بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
ٱلرَّحۡمَٰنُ ١
نسخ
مشاركة
التفسير
ٱلرَّحۡمَٰنُ ١
تفسير سورة الرحمن وهي مكية .
قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، عن عاصم ، عن زر ، أن رجلا قال لابن مسعود : كيف تعرف هذا الحرف : " ماء غير ياسن أو آسن " ؟ فقال : كل القرآن قد قرأت ؟ . قال : إني لأقرأ المفصل أجمع في ركعة واحدة . فقال : أهذا كهذ الشعر ، لا أبا لك ؟ قد علمت قرائن النبي - صلى الله عليه وسلم - التي كان يقرن قرينتين قرينتين من أول المفصل ، وكان أول مفصل ابن مسعود : ( الرحمن ) .
وقال أبو عيسى الترمذي : حدثنا عبد الرحمن بن واقد أبو مسلم ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن زهير بن محمد ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه فقرأ عليهم سورة " الرحمن " من أولها إلى آخرها ، فسكتوا فقال : " لقد قرأتها على الجن ليلة الجن ، فكانوا أحسن مردودا منكم ، كنت كلما أتيت على قوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ، قالوا : لا بشيء من نعمك - ربنا - نكذب ، فلك الحمد " .
ثم قال : هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم ، عن زهير بن محمد . ثم حكى عن الإمام أحمد أنه كان لا يعرفه ينكر رواية أهل الشام عن زهير بن محمد هذا .
ورواه الحافظ أبو بكر البزار ، عن عمرو بن مالك ، عن الوليد بن مسلم . وعن عبد الله بن أحمد بن شبويه ، عن هشام بن عمار ، كلاهما عن الوليد بن مسلم ، به . ثم قال : لا نعرفه يروى إلا من هذا الوجه .
وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا محمد بن عباد بن موسى ، وعمرو بن مالك البصري قالا : حدثنا يحيى بن سليم ، عن إسماعيل بن أمية ، عن نافع ، عن ابن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة " الرحمن " - أو : قرئت عنده - فقال : " ما لي أسمع الجن أحسن جوابا لربها منكم ؟ " قالوا : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : " ما أتيت على قول الله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) إلا قالت الجن : لا بشيء من نعمة ربنا نكذب " .
ورواه الحافظ البزار عن عمرو بن مالك ، به . ثم قال : لا نعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد .
يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه : أنه أنزل على عباده القرآن ويسر حفظه وفهمه على من رحمه ، فقال : ( الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ) قال الحسن : يعني : النطق . وقال الضحاك ، وقتادة ، وغيرهما : يعني الخير والشر . وقول الحسن هاهنا أحسن وأقوى ; لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن ، وهو أداء تلاوته ، وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين ، على اختلاف مخارجها وأنواعها .
ٱلرَّحۡمَٰنُ ١
سورة الرحمن مكية كلها في قول الحسن وعروة بن الزبير وعكرمة وعطاء وجابر . وقال ابن عباس : إلا آية منها هي قوله تعالى : يسأله من في السماوات والأرض الآية . وهي ست وسبعون آية .
وقال ابن مسعود ومقاتل : هي مدنية كلها . والقول الأول أصح لما روى عروة بن الزبير قال : أول من جهر بالقرآن بمكة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود ; وذلك أن الصحابة قالوا : ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر به قط ، فمن رجل يسمعهموه ؟ فقال ابن مسعود : أنا ، فقالوا : إنا نخشى عليك ، وإنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه ، فأبى ثم قام عند المقام فقال : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) الرحمن علم القرآن ثم تمادى رافعا بها صوته وقريش في أنديتها ، فتأملوا وقالوا : ما يقول ابن أم عبد ؟ قالوا : هو يقول الذي يزعم محمد أنه أنزل عليه ، ثم ضربوه حتى أثروا في وجهه . وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي الصبح بنخلة ، فقرأ سورة ( الرحمن ) ومر النفر من الجن فآمنوا به . وفي الترمذي عن جابر قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة ( الرحمن ) من أولها إلى آخرها فسكتوا ، فقال : لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على قوله : فبأي آلاء ربكما تكذبان قالوا : لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد قال : هذا حديث غريب . وفي هذا دليل على أنها مكية والله أعلم .
وروي أن قيس بن عاصم المنقري قال للنبي صلى الله عليه وسلم : اتل علي مما أنزل عليك ، فقرأ عليه سورة ( الرحمن ) فقال : أعدها ، فأعادها ثلاثا ، فقال : والله إن له لطلاوة ، وإن عليه لحلاوة ، وأسفله لمغدق ، وأعلاه مثمر ، وما يقول هذا بشر ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . وروي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن .
بسم الله الرحمن الرحيم الرحمن
قوله تعالى : الرحمن علم القرآن قال سعيد بن جبير وعامر الشعبي : ( الرحمن ) فاتحة ثلاث سور إذا جمعن كن اسما من أسماء الله تعالى ( الر ) ، و ( حم ) و ( ن ) فيكون مجموع هذه ( الرحمن ) .
ٱلرَّحۡمَٰنُ ١
هذه السورة الكريمة الجليلة، افتتحها باسمه "الرَّحْمَنُ" الدال على سعة رحمته، وعموم إحسانه، وجزيل بره، وواسع فضله، ثم ذكر ما يدل على رحمته وأثرها الذي أوصله الله إلى عباده من النعم الدينية والدنيوية [والآخروية وبعد كل جنس ونوع من نعمه، ينبه الثقلين لشكره، ويقول: { فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ].
عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ ٢
نسخ
مشاركة
التفسير
عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ ٢
يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه : أنه أنزل على عباده القرآن ويسر حفظه وفهمه على من رحمه ، فقال : ( الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ) قال الحسن : يعني : النطق . وقال الضحاك ، وقتادة ، وغيرهما : يعني الخير والشر . وقول الحسن هاهنا أحسن وأقوى ; لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن ، وهو أداء تلاوته ، وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين ، على اختلاف مخارجها وأنواعها .
عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ ٢
أي علمه نبيه صلى الله عليه وسلم حتى أداه إلى جميع الناس .
وأنزلت حين قالوا : وما الرحمن ؟ وقيل : نزلت جوابا لأهل مكة حين قالوا : إنما يعلمه بشر وهو رحمن اليمامة , يعنون مسيلمة الكذاب , فأنزل الله تعالى : " الرحمن .
علم القرآن " .
وقال الزجاج : معنى " علم القرآن " أي سهله لأن يذكر ويقرأ كما قال : " ولقد يسرنا القرآن للذكر " [ القمر : 17 ] .
وقيل : جعله علامة لما تعبد الناس به .
عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ ٢
فذكر أنه { عَلَّمَ الْقُرْآنَ } أي: علم عباده ألفاظه ومعانيه، ويسرها على عباده، وهذا أعظم منة ورحمة رحم بها عباده، حيث أنزل عليهم قرآنا عربيا بأحسن ألفاظ، وأحسن تفسير، مشتمل على كل خير، زاجر عن كل شر.
خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ ٣
نسخ
مشاركة
التفسير
خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ ٣
يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه أنه أنزل على عباده القرآن ويسر حفظه وفهمه على من رحمه فقال تعالى "الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان" قال الحسن يعني النطق وقال الضحاك وقتادة وغيرهما يعني الخير والشر وقول الحسن ههنا أحسن وأقوى لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن وهو أداء تلاوته وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين على اختلاف مخارجها وأنواعها.
خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ ٣
قال ابن عباس وقتادة والحسن يعني آدم عليه السلام .
خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ ٣
{ خَلَقَ الْإِنْسَانَ } في أحسن تقويم، كامل الأعضاء، مستوفي الأجزاء، محكم البناء، قد أتقن البديع تعالى البديع خلقه أي إتقان،.
عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ ٤
نسخ
مشاركة
التفسير
عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ ٤
يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه أنه أنزل على عباده القرآن ويسر حفظه وفهمه على من رحمه فقال تعالى "الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان" قال الحسن يعني النطق وقال الضحاك وقتادة وغيرهما يعني الخير والشر وقول الحسن ههنا أحسن وأقوى لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن وهو أداء تلاوته وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين على اختلاف مخارجها وأنواعها.
عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ ٤
علمه البيان أسماء كل شيء . وقيل : علمه اللغات كلها . وعن ابن عباس أيضا وابن كيسان : الإنسان هاهنا يراد به محمد صلى الله عليه وسلم ، والبيان بيان الحلال من الحرام ، والهدى من الضلال . وقيل : ما كان وما يكون ، لأنه بين عن الأولين والآخرين ويوم الدين . وقال الضحاك : البيان الخير والشر . وقال الربيع بن أنس : هو ما ينفعه وما يضره ، وقاله قتادة . وقيل : الإنسان يراد به جميع الناس فهو اسم للجنس والبيان على هذا الكلام والفهم ، وهو مما فضل به الإنسان على سائر الحيوان . وقال السدي : علم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به . وقال يمان : الكتابة والخط بالقلم . نظيره : علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم .
عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ ٤
وميزه على سائر الحيوانات بأن { عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } أي: التبيين عما في ضميره، وهذا شامل للتعليم النطقي والتعليم الخطي، فالبيان الذي ميز الله به الآدمي على غيره من أجل نعمه، وأكبرها عليه.
ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانٖ ٥
نسخ
مشاركة
التفسير
ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانٖ ٥
وقوله : ( الشمس والقمر بحسبان ) أي : يجريان متعاقبين بحساب مقنن لا يختلف ولا يضطرب ، ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) [ يس : 40 ] ، وقال تعالى : ( فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم ) [ الأنعام : 96 ] .
وعن عكرمة أنه قال : لو جعل الله نور جميع أبصار الإنس والجن والدواب والطير في عيني عبد ، ثم كشف حجابا واحدا من سبعين حجابا دون الشمس ، لما استطاع أن ينظر إليها . ونور الشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي ، ونور الكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش ، ونور العرش جزء من سبعين جزءا من نور الستر . فانظر ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه وقت النظر إلى وجه ربه الكريم عيانا . رواه ابن أبي حاتم .
ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانٖ ٥
الشمس والقمر بحسبان أي يجريان بحساب معلوم فأضمر الخبر . قال ابن عباس وقتادة وأبو مالك : أي يجريان بحساب في منازل لا يعدوانها ولا يحيدان عنها . وقال ابن زيد وابن كيسان : يعني أن بهما تحسب الأوقات والآجال والأعمار ، ولولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب شيئا لو كان الدهر كله ليلا أو نهارا . وقال السدي : بحسبان تقدير آجالهما أي تجري بآجال كآجال الناس ، فإذا جاء أجلهما هلكا ، نظيره : كل يجري لأجل مسمى . وقال الضحاك : بقدر . مجاهد : بحسبان كحسبان الرحى ، يعني : قطبها ، يدوران في مثل القطب . والحسبان قد يكون مصدر حسبته أحسبه بالضم حسبا وحسبانا ، مثل الغفران والكفران والرجحان ، وحسابة أيضا أي عددته . وقال الأخفش : ويكون جماعة الحساب مثل شهاب وشهبان . والحسبان أيضا بالضم العذاب والسهام القصار ، وقد مضى في ( الكهف ) الواحدة حسبانة ، والحسبانة أيضا الوسادة الصغيرة ، تقول منه : حسبته إذا وسدته ، قال نهيك الفزاري :
لثويت غير محسب
أي غير موسد يعني غير مكرم ولا مكفنs
ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانٖ ٥
{ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } أي: خلق الله الشمس والقمر، وسخرهما يجريان بحساب مقنن، وتقدير مقدر، رحمة بالعباد، وعناية بهم، وليقوم بذلك من مصالحهم ما يقوم، وليعرف العباد عدد السنين والحساب.
وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ ٦
نسخ
مشاركة
التفسير
وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ ٦
وقوله : ( والنجم والشجر يسجدان ) قال ابن جرير : اختلف المفسرون في معنى قوله : ( والنجم ) بعد إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق ، فروى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : النجم ما انبسط على وجه الأرض - يعني من النبات . وكذا قال سعيد بن جبير ، والسدي ، وسفيان الثوري . وقد اختاره ابن جرير رحمه الله .
وقال مجاهد : النجم الذي في السماء . وكذا قال الحسن وقتادة . وهذا القول هو الأظهر والله أعلم ; لقوله تعالى : ( ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ) الآية [ الحج : 18 ] .
وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ ٦
قال ابن عباس وغيره : النجم ما لا ساق له والشجر ما له ساق , وأنشد ابن عباس قول صفوان بن أسد التميمي : لقد أنجم القاع الكبير عضاهه وتم به حيا تميم ووائل وقال زهير بن أبي سلمى : مكلل بأصول النجم تنسجه ريح الجنوب لضاحي مائه حبك واشتقاق النجم من نجم الشيء ينجم بالضم نجوما ظهر وطلع , وسجودهما بسجود ظلالهما , قاله الضحاك .
وقال الفراء : سجودهما أنهما يستقبلان الشمس إذا طلعت ثم يميلان معها حتى ينكسر الفيء .
وقال الزجاج : سجودهما دوران الظل معهما , كما قال تعالى : " يتفيئوا ظلاله " [ النحل : 48 ] .
وقال الحسن ومجاهد : النجم نجم السماء , وسجوده في قول مجاهد دوران ظله , وهو اختيار الطبري , حكاه المهدوي .
وقيل : سجود النجم أفوله , وسجود الشجر إمكان الاجتناء لثمرها , حكاه الماوردي .
وقيل : إن جميع ذلك مسخر لله , فلا تعبدوا النجم كما عبد قوم من الصابئين النجوم , وعبد كثير من العجم الشجر .
والسجود الخضوع , والمعني به آثار الحدوث , حكاه القشيري .
النحاس : أصل السجود في اللغة الاستسلام والانقياد لله عز وجل , فهو من الموات كلها استسلامها لأمر الله عز وجل وانقيادها له , ومن الحيوان كذلك ويكون من سجود الصلاة , وأنشد محمد بن يزيد في النجم بمعنى النجوم قال : فباتت تعد النجم في مستحيرة سريع بأيدي الآكلين جمودها
وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ ٦
{ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } أي: نجوم السماء، وأشجار الأرض، تعرف ربها وتسجد له، وتطيع وتخشع وتنقاد لما سخرها له من مصالح عباده ومنافعهم.
وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ ٧
نسخ
مشاركة
التفسير
وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ ٧
وقوله : ( والسماء رفعها ووضع الميزان ) يعني : العدل ، كما قال : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) [ الحديد : 25 ] ، وهكذا قال هاهنا :
وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ ٧
والسماء رفعها وقرأ أبو السمال " والسماء " بالرفع على الابتداء واختار ذلك لما عطف على الجملة التي هي : والنجم والشجر يسجدان فجعل المعطوف مركبا من مبتدإ وخبر كالمعطوف عليه . الباقون بالنصب على إضمار فعل يدل عليه ما بعده .
ووضع الميزان أي : العدل ، عن مجاهد وقتادة والسدي ، أي وضع في الأرض العدل الذي أمر به ، يقال : وضع الله الشريعة . ووضع فلان كذا أي ألقاه ، وقيل : على هذا الميزان : القرآن ، لأن فيه بيان ما يحتاج إليه وهو قول الحسين بن الفضل . وقال الحسن وقتادة - أيضا - والضحاك : هو الميزان ذو اللسان الذي يوزن به لينتصف به الناس بعضهم من بعض ، وهو خبر بمعنى الأمر بالعدل ، يدل عليه قوله تعالى : وأقيموا الوزن بالقسط والقسط العدل . وقيل : هو الحكم . وقيل : أراد وضع الميزان في الآخرة لوزن الأعمال . وأصل ميزان موزان وقد مضى في ( الأعراف ) القول فيه .
وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ ٧
{ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا } سقفها للمخلوقات الأرضية، ووضع الله الميزان أي: العدل بين العباد، في الأقوال والأفعال، وليس المراد به الميزان المعروف وحده، بل هو كما ذكرنا، يدخل فيه الميزان المعروف، والمكيال الذي تكال به الأشياء والمقادير، والمساحات التي تضبط بها المجهولات، والحقائق التي يفصل بها بين المخلوقات، ويقام بها العدل بينهم.
أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ ٨
نسخ
مشاركة
التفسير
أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ ٨
( ألا تطغوا في الميزان ) أي : خلق السماوات والأرض بالحق والعدل ، لتكون الأشياء كلها بالحق والعدل ; ولهذا قال :
أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ ٨
ألا تطغوا في الميزان موضع " أن " يجوز أن يكون نصبا على تقدير حذف حرف الجر كأنه قال : لئلا تطغوا ، كقوله تعالى : يبين الله لكم أن تضلوا . ويجوز ألا يكون ل " أن " موضع من الإعراب فتكون بمعنى " أي " وتطغوا على هذا التقدير مجزوما ، كقوله تعالى : وانطلق الملأ منهم أن امشوا أي : امشوا . والطغيان مجاوزة الحد . فمن قال : الميزان العدل قال : طغيانه الجور . ومن قال : إنه الميزان الذي يوزن به قال : طغيانه : البخس . قال ابن عباس : أي لا تخونوا من وزنتم له . وعنه أنه قال : يا معشر الموالي ! وليتم أمرين بهما هلك الناس : المكيال والميزان . ومن قال إنه الحكم قال : طغيانه التحريف . وقيل : فيه إضمار ، أي وضع الميزان وأمركم ألا تطغوا فيه .
أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ ٨
{ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ } أي: أنزل الله الميزان، لئلا تتجاوزوا الحد في الميزان، فإن الأمر لو كان يرجع إلى عقولكم وآرائكم، لحصل من الخلل ما الله به عليم، ولفسدت السماوات والأرض.
وَأَقِيمُواْ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ ٩
نسخ
مشاركة
التفسير
وَأَقِيمُواْ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ ٩
( وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ) أي : لا تبخسوا الوزن ، بل زنوا بالحق والقسط ، كما قال [ تعالى ] ( وزنوا بالقسطاس المستقيم ) [ الشعراء : 182 ] .
وَأَقِيمُواْ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ ٩
وأقيموا الوزن بالقسط أي : افعلوه مستقيما بالعدل . وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : أقيموا لسان الميزان بالقسط والعدل . وقال ابن عيينة : الإقامة باليد والقسط بالقلب . وقال مجاهد : القسط العدل بالرومية . وقيل : هو كقولك " أقام الصلاة " أي أتى بها في وقتها ، وأقام الناس أسواقهم أي أتوها لوقتها . أي لا تدعوا التعامل بالوزن بالعدل .
ولا تخسروا الميزان ولا تنقصوا الميزان ولا تبخسوا الكيل والوزن ، وهذا كقوله : ولا تنقصوا المكيال والميزان . وقال قتادة في هذه الآية : اعدل يا ابن آدم كما تحب أن يعدل لك ، وأوف كما تحب أن يوفى لك ، فإن العدل صلاح الناس . وقيل : المعنى ولا تخسروا ميزان حسناتكم يوم القيامة فيكون ذلك حسرة عليكم . وكرر الميزان لحال رءوس الآي . وقيل : التكرير للأمر بإيفاء الوزن ورعاية العدل فيه . وقراءة العامة تخسروا بضم التاء وكسر السين . وقرأ بلال بن أبي بردة وأبان عن عثمان " تخسروا " بفتح التاء والسين وهما لغتان ، يقال : أخسرت الميزان وخسرته كأجبرته وجبرته . وقيل : " تخسروا " بفتح التاء والسين محمول على تقدير حذف حرف الجر ، والمعنى : ولا تخسروا في الميزان .
وَأَقِيمُواْ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ ٩
{ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ } أي: اجعلوه قائما بالعدل، الذي تصل إليه مقدرتكم وإمكانكم، { وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ } أي: لا تنقصوه وتعملوا بضده، وهو الجور والظلم والطغيان.
وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ ٠١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ ٠١
وقوله : ( والأرض وضعها للأنام ) أي : كما رفع السماء وضع الأرض ومهدها ، وأرساها بالجبال الراسيات الشامخات ، لتستقر لما على وجهها من الأنام ، وهم الخلائق المختلفة أنواعهم وأشكالهم وألوانهم وألسنتهم ، في سائر أقطارها وأرجائها . قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد : الأنام : الخلق .
وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ ٠١
والأرض وضعها للأنام الأنام : الناس ، عن ابن عباس . الحسن : الجن والإنس . الضحاك : كل ما دب على وجه الأرض ، وهذا عام .
وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ ٠١
{ وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا } الله على ما كانت عليه من الكثافة والاستقرار واختلاف [أوصافها و] أحوالها { لِلْأَنَامِ } أي: للخلق، لكي يستقروا عليها، وتكون لهم مهادا وفراشا يبنون بها، ويحرثون ويغرسون ويحفرون ويسلكون سبلها فجاجا، وينتفعون بمعادنها وجميع ما فيها، مما تدعو إليه حاجتهم، بل ضرورتهم.
فِيهَا فَٰكِهَةٞ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ ١١
نسخ
مشاركة
التفسير
فِيهَا فَٰكِهَةٞ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ ١١
( فيها فاكهة ) أي : مختلفة الألوان والطعوم والروائح ، ( والنخل ذات الأكمام ) أفرده بالذكر لشرفه ونفعه ، رطبا ويابسا . والأكمام - قال ابن جريج عن ابن عباس : هي أوعية الطلع . وهكذا قال غير واحد من المفسرين ، وهو الذي يطلع فيه القنو ثم ينشق عن العنقود ، فيكون بسرا ثم رطبا ، ثم ينضج ويتناهى ينعه واستواؤه .
