بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ ١
نسخ
مشاركة
التفسير
إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ ١
تفسير سورة الانشقاق وهي مكية
قال مالك عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة أن أبا هريرة قرأ بهم : ( إذا السماء انشقت " فسجد فيها فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها رواه مسلم والنسائي من طريق مالك به
وقال البخاري حدثنا أبو النعمان حدثنا معتمر عن أبيه عن بكر عن أبي رافع قال صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ : ( إذا السماء انشقت " فسجد فقلت له قال سجدت خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه
ورواه أيضا عن مسدد عن معتمر به ثم رواه عن مسدد عن يزيد بن زريع عن التيمي عن بكر عن أبي رافع فذكره وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طرق ، عن سليمان بن طرخان التيمي به وقد روى مسلم وأهل السنن من حديث سفيان بن عيينة زاد النسائي وسفيان الثوري كلاهما عن أيوب بن موسى عن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة قال سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في " إذا السماء انشقت " و " اقرأ باسم ربك الذي خلق .
يقول تعالى ( إذا السماء انشقت ) وذلك يوم القيامة
إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ ١
سورة الانشقاق
مكية في قول الجميع . وهي خمس وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا السماء انشقت
قوله تعالى : إذا السماء انشقت أي انصدعت ، وتفطرت بالغمام ، والغمام مثل السحاب الأبيض . وكذا روى أبو صالح عن ابن عباس . وروي عن علي - عليه السلام - قال : تشق من المجرة . وقال : المجرة باب السماء . وهذا من أشراط الساعة وعلاماتها .
إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ ١
يقول تعالى مبينًا لما يكون في يوم القيامة من تغير الأجرام العظام: { إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } أي: انفطرت وتمايز بعضها من بعض، وانتثرت نجومها، وخسف بشمسها وقمرها.
وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ ٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ ٢
( وأذنت لربها ) أي استمعت لربها وأطاعت أمره فيما أمرها به من الانشقاق ( وحقت ) أي وحق لها أن تطيع أمره لأنه العظيم الذي لا يمانع ولا يغالب بل قد قهر كل شيء وذل له كل شيء
وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ ٢
وأذنت لربها وحقت أي سمعت ، وحق لها أن تسمع . روي معناه عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما ; ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - : " ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن " أي ما استمع الله لشيء قال الشاعر :
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
أي سمعوا . وقال قعنب بن أم صاحب :
إن يأذنوا ريبة طاروا بها فرحا وما هم أذنوا من صالح دفنوا
وقيل : المعنى وحقق الله عليها الاستماع لأمره بالانشقاق . وقال الضحاك : حقت : أطاعت ، وحق لها أن تطيع ربها ، لأنه خلقها ; يقال : فلان محقوق بكذا . وطاعة السماء : بمعنى أنها لا تمتنع مما أراد الله بها ، ولا يبعد خلق الحياة فيها حتى تطيع وتجيب . وقال قتادة : حق لها أن تفعل ذلك ; ومنه قول كثير :
فإن تكن العتبى فأهلا ومرحبا وحقت لها العتبى لدينا وقلت
وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ ٢
{ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا } أي: استمعت لأمره، وألقت سمعها، وأصاخت لخطابه، وحق لها ذلك، فإنها مسخرة مدبرة تحت مسخر ملك عظيم، لا يعصى أمره، ولا يخالف حكمه.
وَإِذَا ٱلۡأَرۡضُ مُدَّتۡ ٣
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِذَا ٱلۡأَرۡضُ مُدَّتۡ ٣
ثم قال ( وإذا الأرض مدت ) أي بسطت وفرشت ووسعت
قال ابن جرير رحمه الله : حدثنا ابن عبد الأعلى حدثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري عن علي بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه فأكون أول من يدعى وجبريل عن يمين الرحمن والله ما رآه قبلها فأقول يا رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي فيقول الله عز وجل - صدق ثم أشفع فأقول يا رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض قال وهو المقام المحمود "
وَإِذَا ٱلۡأَرۡضُ مُدَّتۡ ٣
وقوله تعالى : وإذا الأرض مدت أي بسطت ودكت جبالها . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " تمد مد الأديم " لأن الأديم إذا مد زال كل انثناء فيه وامتد واستوى . قال ابن عباس وابن مسعود : ويزاد وسعتها كذا وكذا ; لوقوف الخلائق عليها للحساب حتى لا يكون لأحد من البشر إلا موضع قدمه ، لكثرة الخلائق فيها . وقد مضى في سورة ( إبراهيم ) أن الأرض تبدل بأرض أخرى وهي الساهرة في قول ابن عباس على ما تقدم عنه .
وَإِذَا ٱلۡأَرۡضُ مُدَّتۡ ٣
{ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ } أي: رجفت وارتجت، ونسفت عليها جبالها، ودك ما عليها من بناء ومعلم، فسويت، ومدها الله تعالى مد الأديم، حتى صارت واسعة جدًا، تسع أهل الموقف على كثرتهم، فتصير قاعًا صفصفًا لا ترى فيها عوجًا ولا أمتا.
وَأَلۡقَتۡ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتۡ ٤
نسخ
مشاركة
التفسير
وَأَلۡقَتۡ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتۡ ٤
وقوله ( وألقت ما فيها وتخلت ) أي ألقت ما في بطنها من الأموات وتخلت منهم قاله مجاهد وسعيد وقتادة
وَأَلۡقَتۡ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتۡ ٤
وألقت ما فيها وتخلت أي أخرجت أمواتها ، وتخلت عنهم . وقال ابن جبير : ألقت ما في بطنها من الموتى ، وتخلت ممن على ظهرها من الأحياء . وقيل : ألقت ما في بطنها من كنوزها ومعادنها ، وتخلت منها . أي خلا جوفها ، فليس في بطنها شيء ، وذلك يؤذن بعظم الأمر ، كما تلقي الحامل ما في بطنها عند الشدة . وقيل : تخلت مما على ظهرها من جبالها وبحارها . وقيل : ألقت ما استودعت ، وتخلت مما استحفظت ; لأن الله تعالى استودعها عباده أحياء وأمواتا ، واستحفظها بلاده مزارعة وأقواتا
وَأَلۡقَتۡ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتۡ ٤
{ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا } من الأموات والكنوز.
{ وَتَخَلَّتْ } منهم، فإنه ينفخ في الصور، فتخرج الأموات من الأجداث إلى وجه الأرض، وتخرج الأرض كنوزها، حتى تكون كالأسطوان العظيم، يشاهده الخلق، ويتحسرون على ما هم فيه يتنافسون.
وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ ٥
نسخ
مشاركة
التفسير
وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ ٥
أي استمعت لربها وأطاعت أمره فيما أمرها به.
وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ ٥
وأذنت لربها أي في إلقاء موتاها ( وحقت ) أي وحق لها أن تسمع أمره . واختلف في جواب ( إذا ) فقال الفراء : أذنت . والواو زائدة ، وكذلك ( وألقت ) . ابن الأنباري : قال بعض المفسرين : جواب إذا السماء انشقت ( أذنت ) ، وزعم أن الواو مقحمة وهذا غلط ; لأن العرب لا تقحم الواو إلا مع ( حتى - إذا ) كقوله تعالى : حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها ومع ( لما ) كقوله تعالى : فلما أسلما وتله للجبين وناديناه معناه ناديناه والواو لا تقحم مع غير هذين . وقيل : الجواب فاء مضمرة كأنه قال : إذا السماء انشقت فيا أيها الإنسان إنك كادح . وقيل : جوابها ما دل عليه ( فملاقيه ) أي إذا السماء انشقت لاقى الإنسان كدحه . وقيل : فيه تقديم وتأخير ، أي يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه إذا السماء انشقت . قاله المبرد . وعنه أيضا : الجواب فأما من أوتي كتابه بيمينه وهو قول الكسائي ; أي إذا السماء انشقت فمن أوتي كتابه بيمينه فحكمه كذا . قال أبو جعفر النحاس : وهذا أصح ما قيل فيه وأحسنه . قيل : هو بمعنى اذكر إذا السماء انشقت . وقيل : الجواب محذوف لعلم المخاطبين به ; أي إذا كانت هذه الأشياء علم المكذبون بالبعث ضلالتهم وخسرانهم . وقيل : تقدم منهم سؤال عن وقت القيامة ، فقيل لهم : إذا ظهرت أشراطها كانت القيامة ، فرأيتم عاقبة تكذيبكم بها . والقرآن كالآية الواحدة في دلالة البعض على البعض . وعن الحسن : إن قوله إذا السماء انشقت قسم . والجمهور على خلاف قوله من أنه خبر وليس بقسم .
وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ ٥
{ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}
يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ ٦
نسخ
مشاركة
التفسير
يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ ٦
وقوله : ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا ) أي : ساع إلى ربك سعيا وعامل عملا ( فملاقيه ) ثم إنك ستلقى ما عملت من خير أو شر ويشهد له ما رواه أبو داود الطيالسي عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جبريل يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه
ومن الناس من يعيد الضمير على قوله ( ربك ) أي فملاق ربك ومعناه فيجازيك بعملك ويكافئك على سعيك وعلى هذا فكلا القولين متلازم
قال العوفي عن ابن عباس ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا ) يقول تعمل عملا تلقى الله به خيرا كان أو شرا
وقال قتادة ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا ) إن كدحك يا ابن آدم لضعيف فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ولا قوة إلا بالله
يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ ٦
قوله تعالى : يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك المراد بالإنسان الجنس أي يا بن آدم . وكذا روى سعيد عن قتادة : يا بن آدم ، إن كدحك لضعيف ، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ولا قوة إلا بالله . وقيل : هو معين ، قال مقاتل : يعني الأسود بن عبد الأسد ويقال : يعني أبي بن خلف . ويقال : يعني جميع الكفار ، أيها الكافر إنك كادح . والكدح في كلام العرب : العمل والكسب ; قال ابن مقبل :
وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
وقال آخر :
ومضت بشاشة كل عيش صالح وبقيت أكدح للحياة وأنصب
أي أعمل . وروى الضحاك عن ابن عباس : إنك كادح أي راجع إلى ربك كدحا أي رجوعا لا محالة فملاقيه أي ملاق ربك . وقيل : ملاق عملك . القتبي إنك كادح أي عامل ناصب في معيشتك إلى لقاء ربك . والملاقاة بمعنى اللقاء أن تلقى ربك بعملك . وقيل أي تلاقي كتاب عملك ; لأن العمل قد انقضى ولهذا قال :
يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ ٦
{ يَا أَيُّهَاالْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ } أي: إنك ساع إلى الله، وعامل بأوامره ونواهيه، ومتقرب إليه إما بالخير وإما بالشر، ثم تلاقي الله يوم القيامة، فلا تعدم منه جزاء بالفضل إن كنت سعيدًا، أو بالعدل إن كنت شقيًا .
فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ ٧
نسخ
مشاركة
التفسير
فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ ٧
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ
فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ ٧
قوله تعالى : " فأما من أوتي كتابه بيمينه " وهو المؤمن
فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ ٧
ولهذا ذكر تفضيل الجزاء، فقال: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } وهم أهل السعادة.
فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا ٨
نسخ
مشاركة
التفسير
فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا ٨
( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) أي سهلا بلا تعسير ، أي لا يحقق عليه جميع دقائق أعماله فإن من حوسب كذلك يهلك لا محالة .
قال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوقش الحساب عذب قالت : فقلت أليس قال الله ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) ؟ ، قال ليس ذاك بالحساب ولكن ذلك العرض من نوقش الحساب يوم القيامة عذب
وهكذا رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير من حديث أيوب السختياني به
وقال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا روح بن عبادة حدثنا أبو عامر الخراز عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا معذبا فقلت أليس الله يقول ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) ؟ ، قال ذاك العرض إنه من نوقش الحساب عذب وقال بيده على إصبعه كأنه ينكت
وقد رواه أيضا عن عمرو بن علي عن ابن أبي عدي عن أبي يونس القشيري عن ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة فذكر الحديث أخرجاه من طريق أبي يونس القشيري واسمه حاتم بن أبي صغيرة به .
قال ابن جرير حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا مسلم عن الحريش بن الخريت أخي الزبير عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت من نوقش الحساب أو من حوسب عذب . قال ثم قالت إنما الحساب اليسير عرض على الله عز وجل وهو يراهم .
وقال أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا محمد بن إسحاق حدثني عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته اللهم حاسبني حسابا يسيرا فلما انصرف قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير ؟ قال أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه إنه من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك صحيح على شرط مسلم .
فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا ٨
فسوف يحاسب حسابا يسيرا لا مناقشة فيه . كذا روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديث عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من حوسب يوم القيامة عذب ، قالت : فقلت يا رسول الله أليس قد قال الله فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا فقال : ليس ذاك الحساب ; إنما ذلك العرض ، من نوقش الحساب يوم القيامة عذب " أخرجه البخاري ومسلم والترمذي . وقال حديث حسن صحيح .
فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا ٨
{ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } وهو العرض اليسير على الله، فيقرره الله بذنوبه، حتى إذا ظن العبد أنه قد هلك، قال الله [تعالى] له: " إني قد سترتها عليك في الدنيا، فأنا أسترها لك اليوم ".
