بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا ١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا ١
تفسير سورة والشمس وضحاها وهي مكية .
تقدم حديث جابر الذي في الصحيحين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ : " هلا صليت ب ( سبح اسم ربك الأعلى ) ( والشمس وضحاها ) ( والليل إذا يغشى ) ؟
قال مجاهد : ( والشمس وضحاها ) أي : وضوئها . وقال قتادة : ( وضحاها ) النهار كله .
قال ابن جرير : والصواب أن يقال : أقسم الله بالشمس ونهارها ; لأن ضوء الشمس الظاهر هو النهار .
وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا ١
سورة الشمس
مكية باتفاق ، وهي خمس عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
والشمس وضحاها
قال مجاهد : وضحاها أي ضوءها وإشراقها . وهو قسم ثان . وأضاف الضحى إلى الشمس ; لأنه إنما يكون بارتفاع الشمس . وقال قتادة : بهاؤها . السدي : حرها . وروى الضحاك عن ابن عباس : وضحاها قال : جعل فيها الضوء وجعلها حارة . وقال اليزيدي : هو انبساطها . وقيل : ما ظهر بها من كل مخلوق فيكون القسم بها وبمخلوقات الأرض كلها . حكاه الماوردي والضحا : مؤنثة . يقال : ارتفعت الضحا ، وهي فوق الضحو . وقد تذكر . فمن أنث ذهب إلى أنها جمع ضحوة . ومن ذكر ذهب إلى أنه اسم على فعل ، نحو صرد ونغر . وهو ظرف غير متمكن مثل سحر . تقول : لقيته ضحا وضحا إذا أردت به ضحا يومك لم تنونه . وقال الفراء : الضحا هو النهار كقول قتادة . والمعروف عند العرب أن الضحا : النهار كله ، فذلك لدوام نور الشمس ، ومن قال : إنه نور الشمس أو حرها ، فنور الشمس لا يكون إلا مع حر الشمس . وقد استدل من قال : إن الضحى حر الشمس بقوله تعالى : ولا تضحى أي لا يؤذيك الحر . وقال المبرد : أصل الضحا من الضح ، وهو نور الشمس ، والألف مقلوبة من الحاء الثانية . تقول : " ضحوة وضحوات ، وضحوات وضحا ، فالواو من ( ضحوة ) مقلوبة عن الحاء الثانية ، والألف في ( ضحا ) مقلوبة عن الواو . وقال أبو الهيثم : الضح : نقيض الظل ، وهو نور الشمس على وجه الأرض ، وأصله الضحا فاستثقلوا الياء مع سكون الحاء ، فقلبوها ألفا .
وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا ١
أقسم تعالى بهذه الآيات العظيمة، على النفس المفلحة، وغيرها من النفوس الفاجرة، فقال:
{ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } أي: نورها، ونفعها الصادر منها.
وَٱلۡقَمَرِ إِذَا تَلَىٰهَا ٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَٱلۡقَمَرِ إِذَا تَلَىٰهَا ٢
( والقمر إذا تلاها ) قال مجاهد : تبعها . وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( والقمر إذا تلاها ) قال : يتلو النهار . وقال قتادة : ( إذا تلاها ) ليلة الهلال ، إذا سقطت الشمس رؤي الهلال .
وقال ابن زيد : هو يتلوها في النصف الأول من الشهر ، ثم هي تتلوه . وهو يتقدمها في النصف الأخير من الشهر .
وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : إذا تلاها ليلة القدر .
وَٱلۡقَمَرِ إِذَا تَلَىٰهَا ٢
قوله تعالى : والقمر إذا تلاها
أي تبعها : وذلك إذا سقطت ريء الهلال . يقال : تلوت فلانا : إذا تبعته . قال قتادة : إنما ذلك ليلة الهلال ، إذا سقطت الشمس رئي الهلال . وقال ابن زيد : إذا غربت الشمس في النصف الأول من الشهر ، تلاها القمر بالطلوع ، وفي آخر الشهر يتلوها بالغروب . الفراء : تلاها : أخذ منها ، يذهب إلى أن القمر يأخذ من ضوء الشمس . وقال قوم : والقمر إذا تلاها حين استوى واستدار ، فكان مثلها في الضياء والنور وقاله الزجاج .
