ضن به على الناس بل بلغه ونشره وبذله لكل من أراده وكذا قال عكرمة وابن زيد وغير واحد واختار ابن جرير قراءة الضاد .
قلت وكلاهما متواتر ومعناه صحيح كما تقدم
وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ بِضَنِينٖ ٤٢
( وما هو على الغيب بظنين ) بالظاء ، قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي ، أي بمتهم ، والظنة التهمة ; قال الشاعر :
أما وكتاب الله لا عن شناءة هجرت ولكن الظنين ظنين
واختاره أبو عبيد ; لأنهم لم يبخلوه ولكن كذبوه ; ولأن الأكثر من كلام العرب : ما هو بكذا ، ولا يقولون : ما هو على كذا ، إنما يقولون : ما أنت على هذا بمتهم . وقرأ الباقون بضنين بالضاد : أي ببخيل من ضننت بالشيء أضن ضنا [ فهو ] ضنين . فروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : لا يضن عليكم بما يعلم ، بل يعلم الخلق كلام الله وأحكامه . وقال الشاعر :
أجود بمكنون الحديث وإنني بسرك عمن سالني لضنين
والغيب : القرآن وخبر السماء . ثم هذا صفة محمد - عليه السلام - . وقيل : صفة جبريل - عليه السلام - . وقيل : بظنين : بضعيف . حكاه الفراء والمبرد ; يقال : رجل ظنين : أي ضعيف . وبئر ظنون : إذا كانت قليلة الماء ; قال الأعشى :
ما جعل الجد الظنون الذي جنب صوب اللجب الماطر
مثل الفراتي إذا ما طما يقذف بالبوصي والماهر
والظنون : الدين الذي لا يدرى أيقضيه آخذه أم لا ؟ ومنه حديث علي - عليه السلام - في الرجل يكون له الدين الظنون ، قال : يزكيه لما مضى إذا قبضه إن كان صادقا . والظنون : الرجل السيئ الخلق ; فهو لفظ مشترك .
وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ بِضَنِينٖ ٤٢
{ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ } أي: وما هو على ما أوحاه الله إليه بمتهم يزيد فيه أو ينقص أو يكتم بعضه، بل هو صلى الله عليه وسلم أمين أهل السماء وأهل الأرض، الذي بلغ رسالات ربه البلاغ المبين، فلم يشح بشيء منه، عن غني ولا فقير، ولا رئيس ولا مرءوس، ولا ذكر ولا أنثى، ولا حضري ولا بدوي، ولذلك بعثه الله في أمة أمية، جاهلة جهلاء، فلم يمت صلى الله عليه وسلم حتى كانوا علماء ربانيين، وأحبارا متفرسين، إليهم الغاية في العلوم، وإليهم المنتهى في استخراج الدقائق والفهوم، وهم الأساتذة، وغيرهم قصاراه أن يكون من تلاميذهم.
وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَيۡطَٰنٖ رَّجِيمٖ ٥٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَيۡطَٰنٖ رَّجِيمٖ ٥٢
وقوله ( وما هو بقول شيطان رجيم ) أي وما هذا القرآن بقول شيطان رجيم أي لا يقدر على حمله ولا يريده ولا ينبغي له كما قال ( وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون ) الشعراء 210 - 212
وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَيۡطَٰنٖ رَّجِيمٖ ٥٢
وما هو يعني القرآن بقول شيطان رجيم أي مرجوم ملعون ، كما قالت قريش . قال عطاء : يريد بالشيطان الأبيض الذي كان يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - في صورة جبريل يريد أن يفتنه .
وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَيۡطَٰنٖ رَّجِيمٖ ٥٢
{ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ } لما ذكر جلالة كتابه وفضله بذكر الرسولين الكريمين، اللذين وصل إلى الناس على أيديهما، وأثنى الله عليهما بما أثنى، دفع عنه كل آفة ونقص مما يقدح في صدقه، فقال: { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ } أي: في غاية البعد عن الله وعن قربه
فَأَيۡنَ تَذۡهَبُونَ ٦٢
نسخ
مشاركة
التفسير
فَأَيۡنَ تَذۡهَبُونَ ٦٢
وقوله ( فأين تذهبون ) ؟ أي : فأين تذهب عقولكم في تكذيبكم بهذا القرآن مع ظهوره ووضوحه وبيان كونه جاء من عند الله عز وجل كما قال الصديق رضي الله عنه لوفد بني حنيفة حين قدموا مسلمين وأمرهم فتلوا عليه شيئا من قرآن مسيلمة الذي هو في غاية الهذيان والركاكة فقال : ويحكم أين يذهب بعقولكم ؟ والله إن هذا الكلام لم يخرج من إل أي من إله
وقال قتادة ( فأين تذهبون ) أي عن كتاب الله وعن طاعته
فَأَيۡنَ تَذۡهَبُونَ ٦٢
فأين تذهبون قال قتادة : فإلى أين تعدلون عن هذا القول وعن طاعته . كذا روى معمر عن قتادة ; أي أين تذهبون عن كتابي وطاعتي . وقال الزجاج : فأي طريقة تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بينت لكم . ويقال : أين تذهب ؟ وإلى أين تذهب ؟ وحكى الفراء عن العرب : ذهبت الشام وخرجت العراق وانطلقت السوق : أي إليها . قال : سمعناه في هذه الأحرف الثلاثة ; وأنشدني بعض بني عقيل :
تصيح بنا حنيفة إذ رأتنا وأي الأرض تذهب بالصياح
يريد إلى أي أرض تذهب ، فحذف إلى . وقال الجنيد : معنى الآية مقرون بآية أخرى ; وهي قوله تعالى : وإن من شيء إلا عندنا خزائنه المعنى : أي طريق تسلكون أبين من الطريق الذي بينه الله لكم . وهذا معنى قول الزجاج .
فَأَيۡنَ تَذۡهَبُونَ ٦٢
{ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ } أي: كيف يخطر هذا ببالكم، وأين عزبت عنكم أذهانكم؟ حتى جعلتم الحق الذي هو في أعلى درجات الصدق بمنزلة الكذب، الذي هو أنزل ما يكون [وأرذل] وأسفل الباطل؟ هل هذا إلا من انقلاب الحقائق.
إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ٧٢
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ٧٢
أي هذا القرآن ذكر لجميع الناس يتذكرون به ويتعظون.
إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ٧٢
إن هو يعني القرآن إلا ذكر للعالمين أي موعظة وزجر . و ( إن ) بمعنى ( ما ) . وقيل : ما محمد إلا ذكر .
إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ٧٢
{ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } يتذكرون به ربهم، وما له من صفات الكمال، وما ينزه عنه من النقائص والرذائل [والأمثال]، ويتذكرون به الأوامر والنواهي وحكمها، ويتذكرون به الأحكام القدرية والشرعية والجزائية، وبالجملة، يتذكرون به مصالح الدارين، وينالون بالعمل به السعادتين.
لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ ٨٢
نسخ
مشاركة
التفسير
لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ ٨٢
أي من أراد الهداية فعليه بهذا القرآن فإنه منجاة له وهداية ولا هداية فيما سواه.
لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ ٨٢
لمن شاء منكم أن يستقيم أي يتبع الحق ويقيم عليه . وقال أبو هريرة وسليمان بن موسى : لما نزلت لمن شاء منكم أن يستقيم قال أبو جهل : الأمر إلينا ، إن شئنا استقمنا ، وإن شئنا لم نستقم - وهذا هو القدر ; وهو رأس القدرية - فنزلت :
لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ ٨٢
{ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ } بعدما تبين الرشد من الغي، والهدى من الضلال.
وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٩٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٩٢
( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) أي ليست المشيئة موكولة إليكم فمن شاء اهتدى ومن شاء ضل بل ذلك كله تابع لمشيئة الله عز وجل رب العالمين
قال سفيان الثوري عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى لما نزلت هذه الآية ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) قال أبو جهل الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم فأنزل الله ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) .
آخر تفسير سورة التكوير ولله الحمد [ والمنة ] .
وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٩٢
وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين فبين بهذا أنه لا يعمل العبد خيرا إلا بتوفيق الله ، ولا شرا إلا بخذلانه .
وقال الحسن : والله ما شاءت العرب الإسلام حتى شاءه الله لها . وقال وهب بن منبه : قرأت في سبعة وثمانين كتابا مما أنزل الله على الأنبياء : من جعل إلى نفسه شيئا من المشيئة فقد كفر . وفي التنزيل : ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله . وقال تعالى : وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله . وقال تعالى : إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء والآي في هذا كثير ، وكذلك الأخبار ، وأن الله سبحانه هدى بالإسلام ، وأضل بالكفر ، كما تقدم في غير موضع .
ختمت السورة والحمد لله .
وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٩٢
{ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } أي: فمشيئته نافذة، لا يمكن أن تعارض أو تمانع. وفي هذه الآية وأمثالها رد على فرقتي القدرية النفاة، والقدرية المجبرة كما تقدم مثلها [والله أعلم والحمد لله].
صَدَق الْلَّه الْعَظِيْم