قال ابن أبي حاتم ذكر عن عمرو بن علي الصيرفي : حدثنا أبو قتيبة ، حدثنا يونس بن الحارث الطائفي ، عن الشعبي قال : كتب قيصر إلى عمر بن الخطاب : أخبرك أن رسلي أتتني من قبلك ، فزعمت أن قبلكم شجرة ليست بخليقة لشيء من الخير ، تخرج مثل آذان الحمير ، ثم تشقق مثل اللؤلؤ ، ثم تخضر فتكون مثل الزمرد الأخضر ، ثم تحمر فتكون كالياقوت الأحمر ، ثم تينع وتنضج فتكون كأطيب فالوذج أكل ، ثم تيبس فتكون عصمة للمقيم وزادا للمسافر ، فإن تكن رسلي صدقتني فلا أرى هذه الشجرة إلا من شجر الجنة . فكتب إليه عمر بن الخطاب : من عمر أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم ، إن رسلك قد صدقوك ، هذه الشجرة عندنا ، وهي الشجرة التي أنبتها الله على مريم حين نفست بعيسى ابنها ، فاتق الله ولا تتخذ عيسى إلها من دون الله ، فإن ( مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين ) [ آل عمران : 59 ، 60 ] .
وقيل : الأكمام رفاتها ، وهو : الليف الذي على عنق النخلة . وهو قول الحسن وقتادة .
فِيهَا فَٰكِهَةٞ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ ١١
فيها فاكهة أي كل ما يتفكه به الإنسان من ألوان الثمار .
والنخل ذات الأكمام الأكمام جمع كم بالكسر . قال الجوهري : والكمة بالكسر والكمامة وعاء الطلع وغطاء النور والجمع كمام وأكمة وأكمام والأكاميم أيضا . وكم الفصيل إذا أشفق عليه فستر حتى يقوى ، قال العجاج
بل لو شهدت الناس إذ تكموا
بغمة لو لم تفرج غموا
وتكموا أي أغمي عليهم وغطوا . وأكمت النخلة وكممت أي أخرجت أكمامها . والكمام بالكسر والكمامة أيضا ما يكم به فم البعير لئلا يعض ، تقول منه : بعير مكموم أي محجوم . وكممت الشيء غطيته . والكم ما ستر شيئا وغطاه ، ومنه كم القميص بالضم والجمع أكمام وكممة ، مثل حب وحببة . والكمة القلنسوة المدورة ، لأنها تغطي الرأس . قال :
فقلت لهم كيلو بكمة بعضكم دراهمكم إني كذلك أكيل
قال الحسن : ذات الأكمام أي ذات الليف فإن النخلة قد تكمم بالليف ، وكمامها ليفها الذي في أعناقها . ابن زيد : ذات الطلع قبل أن يتفتق . وقال عكرمة : ذات الأحمال .
فِيهَا فَٰكِهَةٞ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ ١١
ثم ذكر ما فيها من الأقوات الضرورية، فقال: { فِيهَا فَاكِهَةٌ } وهي جميع الأشجار التي تثمر الثمرات التي يتفكه بها العباد، من العنب والتين والرمان والتفاح، وغير ذلك، { وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ } أي: ذات الوعاء الذي ينفلق عن القنوان التي تخرج شيئا فشيئا حتى تتم، فتكون قوتا يؤكل ويدخر، يتزود منه المقيم والمسافر، وفاكهة لذيذة من أحسن الفواكه.
وَٱلۡحَبُّ ذُو ٱلۡعَصۡفِ وَٱلرَّيۡحَانُ ٢١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَٱلۡحَبُّ ذُو ٱلۡعَصۡفِ وَٱلرَّيۡحَانُ ٢١
( والحب ذو العصف والريحان ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : ( والحب ذو العصف ) يعني : التبن .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( العصف ) ورق الزرع الأخضر الذي قطع رءوسه ، فهو يسمى العصف إذا يبس . وكذا قال قتادة ، والضحاك ، وأبو مالك : عصفه : تبنه .
وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد : ( والريحان ) يعني : الورق .
وقال الحسن : هو ريحانكم هذا .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( والريحان ) خضر الزرع .
ومعنى هذا - والله أعلم - أن الحب كالقمح والشعير ونحوهما له في حال نباته عصف ، وهو : ما على السنبلة ، وريحان ، وهو : الورق الملتف على ساقها .
وقيل : العصف : الورق أول ما ينبت الزرع بقلا . والريحان : الورق ، يعني : إذا أدجن وانعقد فيه الحب . كما قال زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته المشهورة .
وقولا له : من ينبت الحب في الثرى فيصبح منه البقل يهتز رابيا ؟ ويخرج منه حبه في رءوسه ؟
ففي ذاك آيات لمن كان واعيا
وَٱلۡحَبُّ ذُو ٱلۡعَصۡفِ وَٱلرَّيۡحَانُ ٢١
والحب ذو العصف والريحان الحب الحنطة والشعير ونحوهما ، والعصف التبن ، عن الحسن وغيره . مجاهد : ورق الشجر والزرع . ابن عباس : تبن الزرع وورقه الذي تعصفه الرياح . سعيد بن جبير : بقل الزرع أي أول ما ينبت منه ، وقاله الفراء . والعرب تقول : خرجنا نعصف الزرع إذا قطعوا منه قبل أن يدرك . وكذا في الصحاح : وعصفت الزرع أي جززته قبل أن يدرك . وعن ابن عباس أيضا : العصف ورق الزرع الأخضر إذا قطع رءوسه ويبس ، نظيره : فجعلهم كعصف مأكول . الجوهري : وقد أعصف الزرع ، ومكان معصف أي كثير الزرع . قال أبو قيس بن الأسلت الأنصاري :
إذا جمادى منعت قطرها زان جنابي عطن معصف
والعصف أيضا الكسب ، ومنه قول الراجز :
بغير ما عصف ولا اصطراف
وكذلك الاعتصاف . والعصيفة : الورق المجتمع الذي يكون فيه السنبل . وقال الهروي : والعصف والعصيفة ورق السنبل . وحكى الثعلبي : وقال ابن السكيت تقول العرب لورق الزرع العصف والعصيفة والجل بكسر الجيم . قال علقمة بن عبدة :
تسقي مذانب قد مالت عصيفتها حدورها من أتي الماء مطموم
وفي الصحاح : والجل بالكسر قصب الزرع إذا حصد . والريحان الرزق ، عن ابن عباس ومجاهد . الضحاك : هي لغة حمير . وعن ابن عباس أيضا والضحاك وقتادة : أنه الريحان الذي يشم ، وقاله ابن زيد . وعن ابن عباس أيضا : أنه خضرة الزرع . وقال سعيد بن جبير : هو ما قام على ساق . وقال الفراء : العصف المأكول من الزرع ، والريحان ما لا يؤكل . .
وقال الكلبي : إن العصف الورق الذي لا يؤكل ، والريحان هو الحب المأكول . وقيل : الريحان كل بقلة طيبة الريح سميت ريحانا ، لأن الإنسان يراح لها رائحة طيبة أي يشم فهو فعلان ، روحان من الرائحة ، وأصل الياء في الكلمة واو قلب ياء للفرق بينه وبين الروحاني وهو كل شيء له روح . قال ابن الأعرابي : يقال شيء روحاني وريحاني أي له روح . ويجوز أن يكون على وزن فيعلان فأصله " ريوحان " فأبدل من الواو ياء وأدغم كهين ولين ، ثم ألزم التخفيف لطوله ولحاق الزائدتين الألف والنون ، والأصل فيما يتركب من الراء والواو والحاء الاهتزاز والحركة . وفي الصحاح : والريحان نبت معروف ، والريحان الرزق ، تقول : خرجت أبتغي ريحان الله ، قال النمر بن تولب :
سلام الإله وريحانه ورحمته وسماء درر
وفي الحديث : الولد من ريحان الله . وقولهم : سبحان الله وريحانه ، نصبوهما على المصدر يريدون تنزيها له واسترزاقا . وأما قوله : والحب ذو العصف والريحان فالعصف ساق الزرع ، والريحان ورقه ، عن الفراء . وقراءة العامة والحب ذو العصف والريحان بالرفع فيها كلها على العطف على الفاكهة . ونصبها كلها ابن عامر وأبو حيوة والمغيرة عطفا على الأرض . وقيل : بإضمار فعل ، أي : وخلق الحب ذا العصف والريحان ، فمن هذا الوجه يحسن الوقف على ذات الأكمام . وجر حمزة والكسائي ( الريحان ) عطفا على العصف ، أي فيها الحب ذو العصف والريحان ، ولا يمتنع ذلك على قول من جعل الريحان الرزق ، فيكون كأنه قال : والحب ذو الرزق . والرزق من حيث كان العصف رزقا ، لأن العصف رزق للبهائم ، والريحان رزق للناس ، ولا شبهة فيه في قول من قال إنه الريحان المشموم .
وَٱلۡحَبُّ ذُو ٱلۡعَصۡفِ وَٱلرَّيۡحَانُ ٢١
{ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ } أي: ذو الساق الذي يداس، فينتفع بتبنه للأنعام وغيرها، ويدخل في ذلك حب البر والشعير والذرة [والأرز] والدخن، وغير ذلك، { وَالرَّيْحَانُ } يحتمل أن المراد بذلك جميع الأرزاق التي يأكلها الآدميون، فيكون هذا من باب عطف العام على الخاص، ويكون الله قد امتن على عباده بالقوت والرزق، عموما وخصوصا، ويحتمل أن المراد بالريحان، الريحان المعروف، وأن الله امتن على عباده بما يسره في الأرض من أنواع الروائح الطيبة، والمشام الفاخرة، التي تسر الأرواح، وتنشرح لها النفوس.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣١
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣١
وقوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) أي : فبأي الآلاء - يا معشر الثقلين ، من الإنس والجن - تكذبان ؟ قاله مجاهد ، وغير واحد . ويدل عليه السياق بعده ، أي : النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها ، لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها ، فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون : " اللهم ، ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب ، فلك الحمد " . وكان ابن عباس يقول : " لا بأيها يا رب " . أي : لا نكذب بشيء منها .
قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن أسماء بنت أبي بكر قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر ، والمشركون يستمعون ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣١
فبأي آلاء ربكما تكذبان خطاب للإنس والجن ، لأن الأنام واقع عليهما . وهذا قول الجمهور ، يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة ، وخرجه الترمذي وفيه : للجن أحسن منكم ردا . وقيل : لما قال : خلق الإنسان وخلق الجان دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما . وأيضا قال : سنفرغ لكم أيها الثقلان وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : يا معشر الجن والإنس . وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر ، كقوله تعالى : حتى توارت بالحجاب . وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن ، والقرآن كالسورة الواحدة ، فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات . وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية ، حسب ما تقدم من القول في ألقيا في جهنم . وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] :
قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ]
خليلي مرا بي على [ أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد خلق الإنسان وخلق الجان فإنه خطاب للإنس والجن ، والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : والأرض وضعها للأنام والآلاء : النعم ، وهو قول جميع المفسرين ، واحدها إلى وألى مثل معى وعصا ، وإلي وألي ؛ أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد آناء الليل ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام ، وقد مضى في ( الأعراف ) و ( النجم ) . وقال ابن زيد : إنها القدرة ، وتقدير الكلام : فبأي قدرة ربكما تكذبان ، وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي ، وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن ، والعلم إمام الجند والجند تتبعه ، وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة ، فقال : الرحمن علم القرآن فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : الرحمن علم القرآن ثم ذكر الإنسان فقال : خلق الإنسان ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به ، ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر ، وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل ، ووضع الأرض للأنام ، فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك ، فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه ، وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم ، فقال سائلا لهم : فبأي آلاء ربكما تكذبان أي بأي قدرة ربكما تكذبان ، فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه ، فذلك تكذيبهم . ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال ، وذكر خلق الجان من مارج من نار ، ثم سألهم فقال :فبأي آلاء ربكما تكذبان أي بأي قدرة ربكما تكذبان ، فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة ، فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير ، واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق . وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه ، وذكر خلقه آلاءه ، ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها ، كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك ؛ أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك ؛ أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك ؛ أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك ؛ أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا . قال :
كم نعمة كانت لكم كم كم وكم
وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة ، وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣١
ولما ذكر جملة كثيرة من نعمه التي تشاهد بالأبصار والبصائر، وكان الخطاب للثقلين، الإنس والجن، قررهم تعالى بنعمه، فقال: { فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } أي: فبأي نعم الله الدينية والدنيوية تكذبان ؟
وما أحسن جواب الجن حين تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة، فما مر بقوله: { فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } إلا قالوا ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب، فلك الحمد، فهذا الذي ينبغي للعبد إذا تليت عليه نعم الله وآلاؤه، أن يقر بها ويشكر، ويحمد الله عليها.
خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ كَٱلۡفَخَّارِ ٤١
نسخ
مشاركة
التفسير
خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ كَٱلۡفَخَّارِ ٤١
يذكر تعالى خلقه الإنسان من صلصال كالفخار.
خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ كَٱلۡفَخَّارِ ٤١
قوله تعالى : خلق الإنسان لما ذكر سبحانه خلق العالم الكبير من السماء والأرض ، وما فيهما من الدلالات على وحدانيته وقدرته ذكر خلق العالم الصغير فقال : خلق الإنسان باتفاق من أهل التأويل يعني آدم .
من صلصال كالفخار الصلصال الطين اليابس الذي يسمع له صلصلة ، شبهه بالفخار الذي طبخ . وقيل : هو طين خلط برمل . وقيل : هو الطين المنتن - من صل اللحم وأصل - إذا أنتن ، وقد مضى في ( الحجر ) . وقال هنا : من صلصال كالفخار ، وقال هناك : من صلصال من حمإ مسنون ، وقال : إنا خلقناهم من طين لازب ، وقال : كمثل آدم خلقه من تراب وذلك متفق المعنى ، وذلك أنه أخذ من تراب الأرض فعجنه فصار طينا ، ثم انتقل فصار كالحمإ المسنون ، ثم انتقل فصار صلصالا كالفخار .
وخلق الجان من مارج من نار قال الحسن : الجان إبليس وهو أبو الجن . وقيل : الجان واحد الجن ، والمارج اللهب ، عن ابن عباس ، وقال : خلق الله الجان من خالص النار . وعنه أيضا من لسانها الذي يكون في طرفها إذا التهبت . وقال الليث : المارج الشعلة الساطعة ذات اللهب الشديد . وعن ابن عباس أنه اللهب الذي يعلو النار فيختلط بعضه ببعض أحمر وأصفر وأخضر ، ونحوه عن مجاهد ، وكله متقارب المعنى . وقيل : المارج كل أمر مرسل غير ممنوع ، ونحوه قول المبرد ، قال المبرد : المارج النار المرسلة التي لا تمنع . وقال أبو عبيدة والحسن : المارج خلط النار ، وأصله من مرج إذا اضطرب واختلط ، ويروى أن الله تعالى خلق نارين فمرج إحداهما بالأخرى ، فأكلت إحداهما الأخرى وهي نار السموم فخلق منها إبليس . قال القشيري والمارج في اللغة المرسل أو المختلط وهو فاعل بمعنى مفعول ، كقوله : ماء دافق وعيشة راضية والمعنى ذو مرج ، قال الجوهري في الصحاح : ومارج من نار : نار لا دخان لها خلق منها الجان .
فبأي آلاء ربكما تكذبان قوله تعالى : رب المشرقين ورب المغربين أي هو رب المشرقين . وفي ( الصافات ) ورب المشارق وقد مضى الكلام في ذلك هنالك .
خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ كَٱلۡفَخَّارِ ٤١
وهذا من نعمه تعالى على عباده، حيث أراهم [من] آثار قدرته وبديع صنعته، أن { خَلَقَ } أبا الإنس وهو آدم عليه السلام { مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ } أي: من طين مبلول، قد أحكم بله وأتقن، حتى جف، فصار له صلصلة وصوت يشبه صوت الفخار الذي طبخ على النار .
وَخَلَقَ ٱلۡجَآنَّ مِن مَّارِجٖ مِّن نَّارٖ ٥١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَخَلَقَ ٱلۡجَآنَّ مِن مَّارِجٖ مِّن نَّارٖ ٥١
وخلقه الجان من مارج من نار ، وهو : طرف لهبها . قاله الضحاك ، عن ابن عباس . وبه يقول عكرمة ، ومجاهد ، والحسن ، وابن زيد .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( من مارج من نار ) من لهب النار ، من أحسنها .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( من مارج من نار ) من خالص النار . وكذا قال عكرمة ، ومجاهد ، والضحاك وغيرهم .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم " .
ورواه مسلم ، عن محمد بن رافع ، وعبد بن حميد ، كلاهما عن عبد الرزاق ، به .
وَخَلَقَ ٱلۡجَآنَّ مِن مَّارِجٖ مِّن نَّارٖ ٥١
قوله تعالى : خلق الإنسان لما ذكر سبحانه خلق العالم الكبير من السماء والأرض ، وما فيهما من الدلالات على وحدانيته وقدرته ذكر خلق العالم الصغير فقال : خلق الإنسان باتفاق من أهل التأويل يعني آدم .
من صلصال كالفخار الصلصال الطين اليابس الذي يسمع له صلصلة ، شبهه بالفخار الذي طبخ . وقيل : هو طين خلط برمل . وقيل : هو الطين المنتن - من صل اللحم وأصل - إذا أنتن ، وقد مضى في ( الحجر ) . وقال هنا : من صلصال كالفخار ، وقال هناك : من صلصال من حمإ مسنون ، وقال : إنا خلقناهم من طين لازب ، وقال : كمثل آدم خلقه من تراب وذلك متفق المعنى ، وذلك أنه أخذ من تراب الأرض فعجنه فصار طينا ، ثم انتقل فصار كالحمإ المسنون ، ثم انتقل فصار صلصالا كالفخار .
وخلق الجان من مارج من نار قال الحسن : الجان إبليس وهو أبو الجن . وقيل : الجان واحد الجن ، والمارج اللهب ، عن ابن عباس ، وقال : خلق الله الجان من خالص النار . وعنه أيضا من لسانها الذي يكون في طرفها إذا التهبت . وقال الليث : المارج الشعلة الساطعة ذات اللهب الشديد . وعن ابن عباس أنه اللهب الذي يعلو النار فيختلط بعضه ببعض أحمر وأصفر وأخضر ، ونحوه عن مجاهد ، وكله متقارب المعنى . وقيل : المارج كل أمر مرسل غير ممنوع ، ونحوه قول المبرد ، قال المبرد : المارج النار المرسلة التي لا تمنع . وقال أبو عبيدة والحسن : المارج خلط النار ، وأصله من مرج إذا اضطرب واختلط ، ويروى أن الله تعالى خلق نارين فمرج إحداهما بالأخرى ، فأكلت إحداهما الأخرى وهي نار السموم فخلق منها إبليس . قال القشيري والمارج في اللغة المرسل أو المختلط وهو فاعل بمعنى مفعول ، كقوله : ماء دافق وعيشة راضية والمعنى ذو مرج ، قال الجوهري في الصحاح : ومارج من نار : نار لا دخان لها خلق منها الجان .
وَخَلَقَ ٱلۡجَآنَّ مِن مَّارِجٖ مِّن نَّارٖ ٥١
{ وَخَلَقَ الْجَانَّ } أي: أبا الجن، وهو إبليس اللعين { مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ } أي: من لهب النار الصافي، أو الذي قد خالطه الدخان، وهذا يدل على شرف عنصر الآدمي المخلوق من الطين والتراب، الذي هو محل الرزانة والثقل والمنافع، بخلاف عنصر الجان وهو النار، التي هي محل الخفة والطيش والشر والفساد.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٦١
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٦١
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٦١
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٦١
ولما بين خلق الثقلين ومادة ذلك وكان ذلك منة منه [تعالى] على عباده قال: { فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }
رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ ٧١
نسخ
مشاركة
التفسير
رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ ٧١
( رب المشرقين ورب المغربين ) يعني مشرقي الصيف والشتاء ، ومغربي الصيف والشتاء . وقال في الآية الأخرى : ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب ) [ المعارج : 40 ] ، وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم ، وبروزها منه إلى الناس . وقال في الآية الأخرى : ( رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) [ المزمل : 9 ] . وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب ، ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس
رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ ٧١
قوله تعالى : رب المشرقين ورب المغربين أي هو رب المشرقين . وفي ( الصافات ) ورب المشارق وقد مضى الكلام في ذلك هنالك .
رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ ٧١
أي: هو تعالى رب كل ما أشرقت عليه الشمس والقمر، والكواكب النيرة، وكل ما غربت عليه، [وكل ما كانا فيه] فهي تحت تدبيره وربوبيته، وثناهما هنا لإرادة العموم مشرقي الشمس شتاء وصيفا، ومغربها كذلك
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٨١
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٨١
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٨١
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٨١
تقدم تفسيرها
مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ يَلۡتَقِيَانِ ٩١
نسخ
مشاركة
التفسير
مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ يَلۡتَقِيَانِ ٩١
وقوله : ( مرج البحرين يلتقيان ) قال ابن عباس : أي أرسلهما .
وقوله : ( يلتقيان ) قال ابن زيد : أي : منعهما أن يلتقيا ، بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما .
والمراد بقوله : ( البحرين ) الملح والحلو ، فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس . وقد قدمنا الكلام على ذلك في سورة " الفرقان " عند قوله تعالى : ( وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا ) [ الفرقان : 53 ] . وقد اختار ابن جرير هاهنا أن المراد بالبحرين : بحر السماء وبحر الأرض ، وهو مروي عن مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعطية وابن أبزى .
