بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
ٱلۡحَآقَّةُ ١
نسخ
مشاركة
التفسير
ٱلۡحَآقَّةُ ١
تفسير سورة الحاقة وهي مكية .
الحاقة من أسماء يوم القيامة ; لأن فيها يتحقق الوعد والوعيد ;
ٱلۡحَآقَّةُ ١
سورة الحاقة
مكية في قول الجميع ، وهي إحدى وخمسون آية .
روى أبو الزاهرية عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرأ إحدى عشرة آية من سورة الحاقة أجير من فتنة الدجال . ومن قرأها كانت له نورا يوم القيامة من فوق رأسه إلى قدمه .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحاقة
يريد القيامة ; سميت بذلك لأن الأمور تحق فيها ; قاله الطبري . كأنه جعلها من باب " ليل نائم " . وقيل : سميت حاقة لأنها تكون من غير شك . وقيل : سميت بذلك لأنها أحقت لأقوام الجنة ، وأحقت لأقوام النار . وقيل : سميت بذلك لأن فيها يصير كل إنسان حقيقا بجزاء عمله . وقال الأزهري : يقال حاققته فحققته أحقه ; أي غالبته فغلبته . فالقيامة حاقة لأنها تحق كل محاق في دين الله بالباطل ; أي كل مخاصم . وفي الصحاح : وحاقه أي خاصمه وادعى كل واحد منهما الحق ; فإذا غلبه قيل حقه . ويقال للرجل إذا خاصم في صغار الأشياء : إنه لنزق الحقاق . ويقال : ماله فيه حق ولا حقاق ; أي خصومة . والتحاق التخاصم . والاحتقاق : الاختصام . والحاقة والحقة والحق ثلاث لغات بمعنى . وقال الكسائي والمؤرج : الحاقة يوم الحق . وتقول العرب : لما عرف الحقة مني هرب .
ٱلۡحَآقَّةُ ١
{ الْحَاقَّةُ } من أسماء يوم القيامة، لأنها تحق وتنزل بالخلق، وتظهر فيها حقائق الأمور، ومخبآت الصدور، فعظم تعالى شأنها وفخمه، بما كرره من قوله: { الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ } فإن لها شأنا عظيما وهولا جسيما، [ومن عظمتها أن الله أهلك الأمم المكذبة بها بالعذاب العاجل]
مَا ٱلۡحَآقَّةُ ٢
نسخ
مشاركة
التفسير
مَا ٱلۡحَآقَّةُ ٢
الحاقة من أسماء يوم القيامة ; لأن فيها يتحقق الوعد والوعيد ;
مَا ٱلۡحَآقَّةُ ٢
قوله تعالى : الحاقة ما الحاقة يريد القيامة ; سميت بذلك لأن الأمور تحق فيها ; قاله الطبري . كأنه جعلها من باب " ليل نائم " . وقيل : سميت حاقة لأنها تكون من غير شك . وقيل : سميت بذلك لأنها أحقت لأقوام الجنة ، وأحقت لأقوام النار . وقيل : سميت بذلك لأن فيها يصير كل إنسان حقيقا بجزاء عمله . وقال الأزهري : يقال حاققته فحققته أحقه ; أي غالبته فغلبته . فالقيامة حاقة لأنها تحق كل محاق في دين الله بالباطل ; أي كل مخاصم . وفي الصحاح : وحاقه أي خاصمه وادعى كل واحد منهما الحق ; فإذا غلبه قيل حقه . ويقال للرجل إذا خاصم في صغار الأشياء : إنه لنزق الحقاق . ويقال : ماله فيه حق ولا حقاق ; أي خصومة . والتحاق التخاصم . والاحتقاق : الاختصام . والحاقة والحقة والحق ثلاث لغات بمعنى . وقال الكسائي والمؤرج : الحاقة يوم الحق . وتقول العرب : لما عرف الحقة مني هرب . والحاقة الأولى رفع بالابتداء ، والخبر المبتدأ الثاني وخبره وهو ما الحاقة لأن معناها ما هي . واللفظ استفهام ، معناه التعظيم والتفخيم لشأنها ; كما تقول : زيد ما زيد على التعظيم لشأنه .
مَا ٱلۡحَآقَّةُ ٢
{ الْحَاقَّةُ } من أسماء يوم القيامة، لأنها تحق وتنزل بالخلق، وتظهر فيها حقائق الأمور، ومخبآت الصدور، فعظم تعالى شأنها وفخمه، بما كرره من قوله: { الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ } فإن لها شأنا عظيما وهولا جسيما، [ومن عظمتها أن الله أهلك الأمم المكذبة بها بالعذاب العاجل]
وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ ٣
نسخ
مشاركة
التفسير
وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ ٣
ولهذا عظم تعالى أمرها فقال : ( وما أدراك ما الحاقة ) ؟
وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ ٣
وما أدراك ما الحاقة استفهام أيضا ; أي أي شيء أعلمك ما ذلك اليوم . والنبي صلى الله عليه وسلم كان عالما بالقيامة ولكن بالصفة فقيل تفخيما لشأنها : وما أدراك ما هي ; كأنك لست تعلمها إذ لم تعاينها . وقال يحيى بن سلام : بلغني أن كل شيء في القرآن " وما أدراك " فقد أدراه إياه وعلمه . وكل شيء قال : وما يدريك فهو مما لم يعلمه . وقال سفيان بن عيينة : كل شيء قال فيه : " وما أدراك " فإنه أخبر به ، وكل شيء قال فيه : وما يدريك فإنه لم يخبر به .
وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ ٣
{ الْحَاقَّةُ } من أسماء يوم القيامة، لأنها تحق وتنزل بالخلق، وتظهر فيها حقائق الأمور، ومخبآت الصدور، فعظم تعالى شأنها وفخمه، بما كرره من قوله: { الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ } فإن لها شأنا عظيما وهولا جسيما، [ومن عظمتها أن الله أهلك الأمم المكذبة بها بالعذاب العاجل]
كَذَّبَتۡ ثَمُودُ وَعَادُۢ بِٱلۡقَارِعَةِ ٤
نسخ
مشاركة
التفسير
كَذَّبَتۡ ثَمُودُ وَعَادُۢ بِٱلۡقَارِعَةِ ٤
ثم ذكر تعالى إهلاكه الأمم المكذبين بها
كَذَّبَتۡ ثَمُودُ وَعَادُۢ بِٱلۡقَارِعَةِ ٤
قوله تعالى : كذبت ثمود وعاد بالقارعة ذكر من كذب بالقيامة . والقارعة القيامة ; سميت بذلك لأنها تقرع الناس بأهوالها . يقال : أصابتهم قوارع الدهر ; أي أهواله وشدائده . ونعوذ بالله من قوارع فلان ولواذعه وقوارص لسانه ; جمع قارصة وهي الكلمة المؤذية . وقوارع القرآن : الآيات التي يقرؤها الإنسان إذا فزع من الجن أو الإنس ، نحو آية الكرسي ; كأنها تقرع الشيطان . وقيل : القارعة مأخوذة من القرعة في رفع قوم وحط آخرين ; قاله المبرد . وقيل : عنى بالقارعة العذاب الذي نزل بهم في الدنيا ; وكان نبيهم يخوفهم بذلك فيكذبونه . وثمود قوم صالح ; وكانت منازلهم بالحجر فيما بين الشام والحجاز . قال محمد بن إسحاق : وهو وادي القرى ; وكانوا عربا . وأما عاد فقوم هود ; وكانت منازلهم بالأحقاف . والأحقاف : الرمل بين عمان إلى حضرموت واليمن كله ; وكانوا عربا ذوي خلق وبسطة ; ذكره محمد بن إسحاق . وقد تقدم .
كَذَّبَتۡ ثَمُودُ وَعَادُۢ بِٱلۡقَارِعَةِ ٤
ثم ذكر نموذجا من أحوالها الموجودة في الدنيا المشاهدة فيها، وهو ما أحله من العقوبات البليغة بالأمم العاتية فقال: { كَذَّبَتْ ثَمُودُ } وهم القبيلة المشهورة سكان الحجر الذين أرسل الله إليهم رسوله صالحا عليه السلام، ينهاهم عما هم عليه من الشرك، ويأمرهم بالتوحيد، فردوا دعوته وكذبوه وكذبوا ما أخبرهم به من يوم القيامة، وهي القارعة التي تقرع الخلق بأهوالها، وكذلك عاد الأولى سكان حضرموت حين بعث الله إليهم رسوله هودا عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى عبادة الله [وحده] فكذبوه وكذبوا بما أخبر به من البعث فأهلك الله الطائفتين بالهلاك المعجل
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ ٥
نسخ
مشاركة
التفسير
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ ٥
فقال تعالى : ( فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ) وهي الصيحة التي أسكتتهم ، والزلزلة التي أسكنتهم . هكذا قال قتادة ، الطاغية : الصيحة . وهو اختيار ابن جرير .
وقال مجاهد : الطاغية الذنوب . وكذا قال الربيع بن أنس وابن زيد : إنها الطغيان ، وقرأ ابن زيد : ( كذبت ثمود بطغواها ) [ الشمس : 11 ] .
وقال السدي : ( فأهلكوا بالطاغية ) قال : يعني : عاقر الناقة .
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ ٥
قوله تعالى : فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية فيه إضمار ; أي بالفعلة الطاغية . وقال قتادة : أي بالصيحة الطاغية ; أي المجاوزة للحد ; أي لحد الصيحات من الهول . كما قال : إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر . والطغيان : مجاوزة الحد ; ومنه : إنا لما طغى الماء أي جاوز الحد . وقال الكلبي : " بالطاغية " بالصاعقة . وقال مجاهد : بالذنوب . وقال الحسن : بالطغيان ; فهي مصدر كالكاذبة والعاقبة والعافية . أي أهلكوا بطغيانهم وكفرهم . وقيل : إن الطاغية عاقر الناقة ; قاله ابن زيد . أي أهلكوا بما أقدم عليه طاغيتهم من عقر الناقة ، وكان واحدا ، وإنما هلك الجميع لأنهم رضوا بفعله ومالئوه . وقيل له طاغية كما يقال : فلان راوية الشعر ، وداهية وعلامة ونسابة .
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ ٥
{ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ } وهي الصيحة العظيم ة الفظيعة، التي انصدعت منها قلوبهم وزهقت لها أرواحهم فأصبحوا موتى لا يرى إلا مساكنهم وجثثهم.
وَأَمَّا عَادٞ فَأُهۡلِكُواْ بِرِيحٖ صَرۡصَرٍ عَاتِيَةٖ ٦
نسخ
مشاركة
التفسير
وَأَمَّا عَادٞ فَأُهۡلِكُواْ بِرِيحٖ صَرۡصَرٍ عَاتِيَةٖ ٦
( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر ) أي : باردة . قال قتادة والربيع والسدي والثوري : ( عاتية ) أي : شديدة الهبوب . قال قتادة : عتت عليهم حتى نقبت عن أفئدتهم .
وقال الضحاك : ( صرصر ) باردة ) عاتية ) عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة . وقال علي وغيره : عتت على الخزنة فخرجت بغير حساب .
وَأَمَّا عَادٞ فَأُهۡلِكُواْ بِرِيحٖ صَرۡصَرٍ عَاتِيَةٖ ٦
قوله تعالى : وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر أي باردة تحرق ببردها كإحراق النار ; مأخوذ من الصر وهو البرد ; قاله الضحاك . وقيل : إنها الشديدة الصوت . وقال مجاهد : الشديدة السموم . " عاتية " أي عتت على خزانها فلم تطعهم ، ولم يطيقوها من شدة هبوبها ; غضبت لغضب الله . وقيل : عتت على عاد فقهرتهم . روى سفيان الثوري عن موسى بن المسيب عن شهر بن حوشب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أرسل الله من نسمة من ريح إلا بمكيال ولا قطرة من ماء إلا بمكيال إلا يوم عاد ويوم نوح فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان فلم يكن لهم عليه سبيل - ثم قرأ - إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية والريح لما كان يوم عاد عتت على الخزان فلم يكن لهم عليها سبيل - ثم قرأ - بريح صرصر عاتية " .
وَأَمَّا عَادٞ فَأُهۡلِكُواْ بِرِيحٖ صَرۡصَرٍ عَاتِيَةٖ ٦
{ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ } أي: قوية شديدة الهبوب لها صوت أبلغ من صوت الرعد [القاصف] { عَاتِيَةٍ } [أي: ] عتت على خزانها، على قول كثير من المفسرين، أو عتت على عاد وزادت على الحد كما هو الصحيح.
سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ ٧
نسخ
مشاركة
التفسير
سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ ٧
( سخرها عليهم ) أي : سلطها عليهم ( سبع ليال وثمانية أيام حسوما ) أي : كوامل متتابعات مشائيم .
قال ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وعكرمة والثوري وغير واحد ) حسوما ) متتابعات .
وعن عكرمة والربيع : مشائيم عليهم ، كقوله : ( في أيام نحسات ) [ فصلت : 16 ] قال الربيع : وكان أولها الجمعة . وقال غيره الأربعاء . ويقال : إنها التي تسميها الناس الأعجاز ; وكأن الناس أخذوا ذلك من قوله تعالى : ( فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ) وقيل : لأنها تكون في عجز الشتاء ، ويقال : أيام العجوز ; لأن عجوزا من قوم عاد دخلت سربا فقتلها الريح في اليوم الثامن . حكاه البغوي والله أعلم .
