بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
نٓۚ وَٱلۡقَلَمِ وَمَا يَسۡطُرُونَ ١
نسخ
مشاركة
التفسير
نٓۚ وَٱلۡقَلَمِ وَمَا يَسۡطُرُونَ ١
تفسير سورة " ن " وهي مدنية .
قد تقدم الكلام على حروف الهجاء في أول " سورة البقرة " ، وأن قوله : ( ن ) كقوله : ( ص ) ) ق ) ونحو ذلك من الحروف المقطعة في أوائل السور ، وتحرير القول في ذلك بما أغنى عن إعادته .
وقيل : المراد بقوله : ( ن ) حوت عظيم على تيار الماء العظيم المحيط ، وهو حامل للأرضين السبع ، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير :
حدثنا ابن بشار ، حدثنا يحيى ، حدثنا سفيان - هو الثوري - حدثنا سليمان - هو الأعمش - عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس قال : أول ما خلق الله القلم قال : اكتب . قال : وما أكتب ؟ قال : اكتب القدر . فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى يوم قيام الساعة . ثم خلق " النون " ورفع بخار الماء ، ففتقت منه السماء ، وبسطت الأرض على ظهر النون ، فاضطرب النون فمادت الأرض ، فأثبتت بالجبال ، فإنها لتفخر على الأرض .
وكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن أحمد بن سنان ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش به . وهكذا رواه شعبة ، ومحمد بن فضيل ، ووكيع ، عن الأعمش ، به . وزاد شعبة في روايته : ثم قرأ : ( ن والقلم وما يسطرون ) وقد رواه شريك ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان - أو مجاهد ، - عن ابن عباس فذكر نحوه . ورواه معمر ، عن الأعمش : أن ابن عباس قال . . . فذكره ، ثم قرأ : ( ن والقلم وما يسطرون ) ثم قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس قال : إن أول شيء خلق ربي عز وجل القلم ، ثم قال له : اكتب . فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة . ثم خلق " النون " فوق الماء ، ثم كبس الأرض عليه .
وقد روى الطبراني ذلك مرفوعا فقال : حدثنا أبو حبيب زيد بن المهتدي المروذي ، حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن زيد ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن أول ما خلق الله القلم والحوت ، قال للقلم : اكتب ، قال : ما أكتب ؟ قال : كل شيء كائن إلى يوم القيامة " . ثم قرأ : ( ن والقلم وما يسطرون ) فالنون : الحوت . والقلم : القلم .
حديث آخر في ذلك : رواه ابن عساكر ، عن أبي عبد الله مولى بني أمية ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن أول شيء خلقه الله القلم ، ثم خلق " النون " وهي : الدواة . ثم قال له : اكتب . قال وما أكتب ؟ قال : اكتب ما يكون - أو : ما هو كائن - من عمل ، أو رزق ، أو أثر ، أو أجل . فكتب ذلك إلى يوم القيامة ، فذلك قوله : ( ن والقلم وما يسطرون ) ثم ختم على القلم فلم يتكلم إلى يوم القيامة ، ثم خلق العقل وقال : وعزتي لأكملنك فيمن أحببت ، ولأنقصنك ممن أبغضت " .
وقال ابن أبي نجيح : إن إبراهيم بن أبي بكر أخبره عن مجاهد قال : كان يقال : النون : الحوت العظيم الذي تحت الأرض السابعة .
وذكر البغوي وجماعة من المفسرين : إن على ظهر هذا الحوت صخرة سمكها كغلظ السماوات والأرض ، وعلى ظهرها ثور له أربعون ألف قرن ، وعلى متنه الأرضون السبع وما فيهن وما بينهن فالله أعلم . ومن العجيب أن بعضهم حمل على هذا المعنى الحديث الذي رواه الإمام أحمد :
حدثنا إسماعيل ، حدثنا حميد ، عن أنس : أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فأتاه فسأله عن أشياء ، قال : إني سائلك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي ، قال : ما أول أشراط الساعة ؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة ؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه ؟ والولد ينزع إلى أمه ؟ قال : " أخبرني بهن جبريل آنفا " . قال ابن سلام : فذاك عدو اليهود من الملائكة . قال : " أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب . وأول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد حوت . وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت " .
ورواه البخاري من طرق عن حميد ، ورواه مسلم أيضا ، وله من حديث ثوبان - مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا . وفي صحيح مسلم من حديث أبي أسماء الرحبي ، عن ثوبان : أن حبرا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مسائل ، فكان منها أن قال : فما تحفتهم ؟ - يعني أهل الجنة حين يدخلون الجنة - قال : " زيادة كبد الحوت " . قال : فما غذاؤهم على أثرها ؟ قال : " ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها " . قال : فما شرابهم عليه ؟ قال : " من عين فيها تسمى سلسبيلا " .
وقيل : المراد بقوله : ( ن ) لوح من نور .
قال ابن جرير : حدثنا الحسين بن شبيب المكتب ، حدثنا محمد بن زياد الجزري ، عن فرات بن أبي الفرات ، عن معاوية بن قرة ، عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ( ن والقلم وما يسطرون ) لوح من نور ، وقلم من نور ، يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة " وهذا مرسل غريب .
وقال ابن جريج أخبرت أن ذلك القلم من نور طوله مائة عام .
وقيل : المراد بقوله : ( ن ) دواة ، والقلم : القلم . قال ابن جرير :
حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، وقتادة في قوله : ( ن ) قالا هي الدواة .
وقد روي في هذا حديث مرفوع غريب جدا ، فقال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن خالد ، حدثنا الحسن بن يحيى ، حدثنا أبو عبد الله مولى بني أمية ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " خلق الله النون ، وهي الدواة " .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب ، حدثنا أخي عيسى بن عبد الله ، حدثنا ثابت الثمالي ، عن ابن عباس قال : إن الله خلق النون - وهي الدواة - وخلق القلم ، فقال : اكتب . قال : وما أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول به بر ، أو فجور ، أو رزق مقسوم ، حلال ، أو حرام . ثم ألزم كل شيء من ذلك شأنه : دخوله في الدنيا ، ومقامه فيها كم ؟ وخروجه منها كيف ؟ ثم جعل على العباد حفظة ، وللكتاب خزانا ، فالحفظة ينسخون كل يوم من الخزان عمل ذلك اليوم ، فإذا فني الرزق وانقطع الأثر وانقضى الأجل أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم ، فتقول لهم الخزنة : ما نجد لصاحبكم عندنا شيئا فترجع الحفظة ، فيجدونهم قد ماتوا . قال : فقال ابن عباس : ألستم قوما عربا تسمعون الحفظة يقولون : ( إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) [ الجاثية : 29 ] ؟ وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل .
وقوله : ( والقلم ) الظاهر أنه جنس القلم الذي يكتب به كقوله ( اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ) [ العلق : 3 - 5 ] . فهو قسم منه تعالى ، وتنبيه لخلقه على ما أنعم به عليهم من تعليم الكتابة التي بها تنال العلوم ; ولهذا قال : ( وما يسطرون ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : يعني : وما يكتبون .
وقال أبو الضحى ، عن ابن عباس : ( وما يسطرون ) أي : وما يعملون .
وقال السدي : ( وما يسطرون ) يعني الملائكة وما تكتب من أعمال العباد .
وقال آخرون : بل المراد ها هنا بالقلم الذي أجراه الله بالقدر حين كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرضين بخمسين ألف سنة . وأوردوا في ذلك الأحاديث الواردة في ذكر القلم ، فقال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان ، ويونس بن حبيب قالا : حدثنا أبو داود الطيالسي ، حدثنا عبد الواحد بن سليم السلمي ، عن عطاء - هو ابن أبي رباح - حدثني الوليد بن عبادة بن الصامت قال : دعاني أبي حين حضره الموت فقال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن أول ما خلق الله القلم ، فقال له : اكتب . قال : يا رب وما أكتب ؟ قال : اكتب القدر [ ما كان ] وما هو كائن إلى الأبد " .
وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد من طرق ، عن الوليد بن عبادة ، عن أبيه به . وأخرجه الترمذي من حديث أبي داود الطيالسي به . ، وقال : حسن صحيح غريب . ورواه أبو داود في كتاب " السنة " من سننه ، عن جعفر بن مسافر ، عن يحيى بن حسان ، عن ابن رباح ، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، عن أبي حفصة - واسمه حبيش بن شريح الحبشي الشامي - عن عبادة فذكره .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الله الطوسي ، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق ، أنبأنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا رباح بن زيد ، عن عمر بن حبيب ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أنه كان يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أول شيء خلقه الله القلم ، فأمره ، فكتب كل شيء " . غريب من هذا الوجه ، ولم يخرجوه
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( والقلم ) يعني : الذي كتب به الذكر . .
وقوله : ( وما يسطرون ) أي : يكتبون كما تقدم .
نٓۚ وَٱلۡقَلَمِ وَمَا يَسۡطُرُونَ ١
تفسير سورة ن والقلم
مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر . وقال ابن عباس وقتادة : من أولها إلى قوله تعالى : سنسمه على الخرطوم مكي . ومن بعد ذلك إلى قوله تعالى : أكبر لو كانوا يعلمون مدني . ومن بعد ذلك إلى قوله : يكتبون مكي . ومن بعد ذلك إلى قوله تعالى : من الصالحين مدني ، وما بقي مكي ; قاله الماوردي .
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى : ن والقلم وما يسطرون
قوله تعالى : ن والقلم أدغم النون الثانية في هجائها في الواو أبو بكر والمفضل وهبيرة وورش وابن محيصن وابن عامر والكسائي ويعقوب . والباقون بالإظهار . وقرأ عيسى بن عمر بفتحها ; كأنه أضمر فعلا . وقرأ ابن عباس ونصر وابن أبي إسحاق بكسرها على إضمار حرف القسم . وقرأ هارون ومحمد بن السميقع بضمها على البناء . واختلف في تأويله ; فروى معاوية بن قرة عن أبيه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ن لوح من نور " . وروى ثابت البناني أن " ن " الدواة . وقاله الحسن وقتادة . وروى الوليد بن مسلم قال : حدثنا مالك بن أنس عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أول ما خلق الله القلم ثم خلق النون وهي الدواة وذلك قوله تعالى : ن والقلم ثم قال له : اكتب . قال : وما أكتب ؟ قال : ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل أو أجل أو رزق أو أثر . فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة - قال - ثم ختم فم القلم فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة . ثم خلق العقل فقال الجبار : ما خلقت خلقا أعجب إلي منك ، وعزتي وجلالي لأكملنك فيمن أحببت ، ولأنقصنك فيمن أبغضت " قال : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكمل الناس عقلا أطوعهم لله وأعملهم بطاعته " . وعن مجاهد قال : ن الحوت الذي تحت الأرض السابعة . قال : والقلم الذي كتب به الذكر . وكذا قال مقاتل ومرة الهمداني وعطاء الخراساني والسدي والكلبي : إن النون هو الحوت الذي عليه الأرضون . وروى أبو ظبيان عن ابن عباس قال : أول ما خلق الله القلم فجرى بما هو كائن ، ثم رفع بخار الماء فخلق منه السماء ، ثم خلق النون فبسط الأرض على ظهره ، فمادت الأرض فأثبتت بالجبال ، وإن الجبال لتفخر على الأرض . ثم قرأ ابن عباس " ن والقلم " الآية . وقال الكلبي ومقاتل : اسمه البهموت . قال الراجز :
مالي أراكم كلكم سكوتا والله ربي خلق البهموتا
وقال أبو اليقظان والواقدي : ليوثا . وقال كعب : لوثوثا . وقال : بلهموثا . وقال كعب : إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرضون فوسوس في قلبه ، وقال : أتدري ما على ظهرك يا لوثوثا من الدواب والشجر والأرضين وغيرها ، لو لفظتهم ألقيتهم عن ظهرك أجمع ; فهم ليوثا أن يفعل ذلك ، فبعث الله إليه دابة فدخلت منخره ووصلت إلى دماغه ، فضج الحوت إلى الله عز وجل منها فأذن الله لها فخرجت . قال كعب : فوالله إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت كما كانت . وقال الضحاك عن ابن عباس : إن ن آخر حرف من حروف الرحمن . قال : " الر " ، و " حم " ، و " ن " ; الرحمن تعالى متقطعة . وقال ابن زيد : هو قسم أقسم تعالى به . وقال ابن كيسان : هو فاتحة السورة . وقيل : اسم السورة . وقال عطاء وأبو العالية : هو افتتاح اسمه نصير ونور وناصر . وقال محمد بن كعب : أقسم الله تعالى بنصره للمؤمنين ; وهو حق . بيانه قوله تعالى : وكان حقا علينا نصر المؤمنين وقال جعفر الصادق : هو نهر من أنهار الجنة يقال له نون . وقيل : هو المعروف من حروف المعجم ، لأنه لو كان غير ذلك لكان معربا ; وهو اختيار القشيري أبو نصر عبد الرحيم في تفسيره . قال : لأن " ن " حرف لم يعرب ، فلو كان كلمة تامة أعرب كما أعرب القلم ، فهو إذا حرف هجاء كما في سائر مفاتيح السور . وعلى هذا قيل : هو اسم السورة ، أي هذه السورة " ن " . ثم قال : " والقلم " أقسم بالقلم لما فيه من البيان كاللسان ; وهو واقع على كل قلم مما يكتب به من في السماء ومن في الأرض ; ومنه قول أبي الفتح البستي :
إذا أقسم الأبطال يوما بسيفهم وعدوه مما يكسب المجد والكرم
كفى قلم الكتاب عزا ورفعة مدى الدهر أن الله أقسم بالقلم
وللشعراء في تفضيل القلم على السيف أبيات كثيرة ; ما ذكرناه أعلاها . وقال ابن عباس : هذا قسم بالقلم الذي خلقه الله ; فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة . قال : وهو قلم من نور طوله كما بين السماء والأرض . ويقال : خلق الله القلم ثم نظر إليه فانشق نصفين ; فقال : اجر ; فقال : يا رب بم أجري ؟ قال بما هو كائن إلى يوم القيامة ; فجرى على اللوح المحفوظ . وقال الوليد بن عبادة بن الصامت : أوصاني أبي عند موته فقال : يا بني ، اتق الله ، واعلم أنك لن تتقي ولن تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحده ، والقدر خيره وشره ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول ما خلق الله القلم فقال له : اكتب . فقال : يا رب ، وما أكتب ؟ فقال : اكتب القدر . فجرى القلم في تلك الساعة بما كان وما هو كائن إلى الأبد " وقال ابن عباس : أول ما خلق الله القلم فأمره أن يكتب ما هو كائن ; فكتب فيما كتب : تبت يدا أبي لهب . وقال قتادة : القلم نعمة من الله تعالى على عباده . قال غيره : فخلق الله القلم الأول فكتب ما يكون في الذكر ووضعه عنده فوق عرشه ، ثم خلق القلم الثاني ليكتب به في الأرض ; على ما يأتي بيانه في سورة " اقرأ باسم ربك " .
قوله تعالى : وما يسطرون أي وما يكتبون . يريد الملائكة يكتبون أعمال بني آدم ; قاله ابن عباس : وقيل : وما يكتبون أي الناس ويتفاهمون به . وقال ابن عباس : ومعنى وما يسطرون وما يعلمون . و " ما " موصولة أو مصدرية ; أي ومسطوراتهم أو وسطرهم ، ويراد به كل من يسطر أو الحفظة ; على الخلاف .
نٓۚ وَٱلۡقَلَمِ وَمَا يَسۡطُرُونَ ١
يقسم تعالى بالقلم، وهو اسم جنس شامل للأقلام، التي تكتب بها [أنواع] العلوم، ويسطر بها المنثور والمنظوم.
مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ ٢
نسخ
مشاركة
التفسير
مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ ٢
أي لست ولله الحمد بمجنون كما يقوله الجهلة من قومك المكذبون بما جئتهم به من الهدى والحق المبين فنسبوك فيه إلى الجنون.
مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ ٢
ما أنت بنعمة ربك بمجنون هذا جواب القسم وهو نفي ، وكان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم إنه مجنون ، به شيطان . وهو قولهم : يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون فأنزل الله تعالى ردا عليهم وتكذيبا لقولهم ما أنت بنعمة ربك بمجنون أي برحمة ربك . والنعمة هاهنا الرحمة . ويحتمل ثانيا - أن النعمة هاهنا قسم ; وتقديره : ما أنت ونعمة ربك بمجنون ; لأن الواو والباء من حروف القسم . وقيل هو كما تقول : ما أنت بمجنون ، والحمد لله . وقيل : معناه ما أنت بمجنون ، والنعمة لربك ; كقولهم : سبحانك اللهم وبحمدك ; أي والحمد لله . ومنه قول لبيد :
وأفردت في الدنيا بفقد عشيرتي وفارقني جار بأربد نافع
أي وهو أربد . وقال النابغة :
لم يحرموا حسن الغذاء وأمهم طفحت عليك بناتق مذكار
أي هو ناتق . والباء في " بنعمة ربك " متعلقة بمجنون منفيا ; كما يتعلق بغافل مثبتا . كما في قولك : أنت بنعمة ربك غافل . ومحله النصب على الحال ; كأنه قال : ما أنت بمجنون منعما عليك بذلك .
مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ ٢
وذلك أن القلم وما يسطرون به من أنواع الكلام، من آيات الله العظيمة، التي تستحق أن يقسم الله بها، على براءة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مما نسبه إليه أعداؤه من الجنون فنفى عنه الجنون بنعمة ربه عليه وإحسانه، حيث من عليه بالعقل الكامل، والرأي الجزل، والكلام الفصل، الذي هو أحسن ما جرت به الأقلام، وسطره الأنام، وهذا هو السعادة في الدنيا، ثم ذكر سعادته في الآخرة، فقال: { وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا } .
وَإِنَّ لَكَ لَأَجۡرًا غَيۡرَ مَمۡنُونٖ ٣
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِنَّ لَكَ لَأَجۡرًا غَيۡرَ مَمۡنُونٖ ٣
( وإن لك لأجرا غير ممنون ) أي : بل لك الأجر العظيم ، والثواب الجزيل الذي لا ينقطع ولا يبيد ، على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق ، وصبرك على أذاهم . ومعنى ) غير ممنون ) أي : غير مقطوع كقوله : ( عطاء غير مجذوذ ) [ هود : 108 ] ( فلهم أجر غير ممنون ) [ التين : 6 ] أي : غير مقطوع عنهم . وقال مجاهد : ( غير ممنون ) أي : غير محسوب ، وهو يرجع إلى ما قلناه .
وَإِنَّ لَكَ لَأَجۡرًا غَيۡرَ مَمۡنُونٖ ٣
وإن لك لأجرا أي ثوابا على ما تحملت من أثقال النبوة .
غير ممنون أي غير مقطوع ولا منقوص ; يقال : مننت الحبل إذا قطعته . وحبل منين إذا كان غير متين . قال الشاعر : غبسا كواسب لا يمن طعامها أي لا يقطع . وقال مجاهد : غير ممنون : محسوب . الحسن : غير ممنون غير مكدر بالمن . الضحاك : أجرا بغير عمل . وقيل : غير مقدر وهو التفضل ; لأن الجزاء مقدر والتفضل غير مقدر ; ذكره الماوردي ، وهو معنى قول مجاهد .
وَإِنَّ لَكَ لَأَجۡرًا غَيۡرَ مَمۡنُونٖ ٣
أي: لأجرا عظيمًا، كما يفيده التنكير، { غير ممنون } أي: [غير] مقطوع، بل هو دائم مستمر، وذلك لما أسلفه النبي صلى الله عليه وسلم من الأعمال الصالحة، والأخلاق الكاملة.
وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ ٤
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ ٤
وقوله : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) قال العوفي ، عن ابن عباس : أي : وإنك لعلى دين عظيم ، وهو الإسلام . وكذلك قال مجاهد ، وأبو مالك ، والسدي ، والربيع بن أنس ، والضحاك ، وابن زيد .
وقال عطية : لعلى أدب عظيم . وقال معمر ، عن قتادة : سئلت عائشة عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قالت : كان خلقه القرآن ، تقول كما هو في القرآن .
وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة قوله : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ذكر لنا أن سعد بن هشام سأل عائشة عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقالت : ألست تقرأ القرآن ؟ قال : بلى . قالت : فإن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان القرآن .
وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن سعد بن هشام قال : سألت عائشة فقلت : أخبريني يا أم المؤمنين - عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقالت : أتقرأ القرآن ؟ فقلت : نعم . فقالت : كان خلقه القرآن .
هذا حديث طويل . وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه ، من حديث قتادة بطوله ، وسيأتي في سورة " المزمل " إن شاء الله تعالى .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا يونس ، عن الحسن ، قال : سألت عائشة عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : كان خلقه القرآن .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود ، حدثنا شريك ، عن قيس بن وهب ، عن رجل من بني سواد قال : سألت عائشة عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقالت : أما تقرأ القرآن : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ؟ قال : قلت : حدثيني عن ذاك . قالت : صنعت له طعاما ، وصنعت له حفصة طعاما ، فقلت لجاريتي : اذهبي فإن جاءت هي بالطعام فوضعته قبل فاطرحي الطعام ! قالت : فجاءت بالطعام . قالت : فألقت الجارية ، فوقعت القصعة فانكسرت - وكان نطعا - قالت : فجمعه رسول الله وقال : " اقتضوا - أو : اقتضي - شك أسود - ظرفا مكان ظرفك " . قالت : فما قال شيئا .
وقال ابن جرير : حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس ، حدثنا أبي ، حدثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن سعد بن هشام : قال : أتيت عائشة أم المؤمنين فقلت لها : أخبريني بخلق النبي صلى لله عليه وسلم . فقالت : كان خلقه القرآن . أما تقرأ : ( وإنك لعلى خلق عظيم )
وقد روى أبو داود ، والنسائي من حديث الحسن ، نحوه
وقال ابن جرير : حدثني يونس ، أنبأنا ابن وهب ، وأخبرني معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير قال : حججت ، فدخلت على عائشة رضي الله عنها ، فسألتها عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقالت : كان خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن .
وهكذا رواه أحمد ، عن عبد الرحمن بن مهدي . ورواه النسائي في التفسير ، عن إسحاق بن منصور ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن معاوية بن صالح به
ومعنى هذا أنه ، عليه السلام ، صار امتثال القرآن أمرا ونهيا سجية له ، وخلقا تطبعه ، وترك طبعه الجبلي ، فمهما أمره القرآن فعله ، ومهما نهاه عنه تركه . هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم ، من الحياء ، والكرم والشجاعة ، والصفح ، والحلم ، وكل خلق جميل . كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال : خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما قال لي : " أف " قط ، ولا قال لشيء فعلته : لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله : ألا فعلته ؟ وكان - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقا ، ولا مسست خزا ، ولا حريرا ، ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وقال البخاري : حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله ، حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء يقول : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس وجها ، وأحسن الناس خلقا ، ليس بالطويل البائن ، ولا بالقصير
والأحاديث في هذا كثيرة ولأبي عيسى الترمذي في هذا كتاب " الشمائل " .
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده خادما له قط ، ولا امرأة ، ولا ضرب بيده شيئا قط ، إلا أن يجاهد في سبيل الله . ولا خير بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثما ، فإذا كان إثما كان أبعد الناس من الإثم ، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله ، فيكون هو ينتقم لله
، عز وجل
وقال الإمام أحمد : حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن محمد بن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق " . تفرد به
وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ ٤
قوله تعالى : وإنك لعلى خلق عظيم فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : وإنك لعلى خلق عظيم قال ابن عباس ومجاهد : " على خلق " : على دين عظيم من الأديان ، ليس دين أحب إلى الله تعالى ولا أرضى عنده منه . وفي صحيح مسلم عن عائشة أن خلقه كان القرآن . وقال علي رضي الله عنه وعطية : هو أدب القرآن . وقيل : هو رفقه بأمته وإكرامه إياهم . وقال قتادة : هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه مما نهى الله عنه . وقيل : أي إنك على طبع كريم . الماوردي : وهو الظاهر . وحقيقة الخلق في اللغة : هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب يسمى خلقا ; لأنه يصير كالخلقة فيه . وأما ما طبع عليه من الأدب فهو الخيم ( بالكسر ) : السجية والطبيعة ، لا واحد له من لفظه . وخيم : اسم جبل . فيكون الخلق الطبع المتكلف . والخيم الطبع الغريزي . وقد أوضح الأعشى ذلك في شعره فقال :
وإذا ذو الفضول ضن على المو لى وعادت لخيمها الأخلاق
أي رجعت الأخلاق إلى طبائعها .
قلت : ما ذكرته عن عائشة في صحيح مسلم أصح الأقوال . وسئلت أيضا عن خلقه عليه السلام ; فقرأت قد أفلح المؤمنون إلى عشر آيات ، وقالت : ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما دعاه أحد من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال لبيك ، ولذلك قال الله تعالى : وإنك لعلى خلق عظيم . ولم يذكر خلق محمود إلا وكان للنبي صلى الله عليه وسلم منه الحظ الأوفر .
وقال الجنيد : سمي خلقه عظيما لأنه لم تكن له همة سوى الله تعالى . وقيل : سمي خلقه عظيما لاجتماع مكارم الأخلاق فيه ; يدل عليه قوله عليه السلام : " إن الله بعثني لأتم مكارم الأخلاق " . وقيل : لأنه امتثل تأديب الله تعالى إياه بقوله تعالى : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين . وقد روي عنه عليه السلام أنه قال : " أدبني ربي تأديبا حسنا إذ قال : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين فلما قبلت ذلك منه قال : إنك لعلى خلق عظيم " .
الثانية : روى الترمذي عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " . قال : حديث حسن صحيح . وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء " . قال : حديث حسن صحيح . وعنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق ، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصلاة والصوم " . قال : حديث غريب من هذا الوجه . وعن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ فقال : " تقوى الله وحسن الخلق " . وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار ؟ فقال : " الفم والفرج " قال : هذا حديث صحيح غريب . وعن عبد الله بن المبارك أنه وصف حسن الخلق فقال : هو بسط الوجه ، وبذل المعروف ، وكف الأذى . وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا - قال - وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون . قالوا : يا رسول الله ، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون ، فما المتفيهقون ؟ قال : المتكبرون " . قال : وفي الباب عن أبي هريرة وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه .
وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ ٤
{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } أي: عاليًا به، مستعليًا بخلقك الذي من الله عليك به، وحاصل خلقه العظيم، ما فسرته به أم المؤمنين، [عائشة -رضي الله عنها-] لمن سألها عنه، فقالت: "كان خلقه القرآن"، وذلك نحو قوله تعالى له: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } [الآية]، { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيُصُ عَلَيْكُم بِالمْؤُمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } وما أشبه ذلك من الآيات الدالات على اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، [والآيات] الحاثات على الخلق العظيم فكان له منها أكملها وأجلها، وهو في كل خصلة منها، في الذروة العليا، فكان صلى الله عليه وسلم سهلًا لينا، قريبًا من الناس، مجيبًا لدعوة من دعاه، قاضيًا لحاجة من استقضاه، جابرًا لقلب من سأله، لا يحرمه، ولا يرده خائبًا، وإذا أراد أصحابه منه أمرًا وافقهم عليه، وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسًا له إلا أتم عشرة وأحسنها، فكان لا يعبس في وجهه، ولا يغلظ عليه في مقاله، ولا يطوي عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة، بل يحسن إلي عشيره غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال صلى الله عليه وسلم.
فَسَتُبۡصِرُ وَيُبۡصِرُونَ ٥
نسخ
مشاركة
التفسير
فَسَتُبۡصِرُ وَيُبۡصِرُونَ ٥
وقوله : ( فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون ) أي : فستعلم يا محمد ، وسيعلم مخالفوك ومكذبوك : من المفتون الضال منك ومنهم . وهذا كقوله تعالى : ( سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ) [ القمر : 26 ] ، وكقوله : ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) [ سبإ : 24 ] .
قال ابن جريج : قال ابن عباس في هذه الآية : ستعلم ويعلمون يوم القيامة .
فَسَتُبۡصِرُ وَيُبۡصِرُونَ ٥
قوله تعالى : فستبصر ويبصرون قال ابن عباس : معناه فستعلم ويعلمون يوم القيامة . وقيل : فسترى ويرون يوم القيامة حين يتبين الحق والباطل .
فَسَتُبۡصِرُ وَيُبۡصِرُونَ ٥
فلما أنزله الله في أعلى المنازل من جميع الوجوه، وكان أعداؤه ينسبون إليه أنه مجنون مفتون قال: { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ } وقد تبين أنه أهدى الناس، وأكملهم لنفسه ولغيره، وأن أعداءه أضل الناس، [وشر الناس] للناس، وأنهم هم الذين فتنوا عباد الله، وأضلوهم عن سبيله، وكفى بعلم الله بذلك، فإنه هو المحاسب المجازي.
بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ ٦
نسخ
مشاركة
التفسير
بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ ٦
وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( بأيكم المفتون ) أي : الجنون . وكذا قال مجاهد وغيره . وقال قتادة وغيره : ( بأيكم المفتون ) أي : أولى بالشيطان .
ومعنى المفتون ظاهر ، أي : الذي قد افتتن عن الحق وضل عنه ، وإنما دخلت الباء في قوله : ( بأيكم المفتون ) لتدل على تضمين الفعل في قوله : ( فستبصر ويبصرون ) وتقديره : فستعلم ويعلمون ، أو : فستخبر ويخبرون بأيكم المفتون . والله أعلم .
بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ ٦
بأيكم المفتون الباء زائدة ; أي فستبصر ويبصرون أيكم المفتون . أي الذي فتن بالجنون ; كقوله تعالى : تنبت بالدهن و يشرب بها عباد الله . وهذا قول قتادة وأبي عبيد والأخفش . وقال الراجز :
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
وقيل : الباء ليست بزائدة ; والمعنى : بأيكم المفتون أي الفتنة . وهو مصدر على وزن المفعول ، ويكون معناه الفتون ; كما قالوا : ما لفلان مجلود ولا معقول ; أي عقل ولا جلادة . وقاله الحسن والضحاك وابن عباس . وقال الراعي :
حتى إذا لم يتركوا لعظامه لحما ولا لفؤاده معقولا
أي عقلا . وقيل في الكلام تقدير حذف مضاف ; والمعنى : بأيكم فتنة المفتون . وقال الفراء : الباء بمعنى في ; أي فستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون ; أبالفرقة التي أنت فيها من المؤمنين أم بالفرقة الأخرى . والمفتون : المجنون الذي فتنه الشيطان . وقيل : المفتون المعذب . من قول العرب : فتنت الذهب بالنار إذا حميته . ومنه قوله تعالى : يوم هم على النار يفتنون أي يعذبون . ومعظم السورة نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي جهل . وقيل : المفتون هو الشيطان ; لأنه مفتون في دينه . وكانوا يقولون : إن به شيطانا ، وعنوا بالمجنون هذا ; فقال الله تعالى : فسيعلمون غدا بأيهم المجنون ; أي الشيطان الذي يحصل من مسه الجنون واختلاط العقل .
بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ ٦
فلما أنزله الله في أعلى المنازل من جميع الوجوه، وكان أعداؤه ينسبون إليه أنه مجنون مفتون قال: { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ } وقد تبين أنه أهدى الناس، وأكملهم لنفسه ولغيره، وأن أعداءه أضل الناس، [وشر الناس] للناس، وأنهم هم الذين فتنوا عباد الله، وأضلوهم عن سبيله، وكفى بعلم الله بذلك، فإنه هو المحاسب المجازي.
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ ٧
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ ٧
أي هو يعلم تعالى أي الفريقين منكم ومنهم هو المهتدي ويعلم الحزب الضال عن الحق.
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ ٧
إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله أي إن الله هو العالم بمن حاد عن دينه .
وهو أعلم بالمهتدين أي الذين هم على الهدى فيجازي كلا غدا بعمله .
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ ٧
و { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } وهذا فيه تهديد للضالين، ووعد للمهتدين، وبيان لحكمة الله، حيث كان يهدي من يصلح للهداية، دون غيره.
فَلَا تُطِعِ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ٨
نسخ
مشاركة
التفسير
فَلَا تُطِعِ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ٨
يقول تعالى كما أنعمنا عليك وأعطيناك الشرع المستقيم والخلق العظيم "فلا تطع المكذبين ".
فَلَا تُطِعِ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ٨
قوله تعالى : فلا تطع المكذبين نهاه عن ممايلة المشركين ; وكانوا يدعونه إلى أن يكف عنهم ليكفوا عنه ، فبين الله تعالى أن ممايلتهم كفر . وقال تعالى : ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا . وقيل : أي فلا تطع المكذبين فيما دعوك إليه من دينهم الخبيث . نزلت في مشركي قريش حين دعوه إلى دين آبائه .