قال ابن جرير : لأن اللؤلؤ يتولد من ماء السماء ، وأصداف بحر الأرض . وهذا وإن كان هكذا ، ليس المراد [ بذلك ] ما ذهب إليه ، فإنه لا يساعده اللفظ
مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ يَلۡتَقِيَانِ ٩١
قوله تعالى : مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان مرج أي خلى وأرسل وأهمل ، يقال : مرج السلطان الناس إذا أهملهم . وأصل المرج الإهمال كما تمرج الدابة في المرعى . ويقال : مرج خلط . وقال الأخفش : ويقول قوم أمرج البحرين مثل مرج ، فعل وأفعل بمعنى . البحرين قال ابن عباس : بحر السماء وبحر الأرض ، وقاله مجاهد وسعيد بن جبير .
يلتقيان في كل عام . وقيل : يلتقي طرفاهما . وقال الحسن ، وقتادة : بحر فارس والروم . وقال ابن جريج : إنه البحر المالح والأنهار العذبة . وقيل : بحر المشرق والمغرب يلتقي طرفاهما . وقيل : بحر اللؤلؤ والمرجان .
مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ يَلۡتَقِيَانِ ٩١
المراد بالبحرين: البحر العذب، والبحر المالح، فهما يلتقيان كلاهما، فيصب العذب في البحر المالح، ويختلطان ويمتزجان،
بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٞ لَّا يَبۡغِيَانِ ٠٢
نسخ
مشاركة
التفسير
بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٞ لَّا يَبۡغِيَانِ ٠٢
فإنه تعالى قد قال : ( بينهما برزخ لا يبغيان ) أي : وجعل بينهما برزخا ، وهو الحاجز من الأرض ، لئلا يبغي هذا على هذا ، وهذا على هذا ، فيفسد كل واحد منهما الآخر ، ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه . وما بين السماء والأرض لا يسمى برزخا وحجرا محجورا .
بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٞ لَّا يَبۡغِيَانِ ٠٢
بينهما برزخ أي حاجز ، فعلى القول الأول ما بين السماء والأرض ؛ قاله الضحاك . وعلى القول الثاني الأرض التي بينهما وهي الحجاز ؛ قاله الحسن وقتادة . وعلى غيرهما من الأقوال : القدرة الإلهية على ما تقدم في ( الفرقان ) . وفي الخبر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى كلم الناحية الغربية فقال : إني جاعل فيك عبادا لي يسبحونني ويكبرونني ويهللونني ويمجدونني فكيف أنت لهم ؟ فقالت : أغرقهم يا رب . قال : إني أحملهم على يدي ، وأجعل بأسك في نواحيك . ثم كلم الناحية الشرقية فقال : إني جاعل فيك عبادا لي يسبحونني ويكبرونني ويهللونني ويمجدونني فكيف أنت لهم ؟ قالت : أسبحك معهم إذا سبحوك ، وأكبرك معهم إذا كبروك ، وأهللك معهم إذا هللوك ، وأمجدك معهم إذا مجدوك ، فأثابها الله الحلية وجعل بينهما برزخا ، وتحول أحدهما ملحا أجاجا ، وبقي الآخر على حالته عذبا فراتا ذكر هذا الخبر الترمذي الحكيم أبو عبد الله قال : حدثنا صالح بن محمد ، حدثنا القاسم العمري عن سهل عن أبيه عن أبي هريرة .
لا يبغيان قال قتادة : لا يبغيان على الناس فيغرقانهم ، جعل بينهما وبين الناس يبسا . وعنه أيضا ومجاهد : لا يبغي أحدهما على صاحبه فيغلبه . ابن زيد : المعنى لا يبغيان أن يلتقيا ، وتقدير الكلام : مرج البحرين يلتقيان ، لولا البرزخ الذي بينهما لا يبغيان أن يلتقيا . وقيل : البرزخ ما بين الدنيا والآخرة ، أي بينهما مدة قدرها الله وهي مدة الدنيا فهما لا يبغيان ، فإذا أذن الله في انقضاء الدنيا صار البحران شيئا واحدا ، وهو كقوله تعالى : وإذا البحار فجرت . وقال سهل بن عبد الله : البحران طريق الخير والشر ، والبرزخ الذي بينهما التوفيق والعصمة .
بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٞ لَّا يَبۡغِيَانِ ٠٢
ولكن الله تعالى جعل بينهما برزخا من الأرض، حتى لا يبغي أحدهما على الآخر، ويحصل النفع بكل منهما، فالعذب منه يشربون وتشرب أشجارهم وزروعهم، والملح به يطيب الهواء ويتولد الحوت والسمك، واللؤلؤ والمرجان، ويكون مستقرا مسخرا للسفن والمراكب.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٢
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٢
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٢
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٢
تقدم تفسيرها
يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ ٢٢
نسخ
مشاركة
التفسير
يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ ٢٢
وقوله : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) أي : من مجموعهما ، فإذا وجد ذلك لأحدهما كفى ، كما قال تعالى : ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) [ الأنعام : 130 ] والرسل إنما كانوا في الإنس خاصة دون الجن ، وقد صح هذا الإطلاق . واللؤلؤ معروف ، وأما المرجان فقيل : هو صغار اللؤلؤ . قاله مجاهد ، وقتادة ، وأبو رزين ، والضحاك . وروي عن علي .
وقيل : كباره وجيده . حكاه ابن جرير عن بعض السلف . ورواه ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس ، وحكاه عن السدي ، عمن حدثه ، عن ابن عباس . وروي مثله عن علي ، ومجاهد أيضا ، ومرة الهمداني .
وقيل : هو نوع من الجواهر أحمر اللون . قال السدي ، عن أبي مالك ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : المرجان : الخرز الأحمر . قال السدي وهو البسذ بالفارسية .
وأما قوله : ( ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها ) [ فاطر : 12 ] ، فاللحم من كل من الأجاج والعذب ، والحلية ، إنما هي من الملح دون العذب .
قال ابن عباس : ما سقطت قط قطرة من السماء في البحر ، فوقعت في صدفة إلا صار منها لؤلؤة . وكذا قال عكرمة ، وزاد : فإذا لم تقع في صدفة نبتت بها عنبرة . وروي من غير وجه عن ابن عباس نحوه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : إذا أمطرت السماء ، فتحت الأصداف في البحر أفواهها ، فما وقع فيها - يعني : من قطر - فهو اللؤلؤ .
إسناده صحيح ، ولما كان اتخاذ هذه الحلية نعمة على أهل الأرض ، امتن بها عليهم فقال : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ ٢٢
قوله تعالى : يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان أي يخرج لكم من الماء اللؤلؤ والمرجان ، كما يخرج من التراب الحب والعصف والريحان . وقرأ نافع وأبو عمرو " يخرج " بضم الياء وفتح الراء على الفعل المجهول . الباقون يخرج بفتح الياء وضم الراء على أن اللؤلؤ هو الفاعل . وقال : منهما وإنما يخرج من الملح لا العذب لأن العرب تجمع الجنسين ثم تخبر عن أحدهما ، كقوله تعالى : يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم وإنما الرسل من الإنس دون الجن ، قال الكلبي وغيره . قال الزجاج : قد ذكرهما الله فإذا خرج من أحدهما شيء فقد خرج منهما ، وهو كقوله تعالى : ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا والقمر في سماء الدنيا ولكن أجمل ذكر السبع فكأن ما في إحداهن فيهن . وقال أبو علي الفارسي : هذا من باب حذف المضاف ، أي من إحداهما ، كقوله : على رجل من القريتين عظيم أي من إحدى القريتين . وقال الأخفش سعيد : زعم قوم أنه يخرج اللؤلؤ من العذب . وقيل : هما بحران يخرج من أحدهما اللؤلؤ ومن الآخر المرجان . ابن عباس : هما بحرا السماء والأرض . فإذا وقع ماء السماء في صدف البحر انعقد لؤلؤا فصار خارجا منهما ، وقاله الطبري . قال الثعلبي : ولقد ذكر لي أن نواة كانت في جوف صدفة ، فأصابت القطرة بعض النواة ولم تصب البعض ، فكان حيث أصاب القطرة من النواة لؤلؤة وسائرها نواة . وقيل : إن العذب والملح قد يلتقيان ، فيكون العذب كاللقاح للملح ، فنسب إليهما كما ينسب الولد إلى الذكر والأنثى وإن ولدته الأنثى ، لذلك قيل : إنه لا يخرج اللؤلؤ إلا من وضع يلتقي فيه العذب والملح . وقيل : المرجان عظام اللؤلؤ وكباره ؛ قاله علي وابن عباس رضي الله عنهما . واللؤلؤ صغاره . وعنهما أيضا بالعكس : إن اللؤلؤ كبار اللؤلؤ والمرجان صغاره ، وقاله الضحاك وقتادة . وقال ابن مسعود وأبو مالك : المرجان الخرز الأحمر .
يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ ٢٢
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣٢
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣٢
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣٢
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣٢
تقدم تفسيرها
وَلَهُ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡمُنشََٔاتُ فِي ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَٰمِ ٤٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَهُ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡمُنشََٔاتُ فِي ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَٰمِ ٤٢
وقوله : ( وله الجوار المنشآت ) يعني : السفن التي تجري في البحر ، قال مجاهد : ما رفع قلعه من السفن فهي منشأة ، وما لم يرفع قلعه فليس بمنشأة ، وقال قتادة : ( المنشآت ) يعني المخلوقات . وقال غيره : المنشآت - بكسر الشين - يعني البادئات .
( كالأعلام ) أي : كالجبال في كبرها ، وما فيها من المتاجر والمكاسب المنقولة من قطر إلى قطر ، وإقليم إلى إقليم ، مما فيه من صلاح للناس في جلب ما يحتاجون إليه من سائر أنواع البضائع; ولهذا قال [ تعالى ] ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا العرار بن سويد ، عن عميرة بن سعد قال : كنت مع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على شاطئ الفرات إذ أقبلت سفينة مرفوع شراعها ، فبسط على يديه ثم قال : يقول الله عز وجل : ( وله الجواري المنشآت في البحر كالأعلام ) . والذي أنشأها تجري في [ بحر من ] بحوره ما قتلت عثمان ، ولا مالأت على قتله .
وَلَهُ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡمُنشََٔاتُ فِي ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَٰمِ ٤٢
قوله تعالى : وله الجوار يعني السفن . وقرأ يعقوب " الجواري " بياء في الوقف ، وحذف الباقون .
المنشآت في البحر قراءة العامة المنشآت بفتح الشين ، قال قتادة : أي : المخلوقات للجري مأخوذ من الإنشاء . وقال مجاهد : هي السفن التي رفع قلعها ، قال : وإذا لم يرفع قلعها فليست بمنشآت . وقال الأخفش : إنها المجريات . وفي الحديث : أن عليا رضي الله عنه رأى سفنا مقلعة ، فقال : ورب هذه الجواري المنشآت ما قتلت عثمان ولا مالأت في قتله . وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم باختلاف عنه " المنشئات " بكسر الشين أي : المنشئات السير ، أضيف الفعل إليها على التجوز والاتساع . وقيل : الرافعات الشرع أي : القلع . ومن فتح الشين قال : المرفوعات الشرع . كالأعلام أي كالجبال ، والعلم الجبل الطويل ، قال :
إذا قطعن علما بدا علم
فالسفن في البحر كالجبال في البر ، وقد مضى في ( الشورى ) بيانه .
وقرأ يعقوب " الجواري " بياء في الوقف وحذف الباقون .
وَلَهُ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡمُنشََٔاتُ فِي ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَٰمِ ٤٢
أي: وسخر تعالى لعباده السفن الجواري، التي تمخر البحر وتشقه بإذن الله، التي ينشئها الآدميون، فتكون من كبرها وعظمها كالأعلام، وهي الجبال العظيمة، فيركبها الناس، ويحملون عليها أمتعتهم وأنواع تجاراتهم، وغير ذلك مما تدعو إليه حاجتهم وضرورتهم، وقد حفظها حافظ السماوات والأرض، وهذه من نعم الله الجليلة.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٢
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٢
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٢
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٢
تقدم تفسيرها
كُلُّ مَنۡ عَلَيۡهَا فَانٖ ٦٢
نسخ
مشاركة
التفسير
كُلُّ مَنۡ عَلَيۡهَا فَانٖ ٦٢
يخبر تعالى أن جميع أهل الأرض سيذهبون ويموتون أجمعون ، وكذلك أهل السماوات إلا من شاء الله ، ولا يبقى أحد سوى وجهه الكريم ; فإن الرب - تعالى وتقدس - لا يموت ، بل هو الحي الذي لا يموت أبدا .
قال قتادة : أنبأ بما خلق ، ثم أنبأ أن ذلك كله كان .
وفي الدعاء المأثور : يا حي ، يا قيوم ، يا بديع السماوات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، لا إله إلا أنت ، برحمتك نستغيث ، أصلح لنا شأننا كله ، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، ولا إلى أحد من خلقك .
وقال الشعبي : إذا قرأت ( كل من عليها فان ) ، فلا تسكت حتى تقرأ : ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) .
وهذه الآية كقوله تعالى : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) [ القصص : 88 ] ، وقد نعت تعالى وجهه الكريم في هذه الآية الكريمة بأنه ( ذو الجلال والإكرام ) أي : هو أهل أن يجل فلا يعصى ، وأن يطاع فلا يخالف ، كقوله : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) [ الكهف : 28 ] ، وكقوله إخبارا عن المتصدقين : ( إنما نطعمكم لوجه الله ) [ الإنسان : 9 ]
قال ابن عباس : ( ذو الجلال والإكرام ) ذو العظمة والكبرياء .
ولما أخبر عن تساوي أهل الأرض كلهم في الوفاة ، وأنهم سيصيرون إلى الدار الآخرة ، فيحكم فيهم ذو الجلال والإكرام بحكمه العدل
كُلُّ مَنۡ عَلَيۡهَا فَانٖ ٦٢
قوله تعالى : كل من عليها فان الضمير في عليها للأرض ، وقد جرى ذكرها في أول السورة في قوله تعالى : والأرض وضعها للأنام وقد يقال : هو أكرم من عليها يعنون الأرض وإن لم يجر لها ذكر . وقال ابن عباس : لما نزلت هذه الآية قالت الملائكة هلك أهل الأرض فنزلت : كل شيء هالك إلا وجهه فأيقنت الملائكة بالهلاك ، وقاله مقاتل . ووجه النعمة في فناء الخلق التسوية بينهم في الموت ، ومع الموت تستوي الأقدام . وقيل : وجه النعمة أن الموت سبب النقل إلى دار الجزاء والثواب .
كُلُّ مَنۡ عَلَيۡهَا فَانٖ ٦٢
أي: كل من على الأرض، من إنس وجن، ودواب، وسائر المخلوقات، يفنى ويموت ويبيد
وَيَبۡقَىٰ وَجۡهُ رَبِّكَ ذُو ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ ٧٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَيَبۡقَىٰ وَجۡهُ رَبِّكَ ذُو ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ ٧٢
يخبر تعالى أن جميع أهل الأرض سيذهبون ويموتون أجمعون ، وكذلك أهل السماوات إلا من شاء الله ، ولا يبقى أحد سوى وجهه الكريم ; فإن الرب - تعالى وتقدس - لا يموت ، بل هو الحي الذي لا يموت أبدا .
قال قتادة : أنبأ بما خلق ، ثم أنبأ أن ذلك كله كان .
وفي الدعاء المأثور : يا حي ، يا قيوم ، يا بديع السماوات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، لا إله إلا أنت ، برحمتك نستغيث ، أصلح لنا شأننا كله ، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، ولا إلى أحد من خلقك .
ولما أخبر عن تساوي أهل الأرض كلهم في الوفاة ، وأنهم سيصيرون إلى الدار الآخرة ، فيحكم فيهم ذو الجلال والإكرام بحكمه العدل
وَيَبۡقَىٰ وَجۡهُ رَبِّكَ ذُو ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ ٧٢
والإكرام أي هو أهل لأن يكرم عما لا يليق به من الشرك ، كما تقول : أنا أكرمك عن هذا ، ومنه إكرام الأنبياء والأولياء . وقد أتينا على هذين الاسمين لغة ومعنى في الكتاب الأسنى مستوفى . وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ألظوا ب " يا ذا الجلال والإكرام " . وروي أنه من قول ابن مسعود ، ومعناه : الزموا ذلك في الدعاء . قال أبو عبيد : الإلظاظ : لزوم الشيء والمثابرة عليه . ويقال : الإلظاظ الإلحاح . وعن سعيد المقبري أن رجلا ألح فجعل يقول : اللهم يا ذا الجلال والإكرام ! اللهم يا ذا الجلال والإكرام ! فنودي : إني قد سمعت فما حاجتك ؟ .
وَيَبۡقَىٰ وَجۡهُ رَبِّكَ ذُو ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ ٧٢
ويبقى الحي الذي لا يموت { ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } أي: ذو العظمة والكبرياء والمجد، الذي يعظم ويبجل ويجل لأجله، والإكرام الذي هو سعة الفضل والجود، والداعي لأن يكرم أولياءه وخواص خلقه بأنواع الإكرام، الذي يكرمه أولياؤه ويجلونه، [ويعظمونه] ويحبونه، وينيبون إليه ويعبدونه،
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٨٢
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٨٢
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٨٢
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٨٢
تقدم تفسيرها
يَسَۡٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ ٩٢
نسخ
مشاركة
التفسير
يَسَۡٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ ٩٢
وقوله : ( يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ) وهذا إخبار عن غناه عما سواه وافتقار الخلائق إليه في جميع الآنات ، وأنهم يسألونه بلسان حالهم وقالهم ، وأنه كل يوم هو في شأن .
قال الأعمش ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير : ( كل يوم هو في شأن ) ، قال : من شأنه أن يجيب داعيا ، أو يعطي سائلا أو يفك عانيا ، أو يشفي سقيما .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : كل يوم هو يجيب داعيا ، ويكشف كربا ، ويجيب مضطرا ويغفر ذنبا .
وقال قتادة : لا يستغني عنه أهل السماوات والأرض ، يحيي حيا ، ويميت ميتا ، ويربي صغيرا ، ويفك أسيرا ، وهو منتهى حاجات الصالحين وصريخهم ، ومنتهى شكواهم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو اليمان الحمصي ، حدثنا حريز بن عثمان ، عن سويد بن جبلة - هو الفزاري - قال : إن ربكم كل يوم هو في شأن ، فيعتق رقابا ، ويعطي رغابا ، ويقحم عقابا .
وقال ابن جرير : حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي ، حدثني إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي ، حدثني عمرو بن بكر السكسكي ، حدثنا الحارث بن عبدة بن رباح الغساني ، عن أبيه ، عن منيب بن عبد الله بن منيب الأزدي ، عن أبيه قال : تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية : ( كل يوم هو في شأن ) ، فقلنا : يا رسول الله ، وما ذاك الشأن ؟ قال : " أن يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويرفع قوما ، ويضع آخرين " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، وسليمان بن أحمد الواسطي قالا : حدثنا الوزير بن صبيح الثقفي أبو روح الدمشقي - والسياق لهشام - قال : سمعت يونس بن ميسرة بن حلبس ، يحدث عن أم الدرداء عن أبي الدرداء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " قال الله عز وجل : ( كل يوم هو في شأن ) قال : " من شأنه أن يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويرفع قوما ، ويضع آخرين " .
وقد رواه ابن عساكر من طرق متعددة ، عن هشام بن عمار ، به . ثم ساقه من حديث أبي همام الوليد بن شجاع ، عن الوزير بن صبيح قال : ودلنا عليه الوليد بن مسلم ، عن مطرف ، عن الشعبي ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره . قال : والصحيح الأول . يعني إسناده الأول .
قلت : وقد روي موقوفا ، كما علقه البخاري بصيغة الجزم ، فجعله من كلام أبي الدرداء ، فالله أعلم .
وقال البزار : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن الحارث ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني ، عن أبيه عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( كل يوم هو في شأن ) ، قال : " يغفر ذنبا ، ويكشف كربا " .
ثم قال ابن جرير : وحدثنا أبو كريب ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء ، دفتاه ياقوتة حمراء ، قلمه نور ، وكتابه نور ، عرضه ما بين السماء والأرض ، ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ، يخلق في كل نظرة ، ويحيي ويميت ، ويعز ويذل ، ويفعل ما يشاء .
يَسَۡٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ ٩٢
قوله تعالى : يسأله من في السماوات والأرض قيل : المعنى يسأله من في السماوات الرحمة ، ومن في الأرض الرزق . وقال ابن عباس وأبو صالح : أهل السماوات يسألونه المغفرة ولا يسألونه الرزق ، وأهل الأرض يسألونهما جميعا . وقال ابن جريج : وتسأل الملائكة الرزق لأهل الأرض ، فكانت المسألتان جميعا من أهل السماء وأهل الأرض لأهل الأرض . وفي الحديث : إن من الملائكة ملكا له أربعة أوجه ؛ وجه كوجه الإنسان وهو يسأل الله الرزق لبني آدم ، ووجه كوجه الأسد وهو يسأل الله الرزق للسباع ، ووجه كوجه الثور وهو يسأل الله الرزق للبهائم ، ووجه كوجه النسر وهو يسأل الله الرزق للطير . وقال ابن عطاء : إنهم سألوه القوة على العبادة . كل يوم هو في شأن هذا كلام مبتدأ . وانتصب كل يوم ظرفا لقوله : في شأن أو ظرفا للسؤال ، ثم يبتدئ هو في شأن . وروى أبو الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل يوم هو في شأن قال : من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين . وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل : كل يوم هو في شأن قال : يغفر ذنبا ويكشف كربا ويجيب داعيا . وقيل : من شأنه أن يحيي ويميت ، ويعز ويذل ، ويرزق ويمنع . وقيل : أراد شأنه في يومي الدنيا والآخرة . قال ابن بحر : الدهر كله يومان ، أحدهما : مدة أيام الدنيا ، والآخر : يوم القيامة ، فشأنه سبحانه وتعالى في أيام الدنيا الابتلاء والاختبار بالأمر والنهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع ، وشأنه يوم القيامة الجزاء والحساب ، والثواب والعقاب . وقيل : المراد بذلك الإخبار عن شأنه في كل يوم من أيام الدنيا وهو الظاهر . والشأن في اللغة الخطب العظيم والجمع الشئون والمراد بالشأن هاهنا الجمع كقوله تعالى : ثم يخرجكم طفلا . وقال الكلبي : شأنه سوق المقادير إلى المواقيت . وقال عمرو بن ميمون في قوله تعالى : كل يوم هو في شأن من شأنه أن يميت حيا ، ويقر في الأرحام ما شاء ، ويعز ذليلا ، ويذل عزيزا . وسأل بعض الأمراء وزيره عن قوله تعالى : كل يوم هو في شأن فلم يعرف معناها ، واستمهله إلى الغد فانصرف كئيبا إلى منزله فقال له غلام له أسود : ما شأنك ؟ فأخبره . فقال له : عد إلى الأمير فإني أفسرها له ، فدعاه فقال : أيها الأمير ! شأنه أن يولج الليل في النهار ، ويولج النهار في الليل ، ويخرج الحي من الميت ، ويخرج الميت من الحي ، ويشفي سقيما ، ويسقم سليما ، ويبتلي معافى ، ويعافي مبتلى ، ويعز ذليلا ويذل عزيزا ، ويفقر غنيا ويغني فقيرا ، فقال له : فرجت عني فرج الله عنك ، ثم أمر بخلع ثياب الوزير وكساها الغلام ، فقال : يا مولاي ! هذا من شأن الله تعالى . وعن عبد الله بن طاهر : أنه دعا الحسين بن الفضل وقال له : أشكلت علي ثلاث آيات دعوتك لتكشفها لي ؛ قوله تعالى : فأصبح من النادمين وقد صح أن الندم توبة . وقوله : كل يوم هو في شأن وقد صح أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة . وقوله : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى . فما بال الأضعاف ؟ فقال الحسين : يجوز ألا يكون الندم توبة في تلك الأمة ، ويكون توبة في هذه الأمة ، لأن الله تعالى خص هذه الأمة بخصائص لم تشاركهم فيها الأمم . وقيل : إن ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل ولكن على حمله . وأما قوله : كل يوم هو في شأن فإنها شئون يبديها لا شئون يبتديها . وأما قوله : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى فمعناه : ليس له إلا ما سعى عدلا ولي أن أجزيه بواحدة ألفا فضلا . فقام عبد الله . وقبل رأسه وسوغ خراجه .
يَسَۡٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ ٩٢
أي: هو الغني بذاته عن جميع مخلوقاته، وهو واسع الجود والكرم، فكل الخلق مفتقرون إليه، يسألونه جميع حوائجهم، بحالهم ومقالهم، ولا يستغنون عنه طرفة عين ولا أقل من ذلك، وهو تعالى { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } يغني فقيرا، ويجبر كسيرا، ويعطي قوما، ويمنع آخرين، ويميت ويحيي، ويرفع ويخفض، لا يشغله شأن عن شأن، ولا تغلطه المسائل، ولا يبرمه إلحاح الملحين، ولا طول مسألة السائلين، فسبحان الكريم الوهاب، الذي عمت مواهبه أهل الأرض والسماوات، وعم لطفه جميع الخلق في كل الآنات واللحظات، وتعالى الذي لا يمنعه من الإعطاء معصية العاصين، ولا استغناء الفقراء الجاهلين به وبكرمه، وهذه الشئون التي أخبر أنه تعالى كل يوم هو في شأن، هي تقاديره وتدابيره التي قدرها في الأزل وقضاها، لا يزال تعالى يمضيها وينفذها في أوقاتها التي اقتضته حكمته، وهي أحكامه الدينية التي هي الأمر والنهي، والقدرية التي يجريها على عباده مدة مقامهم في هذه الدار، حتى إذا تمت [هذه] الخليقة وأفناهم الله تعالى وأراد تعالى أن ينفذ فيهم أحكام الجزاء، ويريهم من عدله وفضله وكثرة إحسانه، ما به يعرفونه ويوحدونه، نقل المكلفين من دار الابتلاء والامتحان إلى دار الحيوان.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٠٣
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٠٣
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٠٣
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٠٣
تقدم تفسيرها
سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ ١٣
نسخ
مشاركة
التفسير
سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ ١٣
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( سنفرغ لكم أيها الثقلان ) ، قال : وعيد من الله للعباد ، وليس بالله شغل وهو فارغ . وكذا قال الضحاك : هذا وعيد . وقال قتادة : قد دنا من الله فراغ لخلقه . وقال ابن جريج : ( سنفرغ لكم ) أي : سنقضي لكم .
وقال البخاري : سنحاسبكم ، لا يشغله شيء عن شيء ، وهو معروف في كلام العرب ، يقال لأتفرغن لك " وما به شغل ، يقول : " لآخذنك على غرتك " .
وقوله : ( أيها الثقلان ) الثقلان : الإنس والجن ، كما جاء في الصحيح : " يسمعها كل شيء إلا الثقلين " وفي رواية : " إلا الجن والإنس " . وفي حديث الصور : " الثقلان الإنس والجن "
سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ ١٣
قوله تعالى : سنفرغ لكم أيها الثقلان يقال : فرغت من الشغل أفرغ فروغا وفراغا وتفرغت لكذا واستفرغت مجهودي في كذا أي بذلته . والله تعالى ليس له شغل يفرغ منه ، إنما المعنى سنقصد لمجازاتكم أو محاسبتكم ، وهذا وعيد وتهديد لهم كما يقول القائل لمن يريد تهديده : إذا أتفرغ لك أي أقصدك . وفرغ بمعنى قصد ، وأنشد ابن الأنباري في مثل هذا لجرير :
الآن وقد فرغت إلى نمير فهذا حين كنت لها عذابا
يريد وقد قصدت . وقال أيضا وأنشده النحاس :
فرغت إلى العبد المقيد في الحجل
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايع الأنصار ليلة العقبة ، صاح الشيطان : يا أهل الجباجب ! هذا مذمم يبايع بني قيلة على حربكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا إزب العقبة أما والله يا عدو الله لأتفرغن لك أي أقصد إلى إبطال أمرك . وهذا اختيار القتبي والكسائي وغيرهما . وقيل : إن الله تعالى وعد على التقوى وأوعد على الفجور ، ثم قال : سنفرغ لكم مما وعدناكم ونوصل كلا إلى ما وعدناه ، أي أقسم ذلك وأتفرغ منه ؛ قاله الحسن ومقاتل وابن زيد . وقرأ عبد الله وأبي " سنفرغ إليكم " وقرأ الأعمش وإبراهيم " سيفرغ لكم " بضم الياء وفتح الراء على ما لم يسم فاعله . وقرأ ابن شهاب والأعرج " سنفرغ لكم " بفتح النون والراء ، قال الكسائي : هي لغة تميم يقولون : فرغ يفرغ ، وحكى أيضا فرغ يفرغ ورواهما هبيرة عن حفص عن عاصم . وروى الجعفي عن أبي عمرو " سيفرغ " بفتح الياء والراء ، ورويت عن ابن هرمز . وروي عن عيسى الثقفي " سنفرغ لكم " بكسر النون وفتح الراء ، وقرأ حمزة والكسائي " سيفرغ لكم " بالياء . الباقون بالنون وهي لغة تهامة . . والثقلان الجن والإنس ، سميا بذلك لعظم شأنهما بالإضافة إلى ما في الأرض من غيرهما بسبب التكليف - وقيل : سموا بذلك لأنهم ثقل على الأرض أحياء وأمواتا ، قال الله تعالى : وأخرجت الأرض أثقالها ومنه قولهم : أعطه ثقله أي وزنه . وقال بعض أهل المعاني : كل شيء له قدر ووزن ينافس فيه فهو ثقل . ومنه قيل لبيض النعام ثقل ، لأن واجده وصائده يفرح به إذا ظفر به . وقال جعفر الصادق : سميا ثقلين ، لأنهما مثقلان بالذنوب . وقال : سنفرغ لكم فجمع ، ثم قال : أيه الثقلان لأنهما فريقان وكل فريق جمع ، وكذا قوله تعالى : يا معشر الجن والإنس إن استطعتم ولم يقل إن استطعتما ، لأنهما فريقان في حال الجمع ، كقوله تعالى : فإذا هم فريقان يختصمون و هذان خصمان اختصموا في ربهم ولو قال : سنفرغ لكما ، وقال : إن استطعتما لجاز . وقرأ أهل الشام " أيه الثقلان " بضم الهاء . الباقون بفتحها وقد تقدم .
مسألة : هذه السورة و " الأحقاف " و " قل أوحي " دليل على أن الجن مخاطبون مكلفون مأمورون منهيون مثابون معاقبون كالإنس سواء ، مؤمنهم كمؤمنهم ، وكافرهم ككافرهم ، لا فرق بيننا وبينهم في شيء من ذلك .
سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ ١٣
{ سَنَفْرُغُ لكم أيها الثقلان فبأي آلاء ربكما تكذبان } أي: سنفرغ لحسابكم ومجازاتكم بأعمالكم التي عملتموها في دار الدنيا.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٢٣
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٢٣
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٢٣
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٢٣
تقدم تفسيرها
يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ ٣٣
نسخ
مشاركة
التفسير
يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ ٣٣
ثم قال : ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) أي : لا تستطيعون هربا من أمر الله وقدره ، بل هو محيط بكم ، لا تقدرون على التخلص من حكمه ، ولا النفوذ عن حكمه فيكم ، أينما ذهبتم أحيط بكم ، وهذا في مقام المحشر ، الملائكة محدقة بالخلائق ، سبع صفوف من كل جانب ، فلا يقدر أحد على الذهاب ( إلا بسلطان ) أي : إلا بأمر الله ، ( يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ) [ القيامة : 10 - 12 ] . وقال تعالى : ( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [ يونس : 27 ] ; ولهذا قال :
يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ ٣٣
قوله تعالى : يا معشر الجن والإنس الآية . ذكر ابن المبارك : وأخبرنا جويبر عن الضحاك قال إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشققت بأهلها ، فتكون الملائكة على حافاتها حتى يأمرهم الرب ، فينزلون إلى الأرض فيحيطون بالأرض ومن فيها ، ثم يأمر الله السماء التي تليها كذلك فينزلون فيكونون صفا من خلف ذلك الصف ، ثم السماء الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة ، فينزل الملك الأعلى في بهائه وملكه ومجنبته اليسرى جهنم ، فيسمعون زفيرها وشهيقها ، فلا يأتون قطرا من أقطارها إلا وجدوا صفوفا من الملائكة ، فذلك قوله تعالى : يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان والسلطان العذر . وقال الضحاك أيضا : بينما الناس في أسواقهم انفتحت السماء ، ونزلت الملائكة ، فتهرب الجن والإنس ، فتحدق بهم الملائكة ، فذلك قوله تعالى : لا تنفذون إلا بسلطان ذكره النحاس .
قلت : فعلى هذا يكون في الدنيا ، وعلى ما ذكر ابن المبارك يكون في الآخرة . وعن الضحاك أيضا : إن استطعتم أن تهربوا من الموت فاهربوا . وقال ابن عباس : إن استطعتم أن تعلموا ما في السماوات وما في الأرض فاعلموه ، ولن تعلموه إلا بسلطان أي ببينة من الله تعالى . وعنه أيضا أن معنى : لا تنفذون إلا بسلطان لا تخرجون من سلطاني وقدرتي عليكم . قتادة : لا تنفذون إلا بملك وليس لكم ملك . وقيل : لا تنفذون إلا إلى سلطان ، الباء بمعنى إلى ، كقوله تعالى : وقد أحسن بي أي إلي . قال الشاعر :
أسيئي بنا أو أحسني لا ملولة لدينا ولا مقلية إن تقلت
وقوله : فانفذوا أمر تعجيز .
يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ ٣٣
أي: إذا جمعهم الله في موقف القيامة، أخبرهم بعجزهم وضعفهم، وكمال سلطانه، ونفوذ مشيئته وقدرته، فقال معجزا لهم: { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي: تجدون منفذا مسلكا تخرجون به عن ملك الله وسلطانه، { فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ } أي: لا تخرجون عنه إلا بقوة وتسلط منكم، وكمال قدرة، وأنى لهم ذلك، وهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا؟! ففي ذلك الموقف لا يتكلم أحد إلا بإذنه، ولا تسمع إلا همسا، وفي ذلك الموقف يستوي الملوك والمماليك، والرؤساء والمرءوسون، والأغنياء والفقراء.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٤٣
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٤٣
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٤٣
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٤٣
تقدم تفسيرها
يُرۡسَلُ عَلَيۡكُمَا شُوَاظٞ مِّن نَّارٖ وَنُحَاسٞ فَلَا تَنتَصِرَانِ ٥٣
نسخ
مشاركة
التفسير
يُرۡسَلُ عَلَيۡكُمَا شُوَاظٞ مِّن نَّارٖ وَنُحَاسٞ فَلَا تَنتَصِرَانِ ٥٣
( يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ) .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الشواظ : هو لهب النار .
وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : الشواظ : الدخان .
وقال مجاهد : هو : اللهيب الأخضر المنقطع . وقال أبو صالح الشواظ هو اللهيب الذي فوق النار ودون الدخان . وقال الضحاك : ( شواظ من نار ) سيل من نار .
وقوله : ( ونحاس ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( ونحاس ) دخان النار . وروي مثله عن أبي صالح ، وسعيد بن جبير ، وأبي سنان .
قال ابن جرير : والعرب تسمي الدخان نحاسا - بضم النون وكسرها - والقراء مجمعة على الضم ، ومن النحاس بمعنى الدخان قول نابغة جعدة :
يضيء كضوء سراج السلي ط لم يجعل الله فيه نحاسا
يعني : دخانا ، هكذا قال .
وقد روى الطبراني من طريق جويبر ، عن الضحاك ; أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن الشواظ فقال : هو اللهب الذي لا دخان معه . فسأله شاهدا على ذلك من اللغة ، فأنشده قول أمية بن أبي الصلت في حسان :
ألا من مبلغ حسان عني مغلغلة تدب إلى عكاظ
أليس أبوك فينا كان قينا لدى القينات فسلا في الحفاظ
يمانيا يظل يشد كيرا وينفخ دائبا لهب الشواظ
قال : صدقت ، فما النحاس ؟ قال : هو الدخان الذي لا لهب له . قال : فهل تعرفه العرب ؟ قال : نعم ، أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول
يضيء كضوء سراج السليط لم يجعل الله فيه نحاسا
وقال مجاهد : النحاس : الصفر ، يذاب فيصب على رءوسهم . وكذا قال قتادة . وقال الضحاك : ( ونحاس ) سيل من نحاس .
والمعنى على كل قول : لو ذهبتم هاربين يوم القيامة لردتكم الملائكة والزبانية بإرسال اللهب من النار والنحاس المذاب عليكم لترجعوا ; ولهذا قال : ( فلا تنتصران)
يُرۡسَلُ عَلَيۡكُمَا شُوَاظٞ مِّن نَّارٖ وَنُحَاسٞ فَلَا تَنتَصِرَانِ ٥٣
قوله تعالى : يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس أي لو خرجتم أرسل عليكم شواظ من نار ، وأخذكم العذاب المانع من النفوذ . وقيل : ليس هذا متعلقا بالنفوذ بل أخبر أنه يعاقب العصاة عذابا بالنار . وقيل : أي بآلاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس عقوبة على ذلك التكذيب . وقيل : يحاط على الخلائق بالملائكة وبلسان من نار ثم ينادون يا معشر الجن والإنس ، فتلك النار قوله : يرسل عليكما شواظ من نار والشواظ في قول ابن عباس وغيره : اللهب الذي لا دخان له . والنحاس : الدخان الذي لا لهب فيه ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت يهجو حسان بن ثابت رضي الله عنه ، كذا وقع في تفسير الثعلبي والماوردي بن أبي الصلت والماوردي ابن أبي الصلت والماوردي وابن أبي الصلت ، وفي " الصحاح " و " الوقف والابتداء " لابن الأنباري : أمية بن خلف قال :
ألا من مبلغ حسان عني مغلغلة تدب إلى عكاظ
أليس أبوك فينا كان قينا لدى القينات فسلا في الحفاظ
يمانيا يظل يشد كيرا وينفخ دائبا لهب الشواظ
فأجابه حسان رضي الله عنه فقال :
هجوتك فاختضعت لها بذل بقافية تأجج كالشواظ
وقال رؤبة :
إن لهم من وقعنا أقياظا ونار حرب تسعر الشواظا
وقال مجاهد : الشواظ اللهب الأخضر المنقطع من النار . الضحاك : هو الدخان الذي يخرج من اللهب ليس بدخان الحطب . وقاله سعيد بن جبير . وقد قيل : إن الشواظ النار والدخان جميعا ؛ قاله عمرو وحكاه الأخفش عن بعض العرب . وقرأ ابن كثير " شواظ " بكسر الشين . الباقون بالضم وهما لغتان ، مثل صوار وصوار لقطيع البقر . ونحاس قراءة العامة ونحاس بالرفع عطف على شواظ . وقرأ ابن كثير وابن محيصن ومجاهد وأبو عمرو " ونحاس " بالخفض عطفا على النار . قال المهدوي : من قال إن الشواظ النار والدخان جميعا فالجر في " النحاس " على هذا بين . فأما الجر على قول من جعل الشواظ اللهب الذي لا دخان فيه فبعيد لا يسوغ إلا على تقدير حذف موصوف كأنه قال : يرسل عليكما شواظ من نار وشيء من نحاس ، فشيء معطوف على شواظ ، ومن نحاس جملة هي صفة لشيء ، وحذف شيء ، وحذفت " من " لتقدم ذكرها في من نار كما حذفت " على " من قولهم : على من تنزل أنزل أي عليه . فيكون نحاس على هذا مجرورا ب " من " المحذوفة . وعن مجاهد وحميد وعكرمة وأبي العالية " ونحاس " بكسر النون لغتان كالشواظ والشواظ . والنحاس بالكسر أيضا الطبيعة والأصل ، يقال : فلان كريم النحاس والنحاس أيضا - بالضم - أي كريم النجار . وعن مسلم بن جندب " ونحس " بالرفع . وعن حنظلة بن مرة بن النعمان الأنصاري " ونحس " بالجر عطف على نار . ويجوز أن يكون " ونحاس " بالكسر جمع نحس كصعب وصعاب " ونحس " بالرفع عطف على شواظ وعن الحسن " ونحس " بالضم فيهما جمع نحس . ويجوز أن يكون أصله ونحوس فقصر بحذف واوه حسب ما تقدم عند قوله : وبالنجم هم يهتدون . وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة " ونحس " بفتح النون وضم الحاء وتشديد السين من حس يحس حسا إذا استأصل ، ومنه قوله تعالى : إذ تحسونهم بإذنه والمعنى ونقتل بالعذاب . وعلى القراءة الأولى ونحاس فهو الصفر المذاب يصب على رءوسهم ؛ قاله مجاهد وقتادة ، وروي عن ابن عباس . وعن ابن عباس أيضا وسعيد بن جبير أن النحاس الدخان الذي لا لهب فيه ، وهو معنى قول الخليل ، وهو معروف في كلام العرب بهذا المعنى ، قال نابغة بني جعدة :
يضيء كضوء سراج السلي ط لم يجعل الله فيه نحاسا
قال الأصمعي : سمعت أعرابيا يقول السليط دهن السمسم بالشام ولا دخان فيه . وقال مقاتل : هي خمسة أنهار من صفر مذاب ، تجري من تحت العرش على رءوس أهل النار ؛ ثلاثة أنهار على مقدار الليل ونهران على مقدار النهار . وقال ابن مسعود : النحاس المهل . وقال الضحاك : هو دردي الزيت المغلي . وقال الكسائي : هو النار التي لها ريح شديدة .
فلا تنتصران أي لا ينصر بعضكم بعضا يعني الجن والإنس .
يُرۡسَلُ عَلَيۡكُمَا شُوَاظٞ مِّن نَّارٖ وَنُحَاسٞ فَلَا تَنتَصِرَانِ ٥٣
ثم ذكر ما أعد لهم في ذلك الموقف العظيم فقال: { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شواظ من نار [ونحاس فلا تنصران فبأي آلاء ربكما تكذبان } أي: يرسل عليكما] لهب صاف من النار.
{ ونحاس } وهو اللهب، الذي قد خالطه الدخان، والمعنى أن هذين الأمرين الفظيعين يرسلان عليكما يا معشر الجن والإنس، ويحيطان بكما فلا تنتصران، لا بناصر من أنفسكم، ولا بأحد ينصركم من دون الله.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٦٣
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٦٣
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٦٣
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٦٣
ولما كان تخويفه لعباده نعمة منه عليهم، وسوطا يسوقهم به إلى أعلى المطالب وأشرف المواهب، امتن عليهم فقال: { فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }
فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ وَرۡدَةٗ كَٱلدِّهَانِ ٧٣
نسخ
مشاركة
التفسير
فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ وَرۡدَةٗ كَٱلدِّهَانِ ٧٣
يقول [ تعالى ] : ( فإذا انشقت السماء ) يوم القيامة ، كما دلت عليه هذه الآية مع ما شاكلها من الآيات الواردة في معناها ، كقوله : ( وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ) [ الحاقة : 16 ] ، وقوله : ( ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا ) [ الفرقان : 25 ] ، وقوله : ( إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت ) [ الانشقاق : 1 ، 2 ] .
