بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ ١
نسخ
مشاركة
التفسير
هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ ١
تفسير سورة الغاشية وهي مكية .
قد تقدم عن النعمان بن بشير : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ ب " سبح اسم ربك الأعلى " والغاشية في صلاة العيد ويوم الجمعة .
وقال الإمام مالك ، عن ضمرة بن سعيد ، عن عبيد الله بن عبد الله : أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير : بم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الجمعة مع سورة الجمعة ؟ قال : " هل أتاك حديث الغاشية " .
رواه أبو داود عن القعنبي ، والنسائي عن قتيبة ، كلاهما عن مالك به ، ورواه مسلم وابن ماجه ، من حديث سفيان بن عيينة ، عن ضمرة بن سعيد ، به .
الغاشية : من أسماء يوم القيامة . قاله ابن عباس ، وقتادة ، وابن زيد ; لأنها تغشى الناس وتعمهم . وقد قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون قال : مر النبي - صلى الله عليه وسلم - على امرأة تقرأ : ( هل أتاك حديث الغاشية ) فقام يستمع ويقول : " نعم ، قد جاءني " .
هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ ١
سورة الغاشية
وهي مكية في قول الجميع ، وهي ست وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
هل أتاك حديث الغاشية هل بمعنى قد كقوله : هل أتى على الإنسان قاله قطرب . أي قد جاءك يا محمد حديث الغاشية أي القيامة التي تغشى الخلائق بأهوالها وأفزاعها قاله أكثر المفسرين . وقال سعيد بن جبير ومحمد بن كعب : الغاشية : النار تغشى وجوه الكفار ورواه أبو صالح عن ابن عباس ودليله قوله تعالى : وتغشى وجوههم النار . وقيل : تغشى الخلق . وقيل : المراد النفخة الثانية للبعث ; لأنها تغشى الخلائق . وقيل : ( الغاشية ) أهل النار يغشونها ، ويقتحمون فيها . وقيل : معنى هل أتاك أي هذا لم يكن من علمك ، ولا من علم قومك . قال ابن عباس : لم يكن أتاه قبل ذلك على هذا التفصيل المذكور هاهنا . وقيل : إنها خرجت مخرج الاستفهام لرسوله ومعناه إن لم يكن أتاك حديث الغاشية فقد أتاك وهو معنى قول الكلبي .
هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ ١
يذكر تعالى أحوال يوم القيامة وما فيها من الأهوال الطامة، وأنها تغشى الخلائق بشدائدها، فيجازون بأعمالهم، ويتميزون [إلى] فريقين: فريقًا في الجنة، وفريقًا في السعير.
وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ ٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ ٢
أي ذليلة قاله قتادة وقال ابن عباس تخشع ولا ينفعها عملها.
وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ ٢
قوله تعالى : وجوه يومئذ خاشعة
قال ابن عباس : لم يكن أتاه حديثهم ، فأخبره عنهم ، فقال : وجوه يومئذ أي يوم القيامة . خاشعة قال سفيان : أي ذليلة بالعذاب . وكل متضائل ساكن خاشع . يقال : خشع في صلاته : إذا تذلل ونكس رأسه . وخشع الصوت : خفي قال الله تعالى : وخشعت الأصوات للرحمن . والمراد بالوجوه أصحاب الوجوه . وقال قتادة وابن زيد : خاشعة أي في النار . والمراد وجوه الكفار كلهم قاله يحيى بن سلام . وقيل : أراد وجوه اليهود والنصارى قاله ابن عباس .
وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ ٢
فأخبر عن وصف كلا الفريقين، فقال في [وصف] أهل النار: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ } أي: يوم القيامة { خَاشِعَة } من الذل، والفضيحة والخزي.
عَامِلَةٞ نَّاصِبَةٞ ٣
نسخ
مشاركة
التفسير
عَامِلَةٞ نَّاصِبَةٞ ٣
وقوله : ( عاملة ناصبة ) أي : قد عملت عملا كثيرا ، ونصبت فيه ، وصليت يوم القيامة نارا حامية .
وقال الحافظ أبو بكر البرقاني : حدثنا إبراهيم بن محمد المزكى ، حدثنا محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا سيار حدثنا جعفر قال : سمعت أبا عمران الجوني يقول : مر عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، بدير راهب ، قال : فناداه : يا راهب [ يا راهب ] فأشرف . قال : فجعل عمر ينظر إليه ويبكي . فقيل له : يا أمير المؤمنين ، ما يبكيك من هذا ؟ قال : ذكرت قول الله ، - عز وجل - في كتابه : ( عاملة ناصبة تصلى نارا حامية ) فذاك الذي أبكاني .
وقال البخاري : قال ابن عباس : ( عاملة ناصبة ) النصارى .
وعن عكرمة ، والسدي : ( عاملة ) في الدنيا بالمعاصي ( ناصبة ) في النار بالعذاب والأغلال .
عَامِلَةٞ نَّاصِبَةٞ ٣
ثم قال : عاملة ناصبة فهذا في الدنيا ; لأن الآخرة ليست دار عمل . فالمعنى : وجوه عاملة ناصبة في الدنيا ( خاشعة ) في الآخرة . قال أهل اللغة : يقال للرجل إذا دأب في سيره : قد عمل يعمل عملا . ويقال للسحاب إذا دام برقه : قد عمل يعمل عملا . وذا سحاب عمل . قال الهذلي :
حتى شآها كليل موهنا عمل باتت طرابا وبات الليل لم ينم
ناصبة أي تعبة . يقال : نصب ( بالكسر ) ينصب نصبا : إذا تعب ، ونصبا أيضا ، وأنصبه غيره . فروى الضحاك عن ابن عباس قال : هم الذين أنصبوا أنفسهم في الدنيا على معصية الله - عز وجل - ، وعلى الكفر مثل عبدة الأوثان ، وكفار أهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم ، لا يقبل الله - جل ثناؤه - منهم إلا ما كان خالصا له . وقال سعيد عن قتادة : عاملة ناصبة قال : تكبرت في الدنيا عن طاعة الله - عز وجل - ، فأعملها الله وأنصبها في النار ، بجر السلاسل الثقال ، وحمل الأغلال ، والوقوف حفاة عراة في العرصات ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة . قال الحسن وسعيد بن جبير : لم تعمل لله في الدنيا ، ولم تنصب له ، فأعملها وأنصبها في جهنم . وقال الكلبي : يجرون على وجوههم في النار . وعنه وعن غيره : يكلفون ارتقاء جبل من حديد في جهنم ، فينصبون فيها أشد ما يكون من النصب ، بمعالجة السلاسل والأغلال والخوض في النار كما تخوض الإبل في الوحل ، وارتقائها في صعود من نار ، وهبوطها في حدور منها إلى غير ذلك من عذابها . وقاله ابن عباس . وقرأ ابن محيصن وعيسى وحميد ، ورواها عبيد عن شبل . عن ابن كثير ناصبة بالنصب على الحال . وقيل : على الذم . الباقون ( بالرفع ) على الصفة أو على إضمار مبتدأ ، فيوقف على خاشعة . ومن جعل المعنى في الآخرة ، جاز أن يكون خبرا بعد خبر عن وجوه ، فلا يوقف على خاشعة . وقيل : عاملة ناصبة أي عاملة في الدنيا ناصبة في الآخرة . وعلى هذا يحتمل وجوه يومئذ عاملة في الدنيا ، ناصبة في الآخرة ، خاشعة . قال عكرمة والسدي : عملت في الدنيا بالمعاصي .