قال ابن عباس : ( خاوية ) خربة . وقال غيره : بالية ، أي : جعلت الريح تضرب بأحدهم الأرض فيخر ميتا على أم رأسه ، فينشدخ رأسه وتبقى جثته هامدة كأنها قائمة النخلة إذا خرت بلا أغصان .
وقد ثبت في الصحيحين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن يحيى بن الضريس العبدي ، حدثنا ابن فضيل ، عن مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا فيها إلا مثل موضع الخاتم ، فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم ، فجعلتهم بين السماء والأرض ، فلما رأى ذلك أهل الحاضرة الريح وما فيها قالوا : هذا عارض ممطرنا ، فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة " .
وقال الثوري ، عن ليث ، عن مجاهد : الريح لها جناحان وذنب .
سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ ٧
سخرها عليهم أي أرسلها وسلطها عليهم . والتسخير : استعمال الشيء بالاقتدار .
سبع ليال وثمانية أيام حسوما أي متتابعة لا تفتر ولا تنقطع ، عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما . قال الفراء : الحسوم التباع ، من حسم الداء إذا كوي صاحبه ، لأنه يكوى بالمكواة ثم يتابع ذلك عليه . قال عبد العزيز بن زرارة الكلابي :
ففرق بين بينهم زمان تتابع فيه أعوام حسوم
وقال المبرد : هو من قولك حسمت الشيء إذا قطعته وفصلته عن غيره . وقيل : الحسم الاستئصال . ويقال للسيف حسام ; لأنه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته . وقال الشاعر :
حسام إذا قمت معتضدا به كفى العود منه البدء ليس بمعضد
والمعنى أنها حسمتهم ، أي قطعتهم وأذهبتهم . فهي القاطعة بعذاب الاستئصال . قال ابن زيد : حسمتهم فلم تبق منهم أحدا . وعنه أنها حسمت الليالي والأيام حتى استوعبتها . لأنها بدأت طلوع الشمس من أول يوم وانقطعت غروب الشمس من آخر يوم . وقال الليث : الحسوم الشؤم . ويقال : هذه ليالي الحسوم ، أي تحسم الخير عن أهلها ، وقاله في الصحاح . وقال عكرمة والربيع بن أنس : مشائيم ، دليله قوله تعالى : في أيام نحسات . عطية العوفي : " حسوما " أي حسمت الخير عن أهلها . واختلف في أولها ، فقيل : غداة يوم الأحد ، قاله السدي . وقيل : غداة يوم الجمعة ، قاله الربيع بن أنس . وقيل : غداة يوم الأربعاء ، قاله يحيى بن سلام ووهب بن منبه . قال وهب : وهذه الأيام هي التي تسميها العرب أيام العجوز ، ذات برد وريح شديدة ، وكان أولها يوم الأربعاء وآخرها يوم الأربعاء ; ونسبت إلى العجوز لأن عجوزا من عاد دخلت سربا فتبعتها الريح فقتلتها في اليوم الثامن . وقيل : سميت أيام العجوز لأنها وقعت في عجز الشتاء . وهي في آذار من أشهر السريانيين . ولها أسام مشهورة ، وفيها يقول الشاعر وهو ابن أحمر :
كسع الشتاء بسبعة غبر أيام شهلتنا من الشهر
فإذا انقضت أيامها ومضت صن وصنبر مع الوبر
وبآمر وأخيه مؤتمر ومعلل وبمطفئ الجمر
ذهب الشتاء موليا عجلا وأتتك واقدة من النجر
و " حسوما " نصب على الحال . وقيل على المصدر . قال الزجاج : أي تحسمهم حسوما أي تفنيهم ، وهو مصدر مؤكد . ويجوز أن يكون مفعولا له ; أي سخرها عليهم هذه المدة للاستئصال ; أي لقطعهم واستئصالهم . ويجوز أن يكون جمع حاسم . وقرأ السدي " حسوما " بالفتح ، حالا من الريح ; أي سخرها عليهم مستأصلة .
قوله تعالى : فترى القوم فيها أي في تلك الليالي والأيام .
صرعى جمع صريع ; يعني موتى . وقيل : فيها أي في الريح .
كأنهم أعجاز أي أصول .
نخل خاوية أي بالية ; قاله أبو الطفيل . وقيل : خالية الأجواف لا شيء فيها . والنخل يذكر ويؤنث . وقد قال تعالى في موضع آخر : كأنهم أعجاز نخل منقعر فيحتمل أنهم شبهوا بالنخل التي صرعت من أصلها ، وهو إخبار عن عظم أجسامهم . ويحتمل أن يكون المراد به الأصول دون الجذوع ; أي إن الريح قد قطعتهم حتى صاروا كأصول النخل " خاوية " أي الريح كانت تدخل أجوافهم فتصرعهم كالنخلة الخاوية الجوف . وقال ابن شجرة : كانت الريح تدخل في أفواههم فتخرج ما في أجوافهم من الحشو من أدبارهم ، فصاروا كالنخل الخاوية . وقال يحيى بن سلام ; إنما قال " خاوية " لأن أبدانهم خوت من أرواحهم مثل النخل الخاوية . ويحتمل أن يكون المعنى كأنهم أعجاز نخل خاوية عن أصولها من البقاع ; كما قال تعالى : فتلك بيوتهم خاوية أي خربة لا سكان فيها . ويحتمل الخاوية بمعنى البالية كما ذكرنا ; لأنها إذا بليت خلت أجوافها . فشبهوا بعد أن هلكوا بالنخل الخاوية .
سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ ٧
{ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا } أي: نحسا وشرا فظيعا عليهم فدمرتهم وأهلكتهم، { فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى } أي: هلكى موتى { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } أي: كأنهم جذوع النخل التي قد قطعت رءوسها الخاوية الساقط بعضها على بعض.
فَهَلۡ تَرَىٰ لَهُم مِّنۢ بَاقِيَةٖ ٨
نسخ
مشاركة
التفسير
فَهَلۡ تَرَىٰ لَهُم مِّنۢ بَاقِيَةٖ ٨
( فهل ترى لهم من باقية ) ؟ أي : هل تحس منهم من أحد من بقاياهم أنه ممن ينتسب إليهم ؟ بل بادوا عن آخرهم ولم يجعل الله لهم خلفا .
فَهَلۡ تَرَىٰ لَهُم مِّنۢ بَاقِيَةٖ ٨
قوله تعالى : فهل ترى لهم من باقية
أي من فرقة باقية أو نفس باقية . وقيل : من بقية . وقيل : من بقاء . فاعلة بمعنى المصدر ; نحو العاقبة والعافية . ويجوز أن يكون اسما ; أي هل تجد لهم أحدا باقيا . وقال ابن جريج : كانوا سبع ليال وثمانية أيام أحياء في عذاب الله من الريح ، فلما أمسوا في اليوم الثامن ماتوا ، فاحتملتهم الريح فألقتهم في البحر . ذلك قوله عز وجل : فهل ترى لهم من باقية ، وقوله عز وجل : فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم .
فَهَلۡ تَرَىٰ لَهُم مِّنۢ بَاقِيَةٖ ٨
{ فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ } وهذا استفهام بمعنى النفي المتقرر.
وَجَآءَ فِرۡعَوۡنُ وَمَن قَبۡلَهُۥ وَٱلۡمُؤۡتَفِكَٰتُ بِٱلۡخَاطِئَةِ ٩
نسخ
مشاركة
التفسير
وَجَآءَ فِرۡعَوۡنُ وَمَن قَبۡلَهُۥ وَٱلۡمُؤۡتَفِكَٰتُ بِٱلۡخَاطِئَةِ ٩
ثم قال تعالى : ( وجاء فرعون ومن قبله ) قرئ بكسر القاف ، أي : ومن عنده في زمانه من أتباعه من كفار القبط . وقرأ آخرون بفتحها ، أي : ومن قبله من الأمم المشبهين له .
وقوله : ( والمؤتفكات ) وهم المكذبون بالرسل . ) بالخاطئة ) أي بالفعلة الخاطئة ، وهي التكذيب بما أنزل الله .
قال الربيع : ( بالخاطئة ) أي : بالمعصية وقال مجاهد : بالخطايا .
وَجَآءَ فِرۡعَوۡنُ وَمَن قَبۡلَهُۥ وَٱلۡمُؤۡتَفِكَٰتُ بِٱلۡخَاطِئَةِ ٩
قوله تعالى : وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة
قوله تعالى : وجاء فرعون ومن قبله قرأ أبو عمرو والكسائي " ومن قبله " بكسر القاف وفتح الباء ; أي ومن معه وتبعه من جنوده . واختاره أبو عبيد وأبو حاتم اعتبارا بقراءة عبد الله وأبي " ومن معه " . وقرأ أبو موسى الأشعري " ومن تلقاءه " . الباقون قبله بفتح القاف وسكون الباء ; أي ومن تقدمه من القرون الخالية والأمم الماضية .
والمؤتفكات أي أهل قرى لوط . وقراءة العامة بالألف . وقرأ الحسن والجحدري " والمؤتفكة " على التوحيد . قال قتادة : إنما سميت قرى قوم لوط " مؤتفكات " لأنها ائتفكت بهم ، أي انقلبت . وذكر الطبري عن محمد بن كعب القرظي قال : خمس قريات : صبعة وصعرة وعمرة ودوما وسدوم وهي القرية العظمى .
" بالخاطئة " أي بالفعلة الخاطئة وهي المعصية والكفر . وقال مجاهد : بالخطايا التي كانوا يفعلونها . وقال الجرجاني : أي بالخطأ العظيم ; فالخاطئة مصدر .
وَجَآءَ فِرۡعَوۡنُ وَمَن قَبۡلَهُۥ وَٱلۡمُؤۡتَفِكَٰتُ بِٱلۡخَاطِئَةِ ٩
أي: وكذلك غير هاتين الأمتين الطاغيتين عاد وثمود جاء غيرهم من الطغاة العتاة كفرعون مصر الذي أرسل الله إليه عبده ورسوله موسى [ابن عمران] عليه الصلاة والسلام وأراه من الآيات البينات ما تيقنوا بها الحق ولكن جحدوا وكفروا ظلما وعلوا وجاء من قبله من المكذبين، { وَالْمُؤْتَفِكَاتِ } أي: قرى قوم لوط الجميع جاءوا { بِالْخَاطِئَةِ } أي: بالفعلة الطاغية وهي الكفر والتكذيب والظلم والمعاندة وما انضم إلى ذلك من أنواع الفواحش والفسوق.
فَعَصَوۡاْ رَسُولَ رَبِّهِمۡ فَأَخَذَهُمۡ أَخۡذَةٗ رَّابِيَةً ٠١
نسخ
مشاركة
التفسير
فَعَصَوۡاْ رَسُولَ رَبِّهِمۡ فَأَخَذَهُمۡ أَخۡذَةٗ رَّابِيَةً ٠١
ولهذا قال : تعالى ( فعصوا رسول ربهم ) وهذا جنس ، أي : كل كذب رسول الله إليهم . كما قال : ( كل كذب الرسل فحق وعيد ) [ ق : 14 ] . ومن كذب رسول الله فقد كذب بالجميع ، كما قال : ( كذبت قوم نوح المرسلين ) [ الشعراء : 105 ] ، ( كذبت عاد المرسلين ) [ الشعراء : 123 ] . ( كذبت ثمود المرسلين ) [ الشعراء : 141 ] وإنما جاء إلى كل أمة رسول واحد ; ولهذا قال ها هنا : ( فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية ) أي : عظيمة شديدة أليمة .
قال مجاهد : ( رابية ) شديدة . وقال السدي : مهلكة .
فَعَصَوۡاْ رَسُولَ رَبِّهِمۡ فَأَخَذَهُمۡ أَخۡذَةٗ رَّابِيَةً ٠١
قوله تعالى : فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية
قوله تعالى : فعصوا رسول ربهم قال الكلبي : هو موسى . وقيل : هو لوط لأنه أقرب . وقيل : عنى موسى ولوطا عليهما السلام ; كما قال تعالى : فقولا إنا رسول رب العالمين . وقيل : رسول بمعنى رسالة . وقد يعبر عن الرسالة بالرسول ; قال الشاعر :
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول
فأخذهم أخذة رابية أي عالية زائدة على الأخذات وعلى عذاب الأمم . ومنه الربا إذا أخذ في الذهب والفضة أكثر مما أعطى . يقال : ربا الشيء يربو أي زاد وتضاعف . وقال مجاهد : شديدة . كأنه أراد زائدة في الشدة .
فَعَصَوۡاْ رَسُولَ رَبِّهِمۡ فَأَخَذَهُمۡ أَخۡذَةٗ رَّابِيَةً ٠١
{ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ } وهذا اسم جنس أي: كل من هؤلاء كذب الرسول الذي أرسله الله إليهم. فأخذ الله الجميع { أَخْذَةً رَابِيَةً } أي: زائدة على الحد والمقدار الذي يحصل به هلاكهم.
إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلۡمَآءُ حَمَلۡنَٰكُمۡ فِي ٱلۡجَارِيَةِ ١١
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلۡمَآءُ حَمَلۡنَٰكُمۡ فِي ٱلۡجَارِيَةِ ١١
ثم قال الله تعالى : ( إنا لما طغى الماء ) أي : زاد على الحد بإذن الله وارتفع على الوجود . وقال ابن عباس وغيره : ( طغى الماء ) كثر - وذلك بسبب دعوة نوح عليه السلام ، على قومه حين كذبوه وخالفوه ، فعبدوا غير الله فاستجاب الله له وعم أهل الأرض بالطوفان إلا من كان مع نوح في السفينة ، فالناس كلهم من سلالة نوح وذريته .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا مهران ، عن أبي سنان سعيد بن سنان ، عن غير واحد ، عن علي بن أبي طالب قال : لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي ملك ، فلما كان يوم نوح أذن للماء دون الخزان ، فطغى الماء على الخزان فخرج ، فذلك قول الله : ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ) ولم ينزل شيء من الريح إلا بكيل على يدي ملك ، إلا يوم عاد ، فإنه أذن لها دون الخزان فخرجت ، فذلك قوله : ( بريح صرصر عاتية ) عتت على الخزان .
ولهذا قال تعالى ممتنا على الناس : ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ) وهي السفينة الجارية على وجه الماء
إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلۡمَآءُ حَمَلۡنَٰكُمۡ فِي ٱلۡجَارِيَةِ ١١
قوله تعالى : إنا لما طغى الماء أي ارتفع وعلا . وقال علي رضي الله عنه : طغى على خزانه من الملائكة غضبا لربه فلم يقدروا على حبسه . قال قتادة : زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعا . وقال ابن عباس : طغى الماء زمن نوح على خزانه فكثر عليهم فلم يدروا كم خرج . وليس من الماء قطرة تنزل قبله ولا بعده إلا بكيل معلوم غير ذلك اليوم . وقد مضى هذا مرفوعا أول السورة . والمقصود من قصص هذه الأمم وذكر ما حل بهم من العذاب : زجر هذه الأمة عن الاقتداء بهم في معصية الرسول . ثم من عليهم بأن جعلهم ذرية من نجا من الغرق بقوله :
" حملناكم " أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم .
" في الجارية " أي في السفن الجارية . والمحمول في الجارية نوح وأولاده ، وكل من على وجه الأرض من نسل أولئك .
إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلۡمَآءُ حَمَلۡنَٰكُمۡ فِي ٱلۡجَارِيَةِ ١١
ومن جملة أولئك قوم نوح أغرقهم الله في اليم حين طغى [الماء على وجه] الأرض وعلا على مواضعها الرفيعة.وامتن الله على الخلق الموجودين بعدهم أن الله حملهم { فِي الْجَارِيَةِ } وهي: السفينة في أصلاب آبائهم وأمهاتهم الذين نجاهم الله.
لِنَجۡعَلَهَا لَكُمۡ تَذۡكِرَةٗ وَتَعِيَهَآ أُذُنٞ وَٰعِيَةٞ ٢١
نسخ
مشاركة
التفسير
لِنَجۡعَلَهَا لَكُمۡ تَذۡكِرَةٗ وَتَعِيَهَآ أُذُنٞ وَٰعِيَةٞ ٢١
( لنجعلها لكم تذكرة ) عاد الضمير على الجنس لدلالة المعنى عليه ، أي : وأبقينا لكم من جنسها ما تركبون على تيار الماء في البحار ، كما قال : ( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه ) [ الزخرف : 12 ، 13 ] ، وقال تعالى : ( وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) [ يس : 41 ، 42 ] .
وقال قتادة : أبقى الله السفينة حتى أدركها أوائل هذه الأمة ، والأول أظهر ; ولهذا قال : ( وتعيها أذن واعية ) أي : وتفهم هذه النعمة ، وتذكرها أذن واعية .
قال ابن عباس : حافظة سامعة ، وقال قتادة : ( أذن واعية ) عقلت عن الله فانتفعت بما سمعت من كتاب الله ، وقال الضحاك : ( وتعيها أذن واعية ) سمعتها أذن ووعت . أي : من له سمع صحيح وعقل رجيح . وهذا عام فيمن فهم ، ووعى .
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة الدمشقي ، حدثنا العباس بن الوليد بن صبح الدمشقي ، حدثنا زيد بن يحيى ، حدثنا علي بن حوشب ، سمعت مكحولا يقول : لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وتعيها أذن واعية ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سألت ربي أن يجعلها أذن علي " . [ قال مكحول ] فكان علي يقول : ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فنسيته .
وهكذا رواه ابن جرير ، عن علي بن سهل ، عن الوليد بن مسلم ، عن علي بن حوشب ، عن مكحول به . وهو حديث مرسل .
وقد قال ابن أبي حاتم أيضا : حدثنا جعفر بن محمد بن عامر ، حدثنا بشر بن آدم ، حدثنا عبد الله بن الزبير أبو محمد - يعني والد أبي أحمد الزبيري - حدثني صالح بن الهيثم ، سمعت بريدة الأسلمي يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : " إني أمرت أن أدنيك ولا أقصيك ، وأن أعلمك وأن تعي ، وحق لك أن تعي " . قال : فنزلت هذه الآية ( وتعيها أذن واعية )
ورواه ابن جرير عن محمد بن خلف ، عن بشر بن آدم ، به ، ثم رواه ابن جرير من طريق آخر عن داود الأعمى ، عن بريدة ، به . ولا يصح أيضا .
لِنَجۡعَلَهَا لَكُمۡ تَذۡكِرَةٗ وَتَعِيَهَآ أُذُنٞ وَٰعِيَةٞ ٢١
لنجعلها لكم تذكرة يعني سفينة نوح عليه الصلاة والسلام . جعلها الله تذكرة وعظة لهذه الأمة حتى أدركها أوائلهم ; في قول قتادة . قال ابن جريج : كانت ألواحها على الجودي . والمعنى : أبقيت لكم تلك الخشبات حتى تذكروا ما حل بقوم نوح ، وإنجاء الله آباءكم ; وكم من سفينة هلكت وصارت ترابا ولم يبق منها شيء . وقيل : لنجعل تلك الفعلة من إغراق قوم نوح وإنجاء من آمن معه موعظة لكم ; ولهذا قال الله تعالى :
وتعيها أذن واعية أي تحفظها وتسمعها أذن حافظة لما جاء من عند الله . والسفينة لا توصف بهذا . قال الزجاج : ويقال وعيت كذا أي حفظته في نفسي ، أعيه وعيا . ووعيت العلم ، ووعيت ما قلت ; كله بمعنى . وأوعيت المتاع في الوعاء . قال الزجاج : يقال لكل ما حفظته في غير نفسك : " أوعيته " بالألف ، ولما حفظته في نفسك " وعيته " بغير ألف . وقرأ طلحة وحميد والأعرج " وتعيها " بإسكان العين ; تشبيها بقول : " أرنا " . واختلف فيها عن عاصم وابن كثير . الباقون بكسر العين ; ونظير قوله تعالى : وتعيها أذن واعية ، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب . وقال قتادة : الأذن الواعية أذن عقلت عن الله تعالى ، وانتفعت بما سمعت من كتاب الله عز وجل . وروى مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند نزول هذه الآية : " سألت ربي أن يجعلها أذن علي " . قال مكحول : فكان علي رضي الله عنه يقول : ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فنسيته إلا وحفظته . ذكره الماوردي . وعن الحسن نحوه . ذكره الثعلبي قال : لما نزلت وتعيها أذن واعية قال النبي صلى الله عليه وسلم : " سألت ربي أن يجعلها أذنك يا علي " قال علي : فوالله ما نسيت شيئا بعد ، وما كان لي أن أنسى . وقال أبو برزة الأسلمي قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : " يا علي إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك ، وأن أعلمك ، وأن تعي ، وحق على الله أن تعي " .
لِنَجۡعَلَهَا لَكُمۡ تَذۡكِرَةٗ وَتَعِيَهَآ أُذُنٞ وَٰعِيَةٞ ٢١
فاحمدوا الله واشكروا الذي نجاكم حين أهلك الطاغين واعتبروا بآياته الدالة على توحيده ولهذا قال: { لِنَجْعَلَهَا } أي: الجارية والمراد جنسها، { لَكُمْ تَذْكِرَةً } تذكركم أول سفينة صنعت وما قصتها وكيف نجى الله عليها من آمن به واتبع رسوله وأهلك أهل الأرض كلهم فإن جنس الشيء مذكر بأصله. وقوله: { وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } أي: تعقلها أولو الألباب ويعرفون المقصود منها ووجه الآية بها. وهذا بخلاف أهل الإعراض والغفلة وأهل البلادة وعدم الفطنة فإنهم ليس لهم انتفاع بآيات الله لعدم وعيهم عن الله، وفكرهم بآيات الله
فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفۡخَةٞ وَٰحِدَةٞ ٣١
نسخ
مشاركة
التفسير
فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفۡخَةٞ وَٰحِدَةٞ ٣١
يقول تعالى مخبرا عن أهوال يوم القيامة ، وأول ذلك نفخة الفزع ، ثم يعقبها نفخة الصعق حين يصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، ثم بعدها نفخة القيام لرب العالمين ، والبعث والنشور ، وهي هذه النفخة . وقد أكدها هاهنا بأنها واحدة ، لأن أمر الله لا يخالف ولا يمانع ، ولا يحتاج إلى تكرار وتأكيد .
وقال الربيع : هي النفخة الأخيرة . والظاهر ما قلناه ; ولهذا قال هاهنا :
فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفۡخَةٞ وَٰحِدَةٞ ٣١
قوله تعالى : فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة
قال ابن عباس : هي النفخة الأولى لقيام الساعة ، فلم يبق أحد إلا مات . وجاز تذكير " نفخ " لأن تأنيث النفخة غير حقيقي . وقيل : إن هذه النفخة هي الأخيرة . وقال : " نفخة واحدة " أي لا تثنى . قال الأخفش : ووقع الفعل على النفخة إذ لم يكن قبلها اسم مرفوع فقيل : نفخة . ويجوز " نفخة " نصبا على المصدر . وبها قرأ أبو السمال . أو يقال : اقتصر على الإخبار عن الفعل كما تقول : ضرب ضربا . وقال الزجاج : " في الصور " يقوم مقام ما لم يسم فاعله .
فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفۡخَةٞ وَٰحِدَةٞ ٣١
لما ذكر ما فعله تعالى بالمكذبين لرسله وكيف جازاهم وعجل لهم العقوبة في الدنيا وأن الله نجى الرسل وأتباعهم كان هذا مقدمة لذكر الجزاء الأخروي وتوفية الأعمال كاملة يوم القيامة. فذكر الأمور الهائلة التي تقع أمام القيامة وأن أول ذلك أنه ينفخ إسرافيل { فِي الصُّورِ } إذا تكاملت الأجساد نابتة. { نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } فتخرج الأرواح فتدخل كل روح في جسدها فإذا الناس قيام لرب العالمين.
وَحُمِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَٱلۡجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةٗ وَٰحِدَةٗ ٤١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَحُمِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَٱلۡجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةٗ وَٰحِدَةٗ ٤١
( وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ) أي : فمدت مد الأديم العكاظي ، وتبدلت الأرض غير الأرض
وَحُمِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَٱلۡجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةٗ وَٰحِدَةٗ ٤١
قوله تعالى : وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة
قوله تعالى : وحملت الأرض والجبال قراءة العامة بتخفيف الميم ; أي رفعت من أماكنها .
" فدكتا " أي فتتا وكسرتا .
" دكة واحدة " لا يجوز في " دكة " إلا النصب لارتفاع الضمير في " دكتا " . وقال الفراء : لم يقل فدككن لأنه جعل الجبال كلها كالجملة الواحدة ، والأرض كالجملة الواحدة . ومثله : أن السموات والأرض كانتا رتقا ولم يقل كن . وهذا الدك كالزلزلة ; كما قال تعالى : إذا زلزلت الأرض زلزالها . وقيل : " دكتا " أي بسطتا بسطة واحدة ; ومنه اندك سنام البعير إذا انفرش في ظهره . وقد مضى في سورة " الأعراف " القول فيه . وقرأ عبد الحميد عن ابن عامر " وحملت الأرض والجبال " بالتشديد على إسناد الفعل إلى المفعول الثاني . كأنه في الأصل وحملت قدرتنا أو ملكا من ملائكتنا الأرض والجبال ; ثم أسند الفعل إلى المفعول الثاني فبني له . ولو جيء بالمفعول الأول لأسند الفعل إليه ; فكأنه قال : وحملت قدرتنا الأرض . وقد يجوز بناؤه للثاني على وجه القلب فيقال : حملت الأرض الملك ; كقولك : ألبس زيد الجبة ، وألبست الجبة زيدا .
وَحُمِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَٱلۡجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةٗ وَٰحِدَةٗ ٤١
{ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } أي: فتتت الجبال واضمحلت وخلطت بالأرض ونسفت على الأرض فكان الجميع قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا. هذا ما يصنع بالأرض وما عليها.
فَيَوۡمَئِذٖ وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ ٥١
نسخ
مشاركة
التفسير
فَيَوۡمَئِذٖ وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ ٥١
( فيومئذ وقعت الواقعة ) أي : قامت القيامة .
فَيَوۡمَئِذٖ وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ ٥١
أي قامت القيامة .
فَيَوۡمَئِذٖ وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ ٥١
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ
وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوۡمَئِذٖ وَاهِيَةٞ ٦١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوۡمَئِذٖ وَاهِيَةٞ ٦١
( وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ) قال سماك عن شيخ من بني أسد ، عن علي قال : تنشق السماء من المجرة . رواه ابن أبي حاتم .
وقال ابن جريج : هي كقوله : ( وفتحت السماء فكانت أبوابا ) [ النبأ : 19 ] .