فَلَا تُطِعِ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ٨
يقول الله تعالى، لنبيه صلى الله عليه وسلم: { فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ } الذين كذبوك وعاندوا الحق، فإنهم ليسوا أهلًا لأن يطاعوا، لأنهم لا يأمرون إلا بما يوافق أهواءهم، وهم لا يريدون إلا الباطل، فالمطيع لهم مقدم على ما يضره، وهذا عام في كل مكذب، وفي كل طاعة ناشئة عن التكذيب، وإن كان السياق في شيء خاص، وهو أن المشركين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يسكت عن عيب آلهتهم ودينهم، ويسكتوا عنه.
وَدُّواْ لَوۡ تُدۡهِنُ فَيُدۡهِنُونَ ٩
نسخ
مشاركة
التفسير
وَدُّواْ لَوۡ تُدۡهِنُ فَيُدۡهِنُونَ ٩
"ودوا لو تدهن فيدهنون" قال ابن عباس: لو ترخص لهم فيرخصون.
وقال مجاهد: "ودوا لو تدهن" تركن إلى آلهتم وتترك ما أنت عليه من الحق.
وَدُّواْ لَوۡ تُدۡهِنُ فَيُدۡهِنُونَ ٩
قوله تعالى : ودوا لو تدهن فيدهنون قال ابن عباس وعطية والضحاك والسدي : ودوا لو تكفر فيتمادون على كفرهم . وعن ابن عباس أيضا : ودوا لو ترخص لهم فيرخصون لك . وقال الفراء والكلبي : لو تلين فيلينون لك . والادهان : التليين لمن لا ينبغي له التليين ; قاله الفراء . وقال مجاهد : المعنى ودوا لو ركنت إليهم وتركت الحق فيمالئونك . وقال الربيع بن أنس : ودوا لو تكذب فيكذبون . وقال قتادة : ودوا لو تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك . الحسن : ودوا لو تصانعهم في دينك فيصانعونك في دينهم . وعنه أيضا : ودوا لو ترفض بعض أمرك فيرفضون بعض أمرهم . زيد بن أسلم : لو تنافق وترائي فينافقون ويراءون . وقيل : ودوا لو تضعف فيضعفون ; قاله أبو جعفر . وقيل : ودوا لو تداهن في دينك فيداهنون في أديانهم ; قاله القتبي . وعنه : طلبوا منه أن يعبد آلهتهم مدة ويعبدوا إلهه مدة . فهذه اثنا عشر قولا . ابن العربي : ذكر المفسرون فيها نحو عشرة أقوال كلها دعاوى على اللغة والمعنى . أمثلها قولهم : ودوا لو تكذب فيكذبون ، ودوا لو تكفر فيكفرون .
قلت : كلها إن شاء الله تعالى صحيحة على مقتضى اللغة والمعنى ; فإن الادهان : اللين والمصانعة . وقيل : مجاملة العدو ممايلته . وقيل : المقاربة في الكلام والتليين في القول . قال الشاعر :
لبعض الغشم أحزم في أمور تنوبك من مداهنة العده
وقال المفضل : النفاق وترك المناصحة . فهي على هذا الوجه مذمومة ، وعلى الوجه الأول غير مذمومة ، وكل شيء منها لم يكن . قال المبرد : يقال ادهن في دينه وداهن في أمره ; أي خان فيه وأظهر خلاف ما يضمر . وقال قوم : داهنت بمعنى واريت ، وادهنت بمعنى غششت ; قاله الجوهري . وقال : فيدهنون فساقه على العطف ، ولو جاء به جواب النهي لقال فيدهنوا . وإنما أراد : إن تمنوا لو فعلت فيفعلون مثل فعلك ; عطفا لا جزاء عليه ولا مكافأة ، وإنما هو تمثيل وتنظير .
وَدُّواْ لَوۡ تُدۡهِنُ فَيُدۡهِنُونَ ٩
{ وَدُّوا } أي: المشركون { لَوْ تُدْهِنُ } أي: توافقهم على بعض ما هم عليه، إما بالقول أو الفعل أو بالسكوت عما يتعين الكلام فيه، { فَيُدْهِنُونَ } ولكن اصدع بأمر الله، وأظهر دين الإسلام، فإن تمام إظهاره، بنقض ما يضاده، وعيب ما يناقضه.
وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافٖ مَّهِينٍ ٠١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافٖ مَّهِينٍ ٠١
ثم قال تعالى : ( ولا تطع كل حلاف مهين ) وذلك أن الكاذب لضعفه ومهانته إنما يتقي بأيمانه الكاذبة التي يجترئ بها على أسماء الله تعالى ، واستعمالها في كل وقت في غير محلها .
قال ابن عباس : المهين الكاذب . وقال مجاهد : هو الضعيف القلب . قال الحسن : كل حلاف : مكابر ، مهين : ضعيف .
وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافٖ مَّهِينٍ ٠١
يعني الأخنس بن شريق ; في قول الشعبي والسدي وابن إسحاق . وقيل : الأسود بن عبد يغوث ، أو عبد الرحمن بن الأسود ; قاله مجاهد . وقيل : الوليد بن المغيرة ، عرض على النبي صلى الله عليه وسلم مالا وحلف أن يعطيه إن رجع عن دينه ; قاله مقاتل . وقال ابن عباس : هو أبو جهل بن هشام . والحلاف : الكثير الحلف . والمهين : الضعيف القلب ; عن مجاهد . ابن عباس : الكذاب . والكذاب مهين . وقيل : المكثار في الشر ; قاله الحسن وقتادة . وقال الكلبي : المهين الفاجر العاجز . وقيل : معناه الحقير عند الله . وقال ابن شجرة : إنه الذليل . الرماني : المهين الوضيع لإكثاره من القبيح . وهو فعيل من المهانة بمعنى القلة . وهي هنا القلة في الرأي والتمييز . أو هو فعيل بمعنى مفعل ; والمعنى مهان .
وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافٖ مَّهِينٍ ٠١
{ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ } أي: كثير الحلف، فإنه لا يكون كذلك إلا وهو كذاب، ولا يكون كذابًا إلا وهو { مُهِينٌ } أي: خسيس النفس، ناقص الهمة، ليس له همة في الخير، بل إرادته في شهوات نفسه الخسيسة.
هَمَّازٖ مَّشَّآءِۢ بِنَمِيمٖ ١١
نسخ
مشاركة
التفسير
هَمَّازٖ مَّشَّآءِۢ بِنَمِيمٖ ١١
وقوله ( هماز ) قال ابن عباس ، وقتادة : يعني الاغتياب .
( مشاء بنميم ) يعني : الذي يمشي بين الناس ، ويحرش بينهم ، وينقل الحديث لفساد ذات البين وهي الحالقة ، وقد ثبت في الصحيحين من حديث مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقبرين فقال : " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة " الحديث . وأخرجه بقية الجماعة في كتبهم ، من طرق عن مجاهد به .
وقال أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن همام أن حذيفة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا يدخل الجنة قتات " .
رواه الجماعة - إلا ابن ماجه - من طرق ، عن إبراهيم به .
وحدثنا عبد الرزاق ، حدثنا الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن همام ، عن حذيفة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا يدخل الجنة قتات " يعني : نماما .
وحدثنا يحيى بن سعيد القطان أبو سعيد الأحول ، عن الأعمش حدثني إبراهيم - منذ نحو ستين سنة - عن همام بن الحارث قال : مر رجل على حذيفة فقيل : إن هذا يرفع الحديث إلى الأمراء . فقال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول - أو : قال - : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يدخل الجنة قتات " .
وقال أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا مهدي ، عن واصل الأحدب ، عن أبي وائل قال : بلغ حذيفة عن رجل أنه ينم الحديث ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يدخل الجنة نمام " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن ابن خثيم ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد بن السكن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ألا أخبركم بخياركم ؟ " . قالوا : بلى يا رسول الله . قال : " الذين إذا رءوا ذكر الله ، عز وجل " . ثم قال : " ألا أخبركم بشراركم ؟ المشاءون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، والباغون للبرآء العنت " .
ورواه ابن ماجه عن سويد بن سعيد ، عن يحيى بن سليم ، عن ابن خثيم به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي حسين ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم - يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - : " خيار عباد الله الذين إذا رءوا ذكر الله ، وشرار عباد الله المشاءون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العنت "
هَمَّازٖ مَّشَّآءِۢ بِنَمِيمٖ ١١
هماز قال ابن زيد : الهماز الذي يهمز الناس بيده ويضربهم . واللماز باللسان . وقال الحسن : هو الذي يهمز ناحية في المجلس ; كقوله تعالى : " همزة " . وقيل : الهماز الذي يذكر الناس في وجوههم . واللماز الذي يذكرهم في مغيبهم ; قاله أبو العالية وعطاء بن أبي رباح والحسن أيضا . وقال مقاتل ضد هذا الكلام : إن الهمزة الذي يغتاب بالغيبة . واللمزة الذي يغتاب في الوجه . وقال مرة : هما سواء . وهو القتات الطعان للمرء إذا غاب . ونحوه عن ابن عباس وقتادة . قال الشاعر :
تدلي بود إذا لاقيتني كذبا وإن أغب فأنت الهامز اللمزه
مشاء بنميم أي يمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم . يقال : نم ينم نما ونميما ونميمة ; أي يمشي ويسعى بالفساد . وفي صحيح مسلم عن حذيفة أنه بلغه أن رجلا ينم الحديث ، فقال حذيفة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يدخل الجنة نمام " . وقال الشاعر :
ومولى كبيت النمل لا خير عنده لمولاه إلا سعيه بنميم
قال الفراء : هما لغتان . وقيل : النميم جمع نميمة .
هَمَّازٖ مَّشَّآءِۢ بِنَمِيمٖ ١١
{ هَمَّازٍ } أي: كثير العيب [للناس] والطعن فيهم بالغيبة والاستهزاء، وغير ذلك.
{ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } أي: يمشي بين الناس بالنميمة، وهي: نقل كلام بعض الناس لبعض، لقصد الإفساد بينهم، وإلقاء العداوة والبغضاء.
مَّنَّاعٖ لِّلۡخَيۡرِ مُعۡتَدٍ أَثِيمٍ ٢١
نسخ
مشاركة
التفسير
مَّنَّاعٖ لِّلۡخَيۡرِ مُعۡتَدٍ أَثِيمٍ ٢١
أي يمنع ما عليه وما لديه من الخير "معتد" في تناول ما أحل الله له يتجاوز فيها الحد المشروع "أثيم" أي يتناول المحرمات.
مَّنَّاعٖ لِّلۡخَيۡرِ مُعۡتَدٍ أَثِيمٍ ٢١
مناع للخير أي للمال أن ينفق في وجوهه . وقال ابن عباس : يمنع عن الإسلام ولده وعشيرته . وقال الحسن : يقول لهم من دخل منكم في دين محمد لا أنفعه بشيء أبدا .
معتد ؛ أي على الناس في الظلم ، متجاوز للحد ، صاحب باطل .
أثيم أي ذي إثم ، ومعناه أثوم ، فهو فعيل بمعنى فعول .
مَّنَّاعٖ لِّلۡخَيۡرِ مُعۡتَدٍ أَثِيمٍ ٢١
{ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ } الذي يلزمه القيام به من النفقات الواجبة والكفارات والزكوات وغير ذلك، { مُعْتَدٍ } على الخلق في ظلمهم، في الدماء والأموال والأعراض { أَثِيمٍ } أي: كثير الإثم والذنوب المتعلقة في حق الله تعالى
عُتُلِّۢ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ ٣١
نسخ
مشاركة
التفسير
عُتُلِّۢ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ ٣١
وقوله : ( عتل بعد ذلك زنيم ) أما العتل : فهو الفظ الغليظ الصحيح ، الجموع المنوع .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، وعبد الرحمن ، عن سفيان ، عن معبد بن خالد ، عن حارثة بن وهب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أنبئكم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ، ألا أنبئكم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر " . وقال وكيع : " كل جواظ جعظري مستكبر " .
أخرجاه في الصحيحين ، وبقية الجماعة إلا أبا داود من حديث سفيان الثوري ، وشعبة ، كلاهما عن معبد بن خالد به .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا موسى بن علي ، قال : سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عند ذكر أهل النار : " كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع " . تفرد به أحمد .
قال أهل اللغة : الجعظري : الفظ الغليظ ، والجواظ : الجموع المنوع .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا عبد الحميد ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العتل الزنيم ، فقال : " هو الشديد الخلق ، المصحح ، الأكول ، الشروب ، الواجد للطعام والشراب ، الظلوم للناس ، رحيب الجوف " .
وبهذا الإسناد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يدخل الجنة الجواظ الجعظري ، العتل الزنيم " وقد أرسله أيضا غير واحد من التابعين .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " تبكي السماء من عبد أصح الله جسمه ، وأرحب جوفه ، وأعطاه من الدنيا مقضما ، فكان للناس ظلوما . قال : فذلك العتل الزنيم " .
وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريقين مرسلين ، ونص عليه غير واحد من السلف ، منهم مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، وغيرهم : أن العتل هو : المصحح الخلق ، الشديد القوي في المأكل والمشرب والمنكح ، وغير ذلك ، وأما الزنيم فقال البخاري :
حدثنا محمود ، حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : ( عتل بعد ذلك زنيم ) قال : رجل من قريش له زنمة مثل زنمة الشاة .
ومعنى هذا : أنه كان مشهورا بالشر كشهرة الشاة ذات الزنمة من بين أخواتها . وإنما الزنيم في لغة العرب : هو الدعي في القوم . قاله ابن جرير ، وغير واحد من الأئمة ، قال : ومنه قول حسان بن ثابت يعني يذم بعض كفار قريش :
وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
وقال آخر :
زنيم ليس يعرف من أبوه بغي الأم ذو حسب لئيم
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمار بن خالد الواسطي ، حدثنا أسباط ، عن هشام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( زنيم ) قال : الدعي الفاحش اللئيم . ثم قال ابن عباس :
زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الأديم الأكارع
وقال العوفي ، عن ابن عباس : الزنيم : الدعي . ويقال : الزنيم : رجل كانت به زنمة يعرف بها . ويقال : هو الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة . وزعم أناس من بني زهرة أن الزنيم الأسود بن عبد يغوث الزهري وليس به .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : أنه زعم أن الزنيم الملحق النسب .
وقال ابن أبي حاتم : حدثني يونس ، حدثنا ابن وهب ، حدثني سليمان بن بلال ، عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب ، أنه سمعه يقول في هذه الآية : ( عتل بعد ذلك زنيم ) قال سعيد : هو الملصق بالقوم ، ليس منهم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عقبة بن خالد ، عن عامر بن قدامة ، قال : سئل عكرمة ، عن الزنيم ، قال : هو ولد الزنا .
وقال الحكم بن أبان ، عن عكرمة في قوله تعالى : ( عتل بعد ذلك زنيم ) قال : يعرف المؤمن من الكافر مثل الشاة الزنماء . والزنماء من الشياه : التي في عنقها هنتان معلقتان في حلقها . وقال الثوري ، عن جابر ، عن الحسن ، عن سعيد بن جبير قال : الزنيم : الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها . والزنيم : الملصق ، رواه ابن جرير .
وروى أيضا من طريق داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال في الزنيم : قال : نعت فلم يعرف حتى قيل : زنيم . قال : وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها . وقال آخرون : كان دعيا .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن أصحاب التفسير قالوا هو الذي تكون له زنمة مثل زنمة الشاة .
وقال الضحاك : كانت له زنمة في أصل أذنه ، ويقال : هو اللئيم الملصق في النسب .
وقال أبو إسحاق : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : هو المريب الذي يعرف بالشر .
وقال مجاهد : الزنيم الذي يعرف بهذا الوصف كما تعرف الشاة . وقال أبو رزين : الزنيم علامة الكفر . وقال عكرمة : الزنيم الذي يعرف باللؤم كما تعرف الشاة بزنمتها .
والأقوال في هذا كثيرة ، وترجع إلى ما قلناه ، وهو أن الزنيم هو : المشهور بالشر ، الذي يعرف به من بين الناس ، وغالبا يكون دعيا ولد زنا ، فإنه في الغالب يتسلط الشيطان عليه ما لا يتسلط على غيره ، كما جاء في الحديث : " لا يدخل الجنة ولد زنا " وفي الحديث الآخر : " ولد الزنا شر الثلاثة إذا عمل بعمل أبويه " .