وقوله : ( فكانت وردة كالدهان ) أي : تذوب كما يذوب الدردي والفضة في السبك ، وتتلون كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها ، فتارة حمراء وصفراء وزرقاء وخضراء ، وذلك من شدة الأمر وهول يوم القيامة العظيم . وقد قال الإمام أحمد :
حدثنا أحمد بن عبد الملك ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الصهباء ، حدثنا نافع أبو غالب الباهلي ، حدثنا أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يبعث الناس يوم القيامة والسماء تطش عليهم " .
قال الجوهري : الطش : المطر الضعيف .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( وردة كالدهان ) ، قال : هو الأديم الأحمر . وقال أبو كدينة ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( فكانت وردة كالدهان ) : كالفرس الورد . وقال العوفي ، عن ابن عباس : تغير لونها . وقال أبو صالح : كالبرذون الورد ، ثم كانت بعد كالدهان .
وحكى البغوي وغيره : أن الفرس الورد تكون في الربيع صفراء ، وفي الشتاء حمراء ، فإذا اشتد البرد اغبر لونها .
وقال الحسن البصري : تكون ألوانا . وقال السدي . تكون كلون البغلة الوردة ، وتكون كالمهل كدردي الزيت . وقال مجاهد : ( كالدهان ) : كألوان الدهان . وقال عطاء الخراساني : كلون دهن الورد في الصفرة . وقال قتادة : هي اليوم خضراء ، ويومئذ لونها إلى الحمرة يوم ذي ألوان . وقال أبو الجوزاء : في صفاء الدهن . وقال [ أبو صالح ] ابن جريج : تصير السماء كالدهن الذائب ، وذلك حين يصيبها حر جهنم .
فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ وَرۡدَةٗ كَٱلدِّهَانِ ٧٣
قوله تعالى : فإذا انشقت السماء أي : انصدعت يوم القيامة فكانت وردة كالدهان الدهان الدهن ، عن مجاهد والضحاك وغيرهما . والمعنى أنها صارت في صفاء الدهن ، والدهان على هذا جمع دهن . وقال سعيد بن جبير وقتادة : المعنى : فكانت حمراء . وقيل : المعنى تصير في حمرة الورد وجريان الدهن ، أي تذوب مع الانشقاق حتى تصير حمراء من حرارة نار جهنم ، وتصير مثل الدهن لرقتها وذوبانها . وقيل : الدهان الجلد الأحمر الصرف ، ذكره أبو عبيد والفراء . أي تصير السماء حمراء كالأديم لشدة حر النار . ابن عباس : المعنى فكانت كالفرس الورد ، يقال للكميت : ورد إذا كان يتلون بألوان مختلفة . قال ابن عباس : الفرس الورد ، في الربيع كميت أصفر ، وفي أول الشتاء كميت أحمر ، فإذا اشتد الشتاء كان كميتا أغبر . وقال الفراء : أراد الفرس الوردية ، تكون في الربيع وردة إلى الصفرة ، فإذا اشتد البرد كانت وردة حمراء ، فإذا كان بعد ذلك كانت وردة إلى الغبرة ، فشبه تلون السماء بتلون الورد من الخيل . وقال الحسن : كالدهان أي كصب الدهن فإنك إذا صببته ترى فيه ألوانا . وقال زيد بن أسلم : المعنى أنها تصير كعكر الزيت ، وقيل : المعنى أنها تمر وتجيء . قال الزجاج : أصل الواو والراء والدال للمجيء والإتيان . وهذا قريب مما قدمناه من أن الفرس الوردة تتغير ألوانها . وقال قتادة : إنها اليوم خضراء وسيكون لها لون أحمر ، حكاه الثعلبي . وقال الماوردي : وزعم المتقدمون أن أصل لون السماء الحمرة ، وأنها لكثرة الحوائل وبعد المسافة ترى بهذا اللون الأزرق ، وشبهوا ذلك بعروق البدن ، وهي حمراء كحمرة الدم وترى بالحائل زرقاء ، فإن كان هذا صحيحا فإن السماء لقربها من النواظر يوم القيامة وارتفاع الحواجز ترى حمراء ، لأنه أصل لونها . والله أعلم .
فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ وَرۡدَةٗ كَٱلدِّهَانِ ٧٣
{ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ } [أي] يوم القيامة من شدة الأهوال، وكثرة البلبال، وترادف الأوجال، فانخسفت شمسها وقمرها، وانتثرت نجومها، { فَكَانَتْ } من شدة الخوف والانزعاج { وَرْدَةً كَالدِّهَانِ } أي: كانت كالمهل والرصاص المذاب ونحوه
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٨٣
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٨٣
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٨٣
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٨٣
تقدم تفسيرها
فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يُسَۡٔلُ عَن ذَنۢبِهِۦٓ إِنسٞ وَلَا جَآنّٞ ٩٣
نسخ
مشاركة
التفسير
فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يُسَۡٔلُ عَن ذَنۢبِهِۦٓ إِنسٞ وَلَا جَآنّٞ ٩٣
وقوله : ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) ، وهذه كقوله : ( هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) [ المرسلات : 35 ، 36 ] ، فهذا في حال ، وثم حال يسأل الخلائق فيها عن جميع أعمالهم ، قال الله تعالى : ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) [ الحجر : 92 ، 93 ] ; ولهذه قال قتادة : ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) ، قال : قد كانت مسألة ، ثم ختم على أفواه القوم ، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : لا يسألهم : هل عملتم كذا وكذا ؟ لأنه أعلم بذلك منهم ، ولكن يقول : لم عملتم كذا وكذا ؟ فهو قول ثان .
وقال مجاهد في هذه الآية : لا يسأل الملائكة عن المجرم ، يعرفون بسيماهم .
وهذا قول ثالث . وكأن هذا بعد ما يؤمر بهم إلى النار ، فذلك الوقت لا يسألون عن ذنوبهم ، بل يقادون إليها ويلقون فيها ،
قلت : وهذا كما يعرف المؤمنون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء .
فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يُسَۡٔلُ عَن ذَنۢبِهِۦٓ إِنسٞ وَلَا جَآنّٞ ٩٣
قوله تعالى : فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان هذا مثل قوله تعالى : ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون وأن القيامة مواطن لطول ذلك اليوم ، فيسأل في بعض ولا يسأل في بعض ، وهذا قول عكرمة . وقيل : المعنى لا يسألون إذا استقروا في النار . وقال الحسن وقتادة : لا يسألون عن ذنوبهم ، لأن الله حفظها عليهم ، وكتبتها عليهم الملائكة . رواه العوفي عن ابن عباس . وعن الحسن ومجاهد أيضا : المعنى لا تسأل الملائكة عنهم ، لأنهم يعرفونهم بسيماهم ؛ دليله ما بعده . وقاله مجاهد عن ابن عباس . وعنه أيضا في قوله تعالى : فوربك لنسألنهم أجمعين وقوله : فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان وقال : لا يسألهم ليعرف ذلك منهم ، لأنه أعلم بذلك منهم ، ولكنه يسألهم لم عملتموها سؤال توبيخ . وقال أبو العالية : لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم . وقال قتادة : كانت المسألة قبل ، ثم ختم على أفواه القوم وتكلمت الجوارح شاهدة عليهم . وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قال : فيلقى العبد فيقول أي قل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع فيقول : بلى فيقول : أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا فيقول : إني أنساك كما نسيتني ثم يلقى الثاني فيقول له مثل ذلك بعينه ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول : يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسولك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول هاهنا إذا ثم يقال له : الآن نبعث شاهدنا عليك فيفتكر في نفسه من هذا الذي يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه : انطقي ، فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه وقد مضى هذا الحديث في ( حم السجدة ) وغيرها .
فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يُسَۡٔلُ عَن ذَنۢبِهِۦٓ إِنسٞ وَلَا جَآنّٞ ٩٣
{ فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ } أي: سؤال استعلام بما وقع، لأنه تعالى عالم الغيب والشهادة والماضي والمستقبل، ويريد أن يجازي العباد بما علمه من أحوالهم، وقد جعل لأهل الخير والشر يوم القيامة علامات يعرفون بها، كما قال تعالى: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ }
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٠٤
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٠٤٠٤
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٠٤٠٤
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٠٤
تقدم تفسيرها
يُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ فَيُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَٰصِي وَٱلۡأَقۡدَامِ ١٤
نسخ
مشاركة
التفسير
يُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ فَيُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَٰصِي وَٱلۡأَقۡدَامِ ١٤
كما قال تعالى : ( يعرف المجرمون بسيماهم ) أي : بعلامات تظهر عليهم .
وقال الحسن وقتادة : يعرفونهم باسوداد الوجوه وزرقة العيون . وقوله : ( فيؤخذ بالنواصي والأقدام ) أي : تجمع الزبانية ناصيته مع قدميه ، ويلقونه في النار كذلك .
وقال الأعمش عن ابن عباس : يؤخذ بناصيته وقدمه ، فيكسر كما يكسر الحطب في التنور .
وقال الضحاك : يجمع بين ناصيته وقدميه في سلسلة من وراء ظهره .
وقال السدي : يجمع بين ناصية الكافر وقدميه ، فتربط ناصيته بقدمه ، ويفتل ظهره .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ، حدثنا معاوية بن سلام ، عن أخيه زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام - يعني جده - أخبرني عبد الرحمن ، حدثني رجل من كندة قال : أتيت عائشة فدخلت عليها ، وبيني وبينها حجاب ، فقلت : حدثك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يأتي عليه ساعة لا يملك لأحد فيها شفاعة ؟ قالت : نعم ، لقد سألته عن هذا وأنا وهو في شعار واحد ، قال : " نعم حين يوضع الصراط ، ولا أملك لأحد فيها شفاعة ، حتى أعلم أين يسلك بي ؟ ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، حتى أنظر ماذا يفعل بي - أو قال : يوحى - وعند الجسر حين يستحد ويستحر " فقالت : وما يستحد وما يستحر ؟ قال : " يستحد حتى يكون مثل شفرة السيف ، ويستحر حتى يكون مثل الجمرة ، فأما المؤمن فيجيزه لا يضره ، وأما المنافق فيتعلق حتى إذا بلغ أوسطه خر من قدمه فيهوي بيده إلى قدميه ، فتضربه الزبانية بخطاف في ناصيته وقدمه ، فتقذفه في جهنم ، فيهوي فيها مقدار خمسين عاما " . قلت : ما ثقل الرجل ؟ قالت : ثقل عشر خلفات سمان ، فيومئذ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام .
هذا حديث غريب [ جدا ] ، وفيه ألفاظ منكر رفعها ، وفي الإسناد من لم يسم ، ومثله لا يحتج به ، والله أعلم .
يُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ فَيُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَٰصِي وَٱلۡأَقۡدَامِ ١٤
قوله تعالى : يعرف المجرمون بسيماهم قال الحسن : سواد الوجه وزرقة الأعين ، قال الله تعالى : ونحشر المجرمين يومئذ زرقا وقال تعالى : يوم تبيض وجوه وتسود وجوه .
فيؤخذ بالنواصي والأقدام أي تأخذ الملائكة بنواصيهم ، أي بشعور مقدم رءوسهم وأقدامهم فيقذفونهم في النار . والنواصي جمع ناصية . وقال الضحاك : يجمع بين ناصيته وقدميه في سلسلة من وراء ظهره . وعنه : يؤخذ برجلي الرجل فيجمع بينهما وبين ناصيته حتى يندق ظهره ثم يلقى في النار . وقيل : يفعل ذلك به ليكون أشد لعذابه وأكثر لتشويهه . وقيل : تسحبهم الملائكة إلى النار ، تارة تأخذ بناصيته وتجره على وجهه ، وتارة تأخذ بقدميه وتسحبه على رأسه .
يُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ فَيُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَٰصِي وَٱلۡأَقۡدَامِ ١٤
وقال هنا: { يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ } أي: فيؤخذ بنواصي المجرمين وأقدامهم، فيلقون في النار ويسحبون فيها، وإنما يسألهم تعالى سؤال توبيخ وتقرير بما وقع منهم، وهو أعلم به منهم، ولكنه تعالى يريد أن تظهر للخلق حجته البالغة، وحكمته الجليلة.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٢٤
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٢٤
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٢٤
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٢٤
تقدم تفسيرها
هَٰذِهِۦ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٣٤
نسخ
مشاركة
التفسير
هَٰذِهِۦ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٣٤
وقوله : ( هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون ) أي : هذه النار التي كنتم تكذبون بوجودها ها هي حاضرة تشاهدونها عيانا ، يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا وتصغيرا وتحقيرا .
هَٰذِهِۦ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٣٤
أي يقال لهم هذه النار التي أخبرتم بها فكذبتم .
هَٰذِهِۦ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٣٤
أي: يقال للمكذبين بالوعد والوعيد حين تسعر الجحيم: { هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ } فليهنهم تكذيبهم بها، وليذوقوا من عذابها ونكالها وسعيرها وأغلالها، ما هو جزاء لتكذيبهم
يَطُوفُونَ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَ حَمِيمٍ ءَانٖ ٤٤
نسخ
مشاركة
التفسير
يَطُوفُونَ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَ حَمِيمٍ ءَانٖ ٤٤
وقوله : ( يطوفون بينها وبين حميم آن ) أي : تارة يعذبون في الجحيم ، وتارة يسقون من الحميم ، وهو الشراب الذي هو كالنحاس المذاب ، يقطع الأمعاء والأحشاء ، وهذه كقوله تعالى : ( إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون ) [ غافر : 71 ، 72 ] .
وقوله : ( آن ) أي : حار وقد بلغ الغاية في الحرارة ، لا يستطاع من شدة ذلك .
قال ابن عباس في قوله : ( يطوفون بينها وبين حميم آن ) قد انتهى غليه ، واشتد حره . وكذا قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، والحسن ، والثوري ، والسدي .
وقال قتادة : قد أنى طبخه منذ خلق الله السماوات والأرض . وقال محمد بن كعب القرظي : يؤخذ العبد فيحرك بناصيته في ذلك الحميم ، حتى يذوب اللحم ويبقى العظم والعينان في الرأس . وهي كالتي يقول الله تعالى : ( في الحميم ثم في النار يسجرون ) . والحميم الآني : يعني الحار . وعن القرظي رواية أخرى : ( حميم آن ) أي : حاضر . وهو قول ابن زيد أيضا ، والحاضر لا ينافي ما روي عن القرظي أولا أنه الحار ، كقوله تعالى : ( تسقى من عين آنية ) [ الغاشية : 5 ] أي حارة شديدة الحر لا تستطاع . وكقوله : ( غير ناظرين إناه ) [ الأحزاب : 53 ] يعني : استواءه ونضجه . فقوله : ( حميم آن ) أي : حميم حار جدا . ولما كان معاقبة العصاة المجرمين وتنعيم المتقين من فضله ورحمته وعدله ولطفه بخلقه ، وكان إنذاره لهم عذابه وبأسه مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي وغير ذلك ، قال ممتنا بذلك على بريته : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
يَطُوفُونَ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَ حَمِيمٍ ءَانٖ ٤٤
قوله تعالى :يطوفون بينها وبين حميم آن قال قتادة : يطوفون مرة بين الحميم ومرة بين الجحيم ، والجحيم النار ، والحميم الشراب . وفي قوله تعالى : آن ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه الذي انتهى حره وحميمه . قاله ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي ، ومنه قول النابغة الذبياني :
وتخضب لحية غدرت وخانت بأحمر من نجيع الجوف آن
قال قتادة : آن طبخ منذ خلق الله السماوات والأرض ، يقول : إذا استغاثوا من النار جعل غياثهم ذلك . وقال كعب : آن واد من أودية جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فيغمسون بأغلالهم فيه حتى تنخلع أوصالهم ، ثم يخرجون منها وقد أحدث الله لهم خلقا جديدا فيلقون في النار ، فذلك قوله تعالى : يطوفون بينها وبين حميم آن . وعن كعب أيضا : أنه الحاضر . وقال مجاهد : إنه الذي قد آن شربه وبلغ غايته . والنعمة فيما وصف من هول القيامة وعقاب المجرمين ما في ذلك من الزجر عن المعاصي والترغيب في الطاعات . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى على شاب في الليل يقرأ فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان فوقف الشاب وخنقته العبرة وجعل يقول : ويحي من يوم تنشق فيه السماء ويحي ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ويحك يا فتى مثلها فوالذي نفسي بيده لقد بكت ملائكة السماء لبكائك .
يَطُوفُونَ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَ حَمِيمٍ ءَانٖ ٤٤
{ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا } أي: بين أطباق الجحيم ولهبها { وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } أي: ماء حار جدا قد انتهى حره، وزمهرير قد اشتد برده وقره،
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٤
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٤
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٤
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٤
تقدم تفسيرها
وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ ٦٤
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ ٦٤
قال ابن شوذب ، وعطاء الخراساني : نزلت هذه الآية : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) في أبي بكر الصديق .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن مصفى ، حدثنا بقية ، عن أبي بكر بن أبي مريم ، عن عطية بن قيس في قوله : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) : نزلت في الذي قال : أحرقوني بالنار ، لعلي أضل الله ، قال : تاب يوما وليلة بعد أن تكلم بهذا ، فقبل الله منه وأدخله الجنة .
والصحيح أن هذه الآية عامة كما قاله ابن عباس وغيره ، يقول تعالى : ولمن خاف مقامه بين يدي الله - عز وجل - يوم القيامة ، ( ونهى النفس عن الهوى ) [ النازعات : 40 ] ، ولم يطغ ، ولا آثر الدنيا ، وعلم أن الآخرة خير وأبقى ، فأدى فرائض الله ، واجتنب محارمه ، فله يوم القيامة عند ربه جنتان ، كما قال البخاري ، رحمه الله .
حدثنا عبد الله بن أبي الأسود ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي ، حدثنا أبو عمران الجوني ، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " جنتان من فضة ، آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن " .
وأخرجه بقية الجماعة إلا أبا داود ، من حديث عبد العزيز ، به .
وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن أبيه - قال حماد : ولا أعلمه إلا قد رفعه - في قوله تعالى : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) ، وفي قوله : ( ومن دونهما جنتان ) [ قال ] : جنتان من ذهب للمقربين ، وجنتان من ورق لأصحاب اليمين .
وقال ابن جرير : حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري ، حدثنا ابن أبي مريم ، أخبرنا محمد بن جعفر ، عن محمد بن أبي حرملة ، عن عطاء بن يسار ، أخبرني أبو الدرداء ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ يوما هذه الآية : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) ، فقلت : وإن زنى أو سرق ؟ فقال : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) ، فقلت : وإن زنى وإن سرق ؟ فقال : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) . فقلت : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال : " وإن رغم أنف أبي الدرداء " .
ورواه النسائي من حديث محمد بن أبي حرملة ، به ورواه النسائي أيضا عن مؤمل بن هشام ، عن إسماعيل ، عن الجريري ، عن موسى ، عن محمد بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبي الدرداء ، به . وقد روي موقوفا على أبي الدرداء . وروي عنه أنه قال : إن من خاف مقام ربه لم يزن ولم يسرق .
وهذه الآية عامة في الإنس والجن ، فهي من أدل دليل على أن الجن يدخلون الجنة إذا آمنوا واتقوا ; ولهذا امتن الله تعالى على الثقلين بهذا الجزاء فقال : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
ومما يتعلق بقوله تعالى : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) ، ما رواه الترمذي والبغوي ، من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم ، عن أبي عقيل الثقفي ، عن أبي فروة يزيد بن سنان الرهاوي ، عن بكير بن فيروز ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة " .
ثم قال الترمذي : غريب ، لا نعرفه إلا من حديث أبي النضر .
وروى البغوي من حديث علي بن حجر ، عن إسماعيل بن جعفر ، عن محمد بن أبي حرملة - مولى حويطب بن عبد العزى - عن عطاء بن يسار ، عن أبي الدرداء ; أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقص على المنبر وهو يقول : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) ، قلت : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) . فقلت الثانية : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال [ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ] ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) . فقلت الثالثة : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال : " وإن ، رغم أنف أبي الدرداء " .
وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ ٦٤
قوله تعالى : ولمن خاف مقام ربه فيه مسألتان :
الأولى : لما ذكر أحوال أهل النار ذكر ما أعد للأبرار . والمعنى خاف مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية . ف " مقام " مصدر بمعنى القيام . وقيل : خاف قيام ربه عليه أي إشرافه واطلاعه عليه ، بيانه قوله تعالى : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت . وقال مجاهد وإبراهيم النخعي : هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من خوفه .
الثانية : هذه الآية دليل على أن من قال لزوجه : إن لم أكن من أهل الجنة فأنت طالق أنه لا يحنث إن كان هم بالمعصية وتركها خوفا من الله وحياء منه . وقال به سفيان الثوري وأفتى به . وقال محمد بن علي الترمذي : جنة لخوفه من ربه ، وجنة لتركه شهوته . وقال ابن عباس : من خاف مقام ربه بعد أداء الفرائض . وقيل : المقام الموضع ، أي خاف مقامه بين يدي ربه للحساب كما تقدم ويجوز أن يكون المقام للعبد ثم يضاف إلى الله ، وهو كالأجل في قوله : فإذا جاء أجلهم وقوله في موضع آخر : إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر .
جنتان أي لمن خاف جنتان على حدة ، فلكل خائف جنتان . وقيل : جنتان لجميع الخائفين ، والأول أظهر . وروي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الجنتان بستانان في عرض الجنة كل بستان مسيرة مائة عام في وسط كل بستان دار من نور وليس منها شيء إلا يهتز نغمة وخضرة ، قرارها ثابت وشجرها ثابت ذكره المهدوي والثعلبي أيضا من حديث أبي هريرة . وقيل : إن الجنتين جنته التي خلقت له وجنة ورثها . وقيل : إحدى الجنتين منزله والأخرى منزل أزواجه كما يفعله رؤساء الدنيا . وقيل : إن إحدى الجنتين مسكنه والأخرى بستانه . وقيل : إن إحدى الجنتين أسافل القصور والأخرى أعاليها . وقال مقاتل : هما جنة عدن وجنة النعيم . وقال الفراء : إنما هي جنة واحدة ، فثنى لرءوس الآي . وأنكر القتبي هذا وقال : لا يجوز أن يقال خزنة النار عشرون إنما قال تسعة عشر لمراعاة رءوس الآي . وأيضا قال : ذواتا أفنان . وقال أبو جعفر النحاس : قال الفراء قد تكون جنة فتثنى في الشعر ، وهذا القول من أعظم الغلط على كتاب الله عز وجل ، يقول الله عز وجل : جنتان ويصفهما بقوله : فيهما فيدع الظاهر ويقول : يجوز أن تكون جنة ويحتج بالشعر ! وقيل : إنما كانتا اثنتين ليضاعف له السرور بالتنقل من جهة إلى جهة . وقيل : نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه خاصة حين ذكر ذات يوم الجنة حين أزلفت والنار حين برزت ؛ قاله عطاء وابن شوذب . وقال الضحاك : بل شرب ذات يوم لبنا على ظمإ فأعجبه ، فسأل عنه فأخبر أنه من غير حل فاستقاءه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ، فقال : رحمك الله لقد أنزلت فيك آية وتلا عليه هذه الآية .
وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ ٦٤
أي: وللذي خاف ربه وقيامه عليه، فترك ما نهى عنه، وفعل ما أمره به، له جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وبنيانهما وما فيهما، إحدى الجنتين جزاء على ترك المنهيات، والأخرى على فعل الطاعات.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٧٤
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٧٤
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٧٤
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٧٤
تقدم تفسيرها
ذَوَاتَآ أَفۡنَانٖ ٨٤
نسخ
مشاركة
التفسير
ذَوَاتَآ أَفۡنَانٖ ٨٤
ثم نعت هاتين الجنتين فقال : ( ذواتا أفنان ) أي : أغصان نضرة حسنة ، تحمل من كل ثمرة نضيجة فائقة ، ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) . هكذا قال عطاء الخراساني وجماعة : إن الأفنان أغصان الشجر يمس بعضها بعضا .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا مسلم بن قتيبة ، حدثنا عبد الله بن النعمان ، سمعت عكرمة يقول : ( ذواتا أفنان ) ، يقول : ظل الأغصان على الحيطان ، ألم تسمع قول الشاعر حيث يقول :
ما هاج شوقك من هديل حمامة تدعو على فنن الغصون حماما تدعو أبا فرخين صادف طاويا
ذا مخلبين من الصقور قطاما
وحكى البغوي ، عن مجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، والكلبي : أنه الغصن المستقيم [ طوالا ] .
قال : وحدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، حدثنا عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( ذواتا أفنان ) : ذواتا ألوان .
قال : و [ قد ] روي عن سعيد بن جبير ، والحسن ، والسدي ، وخصيف ، والنضر بن عربي ، وأبي سنان مثل ذلك . ومعنى هذا القول أن فيهما فنونا من الملاذ ، واختاره ابن جرير .
وقال عطاء : كل غصن يجمع فنونا من الفاكهة ، وقال الربيع بن أنس : ( ذواتا أفنان ) : واسعتا الفناء .
وكل هذه الأقوال صحيحة ، ولا منافاة بينها ، والله أعلم . وقال قتادة : ( ذواتا أفنان ) ينبئ بسعتها وفضلها ومزيتها على ما سواها .
وقال محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن أسماء قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر سدرة المنتهى - فقال : " يسير في ظل الفنن منها الراكب مائة سنة - أو قال : يستظل في ظل الفنن منها مائة راكب - فيها فراش الذهب ، كأن ثمرها القلال " .
رواه الترمذي من حديث يونس بن بكير ، به .
ذَوَاتَآ أَفۡنَانٖ ٨٤
قوله تعالى : ذواتا أفنان قال ابن عباس وغيره : أي ذواتا ألوان من الفاكهة ، الواحد : فن . وقال مجاهد : الأفنان الأغصان واحدها فنن ، قال النابغة :
بكاء حمامة تدعو هديلا مفجعة على فنن تغني
وقال آخر يصف طائرين :
باتا على غصن بان في ذرى فنن يرددان لحونا ذات ألوان
أراد باللحون اللغات . وقال آخر :
ما هاج شوقك من هديل حمامة تدعو على فنن الغصون حماما
تدعو أبا فرخين صادف ضاريا ذا مخلبين من الصقور قطاما
والفنن جمعه أفنان ثم الأفانين ، وقال يصف رحى :
لها زمام من أفانين الشجر
وشجرة فناء أي ذات أفنان وفنواء أيضا على غير قياس . وفي الحديث : إن أهل الجنة مرد مكحلون أولو أفانين يريد أولو فنن وهو جمع أفنان ، وأفنان جمع فنن وهو الخصلة من الشعر شبه بالغصن . ذكره الهروي . وقيل : ذواتا أفنان أي ذواتا سعة وفضل على ما سواهما ؛ قاله قتادة . وعن مجاهد أيضا وعكرمة : إن الأفنان ظل الأغصان على الحيطان .
ذَوَاتَآ أَفۡنَانٖ ٨٤
ومن أوصاف تلك الجنتين أنهما { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } [أي: فيهما من ألوان النعيم المتنوعة نعيم الظاهر والباطن ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر] أن فيهما الأشجار الكثيرة الزاهرة ذوات الغصون الناعمة، التي فيها الثمار اليانعة الكثيرة اللذيذة، أو ذواتا أنواع وأصناف من جميع أصناف النعيم وأنواعه جمع فن، أي: صنف.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٩٤
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٩٤
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٩٤
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٩٤
تقدم تفسيرها
فِيهِمَا عَيۡنَانِ تَجۡرِيَانِ ٠٥
نسخ
مشاركة
التفسير
فِيهِمَا عَيۡنَانِ تَجۡرِيَانِ ٠٥
( فيهما عينان تجريان ) أي : تسرحان لسقي تلك الأشجار والأغصان فتثمر من جميع الألوان ، ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) قال الحسن البصري : إحداهما يقال لها : " تسنيم " ، والأخرى " السلسبيل " .
وقال عطية : إحداهما من ماء غير آسن ، والأخرى من خمر لذة للشاربين .
فِيهِمَا عَيۡنَانِ تَجۡرِيَانِ ٠٥
قوله تعالى : فيهما عينان تجريان أي في كل واحدة منهما عين جارية . قال ابن عباس : تجريان ماء بالزيادة والكرامة من الله تعالى على أهل الجنة . وعن ابن عباس أيضا والحسن : تجريان بالماء الزلال إحدى العينين التسنيم والأخرى السلسبيل . وعنه أيضا : عينان مثل الدنيا أضعافا مضاعفة ، حصباؤهما الياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر ، وترابهما الكافور ، وحمأتهما المسك الأذفر ، وحافتاهما الزعفران . وقال عطية : إحداهما من ماء غير آسن ، والأخرى من خمر لذة للشاربين . وقيل : تجريان من جبل من مسك . وقال أبو بكر الوراق : فيهما عنيان تجريان لمن كانت عيناه في الدنيا تجريان من مخافة الله عز وجل .
فِيهِمَا عَيۡنَانِ تَجۡرِيَانِ ٠٥
وفي تلك الجنتين { عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } يفجرونها على ما يريدون ويشتهون.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٥
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٥
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٥
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٥
تقدم تفسيرها
فِيهِمَا مِن كُلِّ فَٰكِهَةٖ زَوۡجَانِ ٢٥
نسخ
مشاركة
التفسير
فِيهِمَا مِن كُلِّ فَٰكِهَةٖ زَوۡجَانِ ٢٥
ولهذا قال بعد هذا : ( فيهما من كل فاكهة زوجان ) أي : من جميع أنواع الثمار مما يعلمون وخير مما يعلمون ، ومما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
قال إبراهيم بن الحكم بن أبان ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ما في الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحنظلة .
وقال ابن عباس : ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء ، يعني : أن بين ذلك بونا عظيما ، وفرقا بينا في التفاضل .
فِيهِمَا مِن كُلِّ فَٰكِهَةٖ زَوۡجَانِ ٢٥
قوله تعالى : فيهما من كل فاكهة زوجان أي صنفان وكلاهما حلو يستلذ به . قال ابن عباس : ما في الدنيا شجرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحنظل إلا أنه حلو . وقيل : ضربان رطب ويابس لا يقصر هذا عن ذلك في الفضل والطيب . وقيل : أراد تفضيل هاتين الجنتين على الجنتين اللتين دونهما ، فإنه ذكرها هنا عينين جاريتين ، وذكر ثم عينين تنضخان بالماء والنضح دون الجري ، فكأنه قال : في تينك الجنتين من كل فاكهة نوع ، وفي هذه الجنة من كل فاكهة نوعان .
فِيهِمَا مِن كُلِّ فَٰكِهَةٖ زَوۡجَانِ ٢٥
{ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ } من جميع أصناف الفواكه { زَوْجَانِ } أي: صنفان، كل صنف له لذة ولون، ليس للنوع الآخر.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣٥
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣٥
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣٥
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣٥
تقدم تفسيرها
مُتَّكِِٔينَ عَلَىٰ فُرُشِۢ بَطَآئِنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٖۚ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٖ ٤٥
نسخ
مشاركة
التفسير
مُتَّكِِٔينَ عَلَىٰ فُرُشِۢ بَطَآئِنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٖۚ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٖ ٤٥
يقول تعالى : ( متكئين ) يعني أهل الجنة . والمراد بالاتكاء هاهنا : الاضطجاع . ويقال : الجلوس على صفة التربع . ( على فرش بطائنها من إستبرق ) وهو : ما غلظ من الديباج . قاله عكرمة ، والضحاك وقتادة .
وقال أبو عمران الجوني : هو الديباج المغرى بالذهب . فنبه على شرف الظهارة بشرف البطانة . وهذا من التنبيه بالأدنى على الأعلى .
قال أبو إسحاق ، عن هبيرة بن يريم ، عن عبد الله بن مسعود قال : هذه البطائن فكيف لو رأيتم الظواهر ؟
وقال مالك بن دينار : بطائنها من إستبرق ، وظواهرها من نور .
وقال سفيان الثوري - أو شريك - : بطائنها من إستبرق وظواهرها من نور جامد .
وقال القاسم بن محمد : بطائنها من إستبرق ، وظواهرها من الرحمة .
وقال ابن شوذب ، عن أبي عبد الله الشامي : ذكر الله البطائن ولم يذكر الظواهر ، وعلى الظواهر المحابس ، ولا يعلم ما تحت المحابس إلا الله . ذكر ذلك كله الإمام ابن أبي حاتم .
( وجنى الجنتين دان ) أي : ثمرها قريب إليهم ، متى شاءوا تناولوه على أي صفة كانوا ، كما قال : ( قطوفها دانية ) [ الحاقة : 23 ] ، وقال : ( ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ) [ الإنسان : 14 ] أي : لا تمنع ممن تناولها ، بل تنحط إليه من أغصانها ،
مُتَّكِِٔينَ عَلَىٰ فُرُشِۢ بَطَآئِنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٖۚ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٖ ٤٥
قوله تعالى : متكئين على فرش هو نصب على الحال . والفرش جمع فراش . وقرأ أبو حيوة " فرش " بإسكان الراء . بطائنها من إستبرق جمع بطانة وهي التي تحت الظهارة والإستبرق ما غلظ من الديباج وخشن ، أي إذا كانت البطانة التي تلي الأرض هكذا فما ظنك بالظهارة ؛ قاله ابن مسعود وأبو هريرة . وقيل لسعيد بن جبير : البطائن من إستبرق فما الظواهر ؟ قال : هذا مما قال الله : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين . وقال ابن عباس : إنما وصف لكم بطائنها لتهتدي إليه قلوبكم ، فأما الظواهر فلا يعلمها إلا الله . وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ظواهرها نور يتلألأ . وعن الحسن : بطائنها من إستبرق ، وظواهرها من نور جامد . وعن الحسن أيضا : البطائن هي الظواهر ، وهو قول الفراء ، وروي عن قتادة . والعرب تقول للظهر بطنا ، فيقولون : هذا ظهر السماء ، وهذا بطن السماء ، لظاهرها الذي نراه . وأنكر ابن قتيبة وغيره هذا ، وقالوا : لا يكون هذا إلا في الوجهين المتساويين إذا ولي كل واحد منهما قوما ، كالحائط بينك وبين قوم ، وعلى ذلك أمر السماء .
وجنى الجنتين دان الجنى ما يجتنى من الشجر ، يقال : أتانا بجناة طيبة لكل ما يجتنى . وثمر جني على فعيل حين جني ، وقال :
هذا جناي وخياره فيه إذ كل جان يده إلى فيه
وقرئ " جنى " بكسر الجيم . دان قريب . قال ابن عباس : تدنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله إن شاء قائما وإن شاء قاعدا وإن شاء مضطجعا ، لا يرد يده بعد ولا شوك .
مُتَّكِِٔينَ عَلَىٰ فُرُشِۢ بَطَآئِنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٖۚ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٖ ٤٥
{ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } هذه صفة فرش أهل الجنة وجلوسهم عليها، وأنهم متكئون عليها، [أي:] جلوس تمكن واستقرار [وراحة]، كجلوس من الملوك على الأسرة، وتلك الفرش، لا يعلم وصفها وحسنها إلا الله عز وجل، حتى إن بطائنها التي تلي الأرض منها، من إستبرق، وهو أحسن الحرير وأفخره، فكيف بظواهرها التي تلي بشرتهم؟! { وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } الجنى هو الثمر المستوي أي: وثمر هاتين الجنتين قريب التناول، يناله القائم والقاعد والمضطجع.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٥
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٥
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٥
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٥
تقدم تفسيرها
فِيهِنَّ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ ٦٥
نسخ
مشاركة
التفسير
فِيهِنَّ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ ٦٥
ولما ذكر الفرش وعظمتها قال بعد ذلك : ( فيهن ) أي : في الفرش ( قاصرات الطرف ) أي غضيضات عن غير أزواجهن ، فلا يرين شيئا أحسن في الجنة من أزواجهن . قاله ابن عباس ، وقتادة ، وعطاء الخراساني ، وابن زيد .
وقد ورد أن الواحدة منهن تقول لبعلها : والله ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك ، ولا في الجنة شيئا أحب إلي منك ، فالحمد لله الذي جعلك لي وجعلني لك .
( لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) أي : بل هن أبكار عرب أتراب ، لم يطأهن أحد قبل أزواجهن من الإنس والجن . وهذه أيضا من الأدلة على دخول مؤمني الجن الجنة .
قال أرطاة بن المنذر : سئل ضمرة بن حبيب : هل يدخل الجن الجنة ؟ قال : نعم ، وينكحون ، للجن جنيات ، وللإنس إنسيات . وذلك قوله : ( لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
فِيهِنَّ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ ٦٥
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : فيهن قاصرات الطرف قيل : في الجنتين المذكورتين . قال الزجاج : وإنما قال : فيهن ولم يقل فيهما ، لأنه عنى الجنتين وما أعد لصاحبهما من النعيم . وقيل : فيهن يعود على الفرش التي بطائنها من إستبرق ، أي في هذه الفرش قاصرات الطرف أي نساء قاصرات الطرف ، قصرن أعينهن على أزواجهن فلا يرين غيرهم . وقد مضى في ( والصافات ) ووحد الطرف مع الإضافة إلى الجمع لأنه في معنى المصدر ، من طرفت عينه تطرف طرفا ، ثم سميت العين بذلك فأدى عن الواحد والجمع ، كقولهم : قوم عدل وصوم .
الثانية : قوله تعالى : لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان أي لم يصبهن بالجماع قبل أزواجهن هؤلاء أحد . الفراء : والطمث الافتضاض وهو النكاح بالتدمية ، طمثها يطمثها ويطمثها طمثا إذا افتضها . ومنه قيل : امرأة طامث أي حائض . وغير الفراء يخالفه في هذا ويقول : طمثها بمعنى وطئها على أي الوجوه كان . إلا أن قول الفراء أعرف وأشهر . وقرأ الكسائي " لم يطمثهن " بضم الميم ، يقال : طمثت المرأة تطمث بالضم : حاضت . وطمثت بالكسر - لغة - فهي طامث ، وقال الفرزدق :
وقعن إلي لم يطمثن قبلي وهن أصح من بيض النعام
وقيل : لم يطمثهن لم يمسسهن ، قال أبو عمرو : والطمث المس وذلك في كل شيء يمس ويقال للمرتع : ما طمث ذلك المرتع قبلنا أحد ، وما طمث هذه الناقة حبل ، أي ما مسها عقال . وقال المبرد : أي لم يذللهن إنس قبلهم ولا جان ، والطمث التذليل . وقرأ الحسن " جأن " بالهمزة .
الثالثة : في هذه الآية دليل على أن الجن تغشى كالإنس ، وتدخل الجنة ويكون لهم فيها جنيات . قال ضمرة : للمؤمنين منهم أزواج من الحور العين ، فالإنسيات للإنس ، والجنيات للجن . وقيل : أي لم يطمث ما وهب الله للمؤمنين من الجن في الجنة من الحور العين من الجنيات جن ، ولم يطمث ما وهب الله للمؤمنين من الإنس في الجنة من الحور العين من الإنسيات إنس ، وذلك لأن الجن لا تطأ بنات آدم في الدنيا . ذكره القشيري .
قلت : قد مضى في ( النمل ) القول في هذا وفي ( الإسراء ) أيضا ، وأنه جائز أن تطأ بنات آدم . وقد قال مجاهد : إذا جامع الرجل ولم يسم انطوى الجان على إحليله فجامع معه فذلك قوله تعالى : لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان وذلك بأن الله تبارك وتعالى وصف الحور العين بأنه لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان . يعلمك أن نساء الآدميات قد يطمثهن الجان ، وأن الحور العين قد برئن من هذا العيب ونزهن ، والطمث الجماع . ذكره بكماله الترمذي الحكيم ، وذكره المهدوي أيضا والثعلبي وغيرهما والله أعلم .
فِيهِنَّ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ ٦٥
{ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ } أي: قد قصرن طرفهن على أزواجهن، من حسنهم وجمالهم، وكمال محبتهن لهم، وقصرن أيضا طرف أزواجهن عليهن، من حسنهن وجمالهن ولذة وصالهن، { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ } أي: لم ينلهن قبلهم أحد من الإنس والجن، بل هن أبكار عرب، متحببات إلى أزواجهن، بحسن التبعل والتغنج والملاحة والدلال
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٧٥
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٧٥
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٧٥
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٧٥
تقدم تفسيرها
كَأَنَّهُنَّ ٱلۡيَاقُوتُ وَٱلۡمَرۡجَانُ ٨٥
نسخ
مشاركة
التفسير
كَأَنَّهُنَّ ٱلۡيَاقُوتُ وَٱلۡمَرۡجَانُ ٨٥
ثم قال ينعتهن للخطاب : ( كأنهن الياقوت والمرجان ) ، قال مجاهد ، والحسن ، [ والسدي ] ، وابن زيد ، وغيرهم : في صفاء الياقوت وبياض المرجان ، فجعلوا المرجان هاهنا اللؤلؤ .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن حاتم ، حدثنا عبيدة بن حميد ، عن عطاء بن السائب ، عن عمرو بن ميمون الأودي ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة من الحرير ، حتى يرى مخها ، وذلك أن الله تعالى يقول : ( كأنهن الياقوت والمرجان ) ، فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لرأيته من ورائه " .
وهكذا رواه الترمذي من حديث عبيدة بن حميد وأبي الأحوص ، عن عطاء بن السائب ، به . ورواه موقوفا ، ثم قال : وهو أصح .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا يونس ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين ، على كل واحدة سبعون حلة ، يرى مخ ساقها من وراء الثياب " .
تفرد به الإمام أحمد من هذا الوجه . وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل ابن علية ، عن أيوب ، عن محمد بن سيرين قال : إما تفاخروا وإما تذكروا ، الرجال أكثر في الجنة أم النساء ؟ فقال أبو هريرة : أولم يقل أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - : " إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والتي تليها على أضوأ كوكب دري في السماء ، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان ، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم ، وما في الجنة أعزب " .
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين ، من حديث همام بن منبه وأبي زرعة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا محمد بن طلحة ، عن حميد عن أنس ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ، ولقاب قوس أحدكم - أو موضع قيده - يعني سوطه - من الجنة خير من الدنيا وما فيها ، ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا ، ولطاب ما بينهما ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها " .
ورواه البخاري من حديث أبي إسحاق ، عن حميد ، عن أنس بنحوه .
كَأَنَّهُنَّ ٱلۡيَاقُوتُ وَٱلۡمَرۡجَانُ ٨٥
قوله تعالى : كأنهن الياقوت والمرجان روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقيها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها وذلك بأن الله تعالى يقول : كأنهن الياقوت والمرجان فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لأريته من ورائه ويروى موقوفا . وقال عمرو بن ميمون : إن المرأة من الحور العين لتلبس سبعين حلة فيرى مخ ساقها من وراء ذلك ، كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء . وقال الحسن : هن في صفاء الياقوت ، وبياض المرجان .
كَأَنَّهُنَّ ٱلۡيَاقُوتُ وَٱلۡمَرۡجَانُ ٨٥
{ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ } وذلك لصفائهن وجمال منظرهن وبهائهن.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٩٥
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٩٥
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٩٥
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٩٥
تقدم تفسيرها
هَلۡ جَزَآءُ ٱلۡإِحۡسَٰنِ إِلَّا ٱلۡإِحۡسَٰنُ ٠٦
نسخ
مشاركة
التفسير
هَلۡ جَزَآءُ ٱلۡإِحۡسَٰنِ إِلَّا ٱلۡإِحۡسَٰنُ ٠٦
وقوله : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) أي : ما لمن أحسن في الدنيا العمل إلا الإحسان إليه في الدار الآخرة . كما قال تعالى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [ يونس : 26 ] .