وقال سعيد بن جبير وزيد بن أسلم : هم الرهبان أصحاب الصوامع وقاله ابن عباس . وقد تقدم في رواية الضحاك عنه . وروى عن الحسن قال : لما قدم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الشام أتاه راهب شيخ كبير متقهل ، عليه سواد ، فلما رآه عمر بكى . فقال له : يا أمير المؤمنين ، ما يبكيك ؟ قال : هذا المسكين طلب أمرا فلم يصبه ، ورجا رجاء فأخطأه ، - وقرأ قول الله - عز وجل - وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة . قال الكسائي : التقهل : رثاثة الهيئة ، ورجل متقهل : يابس الجلد سيئ الحال ، مثل المتقحل . وقال أبو عمرو : التقهل : شكوى الحاجة . وأنشد :
لعوا إذا لاقيته تقهلا
والقهل : كفران الإحسان . وقد قهل يقهل قهلا : إذا أثنى ثناء قبيحا . وأقهل الرجل تكلف ما يعيبه ودنس نفسه . وانقهل ضعف وسقط قاله الجوهري . وعن علي - رضي الله عنه - أنهم أهل حروراء يعني الخوارج الذين ذكرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، وأعمالكم مع أعمالهم ، يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرمية . . . " الحديث .
عَامِلَةٞ نَّاصِبَةٞ ٣
{ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ } أي: تاعبة في العذاب، تجر على وجوهها، وتغشى وجوههم النار.
ويحتمل أن المراد [بقوله:] { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ } في الدنيا لكونهم في الدنيا أهل عبادات وعمل، ولكنه لما عدم شرطه وهو الإيمان، صار يوم القيامة هباء منثورا، وهذا الاحتمال وإن كان صحيحًا من حيث المعنى، فلا يدل عليه سياق الكلام، بل الصواب المقطوع به هو الاحتمال الأول، لأنه قيده بالظرف، وهو يوم القيامة، ولأن المقصود هنا بيان وصف أهل النار عمومًا، وذلك الاحتمال جزء قليل من أهل النار بالنسبة إلى أهلها ؛ ولأن الكلام في بيان حال الناس عند غشيان الغاشية، فليس فيه تعرض لأحوالهم في الدنيا.
تَصۡلَىٰ نَارًا حَامِيَةٗ ٤
نسخ
مشاركة
التفسير
تَصۡلَىٰ نَارًا حَامِيَةٗ ٤
قال ابن عباس والحسن وقتادة" تصلى نارا حامية" أي حارة شديدة الحر.
تَصۡلَىٰ نَارًا حَامِيَةٗ ٤
قوله تعالى : تصلى نارا حامية
أي يصيبها صلاؤها وحرها . حامية شديدة الحر أي قد أوقدت وأحميت المدة الطويلة . ومنه حمي النهار ( بالكسر ) ، وحمي التنور حميا فيهما أي اشتد حره . وحكى الكسائي : اشتد حمي الشمس وحموها : بمعنى . وقرأ أبو عمرو وأبو بكر ويعقوب ( تصلى ) بضم التاء . الباقون بفتحها . وقرئ ( تصلى ) بالتشديد . وقد تقدم القول فيها في إذا السماء انشقت . الماوردي : فإن قيل فما معنى وصفها بالحمي ، وهي لا تكون إلا حامية ، وهو أقل أحوالها ، فما وجه المبالغة بهذه الصفة الناقصة ؟ قيل : قد اختلف في المراد بالحامية هاهنا على أربعة أوجه :
أحدها : أن المراد بذلك أنها دائمة الحمي ، وليست كنار الدنيا التي ينقطع حميها بانطفائها .
الثاني : أن المراد بالحامية أنها حمى من ارتكاب المحظورات ، وانتهاك المحارم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن لكل ملك حمى ، وإن حمى الله محارمه . ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه .
الثالث : أنها تحمي نفسها عن أن تطاق ملامستها ، أو ترام مماستها كما يحمي الأسد عرينه ومثله قول النابغة :
تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستأسد الحامي
الرابع : أنها حامية حمي غيظ وغضب مبالغة في شدة الانتقام . ولم يرد حمي جرم وذات كما يقال : قد حمي فلان : إذا اغتاظ وغضب عند إرادة الانتقام . وقد بين الله تعالى بقوله هذا المعنى فقال : تكاد تميز من الغيظ .
تَصۡلَىٰ نَارًا حَامِيَةٗ ٤
{ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً } أي: شديدًا حرها، تحيط بهم من كل مكان.
تُسۡقَىٰ مِنۡ عَيۡنٍ ءَانِيَةٖ ٥
نسخ
مشاركة
التفسير
تُسۡقَىٰ مِنۡ عَيۡنٍ ءَانِيَةٖ ٥
أي قد انتهى حرها وغليانها قاله ابن عباس ومجاهد والحسن والسدي.
تُسۡقَىٰ مِنۡ عَيۡنٍ ءَانِيَةٖ ٥
قوله تعالى : تسقى من عين آنية الآني : الذي قد انتهى حره من الإيناء ، بمعنى التأخير . ومنه " آنيت وآذيت " . وآناه يؤنيه إيناء ، أي أحره وحبسه وأبطأه . ومنه يطوفون بينها وبين حميم آن . وفي التفاسير من عين آنية أي تناهى حرها فلو وقعت نقطة منها على جبال الدنيا لذابت . وقال الحسن : آنية أي حرها أدرك أوقدت عليها جهنم منذ خلقت ، فدفعوا إليها وردا عطاشا . وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : بلغت أناها ، وحان شربها .