وَٱلۡقَمَرِ إِذَا تَلَىٰهَا ٢
{ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا } أي: تبعها في المنازل والنور.
وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّىٰهَا ٣
نسخ
مشاركة
التفسير
وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّىٰهَا ٣
وقوله : ( والنهار إذا جلاها ) قال مجاهد : أضاء . وقال قتادة : ( والنهار إذا جلاها ) إذا غشيها النهار .
قال ابن جرير : وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى : والنهار إذا جلا الظلمة ، لدلالة الكلام عليها .
قلت : ولو أن هذا القائل تأول [ ذلك ] بمعنى ( والنهار إذا جلاها ) أي : البسيطة ، لكان أولى ، ولصح [ تأويله في ] قول الله ( والليل إذا يغشاها ) فكان أجود وأقوى ، والله أعلم . ولهذا قال مجاهد : ( والنهار إذا جلاها ) إنه كقوله : ( والنهار إذا تجلى ) [ الليل : 2 ] . وأما ابن جرير فاختار عود الضمير في ذلك كله على الشمس ، لجريان ذكرها .
وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّىٰهَا ٣
قوله تعالى : والنهار إذا جلاها
أي كشفها . فقال قوم : جلى الظلمة وإن لم يجر لها ذكر كما تقول : أضحت باردة ، تريد أضحت غداتنا باردة . وهذا قول الفراء والكلبي وغيرهما . وقال قوم : الضمير في جلاها للشمس والمعنى : أنه يبين بضوئه جرمها . ومنه قول قيس بن الخطيم :
تجلت لنا كالشمس تحت غمامة بدا حاجب منها وضنت بحاجب
وقيل : جلى ما في الأرض من حيوانها حتى ظهر ، لاستتاره ليلا وانتشاره نهارا . وقيل : جلى الدنيا . وقيل : جلى الأرض وإن لم يجر لها ذكر ومثله قوله تعالى : حتى توارت بالحجاب على ما تقدم آنفا .
وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّىٰهَا ٣
{ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا } أي: جلى ما على وجه الأرض وأوضحه.
وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰهَا ٤
نسخ
مشاركة
التفسير
وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰهَا ٤
وقالوا في قوله : ( والليل إذا يغشاها ) يعني : إذا يغشى الشمس حين تغيب ، فتظلم الآفاق .
وقال بقية بن الوليد ، عن صفوان ، حدثني يزيد بن ذي حمامة قال : إذا جاء الليل قال الرب جل جلاله : غشي عبادي خلقي العظيم ، فالليل يهابه ، والذي خلقه أحق أن يهاب . رواه ابن أبي حاتم .
وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰهَا ٤
قوله تعالى : والليل إذا يغشاها
أي يغشى الشمس ، فيذهب بضوئها عند سقوطها قاله مجاهد وغيره . وقيل : يغشى الدنيا بالظلم ، فتظلم الآفاق . فالكناية ترجع إلى غير مذكور .
وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰهَا ٤
{ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } أي: يغشى وجه الأرض، فيكون ما عليها مظلمًا.
فتعاقب الظلمة والضياء، والشمس والقمر، على هذا العالم، بانتظام وإتقان، وقيام لمصالح العباد، أكبر دليل على أن الله بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه المعبود وحده، الذي كل معبود سواه فباطل.
وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَىٰهَا ٥
نسخ
مشاركة
التفسير
وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَىٰهَا ٥
وقوله : ( والسماء وما بناها ) يحتمل أن تكون " ما " هاهنا مصدرية ، بمعنى : والسماء وبنائها . وهو قول قتادة ، ويحتمل أن تكون بمعنى " من " يعني : والسماء وبانيها . وهو قول مجاهد ، وكلاهما متلازم ، والبناء هو الرفع ، كقوله : ( والسماء بنيناها بأيد ) أي : بقوة ( وإنا لموسعون والأرض فرشناها فنعم الماهدون ) [ الذاريات : 47 ، 48 ] .
وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَىٰهَا ٥
قوله تعالى : والسماء وما بناها
أي وبنيانها . فما مصدرية كما قال : بما غفر لي ربي أي بغفران ربي قاله قتادة ، واختاره المبرد . وقيل : المعنى ومن بناها قاله الحسن ومجاهد وهو اختيار الطبري . أي ومن خلقها ورفعها ، وهو الله تعالى . وحكي عن أهل الحجاز : سبحان ما سبحت له أي سبحان من سبحت له .
وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَىٰهَا ٥
{ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا } يحتمل أن " ما " موصولة، فيكون الإقسام بالسماء وبانيها، الذي هو الله تبارك وتعالى، ويحتمل أنها مصدرية، فيكون الإقسام بالسماء وبنيانها، الذي هو غاية ما يقدر من الإحكام والإتقان والإحسان.
وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا طَحَىٰهَا ٦
نسخ
مشاركة
التفسير
وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا طَحَىٰهَا ٦
وهكذا قوله : ( والأرض وما طحاها ) قال مجاهد : ( طحاها ) دحاها . وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( وما طحاها ) أي : خلق فيها .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( طحاها ) قسمها .
وقال مجاهد ، وقتادة والضحاك ، والسدي ، والثوري ، وأبو صالح ، وابن زيد : ( طحاها ) بسطها .
وهذا أشهر الأقوال ، وعليه الأكثر من المفسرين ، وهو المعروف عند أهل اللغة ، قال الجوهري : طحوته مثل دحوته ، أي : بسطته .
وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا طَحَىٰهَا ٦
قوله تعالى : والأرض وما طحاها
أي وطحوها . وقيل : ومن طحاها على ما ذكرناه آنفا . أي بسطها كذا قال عامة المفسرين مثل دحاها . قال الحسن ومجاهد وغيرهما : طحاها ودحاها : واحد أي بسطها من كل جانب . والطحو : البسط طحا يطحو طحوا ، وطحى يطحى طحيا ، وطحيت : اضطجعت عن أبي عمرو . وعن ابن عباس : طحاها : قسمها . وقيل : خلقها قال الشاعر :
وما تدري جذيمة من طحاها ولا من ساكن العرش الرفيع
الماوردي : ويحتمل أنه ما خرج منها من نبات وعيون وكنوز ; لأنه حياة لما خلق عليها . ويقال في بعض أيمان العرب : لا ، والقمر الطاحي أي المشرف المشرق المرتفع . قال أبو عمرو : طحا الرجل : إذا ذهب في الأرض . يقال : ما أدري أين طحا ! ويقال : طحا به قلبه : إذا ذهب به في كل شيء . قال علقمة :
طحا بك قلب في الحسان طروب بعيد الشباب عصر حان مشيب
وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا طَحَىٰهَا ٦
{ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } أي: مدها ووسعها، فتمكن الخلق حينئذ من الانتفاع بها، بجميع وجوه الانتفاع.
وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا ٧
نسخ
مشاركة
التفسير
وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا ٧
وقوله : ( ونفس وما سواها ) أي : خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة ، كما قال تعالى : ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) [ الروم : 30 ] وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ " .
أخرجاه من رواية أبي هريرة
وفي صحيح مسلم من رواية عياض بن حمار المجاشعي ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يقول الله - عز وجل - : إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم " .
وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا ٧
قوله تعالى : ونفس وما سواها
قيل : المعنى وتسويتها . ( فما ) : بمعنى المصدر . وقيل : المعنى ومن سواها ، وهو الله - عز وجل - . وفي النفس قولان : أحدهما آدم . الثاني : كل نفس منفوسة . وسوى : بمعنى هيأ . وقال مجاهد : سواها : سوى خلقها وعدل . وهذه الأسماء كلها مجرورة على القسم . أقسم - جل ثناؤه - بخلقه لما فيه من عجائب الصنعة الدالة عليه .
وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا ٧
{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } يحتمل أن المراد نفس سائر المخلوقات الحيوانية، كما يؤيد هذا العموم، ويحتمل أن المراد بالإقسام بنفس الإنسان المكلف، بدليل ما يأتي بعده.
وعلى كل، فالنفس آية كبيرة من آياته التي حقيقة بالإقسام بها فإنها في غاية اللطف والخفة، سريعة التنقل [والحركة] والتغير والتأثر والانفعالات النفسية، من الهم، والإرادة، والقصد، والحب، والبغض، وهي التي لولاها لكان البدن مجرد تمثال لا فائدة فيه، وتسويتها على هذا الوجه آية من آيات الله العظيمة.
فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ٨
نسخ
مشاركة
التفسير
فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ٨
وقوله : ( فألهمها فجورها وتقواها ) أي : فأرشدها إلى فجورها وتقواها ، أي : بين لها ذلك ، وهداها إلى ما قدر لها .
قال ابن عباس : ( فألهمها فجورها وتقواها ) بين لها الخير والشر . وكذا قال مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والثوري .
وقال سعيد بن جبير : ألهمها الخير والشر . وقال ابن زيد : جعل فيها فجورها وتقواها .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا صفوان بن عيسى وأبو عاصم النبيل قالا حدثنا عزرة بن ثابت ، حدثني يحيى بن عقيل ، عن يحيى بن يعمر ، عن أبي الأسود الديلي قال : قال لي عمران بن حصين : أرأيت ما يعمل فيه الناس ويتكادحون فيه ، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق ، أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وأكدت عليهم الحجة ؟ قلت : بل شيء قضي عليهم . قال : فهل يكون ذلك ظلما ؟ قال : ففزعت منه فزعا شديدا ، قال : قلت له : ليس شيء إلا وهو خلقه وملك يده ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون . قال : سددك الله ، إنما سألت لأخبر عقلك ، إن رجلا من مزينة - أو جهينة - أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون ، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق ، أم شيء مما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم ، وأكدت به عليهم الحجة ؟ قال : " بل شيء قد قضي عليهم " . قال : ففيم نعمل ؟ قال : " من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين يهيئه لها ، وتصديق ذلك في كتاب الله : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها )
رواه أحمد ومسلم ، من حديث عزرة بن ثابت به .
فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ٨
قوله تعالى : فألهمها فجورها وتقواها
قوله تعالى : فألهمها أي عرفها كذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد . أي عرفها طريق الفجور والتقوى وقاله ابن عباس . وعن مجاهد أيضا : عرفها الطاعة والمعصية . وعن محمد بن كعب قال : إذا أراد الله - عز وجل - بعبده خيرا ، ألهمه الخير فعمل به ، وإذا أراد به السوء ، ألهمه الشر فعمل به . وقال الفراء : فألهمها قال : عرفها طريق الخير وطريق الشر كما قال : وهديناه النجدين . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : ألهم المؤمن المتقي تقواه ، وألهم الفاجر فجوره . وعن سعيد عن قتادة قال : بين لها فجورها وتقواها . والمعنى متقارب . وروي عن أبي هريرة قال : قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فألهمها فجورها وتقواها قال : " اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها " . ورواه جويبر عن الضحاك عن ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ هذه الآية : فألهمها فجورها وتقواها رفع صوته بها ، وقال : " اللهم آت نفسي تقواها ، أنت وليها ومولاها ، وأنت خير من زكاها " .
وفي صحيح مسلم ، عن أبي الأسود الدؤلي قال : قال لي عمران بن حصين : أرأيت ما يعمل الناس اليوم ، ويكدحون فيه ، أشيء قضي ومضى عليهم من قدر سبق ، أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم ، وثبتت الحجة عليهم ؟ فقلت : بل شيء قضي عليهم ، ومضى عليهم . قال فقال : أفلا يكون ظلما ؟ قال : ففزعت من ذلك فزعا شديدا ، وقلت : كل شيء خلق الله وملك يده ، فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون . فقال لي : يرحمك الله إني لم أرد بما سألتك إلا لأحزر عقلك ، إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالا : يا رسول الله ، أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه : أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق ، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم . وثبتت الحجة عليهم ؟ فقال : " لا بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم . وتصديق ذلك في كتاب الله - عز وجل - : ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها " . والفجور والتقوى : مصدران في موضع المفعول به .
فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ٨
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا
قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ٩
نسخ
مشاركة
التفسير
قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ٩
وقوله : ( قد أفلح من زكاها ) يحتمل أن يكون المعنى : قد أفلح من زكى نفسه ، أي : بطاعة الله - كما قال قتادة - وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل . ويروى نحوه عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير . وكقوله : ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) [ الأعلى : 14 ، 15 ] .
قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ٩
قوله تعالى : قد أفلح من زكاها هذا جواب القسم ، بمعنى : لقد أفلح . قال الزجاج : اللام حذفت ; لأن الكلام طال ، فصار طوله عوضا منها . وقيل : الجواب محذوف أي والشمس وكذا وكذا لتبعثن . الزمخشري : تقديره ليدمدمن الله عليهم أي على أهل مكة ، لتكذيبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما دمدم على ثمود ; لأنهم كذبوا صالحا . وأما قد أفلح من زكاها فكلام تابع لأوله لقوله : فألهمها فجورها وتقواها على سبيل الاستطراد ، وليس من جواب القسم في شيء . وقيل : هو على التقديم والتأخير بغير حذف والمعنى : قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها ، والشمس وضحاها . أفلح فاز . من زكاها أي من زكى الله نفسه بالطاعة .
قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ٩
وقوله: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } أي: طهر نفسه من الذنوب، ونقاها من العيوب، ورقاها بطاعة الله، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح.
وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ٠١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ٠١
( وقد خاب من دساها ) أي : دسسها ، أي : أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهدى ، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله - عز وجل - .
وقد يحتمل أن يكون المعنى : قد أفلح من زكى الله نفسه ، وقد خاب من دسى الله نفسه ، كما قال العوفي وعلي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي وأبو زرعة قالا حدثنا سهل بن عثمان ، حدثنا أبو مالك - يعني عمرو بن هشام - عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في قول الله : ( قد أفلح من زكاها ) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أفلحت نفس زكاها الله " .
ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي مالك ، به . وجويبر [ هذا ] هو ابن سعيد ، متروك الحديث ، والضحاك لم يلق ابن عباس .
وقال الطبراني : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مر بهذه الآية : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) وقف ، ثم قال : " اللهم آت نفسي تقواها ، أنت وليها ومولاها ، وخير من زكاها " .
حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يعقوب بن حميد المدني ، حدثنا عبد الله بن عبد الله الأموي ، حدثنا معن بن محمد الغفاري ، عن حنظلة بن علي الأسلمي ، عن أبي هريرة قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ : ( فألهمها فجورها وتقواها ) قال : " اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها " لم يخرجوه من هذا الوجه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن نافع - عن ابن عمر - عن صالح بن سعيد ، عن عائشة : أنها فقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - من مضجعه ، فلمسته بيدها ، فوقعت عليه وهو ساجد ، وهو يقول : " رب ، أعط نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها " تفرد به .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا عاصم الأحول ، عن عبد الله بن الحارث ، عن زيد بن أرقم قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " اللهم ، إني أعوذ بك من العجز والكسل والهرم ، والجبن والبخل وعذاب القبر . اللهم ، آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم ، إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، وعلم لا ينفع ، ودعوة لا يستجاب لها " . قال زيد : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمناهن ونحن نعلمكوهن .
رواه مسلم من حديث أبي معاوية ، عن عاصم الأحول ، عن عبد الله بن الحارث - وأبي عثمان النهدي ، عن زيد بن أرقم ، به .
وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ٠١
وقد خاب من دساها أي خسرت نفس دسها الله - عز وجل - بالمعصية . وقال ابن عباس : خابت نفس أضلها وأغواها . وقيل : أفلح من زكى نفسه بطاعة الله ، وصالح الأعمال ، وخاب من دس نفسه في المعاصي قاله قتادة وغيره . وأصل الزكاة : النمو والزيادة ، ومنه زكا الزرع : إذا كثر ريعه ، ومنه تزكية القاضي للشاهد ; لأنه يرفعه بالتعديل ، وذكر الجميل . وقد تقدم هذا المعنى في أول سورة ( البقرة ) مستوفى . فمصطنع المعروف والمبادر إلى أعمال البر ، شهر نفسه ورفعها . وكانت أجواد العرب تنزل الربا وارتفاع الأرض ، ليشتهر مكانها للمعتفين ، وتوقد النار في الليل للطارقين . وكانت اللئام تنزل الأولاج والأطراف والأهضام ، ليخفى مكانها عن الطالبين . فأولئك علوا أنفسهم وزكوها ، وهؤلاء أخفوا أنفسهم ودسوها . وكذا الفاجر أبدا خفي المكان ، زمر المروءة غامض الشخص ، ناكس الرأس بركوب المعاصي . وقيل : دساها : أغواها . قال :
وأنت الذي دسيت عمرا فأصبحت حلائله منه أرامل ضيعا
قال أهل اللغة : والأصل : دسسها ، من التدسيس ، وهو إخفاء الشيء ، فأبدلت سينه ياء كما يقال : قصيت أظفاري وأصله قصصت أظفاري . ومثله قولهم في تقضض : تقضى . وقال ابن الأعرابي : وقد خاب من دساها أي دس نفسه في جملة الصالحين وليس منهم .
وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ٠١
{ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } أي: أخفى نفسه الكريمة، التي ليست حقيقة بقمعها وإخفائها، بالتدنس بالرذائل، والدنو من العيوب، والاقتراف للذنوب، وترك ما يكملها وينميها، واستعمال ما يشينها ويدسيها.
كَذَّبَتۡ ثَمُودُ بِطَغۡوَىٰهَآ ١١
نسخ
مشاركة
التفسير
كَذَّبَتۡ ثَمُودُ بِطَغۡوَىٰهَآ ١١
يخبر تعالى عن ثمود أنهم كذبوا رسولهم ، بسبب ما كانوا عليه من الطغيان والبغي .
وقال محمد بن كعب : ( بطغواها ) أي : بأجمعها .
والأول أولى ، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما . فأعقبهم ذلك تكذيبا في قلوبهم بما جاءهم به رسولهم من الهدى واليقين .
كَذَّبَتۡ ثَمُودُ بِطَغۡوَىٰهَآ ١١
قوله تعالى : كذبت ثمود بطغواها أي بطغيانها ، وهو خروجها عن الحد في العصيان قاله مجاهد وقتادة وغيرهما . وعن ابن عباس بطغواها أي بعذابها الذي وعدت به . قال : وكان اسم العذاب الذي جاءها الطغوى ; لأنه طغى عليهم . وقال محمد بن كعب : بطغواها بأجمعها . وقيل : هو مصدر ، وخرج على هذا المخرج ; لأنه أشكل برءوس الآي . وقيل : الأصل بطغياها ، إلا أن فعلى إذا كانت من ذوات الياء أبدلت في الاسم واوا ، ليفصل بين الاسم والوصف . وقراءة العامة بفتح الطاء . وقرأ الحسن والجحدري وحماد بن سلمة ( بضم الطاء ) على أنه مصدر كالرجعى والحسنى وشبههما في المصادر . وقيل : هما لغتان .
كَذَّبَتۡ ثَمُودُ بِطَغۡوَىٰهَآ ١١
{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا } أي: بسبب طغيانها وترفعها عن الحق، وعتوها على رسل الله
إِذِ ٱنۢبَعَثَ أَشۡقَىٰهَا ٢١
نسخ
مشاركة
التفسير
إِذِ ٱنۢبَعَثَ أَشۡقَىٰهَا ٢١
( إذ انبعث أشقاها ) أي : أشقى القبيلة ، هو قدار بن سالف عاقر الناقة ، وهو أحيمر ثمود ، وهو الذي قال تعالى : ( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ) [ القمر : 29 ] . وكان هذا الرجل عزيزا فيهم ، شريفا في قومه ، نسيبا رئيسا مطاعا ، كما قال الإمام أحمد :
حدثنا ابن نمير ، حدثنا هشام ، عن أبيه ، عن عبد الله بن زمعة قال : خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الناقة ، وذكر الذي عقرها ، فقال : " ( إذ انبعث أشقاها ) انبعث لها رجل عارم عزيز منيع في رهطه ، مثل أبي زمعة " .
ورواه البخاري في التفسير ، ومسلم في صفة النار ، والترمذي والنسائي في التفسير من سننهما وكذا ابن جرير وابن أبي حاتم [ من طرق ] عن هشام بن عروة ، به .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثني يزيد بن محمد بن خثيم عن محمد بن كعب القرظي ، عن محمد بن خثيم أبي يزيد عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي : " ألا أحدثك بأشقى الناس ؟ " . قال : بلى : قال : " رجلان ; أحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك يا علي على هذا - يعني قرنه - حتى تبتل منه هذه " يعني : لحيته .
إِذِ ٱنۢبَعَثَ أَشۡقَىٰهَا ٢١
إذ انبعث أي نهض . أشقاها لعقر الناقة . واسمه قدار بن سالف . وقد مضى في ( الأعراف ) بيان هذا ، وهل كان واحدا أو جماعة . وفي البخاري عن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب ، وذكر الناقة والذي عقرها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أتدري من أشقى الأولين " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " عاقر الناقة ، قال : أتدري من أشقى الآخرين ؟ قلت الله ورسوله أعلم . قال : قاتلك " .