وَيَنقَلِبُ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورٗا ٩
نسخ
مشاركة
التفسير
وَيَنقَلِبُ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورٗا ٩
أي ويرجع إلى أهله في الجنة قاله قتادة والضحاك: مسرورا أي فرحا مغتبطا بما أعطاه الله عز وجل.
وقد روى الطبراني عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إنكم تعملون أعمالا لا تعرف ويوشك الغائب أن يثوب إلى أهله فمسرور أو مكظوم".
وَيَنقَلِبُ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورٗا ٩
وينقلب إلى أهله مسرورا أزواجه في الجنة من الحور العين مسرورا أي مغتبطا قرير العين . ويقال إنها نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد ، هو أول من هاجر من مكة إلى المدينة . وقيل : إلى أهله الذين كانوا له في الدنيا ، ليخبرهم بخلاصه وسلامته . والأول قول قتادة . أي إلى أهله الذين قد أعدهم الله له في الجنة .
وَيَنقَلِبُ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورٗا ٩
{ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ } في الجنة { مَسْرُورًا } لأنه نجا من العذاب وفاز بالثواب.
وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ وَرَآءَ ظَهۡرِهِۦ ٠١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ وَرَآءَ ظَهۡرِهِۦ ٠١
أي بشماله من وراء ظهره تثنى يده إلى ورائه ويعطي كتابه بها كذلك.
وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ وَرَآءَ ظَهۡرِهِۦ ٠١
قوله تعالى : وأما من أوتي كتابه وراء ظهره نزلت في الأسود بن عبد الأسد أخي أبي سلمة قال ابن عباس . ثم هي عامة في كل مؤمن وكافر . قال ابن عباس : يمد يده اليمنى ليأخذ كتابه فيجذبه ملك ، فيخلع يمينه ، فيأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره . وقال قتادة ومقاتل : يفك ألواح صدره وعظامه ثم تدخل يده وتخرج من ظهره ، فيأخذ كتابه كذلك .
وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ وَرَآءَ ظَهۡرِهِۦ ٠١
{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ } أي: بشماله من خلفه.
فَسَوۡفَ يَدۡعُواْ ثُبُورٗا ١١
نسخ
مشاركة
التفسير
فَسَوۡفَ يَدۡعُواْ ثُبُورٗا ١١
أي خسارا وهلاكا.
فَسَوۡفَ يَدۡعُواْ ثُبُورٗا ١١
أي بالهلاك فيقول : يا ويلاه , يا ثبوراه .
فَسَوۡفَ يَدۡعُواْ ثُبُورٗا ١١
{ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا } من الخزي والفضيحة، وما يجد في كتابه من الأعمال التي قدمها ولم يتب منها.
وَيَصۡلَىٰ سَعِيرًا ٢١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَيَصۡلَىٰ سَعِيرًا ٢١
ناراً
وَيَصۡلَىٰ سَعِيرًا ٢١
ويصلى سعيرا أي ويدخل النار حتى يصلى بحرها . وقرأ الحرميان وابن عامر والكسائي ( ويصلى ) بضم الياء وفتح الصاد ، وتشديد اللام ، كقوله تعالى : ثم الجحيم صلوه وقوله : وتصلية جحيم . الباقون ويصلى بفتح الياء مخففا ، فعل لازم غير متعد ; لقوله : إلا من هو صال الجحيم وقوله : يصلى النار الكبرى وقوله ثم إنهم لصالو الجحيم . وقراءة ثالثة رواها أبان عن عاصم وخارجة عن نافع وإسماعيل المكي عن ابن كثير ( ويصلى ) بضم الياء وإسكان الصاد وفتح اللام مخففا ; كما قرئ ( وسيصلون ) بضم الياء ، وكذلك في ( الغاشية ) قد قرئ أيضا : تصلى نارا وهما لغتان صلى وأصلى ; كقوله : ( نزل وأنزل ) .
وَيَصۡلَىٰ سَعِيرًا ٢١
{ وَيَصْلَى سَعِيرًا } أي: تحيط به السعير من كل جانب، ويقلب على عذابها، وذلك لأنه في الدنيا
إِنَّهُۥ كَانَ فِيٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورًا ٣١
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنَّهُۥ كَانَ فِيٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورًا ٣١
أي فرحا لا يفكر في العواقب ولا يخاف مما أمامه فأعقبه ذلك الفرح اليسير الحزن الطويل.
إِنَّهُۥ كَانَ فِيٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورًا ٣١
إنه كان في أهله أي في الدنيا مسرورا قال ابن زيد : وصف الله أهل الجنة بالمخافة والحزن والبكاء والشفقة في الدنيا فأعقبهم به النعيم والسرور في الآخرة ، وقرأ قول الله تعالى : إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم . قال : ووصف أهل النار بالسرور في الدنيا والضحك فيها والتفكه . فقال : إنه كان في أهله مسرورا
إِنَّهُۥ كَانَ فِيٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورًا ٣١
{ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا } لا يخطر البعث على باله، وقد أساء.
إِنَّهُۥ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ٤١
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنَّهُۥ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ٤١
أي كان يعتقد أنه لا يرجع إلى الله ولا يعيده بعد موته قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما والحور هو الرجوع.
إِنَّهُۥ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ٤١
إنه ظن أن لن يحور أي لن يرجع حيا مبعوثا فيحاسب ، ثم يثاب أو يعاقب . يقال : حار يحور إذا رجع ; قال لبيد :
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
وقال عكرمة وداود بن أبي هند ، يحور كلمة بالحبشية ، ومعناها يرجع . ويجوز أن تتفق الكلمتان فإنهما كلمة اشتقاق ; ومنه الخبز الحوارى ; لأنه يرجع إلى البياض . وقال ابن عباس : ما كنت أدري : ما يحور ؟ حتى سمعت أعرابية تدعو بنية لها : حوري ، أي ارجعي إلي ، فالحور في كلام العرب الرجوع ; ومنه قوله - عليه السلام - : اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور يعني : من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة ، وكذلك الحور بالضم . وفي المثل ( حور في محارة ) أي نقصان في نقصان . يضرب للرجل إذا كان أمره يدبر ، قال الشاعر :
واستعجلوا عن خفيف المضغ فازدردوا والذم يبقى وزاد القوم في حور
والحور أيضا : الاسم من قولك : طحنت الطاحنة فما أحارت شيئا ; أي ما ردت شيئا من الدقيق . والحور أيضا الهلكة ; قال الراجز :
في بئر لا حور سرى ولا شعر
قال أبو عبيدة : أي بئر حور ، و ( لا ) زائدة . وروي ( بعد الكون ) ومعناه من انتشار الأمر بعد تمامه . وسئل معمر عن الحور بعد الكون ، فقال : هو الكنتي . فقال له عبد الرزاق : وما الكنتي ؟ فقال : الرجل يكون صالحا ثم يتحول رجل سوء . قال أبو عمرو : يقال للرجل إذا شاخ : كنتي ، كأنه نسب إلى قوله : كنت في شبابي كذا . قال :
فأصبحت كنتيا وأصبحت عاجنا وشر خصال المرء كنت وعاجن
عجن الرجل : إذا نهض معتمدا على الأرض من الكبر . وقال ابن الأعرابي : الكنتي : هو الذي يقول : كنت شابا ، وكنت شجاعا ، والكاني هو الذي يقول : كان لي مال وكنت أهب ، وكان لي خيل وكنت أركب .