تُسۡقَىٰ مِنۡ عَيۡنٍ ءَانِيَةٖ ٥
{ تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } أي: حارة شديدة الحرارة { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ } فهذا شرابهم.
لَّيۡسَ لَهُمۡ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٖ ٦
نسخ
مشاركة
التفسير
لَّيۡسَ لَهُمۡ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٖ ٦
وقوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : شجر من نار .
وقال سعيد بن جبير : هو الزقوم . وعنه : أنها الحجارة .
وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأبو الجوزاء ، وقتادة : هو الشبرق . قال قتادة : قريش تسميه في الربيع الشبرق ، وفي الصيف الضريع . قال عكرمة : وهو شجرة ذات شوك لاطئة بالأرض .
وقال البخاري : قال مجاهد : الضريع نبت يقال له : الشبرق ، يسميه أهل الحجاز الضريع إذا يبس ، وهو سم .
وقال معمر ، عن قتادة : ( إلا من ضريع ) هو الشبرق ، إذا يبس سمي الضريع .
وقال سعيد ، عن قتادة : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) من شر الطعام وأبشعه وأخبثه .
لَّيۡسَ لَهُمۡ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٖ ٦
قوله تعالى : ليس لهم طعام إلا من ضريع
قوله تعالى : ليس لهم أي لأهل النار . طعام إلا من ضريع لما ذكر شرابهم ذكر طعامهم . قال عكرمة ومجاهد : الضريع : نبت ذو شوك لاصق بالأرض ، تسميه قريش الشبرق إذا كان رطبا ، فإذا يبس فهو الضريع ، لا تقربه دابة ولا بهيمة ولا ترعاه وهو سم قاتل ، وهو أخبث الطعام وأشنعه على هذا عامة المفسرين . إلا أن الضحاك روى عن ابن عباس قال : هو شيء يرمي به البحر ، يسمى الضريع ، من أقوات الأنعام لا الناس ، فإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع ، وهلكت هزلا . والصحيح ما قاله الجمهور : أنه نبت . قال أبو ذؤيب :
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى وعاد ضريعا بان منه النحائص
وقال الهذلي وذكر إبلا وسوء مرعاها :
وحبسن في هزم الضريع فكلها حدباء دامية اليدين حرود
وقال الخليل : الضريع : نبات أخضر منتن الريح ، يرمي به البحر . وقال الوالبي عن ابن عباس : هو شجر من نار ، ولو كانت في الدنيا لأحرقت الأرض وما عليها . وقال سعيد بن جبير : هو الحجارة ، وقاله عكرمة . والأظهر أنه شجر ذو شوك حسب ما هو في الدنيا . وعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الضريع : شيء يكون في النار ، يشبه الشوك ، أشد مرارة من الصبر ، وأنتن من الجيفة ، وأحر من النار ، سماه الله ضريعا " . وقال خالد بن زياد : سمعت المتوكل بن حمدان يسأل عن هذه الآية ليس لهم طعام إلا من ضريع قال : بلغني أن الضريع شجرة من نار جهنم ، حملها القيح والدم ، أشد مرارة من الصبر ، فذلك طعامهم .
وقال الحسن : هو بعض ما أخفاه الله من العذاب . وقال ابن كيسان : هو طعام يضرعون عنده ويذلون ، ويتضرعون منه إلى الله تعالى ، طلبا للخلاص منه فسمي بذلك ; لأن آكله يضرع في أن يعفى منه ، لكراهته وخشونته . قال أبو جعفر النحاس : قد يكون مشتقا من الضارع ، وهو الذليل أي ذو ضراعة ، أي من شربه ذليل تلحقه ضراعة . وعن الحسن أيضا : هو الزقوم . وقيل : هو واد في جهنم . فالله أعلم . وقد قال الله تعالى في موضع آخر : فليس له اليوم هاهنا حميم ولا طعام إلا من غسلين . وقال هنا : إلا من ضريع وهو غير الغسلين . ووجه الجمع أن النار دركات فمنهم من طعامه الزقوم ، ومنهم من طعامه الغسلين ، ومنهم من طعامه الضريع ، ومنهم من شرابه الحميم ، ومنهم من شرابه الصديد . قال الكلبي : الضريع في درجة ليس فيها غيره ، والزقوم في درجة أخرى . ويجوز أن تحمل الآيتان على حالتين كما قال : يطوفون بينها وبين حميم آن . القتبي : ويجوز أن يكون الضريع وشجرة الزقوم نبتين من النار ، أو من جوهر لا تأكله النار . وكذلك سلاسل النار وأغلالها وعقاربها وحياتها ، ولو كانت على ما نعلم ما بقيت على النار . قال : وإنما دلنا الله على الغائب عنده ، بالحاضر عندنا فالأسماء متفقة الدلالة ، والمعاني مختلفة . وكذلك ما في الجنة من شجرها وفرشها . القشيري : وأمثل من قول القتبي أن نقول : إن الذي يبقي الكافرين في النار ليدوم عليهم العذاب ، يبقي النبات وشجرة الزقوم في النار ، ليعذب بها الكفار . وزعم بعضهم أن الضريع بعينه لا ينبت في النار ، ولا أنهم يأكلونه . فالضريع من أقوات الأنعام ، لا من أقوات الناس . وإذا وقعت الإبل فيه لم تشبع ، وهلكت هزلا ، فأراد أن هؤلاء يقتاتون بما لا يشبعهم ، وضرب الضريع له مثلا ، أنهم يعذبون بالجوع كما يعذب من قوته الضريع . قال الترمذي الحكيم : وهذا نظر سقيم من أهله وتأويل دنيء ، كأنه يدل على أنهم تحيروا في قدرة الله تعالى ، وأن الذي أنبت في هذا التراب هذا الضريع قادر على أن ينبته في حريق النار ، جعل لنا في الدنيا من الشجر الأخضر نارا ، فلا النار تحرق الشجر ، ولا رطوبة الماء في الشجر تطفئ النار فقال تعالى : الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون . وكما قيل حين نزلت ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم : قالوا يا رسول الله ، كيف يمشون على وجوههم ؟ فقال : " الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم " . فلا يتحير في مثل هذا إلا ضعيف القلب . أوليس قد أخبرنا أنه كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ، وقال : سرابيلهم من قطران ، وقال : إن لدينا أنكالا أي قيودا . وجحيما وطعاما ذا غصة قيل : ذا شوك . فإنما يتلون عليهم العذاب بهذه الأشياء .