عُتُلِّۢ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ ٣١
عتل بعد ذلك زنيم العتل الجافي الشديد في كفره . وقال الكلبي والفراء : هو الشديد الخصومة بالباطل . وقيل : إنه الذي يعتل الناس فيجرهم إلى حبس أو عذاب . مأخوذ من العتل وهو الجر ; ومنه قوله تعالى : خذوه فاعتلوه . وفي الصحاح : وعتلت الرجل أعتله وأعتله إذا جذبته جذبا عنيفا . ورجل معتل ( بالكسر ) . وقال يصف فرسا :
نفرعه فرعا ولسنا نعتله
قال ابن السكيت : عتله وعتنه ، باللام والنون جميعا . والعتل الغليظ الجافي . والعتل أيضا : الرمح الغليظ . ورجل عتل ( بالكسر ) بين العتل ; أي سريع إلى الشر . ويقال : لا أنعتل معك ; أي لا أبرح مكاني . وقال عبيد بن عمير : العتل الأكول الشروب القوي الشديد يوضع في الميزان فلا يزن شعيرة ; يدفع الملك من أولئك في جهنم بالدفعة الواحدة سبعين ألفا . وقال علي بن أبي طالب والحسن : العتل الفاحش السيئ الخلق . وقال معمر : هو الفاحش اللئيم . قال الشاعر :
بعتل من الرجال زنيم غير ذي نجدة وغير كريم
وفي صحيح مسلم عن حارثة بن وهب سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أخبركم بأهل الجنة . قالوا : بلى . قال : كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره . ألا أخبركم بأهل النار . قالوا : بلى . قال : كل عتل جواظ مستكبر . في رواية عنه : كل جواظ زنيم متكبر " . الجواظ : قيل هو الجموع المنوع . وقيل الكثير اللحم المختال في مشيته . وذكر الماوردي عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم ، ورواه ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا العتل الزنيم " . فقال رجل : ما الجواظ وما الجعظري وما العتل الزنيم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الجواظ الذي جمع ومنع . والجعظري الغليظ . والعتل الزنيم الشديد الخلق ، الرحيب الجوف ، المصحح الأكول الشروب ، الواجد للطعام ، الظلوم للناس " . وذكره الثعلبي عن شداد بن أوس : " لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا عتل زنيم " . سمعتهن من النبي صلى الله عليه وسلم . قلت : وما الجواظ ؟ قال : الجماع المناع . قلت : وما الجعظري ؟ قال : الفظ الغليظ . قلت : وما العتل الزنيم ؟ قال : الرحيب الجوف ، الوثير الخلق ، الأكول الشروب ، الغشوم الظلوم .
قلت : فهذا التفسير من النبي صلى الله عليه وسلم في العتل قد أربى على أقوال المفسرين . ووقع في كتاب أبي داود في تفسير الجواظ أنه الفظ الغليظ . ذكره من حديث حارثة بن وهب الخزاعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري " . قال : والجواظ : الفظ الغليظ . ففيه تفسيران مرفوعان حسب ما ذكرناه أولا . وقد قيل : إنه الجافي القلب . وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى : عتل بعد ذلك زنيم قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " تبكي السماء من رجل أصح الله جسمه ، ورحب جوفه ، وأعطاه من الدنيا بعضا ، فكان للناس ظلوما ، فذلك العتل الزنيم . وتبكي السماء من الشيخ الزاني ما تكاد الأرض تقله " . والزنيم الملصق بالقوم الدعي ; عن ابن عباس وغيره . قال الشاعر :
زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الأديم الأكارع
وعن ابن عباس أيضا أنه رجل من قريش كانت له زنمة كزنمة الشاة . وروى عنه ابن جبير . أنه الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها . وقال عكرمة : هو اللئيم الذي يعرف بلؤمه كما تعرف الشاة بزنمتها . وقيل : إنه الذي يعرف بالأبنة . وهو مروي عن ابن عباس أيضا . وعنه أنه الظلوم . فهذه ستة أقوال . وقال مجاهد : زنيم كانت له ستة أصابع في يده ، في كل إبهام له إصبع زائدة . وعنه أيضا وسعيد بن المسيب وعكرمة : هو ولد الزنا الملحق في النسب بالقوم . وكان الوليد دعيا في قريش ليس من سنخهم ; ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة من مولده . قال الشاعر :
زنيم ليس يعرف من أبوه بغي الأم ذو حسب لئيم
وقال حسان :
وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
قلت : وهذا هو القول الأول بعينه . وعن علي رضي الله تعالى عنه أنه الذي لا أصل له ; والمعنى واحد . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة ولد زنا ، ولا ولده ، ولا ولد ولده " . وقال عبد الله بن عمر : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أولاد الزنا يحشرون يوم القيامة في صورة القردة والخنازير " . وقالت ميمونة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا ، فإذا فشا فيهم ولد الزنا أوشك أن يعمهم الله بعقاب " . وقال عكرمة : إذا كثر ولد الزنا قحط المطر .
قلت : أما الحديث الأول والثاني فما أظن لهما سندا يصح ، وأما حديث ميمونة وما قاله عكرمة ففي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما فزعا محمرا وجهه يقول : " لا إله إلا الله . ويل للعرب من شر قد اقترب . فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه . وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها . قالت : فقلت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم ، إذا كثر الخبث " خرجه البخاري . وكثرة الخبث ظهور الزنا وأولاد الزنا ; كذا فسره العلماء . وقول عكرمة " قحط المطر " تبيين لما يكون به الهلاك . وهذا يحتاج إلى توقيف ، وهو أعلم من أين قاله . ومعظم المفسرين على أن هذا نزل في الوليد بن المغيرة ، وكان يطعم أهل منى حيسا ثلاثة أيام ، وينادي : ألا لا يوقدن أحد تحت برمة ، ألا لا يدخنن أحد بكراع ، ألا ومن أراد الحيس فليأت الوليد بن المغيرة . وكان ينفق في الحجة الواحدة عشرين ألفا وأكثر . ولا يعطي المسكين درهما واحدا فقيل : مناع للخير . وفيه نزل : ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة . وقال محمد بن إسحاق : نزلت في الأخنس بن شريق ، لأنه حليف ملحق في بني زهرة ، فلذلك سمي زنيما . وقال ابن عباس : في هذه الآية نعت ، فلم يعرف حتى قتل فعرف ، وكان له زنمة في عنقه معلقة يعرف بها . وقال مرة الهمداني : إنما ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة .
عُتُلِّۢ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ ٣١
{ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ } أي: غليظ شرس الخلق قاس غير منقاد للحق { زَنِيمٍ } أي: دعي، ليس له أصل و [لا] مادة ينتج منها الخير، بل أخلاقه أقبح الأخلاق، ولا يرجى منه فلاح، له زنمة أي: علامة في الشر، يعرف بها.
وحاصل هذا، أن الله تعالى نهى عن طاعة كل حلاف كذاب، خسيس النفس، سيئ الأخلاق، خصوصًا الأخلاق المتضمنة للإعجاب بالنفس، والتكبر على الحق وعلى الخلق، والاحتقار للناس، كالغيبة والنميمة، والطعن فيهم، وكثرة المعاصي.
أَن كَانَ ذَا مَالٖ وَبَنِينَ ٤١
نسخ
مشاركة
التفسير
أَن كَانَ ذَا مَالٖ وَبَنِينَ ٤١
يقول تعالى هذا مقابلة ما أنعم الله عليه من المال والبنين.
أَن كَانَ ذَا مَالٖ وَبَنِينَ ٤١
قوله تعالى : أن كان ذا مال وبنين قرأ أبو جعفر وابن عامر وأبو حيوة والمغيرة والأعرج " آن كان " بهمزة واحدة ممدودة على الاستفهام . وقرأ المفضل وأبو بكر وحمزة " أأن كان " بهمزتين محققتين . وقرأ الباقون بهمزة واحدة على الخبر ; فمن قرأ بهمزة مطولة أو بهمزتين محققتين فهو استفهام والمراد به التوبيخ ، ويحسن له أن يقف على زنيم ، ويبتدئ " أن كان " على معنى ألأن كان ذا مال وبنين تطيعه . ويجوز أن يكون التقدير : ألأن كان ذا مال وبنين يقول إذا تتلى عليه آياتنا : أساطير الأولين . ويجوز أن يكون التقدير : ألأن كان ذا مال وبنين يكفر ويستكبر . ودل عليه ما تقدم من الكلام فصار كالمذكور بعد الاستفهام . ومن قرأ " أن كان " بغير استفهام فهو مفعول من أجله والعامل فيه فعل مضمر ، والتقدير : يكفر لأن كان ذا مال وبنين .
أَن كَانَ ذَا مَالٖ وَبَنِينَ ٤١
وهذه الآيات - وإن كانت نزلت في بعض المشركين، كالوليد بن المغيرة أو غيره لقوله عنه: { أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } أي: لأجل كثرة ماله وولده، طغى واستكبر عن الحق، ودفعه حين جاءه، وجعله من جملة أساطير الأولين، التي يمكن صدقها وكذبها- فإنها عامة في كل من اتصف بهذا الوصف، لأن القرآن نزل لهداية الخلق كلهم، ويدخل فيه أول الأمة وآخرهم، وربما نزل بعض الآيات في سبب أو في شخص من الأشخاص، لتتضح به القاعدة العامة، ويعرف به أمثال الجزئيات الداخلة في القضايا العامة.
إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَٰتُنَا قَالَ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٥١
نسخ
مشاركة
التفسير
إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَٰتُنَا قَالَ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٥١
كفر بآيات الله وأعرض عنها ، وزعم أنها كذب مأخوذ من أساطير الأولين ، كقوله : ( ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعودا إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر ) قال الله تعالى : ( سأصليه سقر ) [ المدثر : 11 - 26 ] .
إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَٰتُنَا قَالَ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٥١
ودل على هذا الفعل : إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ولا يعمل في " أن " : " تتلى " ولا قال لأن ما بعد " إذا " لا يعمل فيما قبلها ; لأن " إذا " تضاف إلى الجمل التي بعدها ، ولا يعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف . و " قال " جواب الجزاء ولا يعمل فيما قبل الجزاء ; إذ حكم العامل أن يكون قبل المعمول فيه ، وحكم الجواب أن يكون بعد الشرط فيصير مقدما مؤخرا في حال . ويجوز أن يكون المعنى : لا تطعه لأن كان ذا يسار وعدد . قال ابن الأنباري : ومن قرأ بلا استفهام لم يحسن أن يقف على زنيم لأن المعنى لأن كان وبأن كان ، " فأن " متعلقة بما قبلها . قال غيره : يجوز أن يتعلق بقوله : " مشاء " بنميم ، والتقدير يمشي بنميم لأن كان ذا مال وبنين . وأجاز أبو علي أن يتعلق بعتل . وأساطير الأولين : أباطيلهم وترهاتهم وخرافاتهم . وقد تقدم .
إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَٰتُنَا قَالَ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٥١
وهذه الآيات - وإن كانت نزلت في بعض المشركين، كالوليد بن المغيرة أو غيره لقوله عنه: { أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } أي: لأجل كثرة ماله وولده، طغى واستكبر عن الحق، ودفعه حين جاءه، وجعله من جملة أساطير الأولين، التي يمكن صدقها وكذبها- فإنها عامة في كل من اتصف بهذا الوصف، لأن القرآن نزل لهداية الخلق كلهم، ويدخل فيه أول الأمة وآخرهم، وربما نزل بعض الآيات في سبب أو في شخص من الأشخاص، لتتضح به القاعدة العامة، ويعرف به أمثال الجزئيات الداخلة في القضايا العامة.
سَنَسِمُهُۥ عَلَى ٱلۡخُرۡطُومِ ٦١
نسخ
مشاركة
التفسير
سَنَسِمُهُۥ عَلَى ٱلۡخُرۡطُومِ ٦١
قال تعالى ها هنا : ( سنسمه على الخرطوم )
قال ابن جرير : سنبين أمره بيانا واضحا ، حتى يعرفوه ، ولا يخفى عليهم ، كما لا تخفى السمة على الخراطيم ، وهكذا قال قتادة : ( سنسمه على الخرطوم ) شين لا يفارقه آخر ما عليه . وفي رواية عنه : سيما على أنفه . وكذا قال السدي .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( سنسمه على الخرطوم ) يقاتل يوم بدر فيخطم بالسيف في القتال . وقال آخرون : ( سنسمه ) سمة أهل النار ، يعني نسود وجهه يوم القيامة ، وعبر عن الوجه بالخرطوم . حكى ذلك كله أبو جعفر بن جرير ومال إلى أنه لا مانع من اجتماع الجميع عليه في الدنيا والآخرة ، وهو متجه .
وقد قال ابن أبي حاتم في سورة ( عم يتساءلون ) حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح كاتب الليث ، حدثني الليث ، حدثني خالد ، عن سعيد ، عن عبد الملك بن عبد الله ، عن عيسى بن هلال الصدفي ، عن عبد الله بن عمرو ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن العبد يكتب مؤمنا أحقابا ، ثم أحقابا ، ثم يموت والله عليه ساخط . وإن العبد يكتب كافرا أحقابا ، ثم أحقابا ، ثم يموت والله عليه راض . ومن مات همازا لمازا ملقبا للناس ، كان علامته يوم القيامة أن يسمه الله على الخرطوم ، من كلا الشفتين " .
سَنَسِمُهُۥ عَلَى ٱلۡخُرۡطُومِ ٦١
قوله تعالى : سنسمه على الخرطوم فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : سنسمه قال ابن عباس : معنى سنسمه سنخطمه بالسيف . قال : وقد خطم الذي نزلت فيه يوم بدر بالسيف ; فلم يزل مخطوما إلى أن مات . وقال قتادة : سنسمه يوم القيامة على أنفه سمة يعرف بها ; يقال : وسمته وسما وسمة إذا أثرت فيه بسمة وكي . وقد قال تعالى : يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فهذه علامة ظاهرة . وقال تعالى : ونحشر المجرمين يومئذ زرقا وهذه علامة أخرى ظاهرة . فأفادت هذه الآية علامة ثالثة وهي الوسم على الأنف بالنار ; وهذا كقوله تعالى : يعرف المجرمون بسيماهم قاله الكلبي وغيره . وقال أبو العالية ومجاهد : سنسمه على الخرطوم أي على أنفه ، ونسود وجهه في الآخرة فيعرف بسواد وجهه . والخرطوم : الأنف من الإنسان . ومن السباع : موضع الشفة . وخراطيم القوم : ساداتهم . قال الفراء : وإن كان الخرطوم قد خص بالسمة فإنه في معنى الوجه ; لأن بعض الشيء يعبر به عن الكل . وقال الطبري : نبين أمره تبيانا واضحا حتى يعرفوه فلا يخفى عليهم كما لا تخفى السمة على الخراطيم . وقيل : المعنى سنلحق به عارا وسبة حتى يكون كمن وسم على أنفه . قال القتبي : تقول العرب للرجل يسب سبة سوء قبيحة باقية : قد وسم ميسم سوء ; أي ألصق به عار لا يفارقه ; كما أن السمة لا يمحى أثرها . قال جرير :
لما وضعت على الفرزدق ميسمي وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل
أراد به الهجاء . قال : وهذا كله نزل في الوليد بن المغيرة . ولا نعلم أن الله تعالى بلغ من ذكر عيوب أحد ما بلغه منه ; فألحقه به عارا لا يفارقه في الدنيا والآخرة ; كالوسم على الخرطوم . وقيل : هو ما ابتلاه الله به في الدنيا في نفسه وماله وأهله من سوء وذل وصغار ; قاله ابن بحر . واستشهد بقول الأعشى :
فدعها وما يغنيك واعمد لغيرها بشعرك واعلب أنف من أنت واسم
وقال النضر بن شميل : المعنى سنحده على شرب الخمر ، والخرطوم : الخمر ، وجمعه خراطيم ، قال الشاعر :
تظل يومك في لهو وفي طرب وأنت بالليل شراب الخراطيم
قال الراجز العجاج : صهباء خرطوما عقارا قرقفا وقال آخر :
أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه
ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا
الثانية : قال ابن العربي : كان الوسم في الوجه لذي المعصية قديما عند الناس ، حتى إنه روي - كما تقدم - أن اليهود لما أهملوا رجم الزاني اعتاضوا منه بالضرب وتحميم الوجه ; وهذا وضع باطل . ومن الوسم الصحيح في الوجه : ما رأى العلماء من تسويد وجه شاهد الزور علامة على قبح المعصية وتشديدا لمن يتعاطاها لغيره ممن يرجى تجنبه بما يرجى من عقوبة شاهد الزور وشهرته ; فقد كان عزيزا بقول الحق وقد صار مهينا بالمعصية . وأعظم الإهانة إهانة الوجه . وكذلك كانت الاستهانة به في طاعة الله سببا لخيرة الأبد والتحريم له على النار ; فإن الله تعالى قد حرم على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود ; حسب ما ثبت في الصحيح .