إِنَّهُۥ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ٤١
ولم يظن أنه راجع إلى ربه وموقوف بين يديه.
بَلَىٰٓۚ إِنَّ رَبَّهُۥ كَانَ بِهِۦ بَصِيرٗا ٥١
نسخ
مشاركة
التفسير
بَلَىٰٓۚ إِنَّ رَبَّهُۥ كَانَ بِهِۦ بَصِيرٗا ٥١
يعني بلى سيعيده الله كما بدأه ويجازيه على أعماله خيرها وشرها فإنه (كان به بصيرا) أي عليما خبيرا.
بَلَىٰٓۚ إِنَّ رَبَّهُۥ كَانَ بِهِۦ بَصِيرٗا ٥١
قوله تعالى : بلى أي ليس الأمر كما ظن ، بل يحور إلينا ويرجع . إن ربه كان به بصيرا قبل أن يخلقه ، عالما بأن مرجعه إليه . وقيل : بلى ليحورن وليرجعن . ثم استأنف فقال : إن ربه كان به بصيرا من يوم خلقه إلى أن بعثه . وقيل : عالما بما سبق له من الشقاء والسعادة .
بَلَىٰٓۚ إِنَّ رَبَّهُۥ كَانَ بِهِۦ بَصِيرٗا ٥١
{ بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا } فلا يحسن أن يتركه سدى، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يعاقب.
فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلشَّفَقِ ٦١
نسخ
مشاركة
التفسير
فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلشَّفَقِ ٦١
روي عن علي وابن عباس وعبادة بن الصامت وأبي هريرة وشداد بن أوس وابن عمر ومحمد بن علي بن الحسين ومكحول وبكر بن عبد الله المزني وبكير بن الأشج ومالك وابن أبي ذئب وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون أنهم قالوا الشفق : الحمرة
وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن خثيم عن ابن لبيبة عن أبي هريرة قال الشفق : البياض .
فالشفق هو حمرة الأفق إما قبل طلوع الشمس كما قاله مجاهد وإما بعد غروبها كما هو معروف عند أهل اللغة
قال الخليل بن أحمد الشفق الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة فإذا ذهب قيل غاب الشفق
وقال الجوهري الشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى قريب من العتمة وكذا قال عكرمة الشفق الذي يكون بين المغرب والعشاء
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال وقت المغرب ما لم يغب الشفق .
ففي هذا كله دليل على أن الشفق هو كما قاله الجوهري والخليل ولكن صح عن مجاهد أنه قال في هذه الآية ( فلا أقسم بالشفق ) هو النهار كله وفي رواية عنه أيضا أنه قال الشفق الشمس . رواهما ابن أبي حاتم
فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلشَّفَقِ ٦١
قوله تعالى : فلا أقسم أي فأقسم و ( لا ) صلة .
بالشفق أي بالحمرة التي تكون عند مغيب الشمس حتى تأتي صلاة العشاء الآخرة . قال أشهب وعبد الله بن الحكم ويحيى بن يحيى وغيرهم ، كثير عددهم عن مالك : الشفق الحمرة التي في المغرب ، فإذا ذهبت الحمرة فقد خرجت من وقت المغرب ووجبت صلاة العشاء . وروى ابن وهب قال : أخبرني غير واحد عن علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس وأبي هريرة : أن الشفق الحمرة ، وبه قال مالك بن أنس . وذكر غير ابن وهب من الصحابة : عمر وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأنسا وأبا قتادة وجابر بن عبد الله وابن الزبير ، ومن التابعين : سعيد بن جبير ، وابن المسيب وطاوسا ، وعبد الله بن دينار ، والزهري ، وقال به من الفقهاء الأوزاعي ومالك والشافعي وأبو يوسف وأبو ثور وأبو عبيدة وأحمد وإسحاق وقيل : هو البياض ; روي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة أيضا وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وأبي حنيفة في إحدى الروايتين عنه . وروى أسد بن عمرو أنه رجع عنه . وروي عن ابن عمر أيضا أنه البياض والاختيار الأول ; لأن أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء عليه ، ولأن شواهد كلام العرب والاشتقاق والسنة تشهد له . قال الفراء : سمعت بعض العرب يقول لثوب عليه مصبوغ : كأنه الشفق وكان أحمر ، فهذا شاهد للحمرة ; وقال الشاعر :
وأحمر اللون كمحمر الشفق
وقال آخر :
قم يا غلام أعني غير مرتبك على الزمان بكأس حشوها شفق
ويقال للمغرة الشفق . وفي الصحاح : الشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى قريب من العتمة . قال الخليل : الشفق : الحمرة ، من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة ، إذا ذهب قيل : غاب الشفق . ثم قيل : أصل الكلمة من رقة الشيء ; يقال : شيء شفق أي لا تماسك له لرقته . وأشفق عليه . أي رق قلبه عليه ، والشفقة : الاسم من الإشفاق ، وهو رقة القلب ، وكذلك الشفق ; قال الشاعر :
تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا والموت أكرم نزال على الحرم
فالشفق : بقية ضوء الشمس وحمرتها فكأن تلك الرقة عن ضوء الشمس . وزعم الحكماء أن البياض لا يغيب أصلا . وقال الخليل : صعدت منارة الإسكندرية فرمقت البياض ، فرأيته يتردد من أفق إلى أفق ولم أره يغيب . وقال ابن أبي أويس : رأيته يتمادى إلى طلوع الفجر قال علماؤنا : فلما لم يتحدد وقته سقط اعتباره . وفي سنن أبي داود عن النعمان بن بشير قال : أنا أعلمكم بوقت صلاة العشاء الآخرة ; كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصليها لسقوط القمر لثالثة . وهذا تحديد ، ثم الحكم معلق بأول الاسم . لا يقال : فينقض عليكم بالفجر الأول ، فإنا نقول الفجر الأول لا يتعلق به حكم من صلاة ولا إمساك ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الفجر بقوله وفعله فقال : " وليس الفجر أن تقول هكذا - فرفع يده إلى فوق - ولكن الفجر أن تقول هكذا وبسطها " وقد مضى بيانه في آية الصيام من سورة ( البقرة ) ، فلا معنى للإعادة . وقال مجاهد : الشفق : النهار كله ألا تراه قال والليل وما وسق وقال عكرمة : ما بقي من النهار . والشفق أيضا : الرديء من الأشياء ; يقال : عطاء مشفق أي مقلل قال الكميت :
ملك أغر من الملوك تحلبت للسائلين يداه غير مشفق
فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلشَّفَقِ ٦١
أقسم في هذا الموضع بآيات الليل، فأقسم بالشفق الذي هو بقية نور الشمس، الذي هو مفتتح الليل.