لَّيۡسَ لَهُمۡ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٖ ٦
وأما طعامهم فـ { لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ } وذلك أن المقصود من الطعام أحد أمرين: إما أن يسد جوع صاحبه ويزيل عنه ألمه، وإما أن يسمن بدنه من الهزال، وهذا الطعام ليس فيه شيء من هذين الأمرين، بل هو طعام في غاية المرارة والنتن والخسة نسأل الله العافية.
لَّا يُسۡمِنُ وَلَا يُغۡنِي مِن جُوعٖ ٧
نسخ
مشاركة
التفسير
لَّا يُسۡمِنُ وَلَا يُغۡنِي مِن جُوعٖ ٧
يعني لا يحصل به مقصود ولا يندفع به محذور.
لَّا يُسۡمِنُ وَلَا يُغۡنِي مِن جُوعٖ ٧
قوله تعالى : لا يسمن ولا يغني من جوع يعني الضريع لا يسمن آكله . وكيف يسمن من يأكل الشوك ! قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية قال المشركون : إن إبلنا لتسمن بالضريع ، فنزلت : لا يسمن ولا يغني من جوع . وكذبوا ، فإن الإبل إنما ترعاه رطبا ، فإذا يبس لم تأكله . وقيل اشتبه عليهم أمره فظنوه كغيره من النبت النافع ; لأن المضارعة المشابهة . فوجدوه لا يسمن ولا يغني من جوع .
لَّا يُسۡمِنُ وَلَا يُغۡنِي مِن جُوعٖ ٧
وأما طعامهم فـ { لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ } وذلك أن المقصود من الطعام أحد أمرين: إما أن يسد جوع صاحبه ويزيل عنه ألمه، وإما أن يسمن بدنه من الهزال، وهذا الطعام ليس فيه شيء من هذين الأمرين، بل هو طعام في غاية المرارة والنتن والخسة نسأل الله العافية.
وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاعِمَةٞ ٨
نسخ
مشاركة
التفسير
وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاعِمَةٞ ٨
لما ذكر حال الأشقياء ثنى بذكر السعداء فقال "وجوه يومئذ" أي يوم القيامة "ناعمة" أي يعرف النعيم فيها وإنما حصل لها ذلك بسعيها.
وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاعِمَةٞ ٨
أي ذات نعمة .
وهي وجوه المؤمنين نعمت بما عاينت من عاقبة أمرها وعملها الصالح .
وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاعِمَةٞ ٨
وأما أهل الخير، فوجوههم يوم القيامة { نَاعِمَةٌ } أي: قد جرت عليهم نضرة النعيم، فنضرت أبدانهم، واستنارت وجوههم، وسروا غاية السرور.
لِّسَعۡيِهَا رَاضِيَةٞ ٩
نسخ
مشاركة
التفسير
لِّسَعۡيِهَا رَاضِيَةٞ ٩
وقال سفيان لسعيها راضية قد رضيت عملها.
لِّسَعۡيِهَا رَاضِيَةٞ ٩
لسعيها أي لعملها الذي عملته في الدنيا . راضية في الآخرة حين أعطيت الجنة بعملها . ومجازه : لثواب سعيها راضية . وفيها واو مضمرة . المعنى : ووجوه يومئذ ، للفصل بينها وبين الوجوه المتقدمة . والوجوه عبارة عن الأنفس .
لِّسَعۡيِهَا رَاضِيَةٞ ٩
{ لِسَعْيِهَا } الذي قدمته في الدنيا من الأعمال الصالحة، والإحسان إلى عباد الله، { رَاضِيَةٍ } إذ وجدت ثوابه مدخرًا مضاعفًا، فحمدت عقباه، وحصل لها كل ما تتمناه.
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٖ ٠١
نسخ
مشاركة
التفسير
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٖ ٠١
أي رفيعة بهية في الغرفات آمنون.
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٖ ٠١
في جنة عالية أي مرتفعة ; لأنها فوق السماوات حسب ما تقدم . وقيل : عالية القدر ; لأن فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين . وهم فيها خالدون .
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٖ ٠١
وذلك أنها { فِي جَنَّةٍ } جامعة لأنواع النعيم كلها، { عَالِيَةٍ } في محلها ومنازلها، فمحلها في أعلى عليين، ومنازلها مساكن عالية، لها غرف ومن فوق الغرف غرف مبنية يشرفون منها على ما أعد الله لهم من الكرامة.
{ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } أي: كثيرة الفواكه اللذيذة، المثمرة بالثمار الحسنة، السهلة التناول، بحيث ينالونها على أي: حال كانوا، لا يحتاجون أن يصعدوا شجرة، أو يستعصي عليهم منها ثمرة.
لَّا تَسۡمَعُ فِيهَا لَٰغِيَةٗ ١١
نسخ
مشاركة
التفسير
لَّا تَسۡمَعُ فِيهَا لَٰغِيَةٗ ١١
( لا تسمع فيها لاغية ) أي : لا يسمع في الجنة التي هم فيها كلمة لغو . كما قال : ( لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ) [ مريم : 62 ] وقال : ( لا لغو فيها ولا تأثيم ) [ الطور : 23 ] وقال : ( لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما ) [ الواقعة : 25 ، 26 ]
لَّا تَسۡمَعُ فِيهَا لَٰغِيَةٗ ١١
أي كلاما ساقطا غير مرضي .
وقال : " لاغية " , واللغو واللغا واللاغية : بمعنى واحد .
قال : عن اللغا ورفث التكلم وقال الفراء والأخفش أي لا تسمع فيها كلمة لغو .
وفي المراد بها ستة أوجه : أحدها : يعني كذبا وبهتانا وكفرا بالله عز وجل قاله ابن عباس .
الثاني : لا باطل ولا إثم قاله قتادة .
الثالث : أنه الشتم قاله مجاهد .
الرابع : المعصية قاله الحسن .
الخامس : لا يسمع فيها حالف يحلف بكذب قاله الفراء .
وقال الكلبي : لا يسمع في الجنة حالف بيمين برة ولا فاجرة .
السادس : لا يسمع في كلامهم كلمة بلغو ; لأن أهل الجنة لا يتكلمون إلا بالحكمة وحمد الله على ما رزقهم من النعيم الدائم قاله الفراء أيضا .
وهو أحسنها ; لأنه يعم ما ذكر .
وقرأ أبو عمرو وابن كثير " لا يسمع " بياء غير مسمى الفاعل .
وكذلك نافع , إلا أنه بالتاء المضمومة ; لأن اللاغية اسم مؤنث فأنث الفعل لتأنيثه .