سَنَسِمُهُۥ عَلَى ٱلۡخُرۡطُومِ ٦١
ثم توعد تعالى من جرى منه ما وصف الله، بأن الله سيسمه على خرطومه في العذاب، وليعذبه عذابًا ظاهرًا، يكون عليه سمة وعلامة، في أشق الأشياء عليه، وهو وجهه.
إِنَّا بَلَوۡنَٰهُمۡ كَمَا بَلَوۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ إِذۡ أَقۡسَمُواْ لَيَصۡرِمُنَّهَا مُصۡبِحِينَ ٧١
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنَّا بَلَوۡنَٰهُمۡ كَمَا بَلَوۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ إِذۡ أَقۡسَمُواْ لَيَصۡرِمُنَّهَا مُصۡبِحِينَ ٧١
هذا مثل ضربه الله تعالى لكفار قريش فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة ، وأعطاهم من النعم الجسيمة ، وهو بعثه محمدا - صلى الله عليه وسلم - إليهم ، فقابلوه بالتكذيب والرد والمحاربة ; ولهذا قال : ( إنا بلوناهم ) أي : اختبرناهم ، ( كما بلونا أصحاب الجنة ) وهي البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه ( إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ) أي : حلفوا فيما بينهم ليجذن ثمرها ليلا لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل ، ليتوفر ثمرها عليهم ولا يتصدقوا منه بشيء
إِنَّا بَلَوۡنَٰهُمۡ كَمَا بَلَوۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ إِذۡ أَقۡسَمُواْ لَيَصۡرِمُنَّهَا مُصۡبِحِينَ ٧١
قوله تعالى : إنا بلوناهم يريد أهل مكة . والابتلاء الاختبار . والمعنى أعطيناهم أموالا ليشكروا لا ليبطروا ; فلما بطروا وعادوا محمدا صلى الله عليه وسلم ابتليناهم بالجوع والقحط كما بلونا أهل الجنة المعروف خبرها عندهم . وذلك أنها كانت بأرض اليمن بالقرب منهم على فراسخ من صنعاء - ويقال بفرسخين - وكانت لرجل يؤدي حق الله تعالى منها ; فلما مات صارت إلى ولده ، فمنعوا الناس خيرها وبخلوا بحق الله فيها ; فأهلكها الله من حيث لم يمكنهم دفع ما حل بها . قال الكلبي : كان بينهم وبين صنعاء فرسخان ; ابتلاهم الله بأن أحرق جنتهم . وقيل : هي جنة بضوران ، وضوران على فرسخ من صنعاء ، وكان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى عليه السلام بيسير - وكانوا بخلاء - فكانوا يجدون التمر ليلا من أجل المساكين ، وكانوا أرادوا حصاد زرعها وقالوا : لا يدخلها اليوم عليكم مسكين ، فغدوا عليها فإذا هي قد اقتلعت من أصلها فأصبحت كالصريم ; أي كالليل . ويقال أيضا للنهار صريم . فإن كان أراد الليل فلاسواد موضعها . وكأنهم وجدوا موضعها حمأة . وإن كان أراد بالصريم النهار فلذهاب الشجر والزرع ونقاء الأرض منه . وكان الطائف الذي طاف عليها جبريل عليه السلام فاقتلعها . فيقال : إنه طاف بها حول البيت ثم وضعها حيث مدينة الطائف اليوم ; ولذلك سميت الطائف . وليس في أرض الحجاز بلدة فيها الشجر والأعناب والماء غيرها . وقال البكري في المعجم : سميت الطائف لأن رجلا من الصدف يقال له الدمون ، بنى حائطا وقال : قد بنيت لكم طائفا حول بلدكم ; فسميت الطائف . والله أعلم .
الثانية : قال بعض العلماء : على من حصد زرعا أو جد ثمرة أن يواسي منها من حضره ; وذلك معنى قوله : وآتوا حقه يوم حصاده وأنه غير الزكاة على ما تقدم في " الأنعام " بيانه . وقال بعضهم : وعليه ترك ما أخطأه الحاصدون . وكان بعض العباد يتحرون أقواتهم من هذا . وروي أنه نهي عن الحصاد بالليل . فقيل : إنه لما ينقطع عن المساكين في ذلك من الرفق . وتأول من قال هذا الآية التي في سورة " ن والقلم " . قيل : إنما نهي عن ذلك خشية الحيات وهوام الأرض .
قلت : الأول أصح ; والثاني حسن . وإنما قلنا الأول أصح لأن العقوبة كانت بسبب ما أرادوه من منع المساكين كما ذكر الله تعالى . روى أسباط عن السدي قال : كان قوم باليمن وكان أبوهم رجلا صالحا ، وكان إذا بلغ ثماره أتاه المساكين فما يمنعهم من دخولها وأن يأكلوا منها ويتزودوا ; فلما مات قال بنوه بعضهم لبعض : علام نعطي أموالنا هؤلاء المساكين ! تعالوا فلندلج فنصرمنها قبل أن يعلم المساكين ، ولم يستثنوا ، فانطلقوا وبعضهم يقول لبعض خفتا : لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ; فذلك قوله تعالى : إذ أقسموا يعني حلفوا فيما بينهم " ليصرمنها مصبحين " يعني لنجذنها وقت الصبح قبل أن تخرج المساكين ; ولا يستثنون ; يعني لم يقولوا إن شاء الله . وقال ابن عباس : كانت تلك الجنة دون صنعاء بفرسخين ، غرسها رجل من أهل الصلاح وكان له ثلاثة بنين ، وكان للمساكين كل ما تعداه المنجل فلم يجذه من الكرم ، فإذا طرح على البساط فكل شيء سقط عن البساط فهو أيضا للمساكين ، فإذا حصدوا زرعهم فكل شيء تعداه المنجل فهو للمساكين ، فإذا درسوا كان لهم كل شيء انتثر ; فكان أبوهم يتصدق منها على المساكين ، وكان يعيش في ذلك في حياة أبيهم اليتامى والأرامل والمساكين ، فلما مات أبوهم فعلوا ما ذكر الله عنهم . فقالوا : قل المال وكثر العيال ; فتحالفوا بينهم ليغدون غدوة قبل خروج الناس ثم ليصرمنها ولا تعرف المساكين . وهو قوله : إذ أقسموا ؛ أي حلفوا " ليصرمنها " ليقطعن ثمر نخيلهم إذا أصبحوا بسدفة من الليل لئلا ينتبه المساكين لهم . والصرم القطع . يقال : صرم العذق عن النخلة . وأصرم النخل أي حان وقت صرامه . مثل أركب المهر وأحصد الزرع ، أي حان ركوبه وحصاده .
إِنَّا بَلَوۡنَٰهُمۡ كَمَا بَلَوۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ إِذۡ أَقۡسَمُواْ لَيَصۡرِمُنَّهَا مُصۡبِحِينَ ٧١
يقول تعالى: إنا بلونا هؤلاء المكذبين بالخير وأمهلناهم، وأمددناهم بما شئنا من مال وولد، وطول عمر، ونحو ذلك، مما يوافق أهواءهم، لا لكرامتهم علينا، بل ربما يكون استدراجًا لهم من حيث لا يشعرون فاغترارهم بذلك نظير اغترار أصحاب الجنة، الذين هم فيها شركاء، حين زهت ثمارها أينعت أشجارها، وآن وقت صرامها، وجزموا أنها في أيديهم، وطوع أمرهم، [وأنه] ليس ثم مانع يمنعهم منها، ولهذا أقسموا وحلفوا من غير استثناء، أنهم سيصرمونها أي: يجذونها مصبحين، ولم يدروا أن الله بالمرصاد، وأن العذاب سيخلفهم عليها، ويبادرهم إليها.
وَلَا يَسۡتَثۡنُونَ ٨١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَا يَسۡتَثۡنُونَ ٨١
أي فيما حلفوا به.
وَلَا يَسۡتَثۡنُونَ ٨١
ولا يستثنون أي ولم يقولوا إن شاء الله .
وقال مجاهد : كان حرثهم عنبا ولم يقولوا إن شاء الله . وقال أبو صالح : كان استثناؤهم قولهم سبحان الله ربنا . وقيل : معنى ولا يستثنون أي لا يستثنون حق المساكين ; قاله عكرمة .
وَلَا يَسۡتَثۡنُونَ ٨١
أقسموا وحلفوا من غير استثناء، أنهم سيصرمونها أي: يجذونها مصبحين، ولم يدروا أن الله بالمرصاد، وأن العذاب سيخلفهم عليها، ويبادرهم إليها.
فَطَافَ عَلَيۡهَا طَآئِفٞ مِّن رَّبِّكَ وَهُمۡ نَآئِمُونَ ٩١
نسخ
مشاركة
التفسير
فَطَافَ عَلَيۡهَا طَآئِفٞ مِّن رَّبِّكَ وَهُمۡ نَآئِمُونَ ٩١
ولهذا حنثهم الله في أيمانهم فقال تعالى "فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون" أي أصابتها آفة سماوية.
فَطَافَ عَلَيۡهَا طَآئِفٞ مِّن رَّبِّكَ وَهُمۡ نَآئِمُونَ ٩١
فجاءوها ليلا فرأوا الجنة مسودة قد طاف عليها طائف من ربك وهم نائمون . قيل : الطائف جبريل عليه السلام ; على ما تقدم ذكره . وقال ابن عباس : أمر من ربك . وقال قتادة : عذاب من ربك . ابن جريج : عنق من نار خرج من وادي جهنم . والطائف لا يكون إلا بالليل ; قاله الفراء .
الثالثة : قلت : في هذه الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان ; لأنهم عزموا على أن يفعلوا فعوقبوا قبل فعلهم . ونظير هذه الآية قوله تعالى : ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار . قيل : يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه " . وقد مضى مبينا في سورة " آل عمران " عند قوله تعالى : ولم يصروا على ما فعلوا .
فَطَافَ عَلَيۡهَا طَآئِفٞ مِّن رَّبِّكَ وَهُمۡ نَآئِمُونَ ٩١
{ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ } أي: عذاب نزل عليها ليلًا { وَهُمْ نَائِمُونَ } فأبادها وأتلفها
فَأَصۡبَحَتۡ كَٱلصَّرِيمِ ٠٢
نسخ
مشاركة
التفسير
فَأَصۡبَحَتۡ كَٱلصَّرِيمِ ٠٢
( فأصبحت كالصريم ) قال ابن عباس : أي كالليل الأسود . وقال الثوري ، والسدي : مثل الزرع إذا حصد ، أي هشيما يبسا .
وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن أحمد بن الصباح : أنبأنا بشر بن زاذان ، عن عمر بن صبح ، عن ليث بن أبي سليم ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إياكم والمعاصي ، إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقا قد كان هيئ له " ، ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم ) قد حرموا خير جنتهم بذنبهم .
فَأَصۡبَحَتۡ كَٱلصَّرِيمِ ٠٢
قوله تعالى : فأصبحت كالصريم أي كالليل المظلم عن ابن عباس والفراء وغيرهما . قال الشاعر :
تطاول ليلك الجون البهيم فما ينجاب عن صبح بهيم
أي احترقت فصارت كالليل الأسود . وعن ابن عباس أيضا : كالرماد الأسود . قال : الصريم الرماد الأسود بلغة خزيمة . الثوري : كالزرع المحصود . فالصريم بمعنى المصروم ؛ أي المقطوع ما فيه . وقال الحسن : صرم عنها الخير أي قطع ; فالصريم مفعول أيضا . وقال المؤرج : أي كالرملة انصرمت من معظم الرمل . يقال : صريمة وصرائم ; فالرملة لا تنبت شيئا ينتفع به . وقال الأخفش : أي كالصبح انصرم من الليل . وقال المبرد : أي كالنهار ; فلا شيء فيها . قال شمر : الصريم الليل والصريم النهار ; أي ينصرم هذا عن ذاك وذاك عن هذا . وقيل : سمي الليل صريما لأنه يقطع بظلمته عن التصرف ; ولهذا يكون فعيل بمعنى فاعل . قال القشيري : وفي هذا نظر ; لأن النهار يسمى صريما ولا يقطع عن تصرف .
فَأَصۡبَحَتۡ كَٱلصَّرِيمِ ٠٢
{ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ } أي: كالليل المظلم، ذهبت الأشجار والثمار، هذا وهم لا يشعرون بهذا الواقع الملم.
فَتَنَادَوۡاْ مُصۡبِحِينَ ١٢
نسخ
مشاركة
التفسير
فَتَنَادَوۡاْ مُصۡبِحِينَ ١٢
أي لما كان وقت الصبح نادى بعضهم بعضا ليذهبوا إلى الجذاذ أي القطع.
فَتَنَادَوۡاْ مُصۡبِحِينَ ١٢
فتنادوا مصبحين ينادي بعضهم بعضا
فَتَنَادَوۡاْ مُصۡبِحِينَ ١٢
ولهذا تنادوا فيما بينهم، لما أصبحوا يقول بعضهم لبعض: { أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ }
أَنِ ٱغۡدُواْ عَلَىٰ حَرۡثِكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰرِمِينَ ٢٢
نسخ
مشاركة
التفسير
أَنِ ٱغۡدُواْ عَلَىٰ حَرۡثِكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰرِمِينَ ٢٢
أي تريدون الصرام.
أَنِ ٱغۡدُواْ عَلَىٰ حَرۡثِكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰرِمِينَ ٢٢
أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين عازمين على الصرام والجداد . قال قتادة : حاصدين زرعكم . وقال الكلبي : ما كان في جنتهم من زرع ولا نخيل .
أَنِ ٱغۡدُواْ عَلَىٰ حَرۡثِكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰرِمِينَ ٢٢
ولهذا تنادوا فيما بينهم، لما أصبحوا يقول بعضهم لبعض: { أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ }
فَٱنطَلَقُواْ وَهُمۡ يَتَخَٰفَتُونَ ٣٢
نسخ
مشاركة
التفسير
فَٱنطَلَقُواْ وَهُمۡ يَتَخَٰفَتُونَ ٣٢
قال مجاهد: كان حرثهم عنبا "فانطلقوا وهم يتخافتون" أي يتناجون فيما بينهم بحيث لا يسمعون أحدا كلامهم.
ثم فسر الله سبحانه وتعالى عالم السر والنجوى ما كانوا يتخافتون به.
فَٱنطَلَقُواْ وَهُمۡ يَتَخَٰفَتُونَ ٣٢
قوله تعالى : فانطلقوا وهم يتخافتون أي يتسارون ; أي يخفون كلامهم ويسرونه لئلا يعلم بهم أحد ; قاله عطاء وقتادة . وهو من خفت يخفت إذا سكن ولم يبين . كما قال دريد بن الصمة :
وإني لم أهلك سلالا ولم أمت خفاتا وكلا ظنه بي عودي
وقيل : يخفون أنفسهم من الناس حتى لا يروهم .
فَٱنطَلَقُواْ وَهُمۡ يَتَخَٰفَتُونَ ٣٢
{ فَانْطَلَقُوا } قاصدين له { وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ } فيما بينهم، ولكن بمنع حق الله،
أَن لَّا يَدۡخُلَنَّهَا ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكُم مِّسۡكِينٞ ٤٢
نسخ
مشاركة
التفسير
أَن لَّا يَدۡخُلَنَّهَا ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكُم مِّسۡكِينٞ ٤٢
فقال تعالى "فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين" أي يقول بعضهم لبعض لا تمكنوا اليوم فقيرا يدخلها عليكم.
أَن لَّا يَدۡخُلَنَّهَا ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكُم مِّسۡكِينٞ ٤٢
وكان أبوهم يخبر الفقراء والمساكين فيحضروا وقت الحصاد والصرام .
أَن لَّا يَدۡخُلَنَّهَا ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكُم مِّسۡكِينٞ ٤٢
{ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ } أي: بكروا قبل انتشار الناس، وتواصوا مع ذلك، بمنع الفقراء والمساكين، ومن شدة حرصهم وبخلهم، أنهم يتخافتون بهذا الكلام مخافتة، خوفًا أن يسمعهم أحد، فيخبر الفقراء.
وَغَدَوۡاْ عَلَىٰ حَرۡدٖ قَٰدِرِينَ ٥٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَغَدَوۡاْ عَلَىٰ حَرۡدٖ قَٰدِرِينَ ٥٢
أي على قصد وقدرة فى أنفسهم ويظنون أنهم تمكنوا من مرادهم.
قال معناه ابن عباس وغيره.
والحرد القصد.
حرد يحرد (بالكسر) حردا قصد.
تقول: حردت حردك; أي قصدت قصدك.