وَٱلَّيۡلِ وَمَا وَسَقَ ٧١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَٱلَّيۡلِ وَمَا وَسَقَ ٧١
وإنما حمله على هذا قرنه بقوله تعالى ( والليل وما وسق ) أي : جمع كأنه أقسم بالضياء والظلام
وقال ابن جرير أقسم الله بالنهار مدبرا وبالليل مقبلا . وقال ابن جرير وقال آخرون الشفق اسم للحمرة والبياض . وقالوا هو من الأضداد .
قال ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة : ( وما وسق ) وما جمع قال قتادة وما جمع من نجم ودابة واستشهد ابن عباس بقول الشاعر :
مستوسقات لو تجدن سائقا
قد قال عكرمة ( والليل وما وسق ) يقول ما ساق من ظلمة إذا كان الليل ذهب كل شيء إلى مأواه
وَٱلَّيۡلِ وَمَا وَسَقَ ٧١
قوله تعالى : والليل وما وسق أي جمع وضم ولف ، وأصله من سورة السلطان وغضبه فلولا أنه خرج إلى العباد من باب الرحمة ما تمالك العباد لمجيئه ولكن خرج من باب الرحمة فمزح بها ، فسكن الخلق إليه ثم ابذعروا والتفوا وانقبضوا ، ورجع كل إلى مأواه فسكن فيه من هوله وحشا ، وهو قوله تعالى : ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه أي بالليل ولتبتغوا من فضله أي بالنهار على ما تقدم . فالليل يجمع ويضم ما كان منتشرا بالنهار في تصرفه . هذا معنى قول ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم ; قال ضابئ بن الحارث البرجمي :
فإني وإياكم وشوقا إليكم كقابض ماء لم تسقه أنامله
يقول : ليس في يده من ذلك شيء كما أنه ليس في يد القابض على الماء شيء ; فإذا جلل الليل الجبال والأشجار والبحار والأرض فاجتمعت له ، فقد وسقها . والوسق : ضمك الشيء بعضه إلى بعض ، تقول : وسقته أسقه وسقا . ومنه قيل للطعام الكثير المجتمع : وسق ، وهو ستون صاعا . وطعام موسق : أي مجموع ، وإبل مستوسقة أي مجتمعة ; قال الراجز [ العجاج ] :
إن لنا قلائصا حقائقا متوسقات لو يجدن سائقا
وقال عكرمة : وما وسق أي وما ساق من شيء إلى حيث يأوي ، فالوسق بمعنى الطرد ، ومنه قيل للطريدة من الإبل والغنم والحمر : وسيقة ، قال الشاعر [ الأسود بن يعفر ] :
كما قاف آثار الوسيقة قائف
وعن ابن عباس : وما وسق أي وما جن وستر . وعنه أيضا : وما حمل ، وكل شيء حملته فقد وسقته ، والعرب تقول : لا أفعله ما وسقت عيني الماء ، أي حملته . ووسقت الناقة تسق وسقا : أي حملت وأغلقت رحمها على الماء ، فهي ناقة واسق ، ونوق وساق مثل نائم ونيام ، وصاحب وصحاب ، قال بشر بن أبي خازم :
ألظ بهن يحدوهن حتى تبينت الحيال من الوساق
ومواسيق أيضا . وأوسقت البعير : حملته حمله ، وأوسقت النخلة : كثر حملها . وقال يمان والضحاك ومقاتل بن سليمان : حمل من الظلمة . قال مقاتل : أو حمل من الكواكب . القشيري : ومعنى حمل : ضم وجمع ، والليل يجلل بظلمته كل شيء فإذا جللها فقد وسقها . ويكون هذا القسم قسما بجميع المخلوقات ، لاشتمال الليل عليها ، كقوله تعالى : فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون . وقال ابن جبير : وما وسق أي وما عمل فيه ، يعني التهجد والاستغفار بالأسحار ، قال الشاعر :
ويوما ترانا صالحين وتارة تقوم بنا كالواسق المتلبب
أي كالعامل .
وَٱلَّيۡلِ وَمَا وَسَقَ ٧١
{ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } أي: احتوى عليه من حيوانات وغيرها.
وَٱلۡقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ ٨١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَٱلۡقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ ٨١
وقوله ( والقمر إذا اتسق ) قال ابن عباس إذا اجتمع واستوى وكذا قال عكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير ومسروق وأبو صالح والضحاك وابن زيد
( والقمر إذا اتسق ) إذا استوى وقال الحسن إذا اجتمع إذا امتلأ وقال قتادة إذا استدار
ومعنى كلامهم أنه إذا تكامل نوره وأبدر جعله مقابلا لليل وما وسق
وَٱلۡقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ ٨١
قوله تعالى : والقمر إذا اتسق أي تم واجتمع واستوى . قال الحسن : اتسق : أي امتلأ واجتمع . ابن عباس : استوى . قتادة : استدار . الفراء : اتساقه : امتلاؤه واستواؤه ليالي البدر ، وهو افتعال من الوسق الذي هو الجمع ، يقال : وسقته فاتسق ، كما يقال : وصلته فاتصل ، ويقال : أمر فلان متسق : أي مجتمع على الصلاح منتظم . ويقال : اتسق الشيء : إذا تتابع
وَٱلۡقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ ٨١
{ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ } أي: امتلأ نورًا بإبداره، وذلك أحسن ما يكون وأكثر منافع.
لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٖ ٩١
نسخ
مشاركة
التفسير
لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٖ ٩١
وقوله ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال البخاري أخبرنا سعيد بن النضر أخبرنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن مجاهد قال : قال ابن عباس ( لتركبن طبقا عن طبق ) حالا بعد حال قال هذا نبيكم صلى الله عليه وسلم
هكذا رواه البخاري بهذا اللفظ ، وهو محتمل أن يكون ابن عباس أسند هذا التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم كأنه قال سمعت هذا من نبيكم صلى الله عليه وسلم فيكون قوله : نبيكم مرفوعا على الفاعلية من قال وهو الأظهر والله أعلم كما قال أنس لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم
وقال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن مجاهد أن ابن عباس كان يقول ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال يعني نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول حالا بعد حال وهذا لفظه .