وقال ابن عباس : منخرقة ، والعرش بحذائها .
وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوۡمَئِذٖ وَاهِيَةٞ ٦١
وانشقت السماء أي انصدعت وتفطرت . وقيل : تنشق لنزول ما فيها من الملائكة ; دليله قوله تعالى : ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا وقد تقدم .
فهي يومئذ واهية أي ضعيفة . يقال : وهى البناء يهي وهيا فهو واه إذا ضعف جدا . ويقال : كلام واه ; أي ضعيف . فقيل : إنها تصير بعد صلابتها بمنزلة الصوف في الوهي ويكون ذلك لنزول الملائكة كما ذكرنا . وقيل : لهول يوم القيامة . وقيل : واهية أي متخرقة ; قاله ابن شجرة . مأخوذ من قولهم : وهي السقاء إذا تخرق . ومن أمثالهم :
خل سبيل من وهى سقاؤه ومن هريق بالفلاة ماؤه
أي من كان ضعيف العقل لا يحفظ نفسه .
وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوۡمَئِذٖ وَاهِيَةٞ ٦١
وأما ما يصنع بالسماء، فإنها تضطرب وتمور وتتشقق ويتغير لونها، وتهي بعد تلك الصلابة والقوة العظيمة، وما ذاك إلا لأمر عظيم أزعجها، وكرب جسيم هائل أوهاها وأضعفها.
وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ ٧١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ ٧١
( والملك على أرجائها ) الملك : اسم جنس ، أي : الملائكة على أرجاء السماء .
قال ابن عباس : على ما لم يه منها ، أي : حافتها . وكذا قال سعيد بن جبير ، والأوزاعي . وقال الضحاك : أطرافها . وقال الحسن البصري : أبوابها . وقال الربيع بن أنس في قوله : ( والملك على أرجائها ) يقول : على ما استدق من السماء ، ينظرون إلى أهل الأرض .
وقوله : ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) أي : يوم القيامة يحمل العرش ثمانية من الملائكة . ويحتمل أن يكون المراد بهذا العرش العرش العظيم ، أو : العرش الذي يوضع في الأرض يوم القيامة لفصل القضاء ، والله أعلم بالصواب . وفي حديث عبد الله بن عميرة ، عن الأحنف بن قيس ، عن العباس بن عبد المطلب في ذكر حملة العرش أنهم ثمانية أوعال .
وقال ابن أبى حاتم : حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثني أبو السمح البصري ، حدثنا أبو قبيل حيي بن هانئ : أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول : حملة العرش ثمانية ، ما بين موق أحدهم إلى مؤخر عينه مسيرة مائة عام .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي قال : كتب إلي أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري : حدثني أبي ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن موسى بن عقبة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أذن لي أن أحدثكم عن ملك من حملة العرش : بعد ما بين شحمة أذنه وعنقه بخفق الطير سبعمائة عام " .
وهذا إسناد جيد ، رجاله ثقات . وقد رواه أبو داود في كتاب " السنة " من سننه : حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله ، حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن موسى بن عقبة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش : أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسير سبعمائة عام " . هذا لفظ أبي داود .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن المغيرة ، حدثنا جرير ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) قال : ثمانية صفوف من الملائكة . قال : وروي عن الشعبي [ وعكرمة ] والضحاك . وابن جريج مثل ذلك . وكذا روى السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس : ثمانية صفوف . وكذا روى العوفي عنه .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : الكروبيون ثمانية أجزاء ، كل جنس منهم بقدر الإنس والجن والشياطين والملائكة .
وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ ٧١
" والملك " يعني الملائكة ; اسم للجنس .
" على أرجائها " أي على أطرافها حين تنشق ; لأن السماء مكانهم ; عن ابن عباس . الماوردي : ولعله قول مجاهد وقتادة . وحكاه الثعلبي عن الضحاك ، قال : على أطرافها مما لم ينشق منها . يريد أن السماء مكان الملائكة فإذا انشقت صاروا في أطرافها . وقال سعيد بن جبير : المعنى والملك على حافات الدنيا ; أي ينزلون إلى الأرض ويحرسون أطرافها . وقيل : إذا صارت السماء قطعا تقف الملائكة على تلك القطع التي ليست متشققة في أنفسها . وقيل : إن الناس إذا رأوا جهنم هالتهم ; فيندوا كما تند الإبل ، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا رأوا ملائكة فيرجعون من حيث جاءوا . وقيل : " على أرجائها " ينتظرون ما يؤمرون به في أهل النار من السوق إليها ، وفي أهل الجنة من التحية والكرامة . وهذا كله راجع إلى معنى قول ابن جبير . ويدل عليه : ونزل الملائكة تنزيلا وقوله تعالى : يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض على ما بيناه هناك . والأرجاء النواحي والأقطار بلغة هذيل ، واحدها رجا مقصور ، وتثنيته رجوان ; مثل عصا وعصوان . قال الشاعر :
فلا يرمى بي الرجوان أني أقل القوم من يغني مكاني
ويقال ذلك لحرف البئر والقبر .
قوله تعالى : ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية قال ابن عباس : ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله . وقال ابن زيد : هم ثمانية أملاك . وعن الحسن : الله أعلم كم هم ، ثمانية أم ثمانية آلاف . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " أن حملة العرش اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله تعالى بأربعة آخرين فكانوا ثمانية " . ذكره الثعلبي . وخرجه الماوردي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يحمله اليوم أربعة وهم يوم القيامة ثمانية " . وقال العباس بن عبد الملك : هم ثمانية أملاك على صورة الأوعال . ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم . وفي الحديث : " إن لكل ملك منهم أربعة أوجه : وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر ، وكل وجه منها يسأل الله الرزق لذلك الجنس " . ولما أنشد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قول أمية بن أبي الصلت : رجل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأخرى وليث مرصد
والشمس تطلع كل آخر ليلة حمراء يصبح لونها يتورد
ليست بطالعة لهم في رسلها إلا معذبة وإلا تجلد
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " صدق " . وفي الخبر : " أن فوق السماء السابعة ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء ، وفوق ظهورهن العرش " . ذكره القشيري وخرجه الترمذي من حديث العباس بن عبد المطلب . وقد مضى في سورة " البقرة " بكماله . وذكر نحوه الثعلبي ولفظه . وفي حديث مرفوع : أن حملة العرش ثمانية أملاك على صورة الأوعال ما بين أظلافها إلى ركبها مسيرة سبعين عاما للطائر المسرع . وفي تفسير الكلبي : ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة . وعنه : ثمانية أجزاء من عشرة أجزاء من الملائكة . ثم ذكر عدة الملائكة بما يطول ذكره . حكى الأول عنه الثعلبي والثاني القشيري . وقال الماوردي عن ابن عباس : ثمانية أجزاء من تسعة وهم الكروبيون . والمعنى ينزل بالعرش . ثم إضافة العرش إلى الله تعالى كإضافة البيت ، وليس البيت للسكنى ، فكذلك العرش . ومعنى : فوقهم أي فوق رءوسهم . قال السدي : العرش تحمله الملائكة الحملة فوقهم ولا يحمل حملة العرش إلا الله . وقيل : " فوقهم " أي إن حملة العرش فوق الملائكة الذين في السماء على أرجائها . وقيل : " فوقهم " أي فوق أهل القيامة .
وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ ٧١
{ وَالْمَلَكُ } أي: الملائكة الكرام { عَلَى أَرْجَائِهَا } أي: على جوانب السماء وأركانها، خاضعين لربهم، مستكينين لعظمته. { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } أملاك في غاية القوة إذا أتى للفصل بين العباد والقضاء بينهم بعدله وقسطه وفضله.
يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ ٨١
نسخ
مشاركة
التفسير
يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ ٨١
وقوله : أي تعرضون على عالم السر والنجوى الذي لا يخفى عليه شيء من أموركم ، بل هو عالم بالظواهر والسرائر والضمائر ; ولهذا قال : ( لا تخفى منكم خافية )
وقد قال ابن أبي الدنيا : أخبرنا إسحاق بن إسماعيل ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن برقان ، عن ثابت بن الحجاج قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، فإنه أخف عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر : ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ) .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا علي بن علي بن رفاعة ، عن الحسن ، عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي ، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله " .
ورواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع به ، وقد رواه الترمذي ، عن أبي كريب ، عن وكيع ، عن علي بن علي ، عن الحسن ، عن أبي هريرة به .
وقد روى ابن جرير ، عن مجاهد بن موسى ، عن يزيد ، عن سليمان بن حيان ، عن مروان الأصغر ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات : عرضتان ، معاذير وخصومات ، والعرضة الثالثة تطير الصحف في الأيدي . ورواه سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة مرسلا مثله .
يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ ٨١
قوله تعالى : يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية
قوله تعالى : " يومئذ تعرضون " أي على الله ; دليله : وعرضوا على ربك صفا وليس ذلك عرضا يعلم به ما لم يكن عالما به ، بل معناه الحساب وتقرير الأعمال عليهم للمجازاة . وروى الحسن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله " . خرجه الترمذي قال : ولا يصح من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة .
لا تخفى منكم خافية أي هو عالم بكل شيء من أعمالكم . فخافية على هذا بمعنى خفية ، كانوا يخفونها من أعمالهم ; قاله ابن شجرة . وقيل : لا يخفى عليه إنسان ; أي لا يبقى إنسان لا يحاسب . وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : لا يخفى المؤمن من الكافر ولا البر من الفاجر . وقيل : لا تستتر منكم عورة ; كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يحشر الناس حفاة عراة " . وقرأ الكوفيون إلا عاصما : " لا يخفى " بالياء ; لأن تأنيث الخافية غير حقيقي ; نحو قوله تعالى : وأخذ الذين ظلموا الصيحة واختاره أبو عبيد ; لأنه قد حال بين الفعل وبين الاسم المؤنث الجار والمجرور . الباقون بالتاء . واختاره أبو حاتم لتأنيث الخافية .
يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ ٨١
{ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ } على الله { لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } لا من أجسامكم وأجسادكم ولا من أعمالكم [وصفاتكم]، فإن الله تعالى عالم الغيب والشهادة. ويحشر العباد حفاة عراة غرلا، في أرض مستوية، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، فحينئذ يجازيهم بما عملوا، ولهذا ذكر كيفية الجزاء، فقال:
فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ ٩١
نسخ
مشاركة
التفسير
فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ ٩١
يخبر تعالى عن سعادة من أوتي كتابه يوم القيامة بيمينه ، وفرحه بذلك ، وأنه من شدة فرحه يقول لكل من لقيه : ( هاؤم اقرءوا كتابيه ) أي : خذوا اقرؤوا كتابيه ; لأنه يعلم أن الذي فيه خير وحسنات محضة ; لأنه ممن بدل الله سيئاته حسنات .
قال عبد الرحمن بن زيد : معنى : ( هاؤم اقرءوا كتابيه ) أي : ها اقرؤوا كتابيه ، و " ؤم " زائدة . كذا قال ، والظاهر أنها بمعنى : هاكم .
وقد قال ابن أبى حاتم حدثنا : بشر بن مطر الواسطي ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عاصم الأحول عن أبي عثمان قال : المؤمن يعطى كتابه [ بيمينه ] في ستر من الله ، فيقرأ سيئاته ، فكلما قرأ سيئة تغير لونه حتى يمر بحسناته فيقرؤها ، فيرجع إليه لونه . ثم ينظر فإذا سيئاته قد بدلت حسنات ، قال : فعند ذلك يقول : ( هاؤم اقرءوا كتابيه )
وحدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن الوليد بن سلمة ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا موسى بن عبيدة ، أخبرني عبد الله بن عبد الله بن حنظلة - غسيل الملائكة - قال : إن الله يقف عبده يوم القيامة فيبدي سيئاته في ظهر صحيفته ، فيقول له : أنت عملت هذا ؟ فيقول : نعم أي رب ، فيقول له : إني لم أفضحك به ، وإني قد غفرت لك ، فيقول عند ذلك : ( هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه ) حين نجا من فضحه يوم القيامة .
وقد تقدم في الصحيح حديث ابن عمر حين سئل عن النجوى ، فقال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " يدني الله العبد يوم القيامة ، فيقرره بذنوبه كلها ، حتى إذا رأى أنه قد هلك قال الله : إني سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم . ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه ، وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد : ( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ) [ هود : 18 ] .
فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ ٩١
قوله تعالى : فأما من أوتي كتابه بيمينه إعطاء الكتاب باليمين دليل على النجاة . وقال ابن عباس : أول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب ، وله شعاع كشعاع الشمس . قيل له : فأين أبو بكر ؟ فقال : هيهات هيهات ! زفته الملائكة إلى الجنة . ذكره الثعلبي . وقد ذكرناه مرفوعا من حديث زيد بن ثابت بلفظه ومعناه في كتاب " التذكرة " . والحمد لله .
فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه أي يقول ذلك ثقة بالإسلام وسرورا بنجاته ; لأن اليمين عند العرب من دلائل الفرح ، والشمال من دلائل الغم . قال الشاعر :
أبيني أفي يمنى يديك جعلتني فأفرح أم صيرتني في شمالك
ومعنى : هاؤم تعالوا ; قاله ابن زيد . وقال مقاتل : هلم . وقيل : أي خذوا ; ومنه : الخبر في الربا " إلا هاء وهاء " أي يقول كل واحد لصاحبه : خذ . قال ابن السكيت والكسائي : العرب تقول : هاء يا رجل اقرأ ، وللاثنين هاؤما يا رجلان ، وهاؤم يا رجال ، وللمرة هاء ( بكسر الهمزة ) وهاؤما وهاؤمن . والأصل هاكم فأبدلت الهمزة من الكاف ; قال القتيبي . وقيل : إن " هاؤم " كلمة وضعت لإجابة الداعي عند النشاط والفرح . روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداه أعرابي بصوت عال فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم " هاؤم " يطول صوته .