ومنه قول الراجز: أقبل سيل جاء من عند الله يحرد حرد الجنة المغلة أنشده النحاس: قد جاء سيل جاء من أمر الله يحرد حرد الجنة المغلة قال البرد: المغلة ذات الغلة.
وقال غيره: المغلة التي يجري الماء في غللها أي في أصولها.
ومنه تغللت بالغالية.
ومنه تغليت, أبدل من اللام ياء.
ومن قال تغلفت فمعناه عنده جعلتها غلافا.
وقال قتادة ومجاهد: "على حرد" أي على جد.
الحسن: على حاجة وفاقة.
وقال أبو عبيدة والقتيبي: على حرد على منع; من قولهم حاردت الإبل حرادا أي قلت ألبانها.
والحرود من النوق القليلة الدر.
وحاردت السنة قل مطرها وخيرها.
وقال السدي وسفيان: "على حرد" على غضب.
والحرد الغضب.
قال أبو نصر أحمد بن حاتم صاحب الأصمعي: وهو مخفف; وأنشد شعرا: إذا جياد الخيل جاءت تردي مملوءة من غضب وحرد وقال ابن السكيت: وقد يحرك; تقول منه: حرد (بالكسر) حردا, فهو حارد وحردان.
ومنه قيل: أسد حارد, وليوث حوارد.
وقيل: "على حرد" على انفراد.
يقال: حرد يحرد حرودا; أي تنحى عن قومه ونزل منفردا ولم يخالطهم.
وقال أبو زيد: رجل حريد من قوم حرداء.
وقد حرد يحرد حرودا; إذا ترك قومه وتحول عنهم.
وكوكب حريد; أي معتزل عن الكواكب.
قال الأصمعي: رجل حريد; أي فريد وحيد.
قال والمنحرد المنفرد في لغة هذيل.
وأنشد لأبي ذؤيب: كأنه كوكب في الجو منحرد ورواه أبو عمرو بالجيم, وفسره: منفرد.
قال: وهو سهيل.
وقال الأزهري: حرد اسم قريتهم.
السدي: اسم جنتهم; وفيه لغتان: حرد وحرد.
وقرأ العامة بالإسكان.
وقرأ أبو العالية وابن السميقع بالفتح; وهما لغتان.
ومعنى "قادرين" قد قدروا أموهم وبنوا عليه; قاله الفراء.
وقال قتادة: قادرين على جنتهم عند أنفسهم.
وقال الشعبي: "قادرين" يعني على المساكين.
وقيل: معناه من الوجود; أي منعوا وهم واجدون.
وَغَدَوۡاْ عَلَىٰ حَرۡدٖ قَٰدِرِينَ ٥٢
وغدوا على حرد قادرين أي على قصد وقدرة في أنفسهم ويظنون أنهم تمكنوا من مرادهم . قال معناه ابن عباس وغيره . والحرد القصد . حرد يحرد ( بالكسر ) حردا قصد . تقول : حردت حردك ; أي قصدت قصدك . ومنه قول الراجز :
أقبل سيل جاء من عند الله يحرد حرد الجنة المغله
أنشده النحاس :
قد جاء سيل جاء من أمر الله يحرد حرد الجنة المغله
قال المبرد : المغلة ذات الغلة . وقال غيره : المغلة التي يجري الماء في غللها أي في أصولها . ومنه تغللت بالغالية . ومنه تغليت ، أبدل من اللام ياء . ومن قال تغلفت فمعناه عنده جعلتها غلافا . وقال قتادة ومجاهد : على حرد أي على جد . الحسن : على حاجة وفاقة . وقال أبو عبيدة والقتيبي : على حرد على منع ; من قولهم : حاردت الإبل حرادا أي قلت ألبانها . والحرود من النوق القليلة الدر . وحاردت السنة قل مطرها وخيرها . وقال السدي وسفيان : على حرد على غضب . والحرد الغضب . قال أبو نصر أحمد بن حاتم صاحب الأصمعي : وهو مخفف ; وأنشد شعرا :
إذا جياد الخيل جاءت تردي مملوءة من غضب وحرد
وقال ابن السكيت : وقد يحرك ; تقول منه : حرد ( بالكسر ) حردا ، فهو حارد وحردان . ومنه قيل : أسد حارد ، وليوث حوارد . وقيل : " على حرد " على انفراد . يقال : حرد يحرد حرودا ; أي تنحى عن قومه ونزل منفردا ولم يخالطهم . وقال أبو زيد : رجل حريد من قوم حرداء . وقد حرد يحرد حرودا ; إذا ترك قومه وتحول عنهم . وكوكب حريد ; أي معتزل عن الكواكب . قال الأصمعي : رجل حريد ; أي فريد وحيد . قال : والمنحرد المنفرد في لغة هذيل . وأنشد لأبي ذؤيب : كأنه كوكب في الجو منحرد ورواه أبو عمرو بالجيم ، وفسره : منفرد . قال : وهو سهيل . وقال الأزهري : حرد اسم قريتهم . السدي : اسم جنتهم ; وفيه لغتان : حرد وحرد . وقرأ العامة بالإسكان . وقرأ أبو العالية وابن السميقع بالفتح ; وهما لغتان . ومعنى " قادرين " قد قدروا أمرهم وبنوا عليه ; قاله الفراء . وقال قتادة : قادرين على جنتهم عند أنفسهم . وقال الشعبي : قادرين يعني على المساكين . وقيل : معناه من الوجود ; أي منعوا وهم واجدون .
وَغَدَوۡاْ عَلَىٰ حَرۡدٖ قَٰدِرِينَ ٥٢
{ وَغَدَوْا } في هذه الحالة الشنيعة، والقسوة، وعدم الرحمة { عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ } أي: على إمساك ومنع لحق الله، جازمين بقدرتهم عليها.
فَلَمَّا رَأَوۡهَا قَالُوٓاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ ٦٢
نسخ
مشاركة
التفسير
فَلَمَّا رَأَوۡهَا قَالُوٓاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ ٦٢
( فلما رأوها قالوا إنا لضالون ) أي : فلما وصلوا إليها وأشرفوا عليها ، وهي على الحالة التي قال الله ، عز وجل ، قد استحالت عن تلك النضارة ، والزهرة ، وكثرة الثمار إلى أن صارت سوداء مدلهمة ، لا ينتفع بشيء منها ، فاعتقدوا أنهم قد أخطئوا الطريق ; ولهذا قالوا : ( إنا لضالون ) أي : قد سلكنا إليها غير الطريق فتهنا عنها . قاله ابن عباس وغيره .
فَلَمَّا رَأَوۡهَا قَالُوٓاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ ٦٢
قوله تعالى : فلما رأوها قالوا إنا لضالون أي لما رأوها محترقة لا شيء فيها قد صارت كالليل الأسود ينظرون إليها كالرماد ، أنكروها وشكوا فيها . وقال بعضهم لبعض : إنا لضالون أي ضللنا الطريق إلى جنتنا ; قاله قتادة . وقيل : أي إنا لضالون عن الصواب في غدونا على نية منع المساكين ; فلذلك عوقبنا .
فَلَمَّا رَأَوۡهَا قَالُوٓاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ ٦٢
{ فَلَمَّا رَأَوْهَا } على الوصف الذي ذكر الله كالصريم { قَالُوا } من الحيرة والانزعاج. { إِنَّا لَضَالُّونَ } [أي: تائهون] عنها، لعلها غيرها
بَلۡ نَحۡنُ مَحۡرُومُونَ ٧٢
نسخ
مشاركة
التفسير
بَلۡ نَحۡنُ مَحۡرُومُونَ ٧٢
ثم رجعوا عما كانوا فيه ، وتيقنوا أنها هي فقالوا : ( بل نحن محرومون ) أي : بل هذه هي ، ولكن نحن لا حظ لنا ولا نصيب .
بَلۡ نَحۡنُ مَحۡرُومُونَ ٧٢
بل نحن محرومون أي حرمنا جنتنا بما صنعنا . روى أسباط عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والمعاصي ؛ إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقا كان هيئ له " ثم تلا : فطاف عليها طائف من ربك الآيتين .
بَلۡ نَحۡنُ مَحۡرُومُونَ ٧٢
فلما تحققوها، ورجعت إليهم عقولهم قالوا: { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } منها، فعرفوا حينئذ أنه عقوبة.
قَالَ أَوۡسَطُهُمۡ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ لَوۡلَا تُسَبِّحُونَ ٨٢
نسخ
مشاركة
التفسير
قَالَ أَوۡسَطُهُمۡ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ لَوۡلَا تُسَبِّحُونَ ٨٢
( قال أوسطهم ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومحمد بن كعب ، والربيع بن أنس ، والضحاك ، وقتادة : أي : أعدلهم وخيرهم : ( ألم أقل لكم لولا تسبحون ) ! قال مجاهد ، والسدي ، وابن جريج : ( لولا تسبحون ) أي : لولا تستثنون . قال السدي : وكان استثناؤهم في ذلك الزمان تسبيحا .
وقال ابن جريج : هو قول القائل : إن شاء الله . وقيل : معناه : ( قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون ) أي : هلا تسبحون الله وتشكرونه على ما أعطاكم وأنعم به عليكم ،
قَالَ أَوۡسَطُهُمۡ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ لَوۡلَا تُسَبِّحُونَ ٨٢
قوله تعالى : قال أوسطهم أي أمثلهم وأعدلهم وأعقلهم .
ألم أقل لكم لولا تسبحون أي هلا تستثنون . وكان استثناؤهم تسبيحا ; قاله مجاهد وغيره . وهذا يدل على أن هذا الأوسط كان أمرهم بالاستثناء فلم يطيعوه . قال أبو صالح : كان استثناؤهم سبحان الله . فقال لهم : هلا تسبحون الله ; أي تقولون سبحان الله وتشكرونه على ما أعطاكم . قال النحاس : أصل التسبيح التنزيه لله عز وجل ; فجعل مجاهد التسبيح في موضع إن شاء الله ; لأن المعنى تنزيه الله عز وجل أن يكون شيء إلا بمشيئته . وقيل : هلا تستغفرونه من فعلكم وتتوبون إليه من خبث نيتكم ; فإن أوسطهم قال لهم حين عزموا على ذلك وذكرهم انتقامه من المجرمين .
قَالَ أَوۡسَطُهُمۡ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ لَوۡلَا تُسَبِّحُونَ ٨٢
فـ { قَالَ أَوْسَطُهُمْ } أي: أعدلهم، وأحسنهم طريقة { أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ } أي: تنزهون الله عما لا يليق به، ومن ذلك، ظنكم أن قدرتكم مستقلة، فلولا استثنيتم، فقلتم: { إِنْ شَاءَ اللَّهُ } وجعلتم مشيئتكم تابعة لمشيئتة الله، لما جرى عليكم ما جرى.
قَالُواْ سُبۡحَٰنَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ ٩٢
نسخ
مشاركة
التفسير
قَالُواْ سُبۡحَٰنَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ ٩٢
( قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين ) أتوا بالطاعة حيث لا تنفع ، وندموا واعترفوا حيث لا ينجع ; ولهذا قالوا : ( إنا كنا ظالمين)
قَالُواْ سُبۡحَٰنَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ ٩٢
قالوا سبحان ربنا اعترفوا بالمعصية ونزهوا الله عن أن يكون ظالما فيما فعل . قال ابن عباس في قولهم : سبحان ربنا أي نستغفر الله من ذنبنا .
إنا كنا ظالمين لأنفسنا في منعنا المساكين .s
قَالُواْ سُبۡحَٰنَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ ٩٢
فقالوا { سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } أي: استدركوا بعد ذلك، ولكن بعد ما وقع العذاب على جنتهم، الذي لا يرفع، ولكن لعل تسبيحهم هذا، وإقرارهم على أنفسهم بالظلم، ينفعهم في تخفيف الإثم ويكون توبة، ولهذا ندموا ندامة عظيمة.
فَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ يَتَلَٰوَمُونَ ٠٣
نسخ
مشاركة
التفسير
فَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ يَتَلَٰوَمُونَ ٠٣
أي : يلوم بعضهم بعضا على ما كانوا أصروا عليه من منع المساكين من حق الجذاذ ، فما كان جواب بعضهم لبعض إلا الاعتراف بالخطيئة والذنب
فَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ يَتَلَٰوَمُونَ ٠٣
أي يلوم هذا هذا في القسم ومنع المساكين , ويقول : بل أنت أشرت علينا بهذا .
فَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ يَتَلَٰوَمُونَ ٠٣
{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ } فيما أجروه وفعلوه،
قَالُواْ يَٰوَيۡلَنَآ إِنَّا كُنَّا طَٰغِينَ ١٣
نسخ
مشاركة
التفسير
قَالُواْ يَٰوَيۡلَنَآ إِنَّا كُنَّا طَٰغِينَ ١٣
( قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين ) أي : اعتدينا وبغينا وطغينا وجاوزنا الحد حتى أصابنا ما أصابنا
قَالُواْ يَٰوَيۡلَنَآ إِنَّا كُنَّا طَٰغِينَ ١٣
قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين أي عاصين بمنع حق الفقراء وترك الاستثناء . وقال ابن كيسان : طغينا نعم الله فلم نشكرها كما شكرها آباؤنا من قبل .
قَالُواْ يَٰوَيۡلَنَآ إِنَّا كُنَّا طَٰغِينَ ١٣
{ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ } أي: متجاوزين للحد في حق الله، وحق عباده.
عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبۡدِلَنَا خَيۡرٗا مِّنۡهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَٰغِبُونَ ٢٣
نسخ
مشاركة
التفسير
عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبۡدِلَنَا خَيۡرٗا مِّنۡهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَٰغِبُونَ ٢٣
( عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون ) قيل : رغبوا في بذلها لهم في الدنيا . وقيل : احتسبوا ثوابها في الدار الآخرة ، والله أعلم .
ثم قد ذكر بعض السلف أن هؤلاء قد كانوا من أهل اليمن - قال سعيد بن جبير : كانوا من قرية يقال لها ضروان على ستة أميال من صنعاء . وقيل : كانوا من أهل الحبشة - وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة ، وكانوا من أهل الكتاب ، وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة ، فكان ما استغله منها يرد فيها ما يحتاج إليها ، ويدخر لعياله قوت سنتهم ، ويتصدق بالفاضل . فلما مات ورثه بنوه ، قالوا : لقد كان أبونا أحمق إذ كان يصرف من هذه شيئا للفقراء ، ولو أنا منعناهم لتوفر ذلك علينا . فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم ، فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية ، ورأس المال ، والربح ، والصدقة ، فلم يبق لهم شيء .
عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبۡدِلَنَا خَيۡرٗا مِّنۡهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَٰغِبُونَ ٢٣
عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها تعاقدوا وقالوا : إن أبدلنا الله خيرا منها لنصنعن كما صنعت آباؤنا ; فدعوا الله وتضرعوا فأبدلهم الله من ليلتهم ما هو خير منها ، وأمر جبريل أن يقتلع تلك الجنة المحترقة فيجعلها بزغر من أرض الشام ، ويأخذ من الشام جنة فيجعلها مكانها . وقال ابن مسعود : إن القوم أخلصوا وعرف الله منهم صدقهم فأبدلهم جنة يقال لها الحيوان ، فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا واحدا . وقال اليماني أبو خالد : دخلت تلك الجنة فرأيت كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم . وقال الحسن : قول أهل الجنة :
إنا إلى ربنا راغبون لا أدري إيمانا كان ذلك منهم أو على حد ما يكون من المشركين إذا أصابتهم الشدة ; فيوقف في كونهم مؤمنين . وسئل قتادة عن أصحاب الجنة : أهم من أهل الجنة أم من أهل النار ؟ فقال : لقد كلفتني تعبا . والمعظم يقولون : إنهم تابوا وأخلصوا ; حكاه القشيري . وقراءة العامة " يبدلنا " بالتخفيف . وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو بالتشديد ، وهما لغتان . وقيل : التبديل تغيير الشيء أو تغيير حاله وعين الشيء قائم . والإبدال رفع الشيء ووضع آخر مكانه . وقد مضى في سورة " النساء " القول في هذا .
عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبۡدِلَنَا خَيۡرٗا مِّنۡهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَٰغِبُونَ ٢٣
{ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ } فهم رجوا الله أن يبدلهم خيرًا منها، ووعدوا أنهم سيرغبون إلى الله، ويلحون عليه في الدنيا، فإن كانوا كما قالوا، فالظاهر أن الله أبدلهم في الدنيا خيرًا منها لأن من دعا الله صادقًا، ورغب إليه ورجاه، أعطاه سؤله.