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( طبقا عن طبق ) حالا بعد حال وكذا قال عكرمة ومرة الطيب ومجاهد والحسن والضحاك ومسروق وأبو صالح .
ويحتمل أن يكون المراد ( لتركبن طبقا عن طبق ) حالا بعد حال قال : هذا يعني : المراد بهذا نبيكم صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعا على أن هذا و " نبيكم يكونان مبتدأ وخبرا والله أعلم ولعل هذا قد يكون هو المتبادر إلى كثير من الرواة كما قال أبو داود الطيالسي وغندر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : محمد صلى الله عليه وسلم ويؤيد هذا المعنى قراءة عمر وابن مسعود وابن عباس وعامة أهل مكة والكوفة لتركبن بفتح التاء والباء
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة عن إسماعيل عن الشعبي ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال لتركبن يا محمد سماء بعد سماء وهكذا روي عن ابن مسعود ومسروق وأبي العالية ( طبقا عن طبق ) سماء بعد سماء
قلت يعنون ليلة الإسراء
وقال أبو إسحاق والسدي عن رجل عن ابن عباس ( طبقا عن طبق ) منزلا على منزل وكذا رواه العوفي عن ابن عباس مثله وزاد ويقال أمرا بعد أمر وحالا بعد حال
وقال السدي نفسه ( لتركبن طبقا عن طبق ) أعمال من قبلكم منزلا بعد منزل
قلت كأنه أراد معنى الحديث الصحيح لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال : فمن وهذا محتمل
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة حدثنا ابن جابر أنه سمع مكحولا يقول في قول الله ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال في كل عشرين سنة تحدثون أمرا لم تكونوا عليه
وقال الأعمش حدثني إبراهيم قال : قال عبد الله ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال السماء تنشق ثم تحمر ثم تكون لونا بعد لون
وقال الثوري عن قيس بن وهب عن مرة عن ابن مسعود ( طبقا عن طبق ) قال السماء مرة كالدهان ومرة تنشق
وروى البزار من طريق جابر الجعفي عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود ( لتركبن طبقا عن طبق ) يا محمد يعني حالا بعد حال ثم قال ورواه جابر عن مجاهد عن ابن عباس
وقال سعيد بن جبير ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال قوم كانوا في الدنيا خسيس أمرهم فارتفعوا في الآخرة وآخرون كانوا أشرافا في الدنيا فاتضعوا في الآخرة
وقال عكرمة ( طبقا عن طبق ) حالا بعد حال فطيما بعدما كان رضيعا وشيخا بعدما كان شابا
وقال الحسن البصري ( طبقا عن طبق ) يقول حالا بعد حال رخاء بعد شدة وشدة بعد رخاء وغنى بعد فقر وفقرا بعد غنى وصحة بعد سقم وسقما بعد صحة
وقال ابن أبي حاتم ذكر عن عبد الله بن زاهر حدثني أبي ، عن عمرو بن شمر عن جابر هو الجعفي عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقول إن ابن آدم لفي غفلة مما خلق له إن الله إذا أراد خلقه قال للملك اكتب رزقه اكتب أجله اكتب أثره اكتب شقيا أو سعيدا ثم يرتفع ذلك الملك ويبعث الله إليه ملكا آخر فيحفظه حتى يدرك ثم يرتفع ذلك الملك ثم يوكل الله به ملكين يكتبان حسناته وسيئاته فإذا حضره الموت ارتفع ذانك الملكان وجاءه ملك الموت فقبض روحه فإذا دخل قبره رد الروح في جسده ثم ارتفع ملك الموت وجاءه ملكا القبر فامتحناه ثم يرتفعان فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيئات فانتشطا كتابا معقودا في عنقه ثم حضرا معه واحد سائقا وآخر شهيدا ثم قال الله عز وجل ( لقد كنت في غفلة من هذا ) [ ق : 22 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال حالا بعد حال ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم إن قدامكم لأمرا عظيما لا تقدرونه فاستعينوا بالله العظيم .
هذا حديث منكر وإسناده فيه ضعفاء ولكن معناه صحيح ، والله سبحانه وتعالى أعلم
ثم قال ابن جرير بعدما حكى أقوال الناس في هذه الآية من القراء والمفسرين والصواب من التأويل قول من قال لتركبن أنت - يا محمد حالا بعد حال وأمرا بعد أمر من الشدائد والمراد بذلك وإن كان الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم موجها جميع الناس وأنهم يلقون من شدائد يوم القيامة وأهواله أحوالا .
لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٖ ٩١
لتركبن طبقا عن طبق قرأ أبو عمر وابن مسعود وابن عباس وأبو العالية ومسروق وأبو وائل ومجاهد والنخعي وابن كثير وحمزة والكسائي ( لتركبن ) بفتح الباء خطابا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، أي لتركبن يا محمد حالا بعد حال ، قاله ابن عباس . الشعبي : لتركبن يا محمد سماء بعد سماء ، ودرجة بعد درجة ، ورتبة بعد رتبة ، في القربة من الله تعالى .
ابن مسعود : لتركبن السماء حالا بعد حال ، يعني حالاتها التي وصفها الله تعالى بها من الانشقاق والطي وكونها مرة كالمهل ومرة كالدهان . وعن إبراهيم عن عبد الأعلى : طبقا عن طبق قال : السماء تقلب حالا بعد حال . قال : تكون وردة كالدهان ، وتكون كالمهل ; وقيل : أي لتركبن أيها الإنسان حالا بعد حال ، من كونك نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم حيا وميتا وغنيا وفقيرا . فالخطاب للإنسان المذكور في قوله : يا أيها الإنسان إنك كادح هو اسم للجنس ، ومعناه الناس . وقرأ الباقون لتركبن بضم الباء ، خطابا للناس ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، قال : لأن المعنى بالناس أشبه منه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، لما ذكر قبل هذه الآية فمن أوتي كتابه بيمينه ومن أوتي كتابه بشماله . أي لتركبن حالا بعد حال من شدائد القيامة ، أو لتركبن سنة من كان قبلكم في التكذيب واختلاق على الأنبياء .