وكتابيه منصوب ب " هاؤم " عند الكوفيين . وعند البصريين ب " اقرءوا " لأنه أقرب العاملين . والأصل " كتابي " فأدخلت الهاء لتبين فتحة الياء ، وكان الهاء للوقف ، وكذلك في أخواته : حسابيه ، و ماليه ، و سلطانيه وفي القارعة ماهيه . وقراءة العامة بالهاء فيهن في الوقف والوصل معا ; لأنهن وقعن في المصحف بالهاء فلا تترك . واختار أبو عبيد أن يتعمد الوقف عليها ليوافق اللغة في إلحاق الهاء في السكت ويوافق الخط . وقرأ ابن محيصن ومجاهد وحميد ويعقوب بحذف الهاء في الوصل وإثباتها في الوقف فيهن جمع . ووافقهم حمزة في ماليه وسلطانيه ، و ماهيه في القارعة . وجملة هذه الحروف سبعة . واختار أبو حاتم قراءة يعقوب ومن معه اتباعا للغة . ومن قرأهن في الوصل بالهاء فهو على نية الوقف .
فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ ٩١
وهؤلاء هم أهل السعادة يعطون كتبهم التي فيها أعمالهم الصالحة بأيمانهم تمييزا لهم وتنويها بشأنهم ورفعا لمقدارهم، ويقول أحدهم عند ذلك من الفرح والسرور ومحبة أن يطلع الخلق على ما من الله عليه به من الكرامة: { هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ } أي: دونكم كتابي فاقرأوه فإنه يبشر بالجنات، وأنواع الكرامات، ومغفرة الذنوب، وستر العيوب.
إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ ٠٢
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ ٠٢
وقوله : ( إني ظننت أني ملاق حسابيه ) أي : قد كنت موقنا في الدنيا أن هذا اليوم كائن لا محالة ، كما قال : ( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) [ البقرة : 46 ] .
إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ ٠٢
إني ظننت أي أيقنت وعلمت ، عن ابن عباس وغيره . وقيل : أي إني ظننت إن يؤاخذني الله بسيئاتي عذبني فقد تفضل علي بعفوه ولم يؤاخذني بها . قال الضحاك : كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين . ومن الكافر فهو شك . وقال مجاهد : ظن الآخرة يقين ، وظن الدنيا شك . وقال الحسن في هذه الآية : إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل وإن المنافق أساء الظن بربه فأساء العمل .
أني ملاق حسابيه أي في الآخرة ولم أنكر البعث ; يعني أنه ما نجا إلا بخوفه من يوم الحساب ، لأنه تيقن أن الله يحاسبه فعمل للآخرة .
إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ ٠٢
والذي أوصلني إلى هذه الحال، ما من الله به علي من الإيمان بالبعث والحساب، والاستعداد له بالممكن من العمل، ولهذا قال: { إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ } أي: أيقنت فالظن -هنا- [بمعنى] اليقين.
فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ ١٢
نسخ
مشاركة
التفسير
فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ ١٢
قال الله : ( فهو في عيشة راضية ) أي : مرضية ،
فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ ١٢
فهو في عيشة راضية أي في عيش يرضاه لا مكروه فيه . وقال أبو عبيدة والفراء : راضية أي مرضية ; كقولك : ماء دافق ; أي مدفوق . وقيل : ذات رضا ; أي يرضى بها صاحبها . مثل لابن وتامر ; أي صاحب اللبن والتمر . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنهم يعيشون فلا يموتون أبدا ويصحون فلا يمرضون أبدا ، وينعمون فلا يرون بؤسا أبدا ، ويشبون فلا يهرمون أبدا .
فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ ١٢
{ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ } أي: جامعة لما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وقد رضوها ولم يختاروا عليها غيرها.
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٖ ٢٢
نسخ
مشاركة
التفسير
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٖ ٢٢
( في جنة عالية ) أي : رفيعة قصورها ، حسان حورها ، نعيمة دورها ، دائم حبورها .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو عتبة الحسن بن علي بن مسلم السكوني ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن سعيد بن يوسف ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلام الأسود قال : سمعت أبا أمامة قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل يتزاور أهل الجنة ؟ قال : " نعم ، إنه ليهبط أهل الدرجة العليا إلى أهل الدرجة السفلى ، فيحيونهم ويسلمون عليهم ، ولا يستطيع أهل الدرجة السفلى يصعدون إلى الأعلين ، تقصر بهم أعمالهم "
وقد ثبت في الصحيح : " إن الجنة مائة درجة ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض " .
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٖ ٢٢
أي عظيمة في النفوس .
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٖ ٢٢
{ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } المنازل والقصور عالية المحل.
قُطُوفُهَا دَانِيَةٞ ٣٢
نسخ
مشاركة
التفسير
قُطُوفُهَا دَانِيَةٞ ٣٢
وقوله : ( قطوفها دانية ) قال البراء بن عازب : أي قريبة ، يتناولها أحدهم ، وهو نائم على سريره . وكذا قال غير واحد .
قال الطبراني : [ حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ] عن عبد الرزاق ، عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن عطاء بن يسار ، عن سلمان الفارسي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل أحد الجنة إلا بجواز : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) هذا كتاب من الله لفلان بن فلان ، أدخلوه جنة عالية ، قطوفها دانية " .
وكذا رواه الضياء في صفة الجنة من طريق سعدان بن سعيد ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يعطى المؤمن جوازا على الصراط : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لفلان ، أدخلوه جنة عالية ، قطوفها دانية " .
قُطُوفُهَا دَانِيَةٞ ٣٢
أي قريبة التناول , يتناولها القائم والقاعد والمضطجع على ما يأتي بيانه في سورة " الإنسان " .
والقطوف جمع قطف ( بكسر القاف ) وهو ما يقطف من الثمار .
والقطف ( بالفتح ) المصدر .
والقطاف ( بالفتح والكسر ) وقت القطف .
قُطُوفُهَا دَانِيَةٞ ٣٢
{ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } أي: ثمرها وجناها من أنواع الفواكه قريبة، سهلة التناول على أهلها، ينالها أهلها قياما وقعودا ومتكئين.
كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيَٓٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ ٤٢
نسخ
مشاركة
التفسير
كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيَٓٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ ٤٢
وقوله : ( كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) أي : يقال لهم ذلك ; تفضلا عليهم ، وامتنانا وإنعاما وإحسانا . وإلا فقد ثبت في الصحيح ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اعملوا وسددوا وقاربوا واعلموا أن أحدا منكم لن يدخله عمله الجنة " . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل " .
كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيَٓٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ ٤٢
" كلوا واشربوا " أي يقال لهم ذلك .
" هنيئا " لا تكدير فيه ولا تنغيص .
" بما أسلفتم " قدمتم من الأعمال الصالحة .
" في الأيام الخالية " أي في الدنيا . وقال : كلوا بعد قوله : فهو في عيشة راضية لقوله : " فأما من أوتي " و " من " يتضمن معنى الجمع . وذكر الضحاك أن هذه الآية نزلت في أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ; وقاله مقاتل . والآية التي تليها في أخيه الأسود بن عبد الأسد ; في قول ابن عباس والضحاك أيضا ; قاله الثعلبي . ويكون هذا الرجل وأخوه سبب نزول هذه الآيات . ويعم المعنى جميع أهل الشقاوة وأهل السعادة ; يدل عليه قوله تعالى : " كلوا واشربوا " . وقد قيل : إن المراد بذلك كل من كان متبوعا في الخير والشر . فإذا كان الرجل رأسا في الخير ، يدعو إليه ويأمر به ويكثر تبعه عليه ، دعي باسمه واسم أبيه ، فيتقدم حتى إذا دنا أخرج له كتاب أبيض بخط أبيض ، في باطنه السيئات وفي ظاهره الحسنات فيبدأ بالسيئات فيقرأها فيشفق ويصفر وجهه ويتغير لونه ، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه " هذه سيئاتك وقد غفرت لك " فيفرح عند ذلك فرحا شديدا ، ثم يقلب كتابه فيقرأ حسناته فلا يزداد إلا فرحا ; حتى إذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه " هذه حسناتك قد ضوعفت لك " فيبيض وجهه ويؤتى بتاج فيوضع على رأسه ، ويكسى حلتين ، ويحلى كل مفصل منه ويطول ستين ذراعا وهي قامة آدم عليه السلام ; ويقال له : انطلق إلى أصحابك فأخبرهم وبشرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا . فإذا أدبر قال : هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه . قال الله تعالى : فهو في عيشة راضية أي مرضية قد رضيها في جنة عالية في السماء قطوفها ثمارها وعناقيدها دانية أدنيت منهم . فيقول لأصحابه : هل تعرفوني ؟ فيقولون : قد غمرتك كرامة ، من أنت ؟ فيقول : أنا فلان بن فلان أبشر كل رجل منكم بمثل هذا . كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية أي قدمتم في أيام الدنيا .
كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيَٓٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ ٤٢
ويقال لهم إكراما: { كُلُوا وَاشْرَبُوا } أي: من كل طعام لذيذ، وشراب شهي، { هَنِيئًا } أي: تاما كاملا من غير مكدر ولا منغص. وذلك الجزاء حصل لكم { بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ } من الأعمال الصالحة -وترك الأعمال السيئة- من صلاة وصيام وصدقة وحج وإحسان إلى الخلق، وذكر لله وإنابة إليه. فالأعمال جعلها الله سببا لدخول الجنة ومادة لنعيمها وأصلا لسعادتها.
وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِشِمَالِهِۦ فَيَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُوتَ كِتَٰبِيَهۡ ٥٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِشِمَالِهِۦ فَيَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُوتَ كِتَٰبِيَهۡ ٥٢
وهذا إخبار عن حال الأشقياء إذا أعطي أحدهم كتابه في العرصات بشماله ، فحينئذ يندم غاية الندم ، فيقول : ( فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية )
قال الضحاك : يعني موتة لا حياة بعدها . وكذا قال محمد بن كعب والربيع والسدي .
وقال قتادة : تمنى الموت ، ولم يكن شيء في الدنيا أكره إليه منه .
وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِشِمَالِهِۦ فَيَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُوتَ كِتَٰبِيَهۡ ٥٢
وإذا كان الرجل رأسا في الشر ، يدعو إليه ويأمر به فيكثر تبعه عليه ، نودي باسمه واسم أبيه فيتقدم إلى حسابه ، فيخرج له كتاب أسود بخط أسود في باطنه الحسنات وفي ظاهره السيئات ، فيبدأ بالحسنات فيقرأها ويظن أنه سينجو ، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه " هذه حسناتك وقد ردت عليك " فيسود وجهه ويعلوه الحزن ويقنط من الخير ، ثم يقلب كتابه فيقرأ سيئاته فلا يزداد إلا حزنا ، ولا يزداد وجهه إلا سوادا ، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه " هذه سيئاتك وقد ضوعفت عليك " أي يضاعف عليه العذاب . ليس المعنى أنه يزاد عليه ما لم يعمل - قال - فيعظم للنار وتزرق عيناه ويسود وجهه ، ويكسى سرابيل القطران ويقال له : انطلق إلى أصحابك وأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا ; فينطلق وهو يقول : يا ليتني لم أوت كتابيه
وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِشِمَالِهِۦ فَيَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُوتَ كِتَٰبِيَهۡ ٥٢
هؤلاء أهل الشقاء يعطون كتب أعمالهم السيئة بشمالهم تمييزا لهم وخزيا وعارا وفضيحة، فيقول أحدهم من الهم والغم والخزي { يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ } لأنه يبشر بدخول النار والخسارة الأبدية.
وَلَمۡ أَدۡرِ مَا حِسَابِيَهۡ ٦٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَمۡ أَدۡرِ مَا حِسَابِيَهۡ ٦٢
وهذا إخبار عن حال الأشقياء إذا أعطي أحدهم كتابه في العرصات بشماله ، فحينئذ يندم غاية الندم ، فيقول : ( فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية )
قال الضحاك : يعني موتة لا حياة بعدها . وكذا قال محمد بن كعب والربيع والسدي .
وقال قتادة : تمنى الموت ، ولم يكن شيء في الدنيا أكره إليه منه .
وَلَمۡ أَدۡرِ مَا حِسَابِيَهۡ ٦٢
وإذا كان الرجل رأسا في الشر , يدعو إليه ويأمر به فيكثر تبعه عليه , نودي باسمه واسم أبيه فيتقدم إلى حسابه , فيخرج له كتاب أسود بخط أسود في باطنه الحسنات وفي ظاهره السيئات , فيبدأ بالحسنات فيقرأها ويظن أنه سينجو , فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه " هذه حسناتك وقد ردت عليك " فيسود وجهه ويعلوه الحزن ويقنط من الخير , ثم يقلب كتابه فيقرأ سيئاته فلا يزداد إلا حزنا , ولا يزداد وجهه إلا سوادا , فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه " هذه سيئاتك وقد ضوعفت عليك " أي يضاعف عليه العذاب .