ومن قرأ بالياء ; فلأنه حال بين الاسم والفعل الجار والمجرور .
وقرأ الباقون بالتاء مفتوحة " لاغية " نصا على إسناد ذلك للوجوه , أي لا تسمع الوجوه فيها لاغية .
لَّا تَسۡمَعُ فِيهَا لَٰغِيَةٗ ١١
{ لَا تَسْمَعُ فِيهَا } أي: الجنة { لَاغِيَةً } أي: كلمة لغو وباطل، فضلًا عن الكلام المحرم، بل كلامهم كلام حسن [نافع] مشتمل على ذكر الله تعالى، وذكر نعمه المتواترة عليهم، و[على] الآداب المستحسنة بين المتعاشرين، الذي يسر القلوب، ويشرح الصدور.
فِيهَا عَيۡنٞ جَارِيَةٞ ٢١
نسخ
مشاركة
التفسير
فِيهَا عَيۡنٞ جَارِيَةٞ ٢١
( فيها عين جارية ) أي : سارحة . وهذه نكرة في سياق الإثبات ، وليس المراد بها عينا واحدة ، وإنما هذا جنس ، يعني : فيها عيون جاريات .
وقال ابن أبي حاتم : قرئ على الربيع بن سليمان : حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا ابن ثوبان ، عن عطاء بن قرة ، عن عبد الله بن ضمرة ، عن أبي هريرة قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أنهار الجنة تفجر من تحت تلال - أو : من تحت جبال - المسك " .
فِيهَا عَيۡنٞ جَارِيَةٞ ٢١
أي بماء مندفق , وأنواع الأشربة اللذيذة على وجه الأرض من غير أخدود .
وقد تقدم في سورة " الإنسان " أن فيها عيونا .
ف " عين " : بمعنى عيون .
والله أعلم .
فِيهَا عَيۡنٞ جَارِيَةٞ ٢١
{ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } وهذا اسم جنس أي: فيها العيون الجارية التي يفجرونها ويصرفونها كيف شاءوا، وأنى أرادوا.
فِيهَا سُرُرٞ مَّرۡفُوعَةٞ ٣١
نسخ
مشاركة
التفسير
فِيهَا سُرُرٞ مَّرۡفُوعَةٞ ٣١
أي عالية ناعمة كثيرة الفرش مرتفعة السمك عليها الحور العين قالوا فإذا أراد ولي الله أن يجلس على تلك السرر العالية تواضعت له.
فِيهَا سُرُرٞ مَّرۡفُوعَةٞ ٣١
أي عالية .
وروي أنه كان ارتفاعها قدر ما بين السماء والأرض , ليرى ولي الله ملكه حوله .
فِيهَا سُرُرٞ مَّرۡفُوعَةٞ ٣١
{ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ } و " السرر " جمع " سرير " وهي المجالس المرتفعة في ذاتها، وبما عليها من الفرش اللينة الوطيئة.
وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ ٤١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ ٤١
يعني أواني الشرب معدة مرصدة لمن أرادها من أربابها.
وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ ٤١
أي أباريق وأوان .
والإبريق : هو ما له عروة وخرطوم .
والكوب : إناء ليس له عروة ولا خرطوم .
وقد تقدم هذا في سورة " الزخرف " وغيرها .
وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ ٤١
{ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ } أي: أوان ممتلئة من أنواع الأشربة اللذيذة، قد وضعت بين أيديهم، وأعدت لهم، وصارت تحت طلبهم واختيارهم، يطوف بها عليهم الولدان المخلدون.
وَنَمَارِقُ مَصۡفُوفَةٞ ٥١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَنَمَارِقُ مَصۡفُوفَةٞ ٥١
قال ابن عباس النمارق الوسائد وكذا قال عكرمة وقتادة والضحاك والسدى والثوري وغيرهم.
وَنَمَارِقُ مَصۡفُوفَةٞ ٥١
ونمارق أي وسائد ، الواحدة نمرقة . مصفوفة أي واحدة إلى جنب الأخرى . قال الشاعر :
وإنا لنجري الكأس بين شروبنا وبين أبي قابوس فوق النمارق
وقال آخر :
كهول وشبان حسان وجوههم على سرر مصفوفة ونمارق
وفي الصحاح : النمرق والنمرقة : وسادة صغيرة . وكذلك النمرقة ( بالكسر ) لغة حكاها يعقوب . وربما سموا الطنفسة التي فوق الرحل نمرقة عن أبي عبيد .
وَنَمَارِقُ مَصۡفُوفَةٞ ٥١
{ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ } أي: وسائد من الحرير والاستبرق وغيرهما مما لا يعلمه إلا الله، قد صفت للجلوس والاتكاء عليها، وقد أريحوا عن أن يضعوها، و يصفوها بأنفسهم.
وَزَرَابِيُّ مَبۡثُوثَةٌ ٦١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَزَرَابِيُّ مَبۡثُوثَةٌ ٦١
( فيها سرر مرفوعة ) أي : عالية ناعمة كثيرة الفرش ، مرتفعة السمك ، عليها الحور العين . قالوا : فإذا أراد ولي الله أن يجلس على تلك السرر العالية تواضعت له ، ( وأكواب موضوعة ) يعني : أواني الشرب معدة مرصدة لمن أرادها من أربابها ، ( ونمارق مصفوفة ) قال ابن عباس : النمارق : الوسائد . وكذا قال عكرمة ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، والثوري ، وغيرهم .
وقوله : ( وزرابي مبثوثة ) قال ابن عباس : الزرابي : البسط . وكذا قال الضحاك ، وغير واحد .
ومعنى مبثوثة ، أي : هاهنا وهاهنا لمن أراد الجلوس عليها .
ونذكر هاهنا هذا الحديث الذي رواه أبو بكر بن أبي داود : حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا أبي ، عن محمد بن مهاجر ، عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى : حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا هل من مشمر للجنة ، فإن الجنة لا خطر لها ، هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، ومقام في أبد في دار سليمة ، وفاكهة وخضرة ، وحبرة ونعمة ، في محلة عالية بهية ؟ " . قالوا : نعم يا رسول الله ، نحن المشمرون لها . قال : " قولوا : إن شاء الله " . قال القوم : إن شاء الله .
ورواه ابن ماجه عن العباس بن عثمان الدمشقي ، عن الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر به .