قلت : وكله مراد ، وقد جاءت بذلك أحاديث ، فروى أبو نعيم الحافظ عن جعفر بن محمد بن علي عن جابر - رضي الله عنه - ، قال سمعت رسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن ابن آدم لفي غفلة عما خلقه الله - عز وجل - ; إن الله لا إله غيره إذا أراد خلقه قال للملك اكتب رزقه وأثره وأجله ، واكتب شقيا أو سعيدا ، ثم يرتفع ذلك الملك ، ويبعث الله ملكا آخر فيحفظه حتى يدرك ، ثم يبعث الله ملكين يكتبان حسناته وسيئاته ، فإذا جاءه الموت ارتفع ذانك الملكان ، ثم جاءه ملك الموت - عليه السلام - فيقبض روحه ، فإذا أدخل حفرته رد الروح في جسده ، ثم يرتفع ملك الموت ، ثم جاءه ملكا القبر فامتحناه ، ثم يرتفعان ، فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيئات ، فأنشطا كتابا معقودا في عنقه ، ثم حضرا معه ، واحد سائق والآخر شهيد ثم قال الله - عز وجل - لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لتركبن طبقا عن طبق قال : " حالا بعد حال " ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن قدامكم أمرا عظيما فاستعينوا بالله العظيم " فقد اشتمل هذا الحديث على أحوال تعتري الإنسان ، من حين يخلق إلى حين يبعث ، وكله شدة بعد شدة ، حياة ثم موت ، ثم بعث ثم جزاء ، وفي كل حال من هذه شدائد . وقال - صلى الله عليه وسلم - : لتركبن سنن من قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ، قالوا : يا رسول الله ،اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ خرجه البخاري : وأما أقوال المفسرين ، فقال عكرمة : حالا بعد حال ، فطيما بعد رضيع ، وشيخا بعد شباب ، قال الشاعر :
كذلك المرء إن ينسأ له أجل يركب على طبق من بعده طبق
وعن مكحول : كل عشرين عاما تجدون أمرا لم تكونوا عليه : وقال الحسن : أمرا بعد أمر ، رخاء بعد شدة ، وشدة بعد رخاء ، وغنى بعد فقر ، وفقرا بعد غنى ، وصحة بعد سقم ، وسقما بعد صحة : سعيد بن جبير : منزلة بعد منزلة ، قوم كانوا في الدنيا متضعين فارتفعوا في الآخرة ، وقوم كانوا في الدنيا مرتفعين فاتضعوا في الآخرة : وقيل : منزلة عن منزلة ، وطبقا عن طبق ، وذلك أن من كان على صلاح دعاه إلى صلاح فوقه ، ومن كان على فساد دعاه إلى فساد فوقه ; لأن كل شيء يجري إلى شكله : ابن زيد : ولتصيرن من طبق الدنيا إلى طبق الآخرة : وقال ابن عباس : الشدائد والأهوال : الموت ، ثم البعث ، ثم العرض ، والعرب تقول لمن وقع في أمر شديد : وقع في بنات طبق ، وإحدى بنات طبق ، ومنه قيل للداهية الشديدة : أم طبق ، وإحدى بنات طبق : وأصلها من الحيات ، إذ يقال : للحية أم طبق لتحويها : والطبق في اللغة : الحال كما وصفنا ، قال الأقرع بن حابس التميمي :
إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره وساقني طبق منه إلى طبق
وهذا أدل دليل على حدوث العالم ، وإثبات الصانع ، قالت الحكماء : من كان اليوم على حالة ، وغدا على حالة أخرى فليعلم أن تدبيره إلى سواه : وقيل لأبي بكر الوراق : ما الدليل على أن لهذا العالم صانعا ؟ فقال : تحويل الحالات ، وعجز القوة ، وضعف الأركان ، وقهر النية ، ونسخ العزيمة : ويقال : أتانا طبق من الناس وطبق من الجراد : أي جماعة : وقول العباس في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - :
تنقل من صالب إلى رحم إذا مضى عالم بدا طبق
أي قرن من الناس . يكون طباق الأرض أي ملأها . والطبق أيضا : عظم رقيق يفصل بين الفقارين ويقال : مضى طبق من الليل ، وطبق من النهار : أي معظم منه . والطبق : واحد الأطباق ، فهو مشترك . وقرئ ( لتركبن ) بكسر الباء ، على خطاب النفس و ( ليركبن ) بالياء على ليركبن الإنسان . و ( عن طبق ) في محل نصب على أنه صفة ل " طبقا " أي طبقا مجاوزا لطبق . أو حال من الضمير في لتركبن أي لتركبن طبقا مجاوزين لطبق ، أو مجاوزا أو مجاوزة على حسب القراءة .
لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٖ ٩١
والمقسم عليه قوله: { لَتَرْكَبُنَّ } [أي:] أيها الناس { طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ } أي: أطوارا متعددة وأحوالا متباينة، من النطفة إلى العلقة، إلى المضغة، إلى نفخ الروح، ثم يكون وليدًا وطفلًا، ثم مميزًا، ثم يجري عليه قلم التكليف، والأمر والنهي، ثم يموت بعد ذلك، ثم يبعث ويجازى بأعماله، فهذه الطبقات المختلفة الجارية على العبد، دالة على أن الله وحده هو المعبود، الموحد، المدبر لعباده بحكمته ورحمته، وأن العبد فقير عاجز، تحت تدبير العزيز الرحيم.
فَمَا لَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ٠٢
نسخ
مشاركة
التفسير
فَمَا لَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ٠٢
أي فماذا يمنعهم من الإيمان بالله ورسوله واليوم.
فَمَا لَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ٠٢
قوله تعالى : فما لهم لا يؤمنون يعني : أي شيء يمنعهم من الإيمان بعدما وضحت لهم الآيات وقامت الدلالات . وهذا استفهام إنكار . وقيل : تعجب أي اعجبوا منهم في ترك الإيمان مع هذه الآيات .
فَمَا لَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ٠٢
ومع هذا، فكثير من الناس لا يؤمنون.
وَإِذَا قُرِئَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقُرۡءَانُ لَا يَسۡجُدُونَۤ ۩ ١٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِذَا قُرِئَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقُرۡءَانُ لَا يَسۡجُدُونَۤ ۩ ١٢
وما لهم إذا قرئت عليهم آيات الله وكلامه وهو هذا القرآن لا يسجدون إعظاما وإكراما واحتراما ؟.
وَإِذَا قُرِئَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقُرۡءَانُ لَا يَسۡجُدُونَۤ ۩ ١٢
قوله تعالى : وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون أي لا يصلون . وفي الصحيح : أن أبا هريرة قرأ إذا السماء انشقت فسجد فيها ، فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد فيها . وقد قال مالك : إنها ليست من عزائم السجود ; لأن المعنى لا يذعنون ولا يطيعون في العمل بواجباته .
ابن العربي : والصحيح أنها منه ، وهي رواية المدنيين عنه ، وقد اعتضد فيها القرآن والسنة . قال ابن العربي : لما أممت بالناس تركت قراءتها ; لأني إن سجدت أنكروه ، وإن تركتها كان تقصيرا مني ، فاجتنبتها إلا إذا صليت وحدي . وهذا تحقيق وعد الصادق بأن يكون المعروف منكرا ، والمنكر معروفا ; وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لعائشة : لولا حدثان قومك بالكفر لهدمت البيت ، ولرددته على قواعد إبراهيم .