إِذِ ٱنۢبَعَثَ أَشۡقَىٰهَا ٢١
{ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا } أي: أشقى القبيلة، [وهو] " قدار بن سالف " لعقرها حين اتفقوا على ذلك، وأمروه فأتمر لهم.
فَقَالَ لَهُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقۡيَٰهَا ٣١
نسخ
مشاركة
التفسير
فَقَالَ لَهُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقۡيَٰهَا ٣١
قوله تعالى "فقال لهم رسول الله" يعني صالحا عليه السلام "ناقة الله" أي احذروا ناقة الله أن تمسوها بسوء "وسقياها" أي لا تعتدوا عليها في سقياها فإن لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم.
فَقَالَ لَهُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقۡيَٰهَا ٣١
فقال لهم رسول الله يعني صالحا .
ناقة الله ، ناقة منصوب على التحذير كقولك : الأسد الأسد ، والصبي الصبي ، والحذار الحذار . أي أحذروا ناقة الله أي عقرها . وقيل : ذروا ناقة الله ، كما قال : هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم .
وسقياها أي ذروها وشربها . وقد مضى في سورة ( الشعراء ) بيانه والحمد لله . وأيضا في سورة ( اقتربت الساعة ) فإنهم لما اقترحوا الناقة ، وأخرجها لهم من الصخرة ، جعل لهم شرب يوم من بئرهم ، ولها شرب يوم مكان ذلك ، فشق ذلك عليهم .
فَقَالَ لَهُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقۡيَٰهَا ٣١
{ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ } صالح عليه السلام محذرًا: { نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا } أي: احذروا عقر ناقة الله، التي جعلها لكم آية عظيمة، ولا تقابلوا نعمة الله عليكم بسقي لبنها أن تعقروها، فكذبوا نبيهم صالحًا.
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمۡدَمَ عَلَيۡهِمۡ رَبُّهُم بِذَنۢبِهِمۡ فَسَوَّىٰهَا ٤١
نسخ
مشاركة
التفسير
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمۡدَمَ عَلَيۡهِمۡ رَبُّهُم بِذَنۢبِهِمۡ فَسَوَّىٰهَا ٤١
قال الله : ( فكذبوه فعقروها ) أي : كذبوه فيما جاءهم به فأعقبهم ذلك أن عقروا الناقة التي أخرجها الله من الصخرة آية لهم وحجة عليهم ، ( فدمدم عليهم ربهم بذنبهم ) أي : غضب عليهم ، فدمر عليهم ، ( فسواها ) أي : فجعل العقوبة نازلة عليهم على السواء .
قال قتادة : بلغنا أن أحيمر ثمود لم يعقر الناقة حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم ، وذكرهم وأنثاهم ، فلما اشترك القوم في عقرها دمدم الله عليهم بذنوبهم فسواها .
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمۡدَمَ عَلَيۡهِمۡ رَبُّهُم بِذَنۢبِهِمۡ فَسَوَّىٰهَا ٤١
فكذبوه أي كذبوا صالحا - عليه السلام - في قوله لهم : " إنكم تعذبون إن عقرتموها " .
فعقروها أي عقرها الأشقى . وأضيف إلى الكل ; لأنهم رضوا بفعله . وقال قتادة : ذكر لنا أنه لم يعقرها حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم ، ذكرهم وأنثاهم . وقال الفراء : عقرها اثنان : والعرب تقول : هذان أفضل الناس ، وهذان خير الناس ، وهذه المرأة أشقى القوم فلهذا لم يقل : أشقياها .
قوله تعالى : فدمدم عليهم ربهم بذنبهم أي أهلكهم وأطبق عليهم العذاب بذنبهم الذي هو الكفر والتكذيب والعقر . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : دمدم عليهم قال : دمر عليهم ربهم بذنبهم أي بجرمهم . وقال الفراء : دمدم أي أرجف . وحقيقة الدمدمة تضعيف العذاب وترديده . ويقال : دممت على الشيء أي أطبقت عليه ، ودمم عليه القبر : أطبقه . وناقة مدومة : ألبسها الشحم . فإذا كررت الإطباق قلت : دمدمت . والدمدمة : إهلاك باستئصال قاله المؤرج . وفي الصحاح : ودمدمت الشيء : إذا ألزقته بالأرض وطحطحته . ودمدم الله عليهم : أي أهلكهم . القشيري : وقيل دمدمت على الميت التراب : أي سويت عليه . فقوله : فدمدم عليهم أي أهلكهم ، فجعلهم تحت التراب .