وقال البغوي : أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، حدثنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، حدثنا ابن شيبة ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن بهرام ، حدثنا الحجاج بن يوسف المكتب ، حدثنا بشر بن الحسين ، عن الزبير بن عدي ، عن أنس بن مالك قال : قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) ، قال : " هل تدرون ما قال ربكم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " يقول هل جزاء ما أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة " .
ولما كان في الذي ذكر نعم عظيمة لا يقاومها عمل ، بل مجرد تفضل وامتنان ، قال بعد ذلك كله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
هَلۡ جَزَآءُ ٱلۡإِحۡسَٰنِ إِلَّا ٱلۡإِحۡسَٰنُ ٠٦
قوله تعالى : هل جزاء الإحسان إلا الإحسان هل في الكلام على أربعة أوجه : تكون بمعنى قد كقوله تعالى : هل أتى على الإنسان حين من الدهر ، وبمعنى الاستفهام كقوله تعالى : فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ، وبمعنى الأمر كقوله تعالى : فهل أنتم منتهون ، وبمعنى " ما " في الجحد كقوله تعالى : فهل على الرسل إلا البلاغ ، و هل جزاء الإحسان إلا الإحسان . قال عكرمة : أي هل جزاء من قال لا إله إلا الله إلا الجنة . ابن عباس : ما جزاء من قال لا إله إلا الله وعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إلا الجنة . وقيل : هل جزاء من أحسن في الدنيا إلا أن يحسن إليه في الآخرة ؛ قاله ابن زيد . وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ثم قال : هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : يقول ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة . وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فقال : يقول الله هل جزاء من أنعمت عليه بمعرفتي وتوحيدي إلا أن أسكنه جنتي وحظيرة قدسي برحمتي وقال الصادق : هل جزاء من أحسنت عليه في الأزل إلا حفظ الإحسان عليه في الأبد . وقال محمد ابن الحنيفة والحسن : هي مسجلة للبر والفاجر ، أي مرسلة على الفاجر في الدنيا والبر في الآخرة .
هَلۡ جَزَآءُ ٱلۡإِحۡسَٰنِ إِلَّا ٱلۡإِحۡسَٰنُ ٠٦
{ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } أي: هل جزاء من أحسن في عبادة الخالق ونفع عبيده، إلا أن يحسن إليه بالثواب الجزيل، والفوز الكبير، والنعيم المقيم، والعيش السليم، فهاتان الجنتان العاليتان للمقربين.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٦
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٦
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٦
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٦
تقدم تفسيرها
وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ ٢٦
نسخ
مشاركة
التفسير
وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ ٢٦
هاتان الجنتان دون اللتين قبلهما في المرتبة والفضيلة والمنزلة بنص القرآن ، قال الله تعالى : ( ومن دونهما جنتان ) .
وقد تقدم في الحديث : " جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، فالأوليان للمقربين ، والأخريان لأصحاب اليمين " .
وقال أبو موسى : جنتان من ذهب للمقربين ، وجنتان من فضة لأصحاب اليمين .
وقال ابن عباس : ( ومن دونهما جنتان ) من دونهما في الدرج . وقال ابن زيد : من دونهما في الفضل .
والدليل على شرف الأوليين على الأخريين وجوه : أحدها : أنه نعت الأوليين قبل هاتين ، والتقديم يدل على الاعتناء ثم قال : ( ومن دونهما جنتان ) . وهذا ظاهر في شرف التقدم وعلوه على الثاني .
وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ ٢٦
قوله تعالى : ومن دونهما جنتان أي وله من دون الجنتين الأوليين جنتان أخريان . قال ابن عباس : ومن دونهما في الدرج . ابن زيد : ومن دونهما في الفضل . ابن عباس : والجنات لمن خاف مقام ربه ، فيكون في الأوليين النخل والشجر ، وفي الأخريين الزرع والنبات وما انبسط . الماوردي : ويحتمل أن يكون ومن دونهما جنتان لأتباعه لقصور منزلتهم عن منزلته ، إحداهما للحور العين ، والأخرى للولدان المخلدين ، ليتميز بهما الذكور عن الإناث . وقال ابن جريج : هي أربع : جنتان منها للسابقين المقربين فيهما من كل فاكهة زوجان و عينان تجريان ، وجنتان لأصحاب اليمين فيهما فاكهة ونخل ورمان و فيهما عينان نضاختان . وقال ابن زيد : إن الأوليين من ذهب للمقربين ، والأخريين من ورق لأصحاب اليمين .
قلت : إلى هذا ذهب الحليمي أبو عبد الله الحسن بن الحسين في كتاب " منهاج الدين " له ، واحتج بما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ولمن خاف مقام ربه جنتان إلى قوله : مدهامتان قال : تانك للمقربين ، وهاتان لأصحاب اليمين . وعن أبي موسى الأشعري نحوه . ولما وصف الله الجنتين أشار إلى الفرق بينهما فقال في الأوليين : فيهما عينان تجريان وفي الأخريين : فيهما عينان نضاختان أي فوارتان ولكنهما ليستا كالجاريتين لأن النضخ دون الجري . وقال في الأوليين : فيهما من كل فاكهة زوجان فعم ولم يخص . وفي الأخريين : فيهما فاكهة ونخل ورمان ولم يقل من كل فاكهة ، وقال في الأوليين : متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وهو الديباج ، وفي الأخريين متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان والعبقري : الوشي ، ولا شك أن الديباج أعلى من الوشي ، والرفرف كسر الخباء ، ولا شك أن الفرش المعدة للاتكاء عليها أفضل من فضل الخباء . وقال في الأوليين في صفة الحور : كأنهن الياقوت والمرجان ، وفي الأخريين فيهن خيرات حسان وليس كل حسن كحسن الياقوت والمرجان . وقال في الأوليين : ذواتا أفنان وفي الأخريين مدهامتان أي خضراوان كأنهما من شدة خضرتهما سوداوان ، ووصف الأوليين بكثرة الأغصان ، والأخريين بالخضرة وحدها ، وفي هذا كله تحقيق للمعنى الذي قصدنا بقوله ومن دونهما جنتان ولعل ما لم يذكر من تفاوت ما بينهما أكثر مما ذكر . فإن قيل : كيف لم يذكر أهل هاتين الجنتين كما ذكر أهل الجنتين الأوليين ؟ قيل : الجنان الأربع لمن خاف مقام ربه إلا أن الخائفين لهم مراتب ، فالجنتان الأوليان لأعلى العباد رتبة في الخوف من الله تعالى ، والجنتان الأخريان لمن قصرت حاله في الخوف من الله تعالى . ومذهب الضحاك أن الجنتين الأوليين من ذهب وفضة ، والأخريين من ياقوت وزمرد وهما أفضل من الأوليين ، وقوله : ومن دونهما جنتان أي ومن أمامهما ومن قبلهما . وإلى هذا القول ذهب أبو عبد الله الترمذي الحكيم في " نوادر الأصول " فقال : ومعنى ومن دونهما جنتان أي دون هذا إلى العرش ، أي أقرب وأدنى إلى العرش ، وأخذ يفضلهما على الأوليين بما سنذكره عنه . وقال مقاتل : الجنتان الأوليان جنة عدن وجنة النعيم ، والأخريان جنة الفردوس وجنة المأوى .
وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ ٢٦
{ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } من فضة بنيانهما وآنيتهما وحليتهما وما فيهما لأصحاب اليمين.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣٦
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣٦
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣٦
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣٦
تقدم تفسيرها
مُدۡهَآمَّتَانِ ٤٦
نسخ
مشاركة
التفسير
مُدۡهَآمَّتَانِ ٤٦
وقال محمد بن كعب "مدهامتان" ممتلئتان من الخضرة وقال قتادة خضراوان من الري ناعمتان ولا شك في نضارة الأغصان على الأشجـار المشتبكة بعضها في بعض.
وقال هاهنا : ( مدهامتان ) أي سوداوان من شدة الري .
قال ابن عباس في قوله : ( مدهامتان ) قد اسودتا من الخضرة ، من شدة الري من الماء .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن فضيل ، حدثنا عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( مدهامتان ) : قال : خضراوان . وروي عن أبي أيوب الأنصاري ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد - في إحدى الروايات - وعطاء ، وعطية العوفي ، والحسن البصري ، ويحيى بن رافع ، وسفيان الثوري ، نحو ذلك .
وقال محمد بن كعب : ( مدهامتان ) : ممتلئتان من الخضرة . وقال قتادة : خضراوان من الري ناعمتان . ولا شك في نضارة الأغصان على الأشجار المشبكة بعضها في بعض .
مُدۡهَآمَّتَانِ ٤٦
قوله تعالى : مدهامتان أي خضراوان من الري ؛ قاله ابن عباس وغيره . وقال مجاهد : مسودتان . والدهمة في اللغة السواد ، يقال : فرس أدهم وبعير أدهم وناقة دهماء أي : اشتدت زرقته حتى البياض الذي فيه ، فإن زاد على ذلك حتى اشتد السواد فهو جون . وادهم الفرس ادهماما أي صار أدهم . وادهام الشيء ادهيماما أي : اسواد ، قال الله تعالى : مدهامتان أي سوداوان من شدة الخضرة من الري ، والعرب تقول لكل أخضر أسود . وقال لبيد يرثي قتلى هوازن :
وجاءوا به في هودج ووراءه كتائب خضر في نسيج السنور
السنور لبوس من قد كالدرع . وسميت قرى العراق سوادا لكثرة خضرتها . ويقال لليل المظلم : أخضر ويقال : أباد الله خضراءهم أي سوادهم .
مُدۡهَآمَّتَانِ ٤٦
وتلك الجنتان { مُدْهَامَّتَانِ } أي: سوداوان من شدة الخضرة التي هي أثر الري.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٦
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٦
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٦
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٦
تقدم تفسيرها
فِيهِمَا عَيۡنَانِ نَضَّاخَتَانِ ٦٦
نسخ
مشاركة
التفسير
فِيهِمَا عَيۡنَانِ نَضَّاخَتَانِ ٦٦
وقال هناك : ( فيهما عينان تجريان ) ، وقال هاهنا : ( نضاختان ) ، وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أي فياضتان . والجري أقوى من النضخ .
وقال الضحاك : ( نضاختان ) أي ممتلئتان لا تنقطعان .
فِيهِمَا عَيۡنَانِ نَضَّاخَتَانِ ٦٦
قوله تعالى : فيهما عينان نضاختان أي فوارتان بالماء ؛ عن ابن عباس . والنضخ بالخاء أكثر من النضح بالحاء . وعنه أن المعنى نضاختان بالخير والبركة ، وقاله الحسن ومجاهد . ابن مسعود وابن عباس أيضا وأنس : تنضخ على أولياء الله بالمسك والعنبر والكافور في دور أهل الجنة كما ينضخ رش المطر . وقال سعيد بن جبير : بأنواع الفواكه والماء . الترمذي : قالوا بأنواع الفواكه والنعم والجواري المزينات والدواب المسرجات والثياب الملونات . قال الترمذي : وهذا يدل على أن النضخ أكثر من الجري . وقيل : تنبعان ثم تجريان .
فِيهِمَا عَيۡنَانِ نَضَّاخَتَانِ ٦٦
{ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ }
أي: فوارتان.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٧٦
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٧٦
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٧٦
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٧٦
تقدم تفسيرها
فِيهِمَا فَٰكِهَةٞ وَنَخۡلٞ وَرُمَّانٞ ٨٦
نسخ
مشاركة
التفسير
فِيهِمَا فَٰكِهَةٞ وَنَخۡلٞ وَرُمَّانٞ ٨٦
وقال هناك : ( فيهما من كل فاكهة زوجان ) ، وقال هاهنا : ( فيهما فاكهة ونخل ورمان ) ، ولا شك أن الأولى أعم وأكثر في الأفراد والتنويع على فاكهة ، وهي نكرة في سياق الإثبات لا تعم ; ولهذا فسر قوله : ( ونخل ورمان ) من باب عطف الخاص على العام ، كما قرره البخاري وغيره ، وإنما أفرد النخل والرمان بالذكر لشرفهما على غيرهما .
قال عبد بن حميد : حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا حصين بن عمر ، حدثنا مخارق ، عن طارق بن شهاب ، عن عمر بن الخطاب قال : جاء أناس من اليهود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا محمد ، أفي الجنة فاكهة ؟ قال : " نعم ، فيها فاكهة ونخل ورمان " . قالوا : أفيأكلون كما يأكلون في الدنيا ؟ قال : " نعم وأضعاف " . قالوا : فيقضون الحوائج ؟ قال : " لا ولكنهم يعرقون ويرشحون ، فيذهب الله ما في بطونهم من أذى " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا الفضل بن دكين ، حدثنا سفيان ، عن حماد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : نخل الجنة سعفها كسوة لأهل الجنة ، منها مقطعاتهم ، ومنها حللهم ، وكربها ذهب أحمر ، وجذوعها زمرد أخضر ، وثمرها أحلى من العسل ، وألين من الزبد ، وليس له عجم .
وحدثنا أبي : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد - هو ابن سلمة - عن أبي هارون ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " نظرت إلى الجنة فإذا الرمانة من رمانها كمثل البعير المقتب " .
فِيهِمَا فَٰكِهَةٞ وَنَخۡلٞ وَرُمَّانٞ ٨٦
قوله تعالى : فيهما فاكهة ونخل ورمان فيه مسألتان :
الأولى : قال بعض العلماء : ليس الرمان والنخل من الفاكهة ، لأن الشيء لا يعطف على نفسه إنما يعطف على غيره وهذا ظاهر الكلام . وقال الجمهور : هما من الفاكهة وإنما أعاد ذكر النخل والرمان لفضلهما وحسن موقعهما على الفاكهة ، كقوله تعالى : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوله : من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال وقد تقدم . وقيل : إنما كررها لأن النخل والرمان كانا عندهم في ذلك الوقت بمنزلة البر عندنا ، لأن النخل عامة قوتهم ، والرمان كالثمرات ، فكان يكثر غرسهما عندهم لحاجتهم إليهما ، وكانت الفواكه عندهم من ألوان الثمار التي يعجبون بها ، فإنما ذكر الفاكهة ثم ذكر النخل والرمان لعمومهما وكثرتهما عندهم من المدينة إلى مكة إلى ما والاها من أرض اليمن ، فأخرجهما في الذكر من الفواكه وأفرد الفواكه على حدتها . وقيل : أفردا بالذكر لأن النخل ثمره فاكهة وطعام ، والرمان فاكهة ودواء ، فلم يخلصا للتفكه ، ومنه قال أبو حنيفة رحمه الله ، وهي المسألة
الثانية : إذا حلف أن لا يأكل فاكهة فأكل رمانا أو رطبا لم يحنث . وخالفه صاحباه والناس . قال ابن عباس : الرمانة في الجنة مثل البعير المقتب . وذكر ابن المبارك قال : أخبرنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر ، وكرانيفها ذهب أحمر ، وسعفها كسوة لأهل الجنة ، منها مقطعاتهم وحللهم ، وثمرها أمثال القلال والدلاء ، أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ، ليس فيه عجم . قال : وحدثنا المسعودي عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة ، قال : نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها ، وثمرها أمثال القلال كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى ، وإن ماءها ليجري في غير أخدود ، والعنقود اثنا عشر ذراعا .
فِيهِمَا فَٰكِهَةٞ وَنَخۡلٞ وَرُمَّانٞ ٨٦
{ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ } من جميع أصناف الفواكه، وأخصها النخل والرمان، اللذان فيهما من المنافع ما فيهما.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٩٦
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٩٦
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٩٦
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٩٦
تقدم تفسيرها
فِيهِنَّ خَيۡرَٰتٌ حِسَانٞ ٠٧
نسخ
مشاركة
التفسير
فِيهِنَّ خَيۡرَٰتٌ حِسَانٞ ٠٧
ثم قال : ( فيهن خيرات حسان ) قيل : المراد خيرات كثيرة حسنة في الجنة ، قاله قتادة . وقيل : خيرات جمع خيرة ، وهي المرأة الصالحة الحسنة الخلق الحسنة الوجه ، قاله الجمهور . وروي مرفوعا عن أم سلمة . وفي الحديث الآخر الذي سنورده في سورة " الواقعة " : أن الحور العين يغنين : نحن الخيرات الحسان ، خلقنا لأزواج كرام . ولهذا قرأ بعضهم : " فيهن خيرات " ، بالتشديد ( حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
فِيهِنَّ خَيۡرَٰتٌ حِسَانٞ ٠٧
قوله تعالى : فيهن خيرات حسان فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : فيهن خيرات حسان يعني النساء ، الواحدة خيرة على معنى ذوات خير . وقيل : خيرات بمعنى خيرات فخفف ، كهين ولين . ابن المبارك : حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية عن سعيد بن عامر قال : لو أن خيرة من خيرات حسان اطلعت من السماء لأضاءت لها ، ولقهر ضوء وجهها الشمس والقمر ، ولنصيف تكساه خيرة خير من الدنيا وما فيها .
حسان أي حسان الخلق ، وإذا قال الله تعالى : حسان فمن ذا الذي يقدر أن يصف حسنهن ! وقال الزهري وقتادة : خيرات الأخلاق حسان الوجوه . وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم سلمة . وقال أبو صالح : لأنهن عذارى أبكار .
وقرأ قتادة وابن السميفع وأبو رجاء العطاردي وبكر بن حبيب السهمي خيرات بالتشديد على الأصل . وقد قيل : إن " خيرات " جمع خير والمعنى ذوات خير . وقيل : مختارات . قال الترمذي : فالخيرات ما اختارهن الله فأبدع خلقهن باختياره ، فاختيار الله لا يشبه اختيار الآدميين . ثم قال : حسان فوصفهن بالحسن فإذا وصف خالق الحسن شيئا بالحسن فانظر ما هناك . وفي الأوليين ذكر بأنهن قاصرات الطرف و كأنهن الياقوت والمرجان فانظر كم بين الخيرة وهي مختارة الله ، وبين قاصرات الطرف . وفي الحديث : إن الحور العين يأخذ بعضهن بأيدي بعض ويتغنين بأصوات لم تسمع الخلائق بأحسن منها ولا بمثلها : نحن الراضيات فلا نسخط أبدا ، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا ونحن الخالدات فلا نموت أبدا ونحن الناعمات فلا نبؤس أبدا ونحن خيرات حسان حبيبات لأزواج كرام . خرجه الترمذي بمعناه من حديث علي رضي الله عنه . وقالت عائشة رضي الله عنها : إن الحور العين إذا قلن هذه المقالة أجابهن المؤمنات من نساء أهل الدنيا : نحن المصليات وما صليتن ، ونحن الصائمات وما صمتن ، ونحن المتوضئات وما توضأتن ، ونحن المتصدقات وما تصدقتن . فقالت عائشة رضي الله عنها : فغلبنهن والله .
الثانية : واختلف أيهما أكثر حسنا وأبهر جمالا الحور أو الآدميات ؟ فقيل : الحور لما ذكر من وصفهن في القرآن والسنة ، ولقوله عليه الصلاة والسلام في دعائه على الميت في الجنازة : وأبدله زوجا خيرا من زوجه . وقيل : الآدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف ، وروي مرفوعا . وذكر ابن المبارك : وأخبرنا رشدين عن ابن أنعم عن حبان بن أبي جبلة ، قال : إن نساء الدنيا من دخل منهن الجنة فضلن على الحور العين بما عملن في الدنيا . وقد قيل : إن الحور العين المذكورات في القرآن هن المؤمنات من أزواج النبيين والمؤمنين يخلقن في الآخرة على أحسن صورة ؛ قاله الحسن البصري . والمشهور أن الحور العين لسن من نساء أهل الدنيا وإنما هن مخلوقات في الجنة ، لأن الله تعالى قال : لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان وأكثر نساء أهل الدنيا مطموثات ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أقل ساكني الجنة النساء فلا يصيب كل واحد منهم امرأة ، ووعد الحور العين لجماعتهم ، فثبت أنهن من غير نساء الدنيا .
فِيهِنَّ خَيۡرَٰتٌ حِسَانٞ ٠٧
{ فِيهِنَّ } أي: في الجنات كلها { خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } أي: خيرات الأخلاق حسان الأوجه، فجمعن بين جمال الظاهر والباطن، وحسن الخلق والخلق.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٧
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٧
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٧
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٧
تقدم تفسيرها
حُورٞ مَّقۡصُورَٰتٞ فِي ٱلۡخِيَامِ ٢٧
نسخ
مشاركة
التفسير
حُورٞ مَّقۡصُورَٰتٞ فِي ٱلۡخِيَامِ ٢٧
ثم قال : ( حور مقصورات في الخيام ) ، وهناك قال : ( فيهن قاصرات الطرف ) ، ولا شك أن التي قد قصرت طرفها بنفسها أفضل ممن قصرت ، وإن كان الجميع مخدرات .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن جابر ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن أبي عبيدة ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : إن لكل مسلم خيرة ، ولكل خيرة خيمة ، ولكل خيمة أربعة أبواب ، يدخل عليها كل يوم تحفة وكرامة وهدية لم تكن قبل ذلك ، لا مراحات ولا طماحات ، ولا بخرات ولا ذفرات ، حور عين ، كأنهن بيض مكنون .
وقوله : ( في الخيام ) ، قال البخاري :
حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ، حدثنا أبو عمران الجوني ، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس ، عن أبيه ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة ، عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين ، يطوف عليهم المؤمنون " .