ولقد كان شيخنا أبو بكر الفهري يرفع يديه عند الركوع ، وعند الرفع منه ، وهو مذهب مالك والشافعي ويفعله الشيعة ، فحضر عندي يوما في محرس ابن الشواء بالثغر - موضع تدريسي - عند صلاة الظهر ، ودخل المسجد من المحرس المذكور ، فتقدم إلى الصف وأنا في مؤخره قاعدا على طاقات البحر ، أتنسم الريح من شدة الحر ، ومعي في صف واحد أبو ثمنة رئيس البحر وقائده ، مع نفر من أصحابه ينتظر الصلاة ، ويتطلع على مراكب تخت الميناء ، فلما رفع الشيخ يديه في الركوع وفي رفع الرأس منه قال أبو ثمنة وأصحابه : ألا ترون إلى هذا المشرقي كيف دخل مسجدنا ؟ فقوموا إليه فاقتلوه وارموا به إلى البحر ، فلا يراكم أحد . فطار قلبي من بين جوانحي وقلت : سبحان الله هذا الطرطوشي فقيه الوقت . فقالوا لي : ولم يرفع يديه ؟ فقلت : كذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ، وهذا مذهبمالك ، في رواية أهل المدينة عنه . وجعلت أسكنهم وأسكتهم حتى فرغ من صلاته ، وقمت معه إلى المسكن من المحرس ، ورأى تغير وجهي ، فأنكره ، وسألني فأعلمته ، فضحك وقال : ومن أين لي أن أقتل على سنة ؟ فقلت له : ولا يحل لك هذا ، فإنك بين قوم إن قمت بها قاموا عليك وربما ذهب دمك . فقال : دع هذا الكلام ، وخذ في غيره .
وَإِذَا قُرِئَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقُرۡءَانُ لَا يَسۡجُدُونَۤ ۩ ١٢
{ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ } أي: لا يخضعون للقرآن، ولا ينقادون لأوامره ونواهيه
بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ ٢٢
نسخ
مشاركة
التفسير
بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ ٢٢
أي من سجيتهم التكذيب والعناد والمخالفة للحق.
بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ ٢٢
قوله تعالى : بل الذين كفروا يكذبون محمدا - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به . وقال مقاتل : نزلت في بني عمرو بن عمير وكانوا أربعة ، فأسلم اثنان منهم . وقيل : هي في جميع الكفار .
بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ ٢٢
{ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ } أي: يعاندون الحق بعدما تبين، فلا يستغرب عدم إيمانهم وعدم انقيادهم للقرآن، فإن المكذب بالحق عنادًا، لا حيلة فيه.
وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُوعُونَ ٣٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُوعُونَ ٣٢
قال مجاهد وقتادة يكتمون في صدورهم.
وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُوعُونَ ٣٢
والله أعلم بما يوعون أي بما يضمرونه في أنفسهم من التكذيب . كذا روى الضحاك عن ابن عباس . وقال مجاهد : يكتمون من أفعالهم . ابن زيد : يجمعون من الأعمال الصالحة والسيئة ; مأخوذ من الوعاء الذي يجمع ما فيه ; يقال : أوعيت الزاد والمتاع : إذا جعلته في الوعاء ; قال الشاعر :
الخير أبقى وإن طال الزمان به والشر أخبث ما أوعيت من زاد
ووعاه أي حفظه ; تقول : وعيت الحديث أعيه وعيا ، وأذن واعية . وقد تقدم .
وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُوعُونَ ٣٢
{ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } أي: بما يعملونه وينوونه سرًا، فالله يعلم سرهم وجهرهم، وسيجازيهم بأعمالهم.
فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ٤٢
نسخ
مشاركة
التفسير
فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ٤٢
أي فأخبرهم يا محمد بأن الله عز وجل قد أعد لهم عذابا أليما.
فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ٤٢
أي موجع في جهنم على تكذيبهم .
أي أجعل ذلك بمنزلة البشارة .
فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ٤٢
{ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وسميت البشارة بشارة، لأنها تؤثر في البشرة سرورًا أو غمًا.
فهذه حال أكثر الناس، التكذيب بالقرآن، وعدم الإيمان [به].
إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونِۢ ٥٢
نسخ
مشاركة
التفسير
إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونِۢ ٥٢
وقوله ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) هذا استثناء منقطع يعني لكن الذين آمنوا - أي بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم ( لهم أجر ) أي في الدار الآخرة
( غير ممنون ) قال ابن عباس غير منقوص وقال مجاهد والضحاك غير محسوب
وحاصل قولهما أنه غير مقطوع كما قال تعالى ( عطاء غير مجذوذ ) هود 108 وقال السدي قال بعضهم ( غير ممنون ) غير منقوص وقال بعضهم ( غير ممنون ) عليهم .
وهذا القول الآخر عن بعضهم قد أنكره غير واحد فإن الله عز وجل له المنة على أهل الجنة في كل حال وآن ولحظة وإنما دخلوها بفضله ورحمته لا بأعمالهم فله عليهم المنة دائما سرمدا والحمد لله وحده أبدا ولهذا يلهمون تسبيحه وتحميده كما يلهمون النفس ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) يونس : 10
آخر تفسير سورة الانشقاق ولله الحمد
إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونِۢ ٥٢
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات استثناء منقطع ، كأنه قال : لكن الذين صدقوا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وعملوا الصالحات ، أي أدوا الفرائض المفروضة عليهم .
لهم أجر أي ثواب غير ممنون أي غير منقوص ولا مقطوع ; يقال : مننت الحبل : إذا قطعته . وقد تقدم .
وسأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن قوله لهم أجر غير ممنون : فقال : غير مقطوع . فقال : هل تعرف ذلك العرب ؟ قال : نعم قد عرفه أخو يشكر حيث يقول :
فترى خلفهن من سرعة الرج ع منينا كأنه أهباء
قال المبرد : المنين : الغبار ; لأنها تقطعه وراءها . وكل ضعيف منين وممنون . وقيل : غير ممنون لا يمن عليهم به . وذكر ناس من أهل العلم أن قوله : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليس استئناء ، وإنما هو بمعنى الواو ، كأنه قال : والذين آمنوا . وقد مضى في ( البقرة ) القول فيه والحمد لله . تمت سورة الانشقاق .
إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونِۢ ٥٢
ومن الناس فريق هداهم الله، فآمنوا بالله، وقبلوا ما جاءتهم به الرسل، فآمنوا وعملوا الصالحات.
فهؤلاء لهم أجر غير ممنون أي: غير مقطوع بل هو أجر دائم مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
تم تفسير السورة ولله الحمد.
صَدَق الْلَّه الْعَظِيْم