فسواها أي سوى عليهم الأرض . وعلى الأول فسواها أي فسوى الدمدمة والإهلاك عليهم . وذلك أن الصيحة أهلكتهم ، فأتت على صغيرهم وكبيرهم .
وقال ابن الأنباري : دمدم أي غضب . والدمدمة : الكلام الذي يزعج الرجل . وقال بعض اللغويين : الدمدمة : الإدامة تقول العرب : ناقة مدمدمة أي سمينة .
وقيل : فسواها أي فسوى الأمة في إنزال العذاب بهم ، صغيرهم وكبيرهم ، وضيعهم وشريفهم ، وذكرهم وأنثاهم . وقرأ ابن الزبير ( فدهدم ) وهما ، لغتان كما يقال : امتقع لونه وانتقع .
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمۡدَمَ عَلَيۡهِمۡ رَبُّهُم بِذَنۢبِهِمۡ فَسَوَّىٰهَا ٤١
{ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ } أي: دمر عليهم وعمهم بعقابه، وأرسل عليهم الصيحة من فوقهم، والرجفة من تحتهم، فأصبحوا جاثمين على ركبهم، لا تجد منهم داعيًا ولا مجيبا.
{ فَسَوَّاهَا } عليهم أي: سوى بينهم بالعقوبة
وَلَا يَخَافُ عُقۡبَٰهَا ٥١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَا يَخَافُ عُقۡبَٰهَا ٥١
وقوله : ( ولا يخاف عقباها ) وقرئ : " فلا يخاف عقباها " .
قال ابن عباس : لا يخاف الله من أحد تبعة . وكذا قال مجاهد ، والحسن ، وبكر بن عبد الله المزني ، وغيرهم .
وقال الضحاك والسدي : ( ولا يخاف عقباها ) أي : لم يخف الذي عقرها عاقبة ما صنع . والقول الأول أولى ; لدلالة السياق عليه ، والله أعلم .
آخر تفسير " والشمس وضحاها " .
وَلَا يَخَافُ عُقۡبَٰهَا ٥١
قوله تعالى : ولا يخاف عقباها
أي فعل الله ذلك بهم غير خائف أن تلحقه تبعة الدمدمة من أحد قاله ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد . والهاء في عقباها ترجع إلى الفعلة كقوله : من اغتسل يوم الجمعة فبها ونعمت أي بالفعلة والخصلة . قال السدي والضحاك والكلبي : ترجع إلى العاقر أي لم يخف الذي عقرها عقبى ما صنع . وقاله ابن عباس أيضا . وفي الكلام تقديم وتأخير ، مجازه : إذ انبعث أشقاها ولا يخاف عقباها . وقيل : لا يخاف رسول الله صالح عاقبة إهلاك قومه ، ولا يخشى ضررا يعود عليه من عذابهم ; لأنه قد أنذرهم ، ونجاه الله تعالى حين أهلكهم . وقرأ نافع وابن عامر ( فلا ) بالفاء ، وهو الأجود ; لأنه يرجع إلى المعنى الأول أي فلا يخاف الله عاقبة إهلاكهم . والباقون بالواو ، وهي أشبه بالمعنى الثاني أي ولا يخاف الكافر عاقبة ما صنع . وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك قالا : أخرج إلينا مالك مصحفا لجده ، وزعم أنه كتبه في أيام عثمان بن عفان حين كتب المصاحف ، وفيه : ولا يخاف بالواو . وكذا هي في مصاحف أهل مكة والعراقيين بالواو ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، اتباعا لمصحفهم .
وَلَا يَخَافُ عُقۡبَٰهَا ٥١
{ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا } أي: تبعتها.
وكيف يخاف من هو قاهر، لا يخرج عن قهره وتصرفه مخلوق، الحكيم في كل ما قضاه وشرعه ؟
تمت ولله الحمد
صَدَق الْلَّه الْعَظِيْم