ليس المعنى أنه يزاد عليه ما لم يعمل - قال - فيعظم للنار وتزرق عيناه ويسود وجهه , ويكسى سرابيل القطران ويقال له : انطلق إلى أصحابك وأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا ; ينطلق وهو يقول : " يا ليتني لم أوت كتابيه " .
وَلَمۡ أَدۡرِ مَا حِسَابِيَهۡ ٦٢
{ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } أي: ليتني كنت نسيا منسيا ولم أبعث وأحاسب ولهذا قال:
يَٰلَيۡتَهَا كَانَتِ ٱلۡقَاضِيَةَ ٧٢
نسخ
مشاركة
التفسير
يَٰلَيۡتَهَا كَانَتِ ٱلۡقَاضِيَةَ ٧٢
وهذا إخبار عن حال الأشقياء إذا أعطي أحدهم كتابه في العرصات بشماله ، فحينئذ يندم غاية الندم ، فيقول : ( فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية )
قال الضحاك : يعني موتة لا حياة بعدها . وكذا قال محمد بن كعب والربيع والسدي .
وقال قتادة : تمنى الموت ، ولم يكن شيء في الدنيا أكره إليه منه .
يَٰلَيۡتَهَا كَانَتِ ٱلۡقَاضِيَةَ ٧٢
يتمنى الموت .
يَٰلَيۡتَهَا كَانَتِ ٱلۡقَاضِيَةَ ٧٢
{ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ } أي:: يا ليت موتتي هي الموتة التي لا بعث بعدها.
مَآ أَغۡنَىٰ عَنِّي مَالِيَهۡۜ ٨٢
نسخ
مشاركة
التفسير
مَآ أَغۡنَىٰ عَنِّي مَالِيَهۡۜ ٨٢
( ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه ) أي : لم يدفع عني مالي ولا جاهي عذاب الله وبأسه ، بل خلص الأمر إلي وحدي ، فلا معين لي ولا مجير
مَآ أَغۡنَىٰ عَنِّي مَالِيَهۡۜ ٨٢
يعني سلطانيه في الدنيا الذي هو الملك
مَآ أَغۡنَىٰ عَنِّي مَالِيَهۡۜ ٨٢
ثم التفت إلى ماله وسلطانه، فإذا هو وبال عليه لم يقدم منه لآخرته، ولم ينفعه في الافتداء من عذاب الله فيقول: { مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ } أي: ما نفعني لا في الدنيا، لم أقدم منه شيئا، ولا في الآخرة، قد ذهب وقت نفعه.
هَلَكَ عَنِّي سُلۡطَٰنِيَهۡ ٩٢
نسخ
مشاركة
التفسير
هَلَكَ عَنِّي سُلۡطَٰنِيَهۡ ٩٢
( ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه ) أي : لم يدفع عني مالي ولا جاهي عذاب الله وبأسه ، بل خلص الأمر إلي وحدي ، فلا معين لي ولا مجير
هَلَكَ عَنِّي سُلۡطَٰنِيَهۡ ٩٢
هلك عني سلطانيه تفسير ابن عباس : هلكت عني حجتي . وهو قول مجاهد وعكرمة والسدي والضحاك . وقال ابن زيد : يعني سلطانيه في الدنيا الذي هو الملك . وكان هذا الرجل مطاعا في أصحابه ;
هَلَكَ عَنِّي سُلۡطَٰنِيَهۡ ٩٢
{ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } أي: ذهب واضمحل فلم تنفع الجنود الكثيرة، ولا العدد الخطيرة، ولا الجاه العريض، بل ذهب ذلك كله أدراج الرياح، وفاتت بسببه المتاجر والأرباح، وحضر بدله الهموم والغموم والأتراح.
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ٠٣
نسخ
مشاركة
التفسير
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ٠٣
فعندها يقول الله ، عز وجل : ( خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ) أي : يأمر الزبانية أن تأخذه عنفا من المحشر ، فتغله ، أي : تضع الأغلال في عنقه ، ثم تورده إلى جهنم فتصليه إياها ، أي : تغمره فيها .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد ، عن عمرو بن قيس عن المنهال بن عمرو قال : إذا قال الله عز وجل ) خذوه ) ابتدره سبعون ألف ملك ، إن الملك منهم ليقول هكذا ، فيلقي سبعين ألفا في النار .
وروى ابن أبي الدنيا في " الأهوال " : أنه يبتدره أربعمائة ألف ، ولا يبقى شيء إلا دقه ، فيقول : ما لي ولك ؟ فيقول : إن الرب عليك غضبان ، فكل شيء غضبان عليك .
وقال الفضيل - هو ابن عياض - : إذا قال الرب عز وجل : ( خذوه فغلوه ) ابتدره سبعون ألف ملك ، أيهم يجعل الغل في عنقه .
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ٠٣
قيل : يبتدره مائة ألف ملك ثم تجمع يده إلى عنقه وهو قوله عز وجل : " فغلوه " أي شدوه بالأغلال
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ٠٣
فحينئذ يؤمر بعذابه فيقال للزبانية الغلاظ الشداد: { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ } أي: اجعلوا في عنقه غلا يخنقه.
ثُمَّ ٱلۡجَحِيمَ صَلُّوهُ ١٣
نسخ
مشاركة
التفسير
ثُمَّ ٱلۡجَحِيمَ صَلُّوهُ ١٣
( ثم الجحيم صلوه ) أي : اغمروه فيها .
ثُمَّ ٱلۡجَحِيمَ صَلُّوهُ ١٣
أي اجعلوه يصلى الجحيم
ثُمَّ ٱلۡجَحِيمَ صَلُّوهُ ١٣
{ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ } أي: قلبوه على جمرها ولهبها.
ثُمَّ فِي سِلۡسِلَةٖ ذَرۡعُهَا سَبۡعُونَ ذِرَاعٗا فَٱسۡلُكُوهُ ٢٣
نسخ
مشاركة
التفسير
ثُمَّ فِي سِلۡسِلَةٖ ذَرۡعُهَا سَبۡعُونَ ذِرَاعٗا فَٱسۡلُكُوهُ ٢٣
وقوله : ( ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ) قال كعب الأحبار : كل حلقة منها قدر حديد الدنيا .
وقال العوفي ، عن ابن عباس وابن جرير : بذراع الملك . وقال ابن جريج قال ابن عباس : ( فاسلكوه ) تدخل في استه ثم تخرج من فيه ، ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد في العود حين يشوى .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : يسلك في دبره حتى يخرج من منخريه ، حتى لا يقوم على رجليه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا سعيد بن يزيد ، عن أبي السمح ، عن عيسى بن هلال الصدفي ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو أن رصاصة مثل هذه - وأشار إلى [ مثل ] جمجمة - أرسلت من السماء إلى الأرض ، وهي مسيرة خمسمائة سنة ، لبلغت الأرض قبل الليل ، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة ، لسارت أربعين خريفا الليل والنهار ، قبل أن تبلغ قعرها أو أصلها " .
وأخرجه الترمذي ، عن سويد بن نصر ، عن عبد الله بن المبارك به قال : هذا حديث حسن .
ثُمَّ فِي سِلۡسِلَةٖ ذَرۡعُهَا سَبۡعُونَ ذِرَاعٗا فَٱسۡلُكُوهُ ٢٣
ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا الله أعلم بأي ذراع ، قاله الحسن . وقال ابن عباس : سبعون ذراعا بذراع الملك . وقال نوف : كل ذراع سبعون باعا ، وكل باع أبعد ما بينك وبين مكة . وكان في رحبة الكوفة . وقال مقاتل : لو أن حلقة منها وضعت على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص . وقال كعب : إن حلقة من السلسلة التي قال الله تعالى : ذرعها سبعون ذراعا - أن حلقة منها - مثل جميع حديد الدنيا .
فاسلكوه قال سفيان : بلغنا أنها تدخل في دبره حتى تخرج من فيه . وقاله مقاتل . والمعنى ثم اسلكوا فيه سلسلة . وقيل : تدخل عنقه فيها ثم يجر بها . وجاء في الخبر أنها تدخل من دبره وتخرج من منخريه . وفي خبر آخر : تدخل من فيه وتخرج من دبره ، فينادي أصحابه : هل تعرفوني ؟ فيقولون : لا ، ولكن قد نرى ما بك من الخزي فمن أنت ؟ فينادي أصحابه : أنا فلان بن فلان ، لكل إنسان منكم مثل هذا .
قلت : وهذا التفسير أصح ما قيل في هذه الآية ، يدل عليه قوله تعالى : يوم ندعو كل أناس بإمامهم . وفي الباب حديث أبي هريرة بمعناه خرجه الترمذي . وقد ذكرناه في سورة " سبحان " فتأمله هناك .
ثُمَّ فِي سِلۡسِلَةٖ ذَرۡعُهَا سَبۡعُونَ ذِرَاعٗا فَٱسۡلُكُوهُ ٢٣
{ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا } من سلاسل الجحيم في غاية الحرارة { فَاسْلُكُوهُ } أي: انظموه فيها بأن تدخل في دبره وتخرج من فمه، ويعلق فيها، فلا يزال يعذب هذا العذاب الفظيع، فبئس العذاب والعقاب، وواحسرة من له التوبيخ والعتاب.
إِنَّهُۥ كَانَ لَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ ٱلۡعَظِيمِ ٣٣
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنَّهُۥ كَانَ لَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ ٱلۡعَظِيمِ ٣٣
وقوله : ( إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين ) أي : لا يقوم بحق الله عليه من طاعته وعبادته ، ولا ينفع خلقه ويؤدي حقهم ; فإن لله على العباد أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئا ، وللعباد بعضهم على بعض حق الإحسان والمعاونة على البر والتقوى ; ولهذا أمر الله بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " الصلاة ، وما ملكت أيمانكم " .
إِنَّهُۥ كَانَ لَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ ٱلۡعَظِيمِ ٣٣
إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين أي على الإطعام ، كما يوضع العطاء موضع الإعطاء . قال الشاعر القطامي :
أكفرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك المائة الرتاعا
أراد بعد إعطائك . فبين أنه عذب على ترك الإطعام وعلى الأمر بالبخل ، كما عذب بسبب الكفر . والحض : التحريض والحث . وأصل طعام أن يكون منصوبا بالمصدر المقدر . والطعام عبارة عن العين ، وأضيف للمسكين للملابسة التي بينهما . ومن أعمل الطعام كما يعمل الإطعام فموضع المسكين نصب . والتقدير على إطعام المطعم المسكين ; فحذف الفاعل وأضيف المصدر إلى المفعول .
إِنَّهُۥ كَانَ لَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ ٱلۡعَظِيمِ ٣٣
فإن السبب الذي أوصله إلى هذا المحل: { إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ } بأن كان كافرا بربه معاندا لرسله رادا ما جاءوا به من الحق.
وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ ٤٣
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ ٤٣
وقوله : ( إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين ) أي : لا يقوم بحق الله عليه من طاعته وعبادته ، ولا ينفع خلقه ويؤدي حقهم ; فإن لله على العباد أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئا ، وللعباد بعضهم على بعض حق الإحسان والمعاونة على البر والتقوى ; ولهذا أمر الله بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " الصلاة ، وما ملكت أيمانكم " .
وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ ٤٣
أي على الإطعام , كما يوضع العطاء موضع الإعطاء .
قال الشاعر : أكفرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك المائة الرتاعا أراد بعد إعطائك .
فبين أنه عذب على ترك الإطعام وعلى الأمر بالبخل , كما عذب بسبب الكفر .
والحض : التحريض والحث .
وأصل " طعام " أن يكون منصوبا بالمصدر المقدر .
والطعام عبارة عن العين , وأضيف للمسكين للملابسة التي بينهما .
ومن أعمل الطعام كما يعمل الإطعام فموضع المسكين نصب .
والتقدير على إطعام المطعم المسكين ; فحذف الفاعل وأضيف المصدر إلى المفعول .
وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ ٤٣
{ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } أي: ليس في قلبه رحمة يرحم بها الفقراء والمساكين فلا يطعمهم [من ماله] ولا يحض غيره على إطعامهم، لعدم الوازع في قلبه، وذلك لأن مدار السعادة ومادتها أمران: الإخلاص لله، الذي أصله الإيمان بالله، والإحسان إلى الخلق بوجوه الإحسان، الذي من أعظمها، دفع ضرورة المحتاجين بإطعامهم ما يتقوتون به، وهؤلاء لا إخلاص ولا إحسان، فلذلك استحقوا ما استحقوا.
فَلَيۡسَ لَهُ ٱلۡيَوۡمَ هَٰهُنَا حَمِيمٞ ٥٣
نسخ
مشاركة
التفسير
فَلَيۡسَ لَهُ ٱلۡيَوۡمَ هَٰهُنَا حَمِيمٞ ٥٣
وقوله : ( فليس له اليوم ها هنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون ) أي : ليس له اليوم من ينقذه من عذاب الله ، لا حميم - وهو القريب - ولا شفيع يطاع ، ولا طعام له ها هنا إلا من غسلين .
قال قتادة : هو شر طعام أهل النار . وقال الربيع والضحاك : هو شجرة في جهنم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا منصور بن مزاحم ، حدثنا أبو سعيد المؤدب ، عن خصيف ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : ما أدري ما الغسلين ، ولكني أظنه الزقوم .
وقال شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الغسلين : الدم والماء يسيل من لحومهم . وقال علي بن أبي طلحة عنه : الغسلين : صديد أهل النار .