ورواه أيضا من حديث أبي عمران ، به . وقال : " ثلاثون ميلا " . وأخرجه مسلم من حديث أبي عمران ، به . ولفظه : " إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة ، طولها ستون ميلا للمؤمن فيها أهل يطوف عليهم المؤمن ، فلا يرى بعضهم بعضا " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن أبي الربيع ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، أخبرني خليد العصري ، عن أبي الدرداء قال : الخيمة لؤلؤة واحدة ، فيها سبعون بابا من در .
وحدثنا أبي حدثنا عيسى بن أبي فاطمة ، حدثنا جرير ، عن هشام ، عن محمد بن المثنى ، عن ابن عباس في قوله : ( حور مقصورات في الخيام ) ، وقال : [ في ] خيام اللؤلؤ ، وفي الجنة خيمة واحدة من لؤلؤة ، أربعة فراسخ في أربعة فراسخ ، عليها أربعة آلاف مصراع من الذهب .
وقال عبد الله بن وهب : أخبرنا عمرو أن دراجا أبا السمح حدثه ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم ، واثنتان وسبعون زوجة ، وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت ، كما بين الجابية وصنعاء " .
ورواه الترمذي من حديث عمرو بن الحارث ، به .
حُورٞ مَّقۡصُورَٰتٞ فِي ٱلۡخِيَامِ ٢٧
قوله تعالى : حور مقصورات في الخيام حور جمع حوراء ، وهي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها وقد تقدم . مقصورات : محبوسات مستورات في الخيام في الحجال لسن بالطوافات في الطرق ؛ قاله ابن عباس . وقال عمر رضي الله عنه : الخيمة درة مجوفة ، وقاله ابن عباس وقال : هي فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب . وقال الترمذي الحكيم أبو عبد الله في قوله تعالى : حور مقصورات في الخيام : بلغنا في الرواية أن سحابة أمطرت من العرش فخلقت الحور من قطرات الرحمة ، ثم ضرب على كل واحدة منهن خيمة على شاطئ الأنهار سعتها أربعون ميلا وليس لها باب ، حتى إذا دخل ولي الله الجنة انصدعت الخيمة عن باب ليعلم ولي الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة والخدم لم تأخذها ، فهي مقصورة قد قصر بها عن أبصار المخلوقين . والله أعلم .
وقال في الأوليين : فيهن قاصرات الطرف قصرن طرفهن على الأزواج ولم يذكر أنهن مقصورات ، فدل على أن المقصورات أعلى وأفضل . وقال مجاهد : مقصورات قد قصرن على أزواجهن فلا يردن بدلا منهم . وفي الصحاح : وقصرت الشيء أقصره قصرا حبسته ، ومنه مقصورة الجامع ، وقصرت الشيء على كذا إذا لم تجاوز إلى غيره ، وامرأة قصيرة وقصورة أي مقصورة في البيت لا تترك أن تخرج ، قال كثير :
وأنت التي حببت كل قصيرة إلي وما تدري بذاك القصائر عنيت قصيرات الحجال ولم أرد
قصار الخطا شر النساء البحاتر
وأنشده الفراء " قصورة " ، ذكره ابن السكيت . وروى أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : مررت ليلة أسري بي في الجنة بنهر حافتاه قباب المرجان فنوديت منه : السلام عليك يا رسول الله فقلت : يا جبريل من هؤلاء قال : هؤلاء جوار من الحور العين استأذن ربهن في أن يسلمن عليك فأذن لهن فقلن : نحن الخالدات فلا نموت أبدا ونحن الناعمات فلا نبؤس أبدا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا أزواج رجال كرام ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم حور مقصورات في الخيام أي محبوسات حبس صيانة وتكرمة . وروي عن أسماء بنت يزيد الأشهلية أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إنا معشر النساء محصورات مقصورات ، قواعد بيوتكم وحوامل أولادكم ، فهل نشارككم في الأجر ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم ، إذا أحسنتن تبعل أزواجكن وطلبتن مرضاتهم .
حُورٞ مَّقۡصُورَٰتٞ فِي ٱلۡخِيَامِ ٢٧
{ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ } أي: محبوسات في خيام اللؤلؤ، قد تهيأن وأعددن أنفسهن لأزواجهن، ولا ينفي ذلك خروجهن في البساتين ورياض الجنة، كما جرت العادة لبنات الملوك ونحوهن [المخدرات] الخفرات.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣٧
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣٧
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣٧
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٣٧
تقدم تفسيرها
لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ ٤٧
نسخ
مشاركة
التفسير
لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ ٤٧
وقوله : ( لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) : [ قد ] تقدم مثله سواء ، إلا أنه زاد في وصف الأوائل بقوله : ( كأنهن الياقوت والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ ٤٧
قوله تعالى : لم يطمثهن أي لم يمسسهن على ما تقدم قبل . وقراءة العامة " يطمثهن " بكسر الميم . وقرأ أبو حيوة الشامي وطلحة بن مصرف والأعرج والشيرازي عن الكسائي بضم الميم في الحرفين . وكان الكسائي يكسر إحداهما ويضم الأخرى ويخير في ذلك ، فإذا رفع الأولى كسر الثانية وإذا كسر الأولى رفع الثانية . وهي قراءة أبي إسحاق السبيعي . قال أبو إسحاق : كنت أصلي خلف أصحاب علي فيرفعون الميم ، وكنت أصلي خلف أصحاب عبد الله فيكسرونها ، فاستعمل الكسائي الأثرين . وهما لغتان طمث وطمث مثل يعرشون ويعكفون ، فمن ضم فللجمع بين اللغتين ، ومن كسر فلأنها اللغة السائرة . وإنما أعاد قوله : لم يطمثهن ليبين أن صفة الحور المقصورات في الخيام كصفة الحور القاصرات الطرف . يقول : إذا قصرن كانت لهن الخيام في تلك الحال .
لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ ٤٧
{ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ } أي: أصحاب هاتين الجنتين، متكأهم على الرفرف الأخضر، وهي الفرش التي فوق المجالس العالية، التي قد زادت على مجالسهم، فصار لها رفرفة من وراء مجالسهم، لزيادة البهاء وحسن المنظر، { وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ } العبقري: نسبة لكل منسوج نسجا حسنا فاخرا، ولهذا وصفها بالحسن الشامل، لحسن الصنعة وحسن المنظر، ونعومة الملمس، وهاتان الجنتان دون الجنتين الأوليين، كما نص الله على ذلك بقوله: { وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } وكما وصف الأوليين بعدة أوصاف لم يصف بها الأخريين، فقال في الأوليين: { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } وفي الأخريين: { عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ } ومن المعلوم الفرق بين الجارية والنضاخة.
وقال في الأوليين: { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } ولم يقل ذلك في الأخريين. وقال في الأوليين: { فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ } وفي الأخريين { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } وقد علم ما بين الوصفين من التفاوت.
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٧
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٧
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٧
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٧
تقدم تفسيرها
مُتَّكِِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٖ وَعَبۡقَرِيٍّ حِسَانٖ ٦٧
نسخ
مشاركة
التفسير
مُتَّكِِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٖ وَعَبۡقَرِيٍّ حِسَانٖ ٦٧
وقوله : ( متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان ) : قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الرفرف : المحابس . وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وغيرهما : هي المحابس . وقال العلاء بن بدر الرفرف على السرير كهيئة المحابس المتدلي .
وقال عاصم الجحدري : ( متكئين على رفرف خضر ) يعني : الوسائد . وهو قول الحسن البصري في رواية عنه .
وقال أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( متكئين على رفرف خضر ) قال : الرفرف : رياض الجنة .
وقوله : ( وعبقري حسان ) : قال ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي : العبقري : الزرابي . وقال سعيد بن جبير : هي عتاق الزرابي ، يعني جيادها .
وقال مجاهد : العبقري : الديباج .
وسئل الحسن البصري عن قوله : ( وعبقري حسان ) فقال : هي بسط أهل الجنة - لا أبا لكم - فاطلبوها . وعن الحسن [ البصري ] رواية : أنها المرافق . وقال زيد بن أسلم : العبقري : أحمر وأصفر وأخضر . وسئل العلاء بن زيد عن العبقري ، فقال : البسط أسفل من ذلك . وقال أبو حزرة يعقوب بن مجاهد : العبقري : من ثياب أهل الجنة ، لا يعرفه أحد . وقال أبو العالية : العبقري : الطنافس المخملة ، إلى الرقة ما هي . وقال القتيبي : كل ثوب موشى عند العرب عبقري . وقال أبو عبيدة : هو منسوب إلى أرض يعمل بها الوشي . وقال الخليل بن أحمد : كل شيء يسر من الرجال وغير ذلك يسمى عند العرب عبقريا . ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيعمر : " فلم أر عبقريا يفري فريه " .
وعلى كل تقدير فصفة مرافق أهل الجنتين الأوليين أرفع وأعلى من هذه الصفة ; فإنه قد قال هناك : ( متكئين على فرش بطائنها من إستبرق ) ، فنعت بطائن فرشهم وسكت عن ظهائرها ، اكتفاء بما مدح به البطائن بطريق الأولى والأحرى . وتمام الخاتمة أنه قال بعد الصفات المتقدمة : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) فوصف أهلها بالإحسان وهو أعلى المراتب والنهايات ، كما في حديث جبريل لما سأل عن الإسلام ، ثم الإيمان . فهذه وجوه عديدة في تفضيل الجنتين الأوليين على هاتين الأخريين ، ونسأل الله الكريم الوهاب أن يجعلنا من أهل الأوليين .
مُتَّكِِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٖ وَعَبۡقَرِيٍّ حِسَانٖ ٦٧
قوله تعالى : متكئين على رفرف خضر الرفرف المحابس . وقال ابن عباس : الرفرف فضول الفرش والبسط . وعنه أيضا : الرفرف المحابس يتكئون على فضولها ، وقاله قتادة . وقال الحسن والقرظي : هي البسط . وقال ابن عيينة : هي الزرابي . وقال ابن كيسان : هي المرفق ، وقاله الحسن أيضا . وقال أبو عبيدة : هي حاشية الثوب . وقال الليث : ضرب من الثياب الخضر تبسط . وقيل : الفرش المرتفعة . وقيل : كل ثوب عريض عند العرب فهو رفرف . قال ابن مقبل :
وإنا لنزالون تغشى نعالنا سواقط من أصناف ريط ورفرف
وهذه أقوال متقاربة . وفي الصحاح : والرفرف ثياب خضر تتخذ منها المحابس ، الواحدة رفرفة . وقال سعيد بن جبير وابن عباس أيضا : الرفرف رياض الجنة ، واشتقاق الرفرف من رف يرف إذا ارتفع ، ومنه رفرفة الطائر لتحريكه جناحيه في الهواء . وربما سموا الظليم رفرافا بذلك ، لأنه يرفرف بجناحيه ثم يعدو . ورفرف الطائر أيضا إذا حرك جناحيه حول الشيء يريد أن يقع عليه . والرفرف أيضا كسر الخباء وجوانب الدرع وما تدلى منها ، الواحد رفرفة . وفي الخبر في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم : فرفع الرفرف فرأينا وجهه كأنه ورقة تخشخش أي رفع طرف الفسطاط . وقيل : أصل الرفرف من رف النبت يرف إذا صار غضبا نضيرا ؛ حكاه الثعلبي . وقال القتبي : يقال للشيء إذا كثر ماؤه من النعمة والغضاضة حتى كاد يهتز : رف يرف رفيفا ؛ حكاه الهروي . وقد قيل : إن الرفرف شيء إذا استوى عليه صاحبه رفرف به وأهوى به كالمرجاح يمينا وشمالا ورفعا وخفضا يتلذذ به مع أنيسته ؛ قاله الترمذي الحكيم في " نوادر الأصول " وقد ذكرناه في ( التذكرة ) . قال الترمذي : فالرفرف أعظم خطرا من الفرش فذكره في الأوليين متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وقال هنا : متكئين على رفرف خضر فالرفرف هو شيء إذا استوى عليه الولي رفرف به ، أي طار به هكذا وهكذا حيث ما يريد كالمرجاح ، وأصله من رفرف بين يدي الله عز وجل ، روي لنا في حديث المعراج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ سدرة المنتهى جاءه الرفرف فتناوله من جبريل وطار به إلى مسند العرش ، فذكر أنه قال : طار بي يخفضني ويرفعني حتى وقف بي بين يدي ربي ثم لما حان الانصراف تناوله فطار به خفضا ورفعا يهوي به حتى أداه إلى جبريل صلوات الله وسلامه عليه وجبريل يبكي ويرفع صوته بالتحميد ، فالرفرف خادم من الخدم بين يدي الله تعالى له خواص الأمور في محل الدنو والقرب ، كما أن البراق دابة يركبها الأنبياء مخصوصة بذلك في أرضه ، فهذا الرفرف الذي سخره الله لأهل الجنتين الدانيتين هو متكؤهما وفرشهما ، يرفرف بالولي على حافات تلك الأنهار وشطوطها حيث شاء إلى خيام أزواجه الخيرات الحسان .
ثم قال : وعبقري حسان فالعبقري ثياب منقوشة تبسط ، فإذا قال خالق النقوش : إنها حسان فما ظنك بتلك العباقر ! . وقرأ عثمان رضي الله عنه والجحدري والحسن وغيرهم " متكئين على رفارف " بالجمع غير مصروف كذلك " وعباقري حسان " جمع رفرف وعبقري . و " رفرف " اسم للجمع و " عبقري " واحد يدل على الجمع المنسوب إلى عبقر . وقد قيل : إن واحد رفرف وعبقري رفرفة وعبقرية ، والرفارف والعباقر جمع الجمع . والعبقري الطنافس الثخان منها ؛ قاله الفراء . وقيل : الزرابي ، عن ابن عباس وغيره . الحسن : هي البسط . مجاهد : الديباج . القتبي : كل ثوب وشي عند العرب عبقري . قال أبو عبيد : هو منسوب إلى أرض يعمل فيها الوشي فينسب إليها كل وشي حبك . قال ذو الرمة :
حتى كأن رياض القف ألبسها من وشي عبقر تجليل وتنجيد
ويقال : عبقر قرية بناحية اليمن تنسج فيها بسط منقوشة . وقال ابن الأنباري : إن الأصل فيه أن عبقر قرية يسكنها الجن ينسب إليها كل فائق جليل . وقال الخليل : كل جليل نافس فاضل وفاخر من الرجال والنساء وغيرهم عند العرب عبقري . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمر رضي الله عنه : فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه وقال أبو عمر بن العلاء وقد سئل عن قوله صلى الله عليه وسلم فلم أر عبقريا يفري فريه فقال : رئيس قوم وجليلهم . وقال زهير :
بخيل عليها جنة عبقرية جديرون يوما أن ينالوا فيستعلوا
وقال الجوهري : العبقري موضع تزعم العرب أنه من أرض الجن . قال لبيد :
كهول وشبان كجنة عبقر
ثم نسبوا إليه كل شيء يعجبون من حذقه وجودة صنعته وقوته فقالوا : عبقري وهو واحد وجمع . وفي الحديث : " إنه كان يسجد على عبقري " وهو هذه البسط التي فيها الأصباغ والنقوش حتى قالوا : ظلم عبقري وهذا عبقري قوم للرجل القوي . وفي الحديث : فلم أر عبقريا يفري فريه ثم خاطبهم الله بما تعارفوه فقال : وعبقري حسان وقرأه بعضهم " عباقري " وهو خطأ لأن المنسوب لا يجمع على نسبته ، وقال قطرب : ليس بمنسوب وهو مثل : كرسي وكراسي وبختي وبخاتي . وروى أبو بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ " متكئين على رفارف خضر وعباقر حسان " ذكره الثعلبي . وضم الضاد من خضر قليل .
مُتَّكِِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٖ وَعَبۡقَرِيٍّ حِسَانٖ ٦٧
قال في الأوليين: { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } ولم يقل ذلك في الأخيرتين، بل قال: { مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ }
وقال في الأوليين، في وصف نسائهم وأزواجهم: { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان } وقال في الأخريين: { حور مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ } وقد علم التفاوت بين ذلك.
وقال في الأوليين { هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } فدل ذلك أن الأوليين جزاء المحسنين، ولم يقل ذلك في الأخريين.
ومجرد تقديم الأوليين على الأخريين، يدل على فضلهما.
فبهذه الأوجه يعرف فضل الأوليين على الأخريين، وأنهما معدتان للمقربين من الأنبياء، والصديقين، وخواص عباد الله الصالحين، وأن الأخريين معدتان لعموم المؤمنين، وفي كل من الجنات [المذكورات] ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وفيهن ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وأهلها في غاية الراحة والرضا والطمأنينة وحسن المأوى، حتى إن كلا منهم لا يرى أحدا أحسن حالا منه، ولا أعلى من نعيمه [الذي هو فيه].
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٧٧
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٧٧
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٧٧
خطاب للإنس والجن , لأن الأنام واقع عليهما .
وهذا قول الجمهور , يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة , وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا " .
وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما .
وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] .
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر , كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب " .
وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن , والقرآن كالسورة الواحدة , فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات .
وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية , حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم " [ ق : 24 ] .
وكذلك قوله [ امرؤ القيس ] : قفا نبك [ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ] خليلي مرا بي [ على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب ] فأما ما بعد " خلق الإنسان " و " خلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن , والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم , وهو قول جميع المفسرين , واحدها إلى وألى مثل معى وعصا , وإلي وألي أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " آناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام , وقد مضى في " الأعراف " و " النجم " .
وقال ابن زيد : إنها القدرة , وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان , وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي , وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن , والعلم إمام الجند والجند تتبعه , وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة , فقال : " الرحمن .
علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن .
علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به , ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر , وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل , ووضع الأرض للأنام , فخاطب هذين الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك , فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه , وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم , فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه ويقدر معه , فذلك تكذيبهم .
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال , وذكر خلق الجان من مارج من نار , ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان , فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة , فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير , واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق .
وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه , وذكر خلقه آلاءه , ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها , كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حسن في مثل هذا .
قال : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال آخر : لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك وقال آخر : لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملن من زيارته زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة , وتأكيدا للحجة .
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٧٧
تقدم تفسيرها
تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ ٨٧
نسخ
مشاركة
التفسير
تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ ٨٧
ثم قال : ( تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام ) أي : هو أهل أن يجل فلا يعصى ، وأن يكرم فيعبد ، ويشكر فلا يكفر ، وأن يذكر فلا ينسى .
وقال ابن عباس : ( ذي الجلال والإكرام ) ذي العظمة والكبرياء .
وقال الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود ، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، عن عمير بن هانئ ، عن أبي العذراء ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أجدوا الله يغفر لكم " .
وفي الحديث الآخر : " إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ، وذي السلطان ، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه " .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو يوسف الجيزي ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، حدثنا حميد الطويل ، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام " .
وكذا رواه الترمذي ، عن محمود بن غيلان ، عن مؤمل بن إسماعيل ، عن حماد بن سلمة ، به . ثم قال : غلط المؤمل فيه ، وهو غريب وليس بمحفوظ ، وإنما يروى هذا عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن إسحاق ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن يحيى بن حسان المقدسي ، عن ربيعة بن عامر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ألظوا بذي الجلال والإكرام " .
ورواه النسائي من حديث عبد الله بن المبارك ، به .
وقال الجوهري : ألظ فلان بفلان : إذا لزمه .
وقول ابن مسعود : " ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام " أي : الزموا . ويقال : الإلظاظ هو الإلحاح .
قلت : وكلاهما قريب من الآخر - والله أعلم - وهو المداومة واللزوم والإلحاح . وفي صحيح مسلم والسنن الأربعة من حديث عبد الله بن الحارث ، عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم لا يقعد - يعني : بعد الصلاة - إلا قدر ما يقول : " اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركت ذا الجلال والإكرام " .
آخر تفسير سورة الرحمن ، ولله الحمد [ والمنة ] .
تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ ٨٧
قوله تعالى : تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام تبارك تفاعل من البركة وقد تقدم . ذي الجلال أي : العظمة . وقد تقدم والإكرام وقرأ عامر ( ذو الجلال ) بالواو وجعله وصفا للاسم ، وذلك تقوية لكون الاسم هو المسمى . الباقون " ذي الجلال " جعلوا " ذي " صفة ل " ربك " . وكأنه يريد الاسم الذي افتتح به السورة ، فقال : الرحمن فافتتح بهذا الاسم ، فوصف خلق الإنسان والجن ، وخلق السماوات والأرض وصنعه ، وأنه كل يوم هو في شأن ووصف تدبيره فيهم ، ثم وصف يوم القيامة وأهوالها ، وصفة النار ثم ختمها بصفة الجنان . ثم قال في آخر السورة : تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام أي هذا الاسم الذي افتتح به هذه السورة ، كأنه يعلمهم أن هذا كله خرج لكم من رحمتي ، فمن رحمتي خلقتكم وخلقت لكم السماء والأرض والخلق والخليقة والجنة والنار ، فهذا كله لكم من اسم الرحمن فمدح اسمه ثم قال : ذي الجلال والإكرام جليل في ذاته ، كريم في أفعاله . ولم يختلف القراء في إجراء النعت على الوجه بالرفع في أول السورة ، وهو يدل على أن المراد به وجه الله الذي يلقى المؤمنون عندما ينظرون إليه ، فيستبشرون بحسن الجزاء ، وجميل اللقاء ، وحسن العطاء والله أعلم .
تم تفسير سورة الرحمن، ولله الحمد..
تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ ٨٧
ولما ذكر سعة فضله وإحسانه، قال: { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } أي: تعاظم وكثر خيره، الذي له الجلال الباهر، والمجد الكامل، والإكرام لأوليائه.
تم تفسير سورة الرحمن، ولله الحمد والشكر والثناء الحسن.
صَدَق الْلَّه الْعَظِيْم