وَزَرَابِيُّ مَبۡثُوثَةٌ ٦١
وزرابي مبثوثة قال أبو عبيدة : الزرابي : البسط . وقال ابن عباس : الزرابي : الطنافس التي لها خمل رقيق ، واحدتها : زربية وقال الكلبي والفراء . والمبثوثة : المبسوطة قال قتادة . وقيل : بعضها فوق بعض قاله عكرمة . وقيل كثيرة قاله الفراء . وقيل : متفرقة في المجالس قاله القتبي .
قلت : هذا أصوب ، فهي كثيرة متفرقة . ومنه وبث فيها من كل دابة . وقال أبو بكر الأنباري : وحدثنا أحمد بن الحسين ، قال حدثنا حسين بن عرفة ، قال حدثنا عمار بن محمد ، قال : صليت خلف منصور بن المعتمر ، فقرأ : هل أتاك حديث الغاشية ، وقرأ فيها : وزرابي مبثوثة : متكئين فيها ناعمين .
وَزَرَابِيُّ مَبۡثُوثَةٌ ٦١
{ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } والزرابي [هي] البسط الحسان، مبثوثة أي: مملوءة بها مجالسهم من كل جانب.
أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ ٧١
نسخ
مشاركة
التفسير
أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ ٧١
يقول تعالى آمرا عباده بالنظر في مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته : ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) ؟ فإنها خلق عجيب ، وتركيبها غريب ، فإنها في غاية القوة والشدة ، وهي مع ذلك تلين للحمل الثقيل ، وتنقاد للقائد الضعيف ، وتؤكل ، وينتفع بوبرها ، ويشرب لبنها . ونبهوا بذلك لأن العرب غالب دوابهم كانت الإبل ، وكان شريح القاضي يقول : اخرجوا بنا حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت ،
أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ ٧١
قوله تعالى : أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت
قال المفسرون : لما ذكر الله - عز وجل - أمر أهل الدارين ، تعجب الكفار من ذلك ، فكذبوا وأنكروا فذكرهم الله صنعته وقدرته وأنه قادر على كل شيء ، كما خلق الحيوانات والسماء والأرض . ثم ذكر الإبل أولا ; لأنها كثيرة في العرب ، ولم يروا الفيلة ، فنبههم - جل ثناؤه - على عظيم من خلقه قد ذلله للصغير ، يقوده وينيخه وينهضه ويحمل عليه الثقيل من الحمل وهو بارك ، فينهض بثقيل حمله ، وليس ذلك في شيء من الحيوان غيره . فأراهم عظيما من خلقه ، مسخرا لصغير من خلقه يدلهم بذلك على توحيده وعظيم قدرته . وعن بعض الحكماء : أنه حدث عن البعير وبديع خلقه ، وقد نشأ في بلاد لا إبل فيها ففكر ثم قال : يوشك أن تكون طوال الأعناق . وحين أراد بها أن تكون سفائن البر ، صبرها على احتمال العطش حتى إن إظماءها ليرتفع إلى العشر فصاعدا ، وجعلها ترعى كل شيء نابت في البراري والمفاوز ، مما لا يرعاه سائر البهائم . وقيل : لما ذكر السرر المرفوعة قالوا : كيف نصعدها ؟ فأنزل الله هذه الآية ، وبين أن الإبل تبرك حتى يحمل عليها ثم تقوم فكذلك تلك السرر تتطامن ثم ترتفع . قال معناه قتادة ومقاتل وغيرهما . وقيل : الإبل هنا القطع العظيمة من السحاب قاله المبرد . قال الثعلبي : وقيل في الإبل هنا : السحاب ، ولم أجد لذلك أصلا في كتب الأئمة .
قلت : قد ذكر الأصمعي أبو سعيد عبد الملك بن قريب ، قال أبو عمرو : من قرأها أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت بالتخفيف : عنى به البعير ; لأنه من ذوات الأربع ، يبرك فتحمل عليه الحمولة ، وغيره من ذوات الأربع لا يحمل عليه إلا وهو قائم . ومن قرأها بالتثقيل فقال : الإبل ، عنى بها السحاب التي تحمل الماء والمطر . وقال الماوردي : وفي الإبل وجهان : أحدهما : وهو أظهرهما وأشهرهما : أنها الإبل من النعم . الثاني : أنها السحاب . فإن كان المراد بها السحاب ، فلما فيها من الآيات الدالة على قدرته ، والمنافع العامة لجميع خلقه . وإن كان المراد بها الإبل من النعم ; فلأن الإبل أجمع للمنافع من سائر الحيوان ; لأن 3 ضروبه أربعة : حلوبة ، وركوبة ، وأكولة ، وحمولة . والإبل تجمع هذه الخلال الأربع فكانت النعمة بها أعم ، وظهور القدرة فيها أتم . وقال الحسن : إنما خصها الله بالذكر ; لأنها تأكل النوى والقت ، وتخرج اللبن . وسئل الحسن أيضا عنها وقالوا : الفيل أعظم في الأعجوبة : فقال : العرب بعيدة العهد بالفيل ، ثم هو خنزير لا يؤكل لحمه ، ولا يركب ظهره ، ولا يحلب دره . وكان شريح يقول : اخرجوا بنا إلى الكناسة حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت . والإبل : لا واحد لها من لفظها ، وهي مؤنثة ; لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها ، إذا كانت لغير الآدميين ، فالتأنيث لها لازم ، وإذا صغرتها دخلتها الهاء ، فقلت : أبيلة وغنيمة ، ونحو ذلك . وربما قالوا للإبل : إبل ، بسكون الباء للتخفيف ، والجمع : آبال .
أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ ٧١
يقول تعالى حثًا للذين لا يصدقون الرسول صلى الله عليه وسلم، ولغيرهم من الناس، أن يتفكروا في مخلوقات الله الدالة على توحيده: { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } أي: [ألا] ينظرون إلى خلقها البديع، وكيف سخرها الله للعباد، وذللها لمنافعهم الكثيرة التي يضطرون إليها.
وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ رُفِعَتۡ ٨١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ رُفِعَتۡ ٨١
وإلى السماء كيف رفعت ؟ أي : كيف رفعها الله ، - عز وجل - عن الأرض هذا الرفع العظيم ، كما قال تعالى : ( أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج ) [ ق : 6 ]
وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ رُفِعَتۡ ٨١
أي رفعت عن الأرض بلا عمد .
وقيل : رفعت , فلا ينالها شيء .
وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ رُفِعَتۡ ٨١
وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ
وَإِلَى ٱلۡجِبَالِ كَيۡفَ نُصِبَتۡ ٩١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِلَى ٱلۡجِبَالِ كَيۡفَ نُصِبَتۡ ٩١
أي جعلت منصوبة فإنها ثابتة راسية لئلا تميد الأرض بأهلها وجعل فيها ما جعل من المنافع والمعادن.
وَإِلَى ٱلۡجِبَالِ كَيۡفَ نُصِبَتۡ ٩١
أي كيف نصبت على الأرض , بحيث لا تزول وذلك أن الأرض لما دحيت مادت , فأرساها بالجبال .
كما قال : " وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم " [ الأنبياء : 31 ] .
وَإِلَى ٱلۡجِبَالِ كَيۡفَ نُصِبَتۡ ٩١
{ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ } بهيئة باهرة، حصل بها استقرار الأرض وثباتها عن الاضطراب، وأودع فيها من المنافع [الجليلة] ما أودع.
وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَيۡفَ سُطِحَتۡ ٠٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَيۡفَ سُطِحَتۡ ٠٢
( وإلى الأرض كيف سطحت ) ؟ أي : كيف بسطت ومدت ومهدت ، فنبه البدوي على الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكب عليه ، والسماء التي فوق رأسه ، والجبل الذي تجاهه ، والأرض التي تحته - على قدرة خالق ذلك وصانعه ، وأنه الرب العظيم الخالق المتصرف المالك ، وأنه الإله الذي لا يستحق العبادة سواه . وهكذا أقسم " ضمام " في سؤاله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما رواه الإمام أحمد حيث قال :
حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس قال : كنا نهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء ، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع ، فجاء رجل من أهل البادية فقال : يا محمد ، إنه أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك . قال : " صدق " . قال : فمن خلق السماء ؟ قال : " الله " . قال : فمن خلق الأرض ؟ قال : " الله " . قال : فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل ؟ قال : " الله " . قال : فبالذي خلق السماء والأرض ونصب هذه الجبال ، آلله أرسلك ؟ قال : " نعم " . قال : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا . قال : " صدق " . قال : فبالذي أرسلك ، آلله أمرك بهذا ؟ قال : " نعم " . قال : وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا ؟ قال : " صدق " . قال : فبالذي أرسلك ، آلله أمرك بهذا ؟ . قال : " نعم " . قال : وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا . قال : " صدق " . قال : ثم ولى فقال : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن شيئا . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن صدق ليدخلن الجنة " .
وقد رواه مسلم ، عن عمرو الناقد ، عن أبي النضر هاشم بن القاسم ، به وعلقه البخاري ، ورواه الترمذي والنسائي ، من حديث سليمان بن المغيرة به ورواه الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث الليث بن سعد ، عن سعيد المقبري ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن أنس ، به بطوله وقال في آخره : " وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر " .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا إسحاق ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثني عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرا ما كان يحدث عن امرأة في الجاهلية على رأس جبل ، معها ابن لها ترعى غنما ، فقال لها ابنها : يا أمه ، من خلقك ؟ قالت : الله . قال : فمن خلق أبي ؟ قالت : الله . قال : فمن خلقني ؟ قالت : الله . قال : فمن خلق السماء ؟ قالت : الله . قال : فمن خلق الأرض ؟ قالت : الله . قال : فمن خلق الجبل ؟ قالت : الله . قال : فمن خلق هذه الغنم ؟ قالت : الله . قال : إني لأسمع لله شأنا . وألقى نفسه من الجبل فتقطع .
قال ابن عمر : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرا ما يحدثنا هذا .
قال ابن دينار : كان ابن عمر كثيرا ما يحدثنا بهذا .
في إسناده ضعف ، وعبد الله بن جعفر هذا هو المديني ، ضعفه ولده الإمام علي بن المديني وغيره .
وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَيۡفَ سُطِحَتۡ ٠٢
وإلى الأرض كيف سطحت أي بسطت ومدت . وقال أنس : صليت خلف علي - رضي الله عنه - فقرأ كيف خلقت ورفعت ونصبت وسطحت ، بضم التاءات أضاف الضمير إلى الله تعالى . وبه كان يقرأ محمد بن السميقع وأبو العالية والمفعول محذوف ، والمعنى خلقتها . وكذلك سائرها . وقرأ الحسن وأبو حيوة وأبو رجاء : ( سطحت ) بتشديد الطاء وإسكان التاء . وكذلك قرأ الجماعة ، إلا أنهم خففوا الطاء . وقدم الإبل في الذكر ، ولو قدم غيرها لجاز . قال القشيري : وليس هذا مما يطلب فيه نوع حكمة . وقد قيل : هو أقرب إلى الناس في حق العرب ، لكثرتها عندهم ، وهم من أعرف الناس بها . وأيضا : مرافق الإبل أكثر من مرافق الحيوانات الأخر فهي مأكولة ، ولبنها مشروب ، وتصلح للحمل والركوب ، وقطع المسافات البعيدة عليها ، والصبر على العطش ، وقلة العلف ، وكثرة الحمل ، وهي معظم أموال العرب . وكانوا يسيرون على الإبل منفردين مستوحشين عن الناس ، ومن هذا حاله تفكر فيما يحضره ، فقد ينظر في مركوبه ، ثم يمد بصره إلى السماء ثم إلى الأرض . فأمروا بالنظر في هذه الأشياء ، فإنها أدل دليل على الصانع المختار القادر .
وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَيۡفَ سُطِحَتۡ ٠٢
{ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } أي: مدت مدًا واسعًا، وسهلت غاية التسهيل، ليستقر الخلائق على ظهرها، ويتمكنوا من حرثها وغراسها، والبنيان فيها، وسلوك الطرق الموصلة إلى أنواع المقاصد فيها.
واعلم أن تسطيحها لا ينافي أنها كرة مستديرة، قد أحاطت الأفلاك فيها من جميع جوانبها، كما دل على ذلك النقل والعقل والحس والمشاهدة، كما هو مذكور معروف عند أكثر الناس، خصوصًا في هذه الأزمنة، التي وقف الناس على أكثر أرجائها بما أعطاهم الله من الأسباب المقربة للبعيد، فإن التسطيح إنما ينافي كروية الجسم الصغير جدًا، الذي لو سطح لم يبق له استدارة تذكر.
وأما جسم الأرض الذي هو في غاية الكبر والسعة ، فيكون كرويًا مسطحًا، ولا يتنافى الأمران، كما يعرف ذلك أرباب الخبرة.
فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٞ ١٢
نسخ
مشاركة
التفسير
فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٞ ١٢
أي فذكر يا محمد الناس بما أرسلت به إليهم فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب.
فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٞ ١٢
" فذكر " أي فعظهم يا محمد وخوفهم .
" إنما أنت مذكر " أي واعظ .
فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٞ ١٢
{ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ } أي: ذكر الناس وعظهم، وأنذرهم وبشرهم، فإنك مبعوث لدعوة الخلق إلى الله وتذكيرهم.
لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ ٢٢
نسخ
مشاركة
التفسير
لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ ٢٢
ولهذا قال : ( لست عليهم بمسيطر ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغيرهما : لست عليهم بجبار .
وقال ابن زيد : لست بالذي تكرههم على الإيمان .
قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله - عز وجل - " . ثم قرأ : ( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر )
وهكذا رواه مسلم في كتاب " الإيمان " ، والترمذي والنسائي في كتابي التفسير " من سننيهما ، من حديث سفيان بن سعيد الثوري ، به بهذه الزيادة وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من رواية أبي هريرة ، بدون ذكر هذه الآية .
لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ ٢٢
لست عليهم بمسيطر أي بمسلط عليهم فتقتلهم . ثم نسختها آية السيف . وقرأ هارون الأعور ( بمسيطر ) ( بفتح الطاء ) ، والمسيطرون . وهي لغة تميم . وفي الصحاح : " المسيطر والمصيطر : المسلط على الشيء ، ليشرف عليه ، ويتعهد أحواله ، . ويكتب عمله ، وأصله من السطر ; لأن من معنى السطر ألا يتجاوز ، فالكتاب مسطر ، والذي يفعله مسطر ومسيطر يقال : سيطرت علينا ، وقال تعالى : لست عليهم بمسيطر . وسطره أي صرعه .
لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ ٢٢
ولم تبعث مسيطرًا عليهم، مسلطًا موكلًا بأعمالهم، فإذا قمت بما عليك، فلا عليك بعد ذلك لوم، كقوله تعالى: { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ } .
إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ ٣٢
نسخ
مشاركة
التفسير
إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ ٣٢
وقوله : ( إلا من تولى وكفر ) أي : تولى عن العمل بأركانه ، وكفر بالحق بجنانه ولسانه . وهذه كقوله : ( فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ) [ القيامة : 31 ، 32 ]
إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ ٣٢
استثناء منقطع , أي لكن من تولى عن الوعظ والتذكير .
إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ ٣٢
{ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ } أي: لكن من تولى عن الطاعة وكفر بالله
فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَكۡبَرَ ٤٢
نسخ
مشاركة
التفسير
فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَكۡبَرَ ٤٢
ولهذا قال : ( فيعذبه الله العذاب الأكبر ) قال الإمام أحمد :
حدثنا قتيبة ، حدثنا ليث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن علي بن خالد أن أبا أمامة الباهلي مر على خالد بن يزيد بن معاوية ، فسأله عن ألين كلمة سمعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ألا كلكم يدخل الجنة ، إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله " .
تفرد بإخراجه الإمام أحمد وعلي بن خالد هذا ذكره ابن أبي حاتم عن أبيه ، ولم يزد على ما هاهنا : " روى عن أبي أمامة ، وعنه سعيد بن أبي هلال " .
فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَكۡبَرَ ٤٢
فيعذبه الله العذاب الأكبر وهي جهنم الدائم عذابها . وإنما قال : الأكبر ; لأنهم عذبوا في الدنيا بالجوع والقحط والأسر والقتل . ودليل هذا التأويل قراءة ابن مسعود : إلا من تولى وكفر فإنه يعذبه الله . وقيل : هو استثناء متصل . والمعنى : لست بمسلط إلا على من تولى وكفر ، فأنت مسلط عليه بالجهاد ، والله يعذبه بعد ذلك العذاب الأكبر ، فلا نسخ في الآية على هذا التقدير . وروي أن عليا أتي برجل ارتد ، فاستتابه ثلاثة أيام ، فلم يعاود الإسلام ، فضرب عنقه ، وقرأ إلا من تولى وكفر . وقرأ ابن عباس وقتادة ألا على الاستفتاح والتنبيه ، كقول امرئ القيس :
ألا رب يوم لك منهن صالح [ ولا سيما يوم بدارة جلجل ]
ومن على هذا : للشرط . والجواب فيعذبه الله والمبتدأ بعد الفاء مضمر ، والتقدير : فهو يعذبه الله ; لأنه لو أريد الجواب بالفعل الذي بعد الفاء لكان : إلا من تولى وكفر يعذبه الله .
فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَكۡبَرَ ٤٢
{ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ } أي: الشديد الدائم
إِنَّ إِلَيۡنَآ إِيَابَهُمۡ ٥٢
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنَّ إِلَيۡنَآ إِيَابَهُمۡ ٥٢
وقوله : ( إن إلينا إيابهم ) أي : مرجعهم ومنقلبهم
إِنَّ إِلَيۡنَآ إِيَابَهُمۡ ٥٢
إن إلينا إيابهم أي رجوعهم بعد الموت . يقال : آب يئوب أي رجع . قال عبيد :
وكل ذي غيبة يئوب وغائب الموت لا يئوب
وقرأ أبو جعفر ( إيابهم ) بالتشديد . قال أبو حاتم : لا يجوز التشديد ، ولو جاز لجاز مثله في الصيام والقيام . وقيل : هما لغتان بمعنى . الزمخشري : وقرأ أبو جعفر المدني ( إيابهم ) بالتشديد ووجهه أن يكون فيعالا : مصدر أيب ، قيل من الإياب . أو أن يكون أصله إوابا فعالا من أوب ، ثم قيل : إيوابا كديوان في دوان . ثم فعل ما فعل بأصل سيد ونحوه .
إِنَّ إِلَيۡنَآ إِيَابَهُمۡ ٥٢
{ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ } أي: رجوع الخليقة وجمعهم في يوم القيامة.
ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا حِسَابَهُم ٦٢
نسخ
مشاركة
التفسير
ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا حِسَابَهُم ٦٢
( ثم إن علينا حسابهم ) أي : نحن نحاسبهم على أعمالهم ونجازيهم بها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .
آخر تفسير سورة " الغاشية " ولله الحمد والمنة .
ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا حِسَابَهُم ٦٢
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم
ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا حِسَابَهُم ٦٢
{ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } فنحاسبهم على ما عملوا من خير وشر.
آخر تفسير سورة الغاشية، والحمد لله رب العالمين
صَدَق الْلَّه الْعَظِيْم