فَلَيۡسَ لَهُ ٱلۡيَوۡمَ هَٰهُنَا حَمِيمٞ ٥٣
قوله تعالى : فليس له اليوم هاهنا حميم خبر " ليس " قوله : له ولا يكون الخبر قوله : ها هنا لأن المعنى يصير : ليس ها هنا طعام إلا من غسلين ، ولا يصح ذلك ; لأن ثم طعاما غيره . و ها هنا متعلق بما في له من معنى الفعل . والحميم ها هنا القريب . أي ليس له قريب يرق له ويدفع عنه . وهو مأخوذ من الحميم وهو الماء الحار ; كأنه الصديق الذي يرق ويحترق قلبه له . والغسلين فعلين من الغسل ; فكأنه ينغسل من أبدانهم ، وهو صديد أهل النار السائل من جروحهم وفروجهم ، عن ابن عباس . وقال الضحاك والربيع بن أنس : هو شجر يأكله أهل النار . والغسل ( بالكسر ) : ما يغسل به الرأس من خطمي وغيره . الأخفش : ومنه الغسلين ، وهو ما انغسل من لحوم أهل النار ودمائهم . وزيد فيه الياء والنون كما زيد في عفرين . وقال قتادة : هو شر الطعام وأبشعه . ابن زيد : لا يعلم ما هو ولا الزقوم . وقال في موضع آخر : ليس لهم طعام إلا من ضريع يجوز أن يكون الضريع من الغسلين . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ; والمعنى فليس له اليوم ها هنا حميم إلا من غسلين . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ; والمعنى فليس له اليوم ها هنا حميم إلا من غسلين ; ويكون الماء الحار .
فَلَيۡسَ لَهُ ٱلۡيَوۡمَ هَٰهُنَا حَمِيمٞ ٥٣
{ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا } أي: يوم القيامة { حَمِيمٍ } أي: قريب أو صديق يشفع له لينجو من عذاب الله أو يفوز بثواب الله: { وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } .
وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنۡ غِسۡلِينٖ ٦٣
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنۡ غِسۡلِينٖ ٦٣
وقوله : ( فليس له اليوم ها هنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون ) أي : ليس له اليوم من ينقذه من عذاب الله ، لا حميم - وهو القريب - ولا شفيع يطاع ، ولا طعام له ها هنا إلا من غسلين .
قال قتادة : هو شر طعام أهل النار . وقال الربيع والضحاك : هو شجرة في جهنم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا منصور بن مزاحم ، حدثنا أبو سعيد المؤدب ، عن خصيف ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : ما أدري ما الغسلين ، ولكني أظنه الزقوم .
وقال شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الغسلين : الدم والماء يسيل من لحومهم . وقال علي بن أبي طلحة عنه : الغسلين : صديد أهل النار .
وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنۡ غِسۡلِينٖ ٦٣
" ولا طعام " أي وليس لهم طعام ينتفعون به .
وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنۡ غِسۡلِينٖ ٦٣
وليس له طعام إلا من غسلين وهو صديد أهل النار، الذي هو في غاية الحرارة، ونتن الريح،
لَّا يَأۡكُلُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡخَٰطُِٔونَ ٧٣
نسخ
مشاركة
التفسير
لَّا يَأۡكُلُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡخَٰطُِٔونَ ٧٣s
وقوله : ( فليس له اليوم ها هنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون ) أي : ليس له اليوم من ينقذه من عذاب الله ، لا حميم - وهو القريب - ولا شفيع يطاع ، ولا طعام له ها هنا إلا من غسلين .
قال قتادة : هو شر طعام أهل النار . وقال الربيع والضحاك : هو شجرة في جهنم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا منصور بن مزاحم ، حدثنا أبو سعيد المؤدب ، عن خصيف ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : ما أدري ما الغسلين ، ولكني أظنه الزقوم .
وقال شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الغسلين : الدم والماء يسيل من لحومهم . وقال علي بن أبي طلحة عنه : الغسلين : صديد أهل النار .
لَّا يَأۡكُلُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡخَٰطُِٔونَ ٧٣s
لا يأكله إلا الخاطئون أي المذنبون . وقال ابن عباس : يعني المشركين . وقرئ " الخاطيون " بإبدال الهمزة ياء ، و " الخاطون " بطرحها . وعن ابن عباس : ما الخاطون كلنا نخطو . وروى أبو الأسود الدؤلي : ما الخاطون ؟ إنما هو الخاطئون . ما الصابون إنما هو الصابئون . ويجوز أن يراد الذي يتخطون الحق إلى الباطل ويتعدون حدود الله عز وجل .
لَّا يَأۡكُلُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡخَٰطُِٔونَ ٧٣s
وقبح الطعم ومرارته لا يأكل هذا الطعام الذميم { إِلَّا الْخَاطِئُونَ } الذين أخطأوا الصراط المستقيم وسلكوا سبل الجحيم فلذلك استحقوا العذاب الأليم.
فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَا تُبۡصِرُونَ ٨٣
نسخ
مشاركة
التفسير
فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَا تُبۡصِرُونَ ٨٣
يقول تعالى مقسما لخلقه بما يشاهدونه من آياته في مخلوقاته الدالة على كماله في أسمائه وصفاته ، وما غاب عنهم مما لا يشاهدونه من المغيبات عنهم : إن القرآن كلامه ووحيه وتنزيله على عبده ورسوله ، الذي اصطفاه لتبليغ الرسالة وأداء الأمانة ، فقال : ( فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون)
فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَا تُبۡصِرُونَ ٨٣
المعنى أقسم بالأشياء كلها ما ترون منها
فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَا تُبۡصِرُونَ ٨٣
أقسم تعالى بما يبصر الخلق من جميع الأشياء وما لا يبصرونه، فدخل في ذلك كل الخلق بل يدخل في ذلك نفسه المقدسة، على صدق الرسول بما جاء به من هذا القرآن الكريم، وأن الرسول الكريم بلغه عن الله تعالى.
وَمَا لَا تُبۡصِرُونَ ٩٣
نسخ
مشاركة
التفسير
وَمَا لَا تُبۡصِرُونَ ٩٣
يقول تعالى مقسما لخلقه بما يشاهدونه من آياته في مخلوقاته الدالة على كماله في أسمائه وصفاته ، وما غاب عنهم مما لا يشاهدونه من المغيبات عنهم : إن القرآن كلامه ووحيه وتنزيله على عبده ورسوله ، الذي اصطفاه لتبليغ الرسالة وأداء الأمانة ، فقال : ( فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون)
وَمَا لَا تُبۡصِرُونَ ٩٣
و " لا " صلة . وقيل : هو رد لكلام سبق ; أي ليس الأمر كما يقوله المشركون . وقال مقاتل : سبب ذلك أن الوليد بن المغيرة قال : إن محمدا ساحر . وقال أبو جهل : شاعر . وقال عقبة : كاهن ; فقال الله عز وجل : فلا أقسم أي أقسم . وقيل : " لا " ها هنا نفي للقسم ، أي لا يحتاج في هذا إلى قسم لوضوح الحق في ذلك ، وعلى هذا فجوابه كجواب القسم .
وَمَا لَا تُبۡصِرُونَ ٩٣
أقسم تعالى بما يبصر الخلق من جميع الأشياء وما لا يبصرونه، فدخل في ذلك كل الخلق بل يدخل في ذلك نفسه المقدسة، على صدق الرسول بما جاء به من هذا القرآن الكريم، وأن الرسول الكريم بلغه عن الله تعالى.
إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ ٠٤
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ ٠٤
يعني : محمدا أضافه إليه على معنى التبليغ ; لأن الرسول من شأنه أن يبلغ عن المرسل ; ولهذا أضافه في سورة التكوير إلى الرسول الملكي : ( إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين ) وهذا جبريل ، عليه السلام .
ثم قال : ( وما صاحبكم بمجنون ) يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم ( ولقد رآه بالأفق المبين ) يعني : أن محمدا رأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها ، ( وما هو على الغيب بضنين ) أي : بمتهم ( وما هو بقول شيطان رجيم ) [ التكوير : 19 - 25 ] ، وهكذا قال هاهنا :
إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ ٠٤
" إنه " يعني القرآن لقول رسول كريم يريد جبريل ، قاله الحسن والكلبي ومقاتل . دليله : إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش . وقال الكلبي أيضا والقتبي : الرسول ها هنا محمد صلى الله عليه وسلم ; لقوله : وما هو بقول شاعر وليس القرآن قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، إنما هو من قول الله عز وجل . ونسب القول إلى الرسول لأنه تاليه ومبلغه والعامل به ، كقولنا : هذا قول مالك .
إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ ٠٤
أقسم تعالى بما يبصر الخلق من جميع الأشياء وما لا يبصرونه، فدخل في ذلك كل الخلق بل يدخل في ذلك نفسه المقدسة، على صدق الرسول بما جاء به من هذا القرآن الكريم، وأن الرسول الكريم بلغه عن الله تعالى.
وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَاعِرٖۚ قَلِيلٗا مَّا تُؤۡمِنُونَ ١٤
نسخ
مشاركة
التفسير
وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَاعِرٖۚ قَلِيلٗا مَّا تُؤۡمِنُونَ ١٤
( وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون ) ، فأضافه تارة إلى قول الرسول الملكي ، وتارة إلى الرسول البشري ; لأن كلا منهما مبلغ عن الله ما استأمنه عليه من وحيه وكلامه
وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَاعِرٖۚ قَلِيلٗا مَّا تُؤۡمِنُونَ ١٤
لأنه مباين لصنوف الشعر كلها .
وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَاعِرٖۚ قَلِيلٗا مَّا تُؤۡمِنُونَ ١٤
ونزه الله رسوله عما رماه به أعداؤه، من أنه شاعر أو ساحر، وأن الذي حملهم على ذلك عدم إيمانهم وتذكرهم، فلو آمنوا وتذكروا، لعلموا ما ينفعهم ويضرهم، ومن ذلك، أن ينظروا في حال محمد صلى الله عليه وسلم، ويرمقوا أوصافه وأخلاقه، لرأوا أمرا مثل الشمس يدلهم على أنه رسول الله حقا.
وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنٖۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ ٢٤
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنٖۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ ٢٤
فأضافه تارة إلى قول الرسول الملكي ، وتارة إلى الرسول البشري ; لأن كلا منهما مبلغ عن الله ما استأمنه عليه من وحيه وكلامه ; ولهذا قال :
وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنٖۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ ٢٤
" ولا بقول كاهن " لأنه ورد بسب الشياطين وشتمهم فلا ينزلون شيئا على من يسبهم . و " ما " زائدة في قوله : " قليلا ما تؤمنون "
" قليلا ما تذكرون " والمعنى : قليلا تؤمنون وقليلا تذكرون . وذلك القليل من إيمانهم هو أنهم إذا سئلوا من خلقهم قالوا : الله . ولا يجوز أن تكون ما مع الفعل مصدرا وتنصب قليلا بما بعد ما ، لما فيه من تقديم الصلة على الموصول ; لأن ما عمل فيه المصدر من صلة المصدر . وقرأ ابن محيصن وابن كثير وابن عامر ويعقوب : " ما يؤمنون " ، و " يذكرون " بالياء . الباقون بالتاء لأن الخطاب قبله وبعده . أما قبله فقوله : " تبصرون " وأما بعده : " فما منكم " الآية .
وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنٖۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ ٢٤
ونزه الله رسوله عما رماه به أعداؤه، من أنه شاعر أو ساحر، وأن الذي حملهم على ذلك عدم إيمانهم وتذكرهم، فلو آمنوا وتذكروا، لعلموا ما ينفعهم ويضرهم، ومن ذلك، أن ينظروا في حال محمد صلى الله عليه وسلم، ويرمقوا أوصافه وأخلاقه، لرأوا أمرا مثل الشمس يدلهم على أنه رسول الله حقا.
تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٣٤
نسخ
مشاركة
التفسير
تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٣٤
( تنزيل من رب العالمين )
قال الإمام أحمد : حدثنا ابن المغيرة ، حدثنا صفوان ، حدثنا شريح بن عبيد الله قال : قال عمر بن الخطاب : خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم ، فوجدته قد سبقني إلى المسجد ، فقمت خلفه ، فاستفتح سورة الحاقة ، فجعلت أعجب من تأليف القرآن ، قال : فقلت : هذا والله شاعر كما قالت قريش . قال : فقرأ : ( إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ) قال : فقلت : كاهن . قال فقرأ : ( ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين ) إلى آخر السورة . قال : فوقع الإسلام في قلبي كل موقع .
فهذا من جملة الأسباب التي جعلها الله تعالى مؤثرة في هداية عمر بن الخطاب ، كما أوردنا كيفية إسلامه في سيرته المفردة ، ولله الحمد .
تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٣٤
قوله تعالى : تنزيل من رب العالمين
قوله تعالى : تنزيل أي هو تنزيل .
من رب العالمين وهو عطف على قوله : إنه لقول رسول كريم ، أي إنه لقول رسول كريم ، وهو تنزيل من رب العالمين .
تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٣٤
وأن ما جاء به تنزيل رب العالمين، لا يليق أن يكون قول البشر بل هو كلام دال على عظمة من تكلم به، وجلالة أوصافه، وكمال تربيته لعباده، وعلوه فوق عباده، .
وَلَوۡ تَقَوَّلَ عَلَيۡنَا بَعۡضَ ٱلۡأَقَاوِيلِ ٤٤
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَوۡ تَقَوَّلَ عَلَيۡنَا بَعۡضَ ٱلۡأَقَاوِيلِ ٤٤
يقول تعالى : ( ولو تقول علينا ) أي : محمد صلى الله عليه وسلم لو كان كما يزعمون مفتريا علينا ، فزاد في الرسالة أو نقص منها ، أو قال شيئا من عنده فنسبه إلينا ، وليس كذلك ، لعاجلناه بالعقوبة . ولهذا قال
وَلَوۡ تَقَوَّلَ عَلَيۡنَا بَعۡضَ ٱلۡأَقَاوِيلِ ٤٤
"تقول " أي تكلف وأتى بقول من قبل نفسه .
وقرئ " ولو تقول " على البناء للمفعول .
وَلَوۡ تَقَوَّلَ عَلَيۡنَا بَعۡضَ ٱلۡأَقَاوِيلِ ٤٤
فإن هذا ظن منهم بما لا يليق بالله وحكمته فإنه لو تقول عليه وافترى { بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ } الكاذبة.
لَأَخَذۡنَا مِنۡهُ بِٱلۡيَمِينِ ٥٤
نسخ
مشاركة
التفسير
لَأَخَذۡنَا مِنۡهُ بِٱلۡيَمِينِ ٥٤
( لأخذنا منه باليمين ) قيل : معناه لانتقمنا منه باليمين ; لأنها أشد في البطش ، وقيل : لأخذنا منه بيمينه .
لَأَخَذۡنَا مِنۡهُ بِٱلۡيَمِينِ ٥٤
لأخذنا منه باليمين أي بالقوة والقدرة ، أي لأخذناه بالقوة . و " من " صلة زائدة . وعبر عن القوة والقدرة باليمين لأن قوة كل شيء في ميامنه ، قاله القتبي . وهو معنى قول ابن عباس ومجاهد . ومنه قول الشماخ :
إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
أي بالقوة . عرابة اسم رجل من الأنصار من الأوس . وقال آخر :
ولما رأيت الشمس أشرق نورها تناولت منها حاجتي بيميني
وقال السدي والحكم : " باليمين " بالحق . قال :
تلقاها عرابة باليمين
أي بالاستحقاق . وقال الحسن : لقطعنا يده اليمين . وقيل : المعنى لقبضنا بيمينه عن التصرف ; قاله نفطويه . وقال أبو جعفر الطبري : إن هذا الكلام خرج مخرج الإذلال على عادة الناس في الأخذ بيد من يعاقب . كما يقول السلطان لمن يريد هوانه : خذوا يديه . أي لأمرنا بالأخذ بيده وبالغنا في عقابه .
لَأَخَذۡنَا مِنۡهُ بِٱلۡيَمِينِ ٥٤
{ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ } وهو عرق متصل بالقلب إذا انقطع مات منه الإنسان، فلو قدر أن الرسول -حاشا وكلا- تقول على الله لعاجله بالعقوبة، وأخذه أخذ عزيز مقتدر، لأنه حكيم، على كل شيء قدير، فحكمته تقتضي أن لا يمهل الكاذب عليه، الذي يزعم أن الله أباح له دماء من خالفه وأموالهم، وأنه هو وأتباعه لهم النجاة، ومن خالفه فله الهلاك. فإذا كان الله قد أيد رسوله بالمعجزات، وبرهن على صدق ما جاء به بالآيات البينات، ونصره على أعدائه، ومكنه من نواصيهم، فهو أكبر شهادة منه على رسالته.
ثُمَّ لَقَطَعۡنَا مِنۡهُ ٱلۡوَتِينَ ٦٤
نسخ
مشاركة
التفسير
ثُمَّ لَقَطَعۡنَا مِنۡهُ ٱلۡوَتِينَ ٦٤
( ثم لقطعنا منه الوتين ) قال ابن عباس : وهو نياط القلب ، وهو العرق الذي القلب معلق فيه . وكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير والحكم وقتادة والضحاك ومسلم البطين وأبو صخر حميد بن زياد .
وقال محمد بن كعب : هو القلب ومراقه وما يليه .
ثُمَّ لَقَطَعۡنَا مِنۡهُ ٱلۡوَتِينَ ٦٤
ثم لقطعنا منه الوتين يعني نياط القلب ; أي لأهلكناه . وهو عرق يتعلق به القلب إذا انقطع مات صاحبه . قاله ابن عباس وأكثر الناس . قال :
إذا بلغتني وحملت رحلي عرابة فاشرقي بدم الوتين
وقال مجاهد : هو حبل القلب الذي في الظهر وهو النخاع ; فإذا انقطع بطلت القوى ومات صاحبه . والموتون الذي قطع وتينه . وقال محمد بن كعب : إنه القلب ومراقه وما يليه . قال الكلبي : إنه عرق بين العلباء والحلقوم . والعلباء : عصب العنق . وهما علباوان بينهما ينبت العرق . وقال عكرمة : إن الوتين إذا قطع لا إن جاع عرف ، ولا إن شبع عرف .
ثُمَّ لَقَطَعۡنَا مِنۡهُ ٱلۡوَتِينَ ٦٤
{ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ } وهو عرق متصل بالقلب إذا انقطع مات منه الإنسان، فلو قدر أن الرسول -حاشا وكلا- تقول على الله لعاجله بالعقوبة، وأخذه أخذ عزيز مقتدر، لأنه حكيم، على كل شيء قدير، فحكمته تقتضي أن لا يمهل الكاذب عليه، الذي يزعم أن الله أباح له دماء من خالفه وأموالهم، وأنه هو وأتباعه لهم النجاة، ومن خالفه فله الهلاك. فإذا كان الله قد أيد رسوله بالمعجزات، وبرهن على صدق ما جاء به بالآيات البينات، ونصره على أعدائه، ومكنه من نواصيهم، فهو أكبر شهادة منه على رسالته.
فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَٰجِزِينَ ٧٤
نسخ
مشاركة
التفسير
فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَٰجِزِينَ ٧٤
وقوله : ( فما منكم من أحد عنه حاجزين ) أي : فما يقدر أحد منكم على أن يحجز بيننا وبينه إذا أردنا به شيئا من ذلك . والمعنى في هذا بل هو صادق بار راشد ; لأن الله ، عز وجل ، مقرر له ما يبلغه عنه ، ومؤيد له بالمعجزات الباهرات والدلالات القاطعات .
فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَٰجِزِينَ ٧٤
قوله تعالى : فما منكم من أحد عنه حاجزين " ما " نفي و " أحد " في معنى الجمع ، فلذلك نعته بالجمع ; أي فما منكم قوم يحجزون عنه كقوله تعالى : لا نفرق بين أحد من رسله هذا جمع ، لأن " بين " لا تقع إلا على اثنين فما زاد . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لم تحل الغنائم لأحد سود الرءوس قبلكم " . لفظه واحد ومعناه الجمع . و " من " زائدة . والحجز : المنع . و " حاجزين " يجوز أن يكون صفة لأحد على المعنى كما ذكرنا ; فيكون في موضع جر . والخبر منكم . ويجوز أن يكون منصوبا على أنه خبر و " منكم " ملغى ، ويكون متعلقا ب " حاجزين " . ولا يمنع الفصل به من انتصاب الخبر في هذا ; كما لم يمتنع الفصل به في " إن فيك زيدا راغب " .
فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَٰجِزِينَ ٧٤
{ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } أي: لو أهلكه، ما امتنع هو بنفسه، ولا قدر أحد أن يمنعه من عذاب الله.s
وَإِنَّهُۥ لَتَذۡكِرَةٞ لِّلۡمُتَّقِينَ ٨٤
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِنَّهُۥ لَتَذۡكِرَةٞ لِّلۡمُتَّقِينَ ٨٤
ثم قال : ( وإنه لتذكرة للمتقين ) يعني : القرآن كما قال : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ) [ فصلت : 44 ] .
وَإِنَّهُۥ لَتَذۡكِرَةٞ لِّلۡمُتَّقِينَ ٨٤
قوله تعالى : وإنه يعني القرآن
لتذكرة للمتقين أي للخائفين الذين يخشون الله . ونظيره : فيه هدى للمتقين على ما بيناه أول سورة البقرة . وقيل : المراد محمد صلى الله عليه وسلم ، أي هو تذكرة ورحمة ونجاة .
وَإِنَّهُۥ لَتَذۡكِرَةٞ لِّلۡمُتَّقِينَ ٨٤
{ وَإِنَّهُ } أي: القرآن الكريم { لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ } يتذكرون به مصالح دينهم ودنياهم، فيعرفونها، ويعملون عليها، يذكرهم العقائد الدينية، والأخلاق المرضية، والأحكام الشرعية، فيكونون من العلماء الربانيين، والعباد العارفين، والأئمة المهديين.
وَإِنَّا لَنَعۡلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ ٩٤
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِنَّا لَنَعۡلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ ٩٤
ثم قال ( وإنا لنعلم أن منكم مكذبين ) أي : مع هذا البيان والوضوح ، سيوجد منكم من يكذب بالقرآن .
وَإِنَّا لَنَعۡلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ ٩٤
قال الربيع : بالقرآن .
وَإِنَّا لَنَعۡلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ ٩٤
{ وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ } به، وهذا فيه تهديد ووعيد للمكذبين، فإنه سيعاقبهم على تكذيبهم بالعقوبة البليغة.
وَإِنَّهُۥ لَحَسۡرَةٌ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ٠٥
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِنَّهُۥ لَحَسۡرَةٌ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ٠٥
ثم قال : ( وإنه لحسرة على الكافرين ) قال ابن جرير : وإن التكذيب لحسرة على الكافرين يوم القيامة وحكاه عن قتادة بمثله .
وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي ، عن أبي مالك : ( وإنه لحسرة على الكافرين ) يقول : لندامة . ويحتمل عود الضمير على القرآن ، أي : وإن القرآن والإيمان به لحسرة في نفس الأمر على الكافرين ، كما قال : ( كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به ) [ الشعراء : 200 ، 201 ] ، وقال تعالى : ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) [ سبأ : 54 ] ولهذا قال هاهنا :
وَإِنَّهُۥ لَحَسۡرَةٌ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ٠٥
وإنه لحسرة على الكافرين يعني التكذيب . والحسرة : الندامة . وقيل : أي وإن القرآن لحسرة على الكافرين يوم القيامة إذا رأوا ثواب من آمن به . وقيل : هي حسرتهم في الدنيا حين لم يقدروا على معارضته عند تحديهم أن يأتوا بسورة مثله .s
وَإِنَّهُۥ لَحَسۡرَةٌ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ٠٥
{ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ } فإنهم لما كفروا به، ورأوا ما وعدهم به، تحسروا إذ لم يهتدوا به، ولم ينقادوا لأمره، ففاتهم الثواب، وحصلوا على أشد العذاب، وتقطعت بهم الأسباب.
وَإِنَّهُۥ لَحَقُّ ٱلۡيَقِينِ ١٥
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِنَّهُۥ لَحَقُّ ٱلۡيَقِينِ ١٥
( وإنه لحق اليقين ) أي : الخبر الصدق الحق الذي لا مرية فيه ولا شك ولا ريب .
وَإِنَّهُۥ لَحَقُّ ٱلۡيَقِينِ ١٥
وإنه لحق اليقين يعني أن القرآن العظيم تنزيل من الله عز وجل ; فهو " لحق اليقين " . وقيل : أي حقا يقينا ليكونن ذلك حسرة عليهم يوم القيامة . فعلى هذا " وإنه لحسرة " أي لتحسر ; فهو مصدر بمعنى التحسر ، فيجوز تذكيره . وقال ابن عباس : إنما هو كقولك : لعين اليقين ومحض اليقين . ولو كان اليقين نعتا لم يجز أن يضاف إليه ; كما لا تقول : هذا رجل الظريف . وقيل : أضافه إلى نفسه لاختلاف اللفظين .
وَإِنَّهُۥ لَحَقُّ ٱلۡيَقِينِ ١٥
{ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ } أي: أعلى مراتب العلم، فإن أعلى مراتب العلم اليقين وهو العلم الثابت، الذي لا يتزلزل ولا يزول. واليقين مراتبه ثلاثة، كل واحدة أعلى مما قبلها: أولها: علم اليقين، وهو العلم المستفاد من الخبر. ثم عين اليقين، وهو العلم المدرك بحاسة البصر. ثم حق اليقين، وهو العلم المدرك بحاسة الذوق والمباشرة. وهذا القرآن الكريم، بهذا الوصف، فإن ما فيه من العلوم المؤيدة بالبراهين القطعية، وما فيه من الحقائق والمعارف الإيمانية، يحصل به لمن ذاقه حق اليقين.
فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِيمِ ٢٥
نسخ
مشاركة
التفسير
فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِيمِ ٢٥
ثم قال : ( فسبح باسم ربك العظيم ) أي : الذي أنزل هذا القرآن العظيم . [ آخر تفسير سورة " الحاقة " ، ولله الحمد ]
فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِيمِ ٢٥
فسبح باسم ربك العظيم أي فصل لربك ; قاله ابن عباس . وقيل : أي نزه الله عن السوء والنقائص .
فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِيمِ ٢٥
{ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } أي: نزهه عما لا يليق بجلاله، وقدسه بذكر أوصاف جلاله وجماله وكماله. تم تفسير سورة الحاقة، والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا، على كماله وأفضاله وعدله.
صَدَق الْلَّه الْعَظِيْم