كَذَٰلِكَ ٱلۡعَذَابُۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٣٣
نسخ
مشاركة
التفسير
كَذَٰلِكَ ٱلۡعَذَابُۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٣٣
قال الله تعالى : ( كذلك العذاب ) أي : هكذا عذاب من خالف أمر الله ، وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه ، ومنع حق المسكين والفقراء وذوي الحاجات ، وبدل نعمة الله كفرا ( ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ) أي : هذه عقوبة الدنيا كما سمعتم ، وعذاب الآخرة أشق . وقد ورد في حديث رواه الحافظ البيهقي من طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الجداد بالليل ، والحصاد بالليل .
كَذَٰلِكَ ٱلۡعَذَابُۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٣٣
قوله تعالى : كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون
قوله تعالى : كذلك العذاب أي عذاب الدنيا وهلاك الأموال ; عن ابن زيد . وقيل : إن هذا وعظ لأهل مكة بالرجوع إلى الله لما ابتلاهم بالجدب لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، أي كفعلنا بهم نفعل بمن تعدى حدودنا في الدنيا .
ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون وقال ابن عباس : هذا مثل لأهل مكة حين خرجوا إلى بدر وحلفوا ليقتلن محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وليرجعن إلى مكة حتى يطوفوا بالبيت ويشربوا الخمر ، وتضرب القينات على رءوسهم ; فأخلف الله ظنهم وأسروا وقتلوا وانهزموا كأهل هذه الجنة لما خرجوا عازمين على الصرام فخابوا . ثم قيل : إن الحق الذي منعه أهل الجنة المساكين يحتمل أنه كان واجبا عليهم ، ويحتمل أنه كان تطوعا ; والأول أظهر ، والله أعلم . وقيل : السورة مكية ; فبعد حمل الآية على ما أصاب أهل مكة من القحط ، وعلى قتال بدر .
كَذَٰلِكَ ٱلۡعَذَابُۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٣٣
قال تعالى مبينا ما وقع: { كَذَلِكَ الْعَذَابُ } [أي:] الدنيوي لمن أتى بأسباب العذاب أن يسلب الله العبد الشيء الذي طغى به وبغى، وآثر الحياة الدنيا، وأن يزيله عنه، أحوج ما يكون إليه.
{ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ } من عذاب الدنيا { لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } فإن من علم ذلك، أوجب له الانزجار عن كل سبب يوجب العذاب ويحل العقاب
إِنَّ لِلۡمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ٤٣
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنَّ لِلۡمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ٤٣
لما ذكر الله تعالى حال أهل الجنة الدنيوية ، وما أصابهم فيها من النقمة حين عصوا الله ، عز وجل ، وخالفوا أمره ، بين أن لمن اتقاه وأطاعه في الدار الآخرة جنات النعيم التي لا تبيد ولا تفرغ ولا ينقضي نعيمها .
إِنَّ لِلۡمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ٤٣
قوله تعالى : إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم تقدم القول فيه ; أي إن للمتقين في الآخرة جنات ليس فيها إلا التنعم الخالص ، لا يشوبه ما ينغصه كما يشوب جنات الدنيا . وكان صناديد قريش يرون وفور حظهم من الدنيا وقلة حظوظ المسلمين منها ; فإذا سمعوا بحديث الآخرة وما وعد الله المؤمنين قالوا : إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يكن حالنا وحالهم إلا مثل ما هي في الدنيا ، وإلا لم يزيدوا علينا ولم يفضلونا ، وأقصى أمرهم أن يساوونا .s
إِنَّ لِلۡمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ٤٣
يخبر تعالى بما أعده للمتقين للكفر والمعاصي، من أنواع النعيم والعيش السليم في جوار أكرم الأكرمين،
أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ كَٱلۡمُجۡرِمِينَ ٥٣
نسخ
مشاركة
التفسير
أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ كَٱلۡمُجۡرِمِينَ ٥٣
ثم قال : ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين ) ؟ أي : أفنساوي بين هؤلاء وهؤلاء في الجزاء ؟ كلا ورب الأرض والسماء ; ولهذا قال
أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ كَٱلۡمُجۡرِمِينَ ٥٣
فقال : أفنجعل المسلمين كالمجرمين أي كالكفار . وقال ابن عباس وغيره : قالت كفار مكة : إنا نعطى في الآخرة خيرا مما تعطون ; فنزلت أفنجعل المسلمين كالمجرمين .
أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ كَٱلۡمُجۡرِمِينَ ٥٣
وأن حكمته تعالى لا تقتضي أن يجعل المسلمين القانتين لربهم، المنقادين لأوامره، المتبعين لمراضيه كالمجرمين الذين أوضعوا في معاصيه، والكفر بآياته، ومعاندة رسله، ومحاربة أوليائه،
مَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ ٦٣
نسخ
مشاركة
التفسير
مَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ ٦٣
( ما لكم كيف تحكمون ) ! أي : كيف تظنون ذلك ؟ .
مَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ ٦٣
هذا الحكم الأعوج ; كأن أمر الجزاء مفوض إليكم حتى تحكموا فيه بما شئتم أن لكم من الخير ما للمسلمين .
مَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ ٦٣
وأن من ظن أنه يسويهم في الثواب، فإنه قد أساء الحكم، وأن حكمه حكم باطل، ورأيه فاسد،
أَمۡ لَكُمۡ كِتَٰبٞ فِيهِ تَدۡرُسُونَ ٧٣
نسخ
مشاركة
التفسير
أَمۡ لَكُمۡ كِتَٰبٞ فِيهِ تَدۡرُسُونَ ٧٣
ثم قال : ( أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخيرون ) يقول : أفبأيديكم كتاب منزل من السماء تدرسونه ، وتحفظونه ، وتتداولونه بنقل الخلف عن السلف ، متضمن حكما مؤكدا كما تدعونه ؟
أَمۡ لَكُمۡ كِتَٰبٞ فِيهِ تَدۡرُسُونَ ٧٣
أي لكم كتاب تجدون فيه المطيع كالعاصي .
أَمۡ لَكُمۡ كِتَٰبٞ فِيهِ تَدۡرُسُونَ ٧٣
وأن المجرمين إذا ادعوا ذلك، فليس لهم مستند، لا كتاب فيه يدرسون [ويتلون] أنهم من أهل الجنة، وأن لهم ما طلبوا وتخيروا.
إِنَّ لَكُمۡ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ٨٣
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنَّ لَكُمۡ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ٨٣
ثم قال : ( أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخيرون ) يقول : أفبأيديكم كتاب منزل من السماء تدرسونه ، وتحفظونه ، وتتداولونه بنقل الخلف عن السلف ، متضمن حكما مؤكدا كما تدعونه ؟
إِنَّ لَكُمۡ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ٨٣
إن لكم فيه لما تخيرون تختارون وتشتهون . والمعنى أن لكم ( بالفتح ) ولكنه كسر لدخول اللام ; تقول : علمت أنك عاقل ( بالفتح ) ، وعلمت إنك لعاقل ( بالكسر ) . فالعامل في إن لكم فيه لما تخيرون تدرسون في المعنى . ومنعت اللام من فتح إن . وقيل : تم الكلام عند قوله : " تدرسون " ثم ابتدأ فقال : إن لكم فيه لما تخيرون أي إن لكم في هذا الكتاب إذا ما تخيرون ; أي ليس لكم ذلك . والكناية في " فيه " الأولى ، والثانية راجعة إلى الكتاب .
إِنَّ لَكُمۡ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ٨٣
وأن المجرمين إذا ادعوا ذلك، فليس لهم مستند، لا كتاب فيه يدرسون [ويتلون] أنهم من أهل الجنة، وأن لهم ما طلبوا وتخيروا.
أَمۡ لَكُمۡ أَيۡمَٰنٌ عَلَيۡنَا بَٰلِغَةٌ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ إِنَّ لَكُمۡ لَمَا تَحۡكُمُونَ ٩٣
نسخ
مشاركة
التفسير
أَمۡ لَكُمۡ أَيۡمَٰنٌ عَلَيۡنَا بَٰلِغَةٌ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ إِنَّ لَكُمۡ لَمَا تَحۡكُمُونَ ٩٣
( أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون ) أي : أمعكم عهود منا ومواثيق مؤكدة ، ( إن لكم لما تحكمون ) أي : إنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون
أَمۡ لَكُمۡ أَيۡمَٰنٌ عَلَيۡنَا بَٰلِغَةٌ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ إِنَّ لَكُمۡ لَمَا تَحۡكُمُونَ ٩٣
ثم زاد في التوبيخ فقال : أم لكم أيمان أي عهود ومواثيق .
" علينا بالغة " مؤكدة . والبالغة المؤكدة بالله تعالى . أي أم لكم عهود على الله تعالى استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة .
إن لكم لما تحكمون كسرت " إن " لدخول اللام في الخبر . وهي من صلة " أيمان " ، والموضع النصب ولكن كسرت لأجل اللام ; تقول : حلفت إن لك لكذا . وقيل : تم الكلام عند قوله : إلى يوم القيامة ثم قال : إن لكم لما تحكمون إذا ; أي ليس الأمر كذلك . وقرأ ابن هرمز " أين لكم فيه لما تخيرون " " أين لكم لما تحكمون " ; بالاستفهام فيهما جميعا . وقرأ الحسن البصري " بالغة " بالنصب على الحال ; إما من الضمير في " لكم " لأنه خبر عن " أيمان " ففيه ضمير منه . وإما من الضمير في " علينا " إن قدرت " علينا " وصفا للأيمان لا متعلقا بنفس الأيمان ; لأن فيه ضميرا منه ، كما يكون إذا كان خبرا عنه . ويجوز أن يكون حالا من " أيمان " وإن كانت نكرة ، كما أجازوا نصب حقا على الحال من متاع في قوله تعالى : متاع بالمعروف حقا على المتقين . وقرأ العامة " بالغة " بالرفع نعت ل " أيمان " .
أَمۡ لَكُمۡ أَيۡمَٰنٌ عَلَيۡنَا بَٰلِغَةٌ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ إِنَّ لَكُمۡ لَمَا تَحۡكُمُونَ ٩٣
وليس لهم عند الله عهد ويمين بالغة إلى يوم القيامة أن لهم ما يحكمون، وليس لهم شركاء وأعوان على إدراك ما طلبوا، فإن كان لهم شركاء وأعوان فليأتوا بهم إن كانوا صادقين، ومن المعلوم أن جميع ذلك منتف، فليس لهم كتاب، ولا لهم عهد عند الله في النجاة، ولا لهم شركاء يعينونهم، فعلم أن دعواهم باطلة فاسدة.
سَلۡهُمۡ أَيُّهُم بِذَٰلِكَ زَعِيمٌ ٠٤
نسخ
مشاركة
التفسير
سَلۡهُمۡ أَيُّهُم بِذَٰلِكَ زَعِيمٌ ٠٤
( سلهم أيهم بذلك زعيم ) ؟ أي : قل لهم : من هو المتضمن المتكفل بهذا ؟s
سَلۡهُمۡ أَيُّهُم بِذَٰلِكَ زَعِيمٌ ٠٤
قوله تعالى : سلهم أيهم بذلك زعيم أي سل يا محمد هؤلاء المتقولين علي : أيهم كفيل بما تقدم ذكره . وهو أن لهم من الخير ما للمسلمين . والزعيم : الكفيل والضمين ; قاله ابن عباس وقتادة . وقال ابن كيسان : الزعيم هنا القائم بالحجة والدعوى . وقال الحسن : الزعيم الرسول .
سَلۡهُمۡ أَيُّهُم بِذَٰلِكَ زَعِيمٌ ٠٤
{ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ } أي: أيهم الكفيل بهذه الدعوى الفاسدة، فإنه لا يمكن التصدر بها، ولا الزعامة فيها.
أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَآءُ فَلۡيَأۡتُواْ بِشُرَكَآئِهِمۡ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ ١٤
نسخ
مشاركة
التفسير
أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَآءُ فَلۡيَأۡتُواْ بِشُرَكَآئِهِمۡ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ ١٤
( أم لهم شركاء ) أي : من الأصنام والأنداد ( فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين )
أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَآءُ فَلۡيَأۡتُواْ بِشُرَكَآئِهِمۡ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ ١٤
" أم لهم شركاء " أي ألهم والميم صلة . " شركاء " أي شهداء .
فليأتوا بشركائهم يشهدون على ما زعموا .
" إن كانوا صادقين " في دعواهم . وقيل : أي فليأتوا بشركائهم إن أمكنهم ; فهو أمر معناه التعجيز .
أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَآءُ فَلۡيَأۡتُواْ بِشُرَكَآئِهِمۡ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ ١٤
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ
يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ ٢٤
نسخ
مشاركة
التفسير
يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ ٢٤
لما ذكر تعالى أن للمتقين عنده جنات النعيم ، بين متى ذلك كائن وواقع ، فقال : ( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ) يعني : يوم القيامة وما يكون فيه من الأهوال والزلازل والبلاء والامتحان والأمور العظام . وقد قال البخاري ها هنا :
حدثنا آدم ، حدثنا الليث ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يكشف ربنا عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة ، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا " .
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وفي غيرهما من طرق وله ألفاظ ، وهو حديث طويل مشهور .
وقد قال عبد الله بن المبارك ، عن أسامة بن زيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( يوم يكشف عن ساق ) قال : هو يوم كرب وشدة . رواه ابن جرير ثم قال :
حدثنا ابن حميد ، حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود ، - أو ابن عباس الشك من ابن جرير - : ( يوم يكشف عن ساق ) قال : عن أمر عظيم ، كقول الشاعر :
وقامت الحرب بنا عن ساق
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( يوم يكشف عن ساق ) قال : شدة الأمر
وقال ابن عباس : هي أول ساعة تكون في يوم القيامة .
وقال ابن جريج ، عن مجاهد : ( يوم يكشف عن ساق ) قال : شدة الأمر وجده .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( يوم يكشف عن ساق ) هو الأمر الشديد المفظع من الهول يوم القيامة .
وقال العوفي ، عن ابن عباس قوله : ( يوم يكشف عن ساق ) يقول : حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال . وكشفه دخول الآخرة ، وكشف الأمر عنه . وكذا روى الضحاك ، وغيره ، عن ابن عباس . أورد ذلك كله أبو جعفر بن جرير ثم قال :
حدثني أبو زيد عمر بن شبة ، حدثنا هارون بن عمر المخزومي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا أبو سعيد روح بن جناح ، عن مولى لعمر بن عبد العزيز ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( يوم يكشف عن ساق ) قال : " عن نور عظيم ، يخرون له سجدا " .
ورواه أبو يعلى ، عن القاسم بن يحيى ، عن الوليد بن مسلم به ، وفيه رجل مبهم ، والله أعلم .
يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ ٢٤
قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق يجوز أن يكون العامل في " يوم " فليأتوا أي فليأتوا بشركائهم يوم يكشف عن ساق ليشفع الشركاء لهم . ويجوز أن ينتصب بإضمار فعل ، أي اذكر يوم يكشف عن ساق ; فيوقف على صادقين ولا يوقف عليه على التقدير الأول . وقرئ " يوم نكشف " بالنون . وقرأ ابن عباس " يوم تكشف عن ساق " بتاء مسمى الفاعل ; أي تكشف الشدة أو القيامة عن ساقها ; كقولهم : شمرت الحرب عن ساقها . قال الشاعر :
فتى الحرب إن عضت به الحرب عضها وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا
وقال الراجز :
قد كشفت عن ساقها فشدوا وجدت الحرب بكم فجدوا
وقال آخر :
عجبت من نفسي ومن إشفاقها ومن طراد الطير عن أرزاقها
في سنة قد كشفت عن ساقها حمراء تبري اللحم عن عراقها
وقال آخر :
كشفت لهم عن ساقها وبدا من الشر الصراح
وعن ابن عباس أيضا والحسن وأبي العالية " تكشف " بتاء غير مسمى الفاعل . وهذه القراءة راجعة إلى معنى يكشف وكأنه قال : يوم تكشف القيامة عن شدة . وقرئ " يوم تكشف " بالتاء المضمومة وكسر الشين ; من أكشف إذا دخل في الكشف . ومنه : أكشف الرجل فهو مكشف ; إذا انقلبت شفته العليا . وذكر ابن المبارك قال : أخبرنا أسامة بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق قال : عن كرب وشدة . أخبرنا ابن جريج عن مجاهد قال : شدة الأمر وجده . وقال مجاهد : قال ابن عباس هي أشد ساعة في يوم القيامة . وقال أبو عبيدة : إذا اشتد الحرب والأمر قيل : كشف الأمر عن ساقه . والأصل فيه أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد شمر عن ساقه ; فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة . وقيل : ساق الشيء أصله الذي به قوامه ; كساق الشجرة وساق الإنسان . أي يوم يكشف عن أصل الأمر فتظهر حقائق الأمور وأصلها . وقيل : يكشف عن ساق جهنم . وقيل : عن ساق العرش . وقيل : يريد وقت اقتراب الأجل وضعف البدن ; أي يكشف المريض عن ساقه ليبصر ضعفه ، ويدعوه المؤذن إلى الصلاة فلا يمكنه أن يقوم ويخرج . فأما ما روي أن الله يكشف عن ساقه فإنه عز وجل يتعالى عن الأعضاء والتبعيض وأن يكشف ويتغطى . ومعناه أن يكشف عن العظيم من أمره . وقيل : يكشف عن نوره عز وجل . وروى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : عن ساق قال : يكشف عن نور عظيم يخرون له سجدا . وقال أبو الليث السمرقندي في تفسيره : حدثنا الخليل بن أحمد قال : حدثنا ابن منيع قال : حدثنا هدبة قال : حدثنا حماد بن سلمة عن عدي بن زيد عن عمارة القرشي عن أبي بردة عن أبي موسى قال : حدثني أبي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا ، فيذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويبقى أهل التوحيد ، فيقال لهم : ما تنتظرون وقد ذهب الناس ؟ فيقولون : إن لنا ربا كنا نعبده في الدنيا ولم نره - قال - وتعرفونه إذا رأيتموه ؟ فيقولون : نعم . فيقال : فكيف تعرفونه ولم تروه ؟ قالوا : إنه لا شبيه له . فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى الله تعالى فيخرون له سجدا ، وتبقى أقوام ظهورهم مثل صياصي البقر فينظرون إلى الله تعالى فيريدون السجود فلا يستطيعون فذلك قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون فيقول الله تعالى : عبادي ، ارفعوا رءوسكم فقد جعلت بدل كل رجل منكم رجلا من اليهود والنصارى في النار " . قال أبو بردة : فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فقال : آلله الذي لا إله إلا هو لقد حدثك أبوك بهذا الحديث ؟ فحلف له ثلاثة أيمان ; فقال عمر : ما سمعت في أهل التوحيد حديثا هو أحب إلي من هذا . وقال قيس بن السكن : حدث عبد الله بن مسعود عند عمر بن الخطاب فقال : إذا كان يوم القيامة قام الناس لرب العالمين أربعين عاما شاخصة أبصارهم إلى السماء ، حفاة عراة يلجمهم العرق ، فلا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم أربعين عاما ، ثم ينادي مناد : أيها الناس ، أليس عدلا من ربكم الذي خلقكم وصوركم وأماتكم وأحياكم ثم عبدتم غيره أن يولي كل قوم ما تولوا ؟ قالوا : نعم . قال : فيرفع لكل قوم ما كانوا يعبدون من دون الله فيتبعونها حتى تقذفهم في النار ، فيبقى المسلمون والمنافقون فيقال لهم : ألا تذهبون ، قد ذهب الناس ؟ فيقولون : حتى يأتينا ربنا ; فيقال لهم : أوتعرفونه ؟ فيقولون : إن اعترف لنا عرفناه . قال فعند ذلك يكشف عن ساق ويتجلى لهم فيخر من كان يعبده مخلصا ساجدا ، ويبقى المنافقون لا يستطيعون كأن في ظهورهم السفافيد ، فيذهب بهم إلى النار ، ويدخل هؤلاء الجنة ; فذلك قوله تعالى : ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون .
يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ ٢٤
أي: إذا كان يوم القيامة، وانكشف فيه من القلاقل [والزلازل] والأهوال ما لا يدخل تحت الوهم، وأتى الباري لفصل القضاء بين عباده ومجازاتهم فكشف عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء، ورأى الخلائق من جلال الله وعظمته ما لا يمكن التعبير عنه، فحينئذ يدعون إلى السجود لله، فيسجد المؤمنون الذين كانوا يسجدون لله، طوعًا واختيارًا، ويذهب الفجار المنافقون ليسجدوا فلا يقدرون على السجود، وتكون ظهورهم كصياصي البقر.
خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ ٣٤
نسخ
مشاركة
التفسير
خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ ٣٤
وقوله : ( خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ) أي : في الدار الآخرة بإجرامهم ، وتكبرهم في الدنيا ، فعوقبوا بنقيض ما كانوا عليه . ولما دعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا منه مع صحتهم ، وسلامتهم كذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الآخرة ، إذا تجلى الرب عز وجل ، فيسجد له المؤمنون ، لا يستطيع أحد من الكافرين ولا المنافقين أن يسجد ، بل يعود ظهر أحدهم طبقا واحدا ، كلما أراد أحدهم أن يسجد خر لقفاه ، عكس السجود ، كما كانوا في الدنيا ، بخلاف ما عليه المؤمنون .
خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ ٣٤
خاشعة أبصارهم أي ذليلة متواضعة ; ونصبها على الحال .
" ترهقهم ذلة " وذلك أن المؤمنين يرفعون رءوسهم ووجوههم أشد بياضا من الثلج . وتسود وجوه المنافقين والكافرين حتى ترجع أشد سوادا من القار .
قلت : معنى حديث أبي موسى وابن مسعود ثابت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري وغيره .
قوله تعالى : وقد كانوا يدعون إلى السجود أي في الدنيا .
" وهم سالمون " معافون أصحاء . قال إبراهيم التيمي : أي يدعون بالأذان والإقامة فيأبونه . وقال سعيد بن جبير : كانوا يسمعون حي على الفلاح فلا يجيبون . وقال كعب الأحبار : والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات . وقيل : أي بالتكليف الموجه عليهم في الشرع ; والمعنى متقارب . وقد مضى في سورة " البقرة " الكلام في وجوب صلاة الجماعة . وكان الربيع بن خيثم قد فلج وكان يهادى بين الرجلين إلى المسجد ; فقيل : يا أبا يزيد ، لو صليت في بيتك لكانت لك رخصة . فقال : من سمع حي على الفلاح فليجب ولو حبوا . وقيل لسعيد بن المسيب : إن طارقا يريد قتلك فتغيب . فقال : أبحيث لا يقدر الله علي ؟ فقيل له : اجلس في بيتك . فقال : أسمع حي على الفلاح ، فلا أجيب !
خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ ٣٤
لا يستطيعون الانحناء، وهذا الجزاء ما جنس عملهم، فإنهم كانوا يدعون في الدنيا إلى السجود لله وتوحيده وعبادته وهم سالمون، لا علة فيهم، فيستكبرون عن ذلك ويأبون، فلا تسأل يومئذ عن حالهم وسوء مآلهم، فإن الله قد سخط عليهم، وحقت عليهم كلمة العذاب، وتقطعت أسبابهم، ولم تنفعهم الندامة ولا الاعتذار يوم القيامة، ففي هذا ما يزعج القلوب عن المقام على المعاصي، و[يوجب] التدارك مدة الإمكان.
فَذَرۡنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِۖ سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ ٤٤
نسخ
مشاركة
التفسير
فَذَرۡنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِۖ سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ ٤٤
ثم قال تعالى : ( فذرني ومن يكذب بهذا الحديث ) يعني : القرآن . وهذا تهديد شديد ، أي : دعني وإياه مني ومنه ، أنا أعلم به كيف أستدرجه ، وأمده في غيه وأنظر ، ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر ؛ ولهذا قال : ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) أي : وهم لا يشعرون ، بل يعتقدون أن ذلك من الله كرامة ، وهو في نفس الأمر إهانة ، كما قال : ( أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ) [ المؤمنون : 55 ، 56 ] ، وقال : ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) [ الأنعام : 44 ] . ولهذا قال ها هنا :
فَذَرۡنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِۖ سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ ٤٤
قوله تعالى : " فذرني " أي دعني .
" ومن يكذب " من مفعول معه أو معطوف على ضمير المتكلم .
" بهذا الحديث " يعني القرآن ; قاله السدي . وقيل : يوم القيامة . وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ; أي فأنا أجازيهم وأنتقم منهم .
سنستدرجهم من حيث لا يعلمون معناه سنأخذهم على غفلة وهم لا يعرفون ; فعذبوا يوم بدر . وقال سفيان الثوري : نسبغ عليهم النعم وننسيهم الشكر . وقال الحسن : كم مستدرج بالإحسان إليه ، وكم مفتون بالثناء عليه ، وكم مغرور بالستر عليه . وقال أبو روق : أي كلما أحدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة وأنسيناهم الاستغفار . وقال ابن عباس : سنمكر بهم . وقيل : هو أن نأخذهم قليلا ولا نباغتهم . وفي حديث : ( أن رجلا من بني إسرائيل قال : يا رب ، كم أعصيك وأنت لا تعاقبني - قال - فأوحى الله إلى نبي زمانهم أن قل له : كم من عقوبة لي عليك وأنت لا تشعر . إن جمود عينيك وقساوة قلبك استدراج مني وعقوبة لو عقلت ) . والاستدراج : ترك المعاجلة . وأصله النقل من حال إلى حال كالتدرج . ومنه قيل درجة ; وهي منزلة بعد منزلة . واستدرج فلان فلانا ; أي استخرج ما عنده قليلا . ويقال : درجه إلى كذا واستدرجه بمعنى ; أي أدناه منه على التدريج فتدرج هو .
فَذَرۡنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِۖ سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ ٤٤
أي: دعني والمكذبين بالقرآن العظيم فإن علي جزاءهم، ولا تستعجل لهم، فـ { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ }
وَأُمۡلِي لَهُمۡۚ إِنَّ كَيۡدِي مَتِينٌ ٥٤
نسخ
مشاركة
التفسير
وَأُمۡلِي لَهُمۡۚ إِنَّ كَيۡدِي مَتِينٌ ٥٤
( وأملي لهم إن كيدي متين ) أي : وأؤخرهم ، وأنظرهم ، وأمدهم ، وذلك من كيدي ومكري بهم ; ولهذا قال تعالى : ( إن كيدي متين ) أي : عظيم لمن خالف أمري ، وكذب رسلي ، واجترأ على معصيتي .
وفي الصحيحين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " . ثم قرأ : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) [ هود : 102 ] .
وَأُمۡلِي لَهُمۡۚ إِنَّ كَيۡدِي مَتِينٌ ٥٤
وأملي لهم أي أمهلهم وأطيل لهم المدة . والملاوة : المدة من الدهر . وأملى الله له أي أطال له . والملوان : الليل والنهار . وقيل : " وأملي لهم " أي لا أعاجلهم بالموت ; والمعنى واحد . وقد مضى في " الأعراف " بيان هذا .
إن كيدي متين أي إن عذابي لقوي شديد فلا يفوتني أحد .
وَأُمۡلِي لَهُمۡۚ إِنَّ كَيۡدِي مَتِينٌ ٥٤
فنمدهم بالأموال والأولاد، ونمدهم في الأرزاق والأعمال، ليغتروا ويستمروا على ما يضرهم، فإن وهذا من كيد الله لهم، وكيد الله لأعدائه، متين قوي، يبلغ من ضررهم وعذابهم فوق كل مبلغ
أَمۡ تَسَۡٔلُهُمۡ أَجۡرٗا فَهُم مِّن مَّغۡرَمٖ مُّثۡقَلُونَ ٦٤
نسخ
مشاركة
التفسير
أَمۡ تَسَۡٔلُهُمۡ أَجۡرٗا فَهُم مِّن مَّغۡرَمٖ مُّثۡقَلُونَ ٦٤
وقوله : ( أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون أم عندهم الغيب فهم يكتبون ) تقدم تفسيرهما في سورة " الطور " ، والمعنى في ذلك : أنك يا محمد تدعوهم إلى الله ، عز وجل ، بلا أجر تأخذه منهم ، بل ترجو ثواب ذلك عند الله ، عز وجل ، وهم يكذبون بما جئتهم به ، بمجرد الجهل والكفر والعناد .
أَمۡ تَسَۡٔلُهُمۡ أَجۡرٗا فَهُم مِّن مَّغۡرَمٖ مُّثۡقَلُونَ ٦٤
قوله تعالى قوله تعالى : أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون عاد الكلام إلى ما تقدم من قوله تعالى : أم لهم شركاء . أي أم تلتمس منهم ثوابا على ما تدعوهم إليه من الإيمان بالله ؟ فهم من غرامة ذلك مثقلون لما يشق عليهم من بذل المال ; أي ليس عليهم كلفة ، بل يستولون بمتابعتك على خزائن الأرض ويصلون إلى جنات النعيم .
أَمۡ تَسَۡٔلُهُمۡ أَجۡرٗا فَهُم مِّن مَّغۡرَمٖ مُّثۡقَلُونَ ٦٤
{ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ } أي: ليس لنفورهم عنك، وعدم تصديقهم لما جئت به ، سبب يوجب لهم ذلك، فإنك تعلمهم، وتدعوهم إلى الله، لمحض مصلحتهم، من غير أن تطلبهم من أموالهم مغرمًا يثقل عليهم.
أَمۡ عِندَهُمُ ٱلۡغَيۡبُ فَهُمۡ يَكۡتُبُونَ ٧٤
نسخ
مشاركة
التفسير
أَمۡ عِندَهُمُ ٱلۡغَيۡبُ فَهُمۡ يَكۡتُبُونَ ٧٤
وقوله : ( أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون أم عندهم الغيب فهم يكتبون ) تقدم تفسيرهما في سورة " الطور " ، والمعنى في ذلك : أنك يا محمد تدعوهم إلى الله ، عز وجل ، بلا أجر تأخذه منهم ، بل ترجو ثواب ذلك عند الله ، عز وجل ، وهم يكذبون بما جئتهم به ، بمجرد الجهل والكفر والعناد .
أَمۡ عِندَهُمُ ٱلۡغَيۡبُ فَهُمۡ يَكۡتُبُونَ ٧٤
قوله تعالى : أم عندهم الغيب فهم يكتبون
قوله تعالى : أم عندهم الغيب أي علم ما غاب عنهم .
فهم يكتبون وقيل : أينزل عليهم الوحي بهذا الذي يقولون . وعن ابن عباس : الغيب هنا اللوح المحفوظ فهم يكتبون مما فيه يخاصمونك به ، ويكتبون أنهم أفضل منكم ، وأنهم لا يعاقبون . وقيل : يكتبون يحكمون لأنفسهم بما يريدون .
أَمۡ عِندَهُمُ ٱلۡغَيۡبُ فَهُمۡ يَكۡتُبُونَ ٧٤
{ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } ما كان عندهم من الغيوب، وقد وجدوا فيها أنهم على حق، وأن لهم الثواب عند الله، فهذا أمر ما كان، وإنما كانت حالهم حال معاند ظالم.
فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ ٨٤
نسخ
مشاركة
التفسير
فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ ٨٤
يقول تعالى : ( فاصبر ) يا محمد على أذى قومك لك وتكذيبهم ; فإن الله سيحكم لك عليهم ، ويجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة ، ( ولا تكن كصاحب الحوت ) يعني : ذا النون ، وهو يونس بن متى عليه السلام حين ذهب مغاضبا على قومه ، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر والتقام الحوت له ، وشرود الحوت به في البحار وظلمات غمرات اليم ، وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير ، الذي لا يرد ما أنفذه من التقدير ، فحينئذ نادى في الظلمات . ( أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) [ الأنبياء : 87 ] . قال الله ( فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ) [ الأنبياء : 88 ] ، وقال تعالى : ( فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ) [ الصافات : 143 ، 144 ] وقال هاهنا : ( إذ نادى وهو مكظوم ) قال ابن عباس ومجاهد والسدي : وهو مغموم . وقال عطاء الخراساني وأبو مالك : مكروب . وقد قدمنا في الحديث أنه لما قال : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) خرجت الكلمة تحف حول العرش ، فقالت الملائكة : يا رب ، هذا صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة ، فقال الله : أما تعرفون هذا ؟ قالوا : لا . قال : هذا يونس . قالوا : يا رب ، عبدك الذي لا يزال يرفع له عمل صالح ودعوة مجابة ؟ قال : نعم . قالوا : أفلا ترحم ما كان يعمله في الرخاء فتنجيه من البلاء ؟ فأمر الله الحوت فألقاه بالعراء ; ولهذا قال تعالى : ( فاجتباه ربه فجعله من الصالحين )
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى " .
ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة .
فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ ٨٤
قوله تعالى : فاصبر لحكم ربك أي لقضاء ربك . والحكم هنا القضاء . وقيل : فاصبر على ما حكم به عليك ربك من تبليغ الرسالة . وقال ابن بحر : فاصبر لنصر ربك . قال قتادة : أي لا تعجل ولا تغاضب فلا بد من نصرك . وقيل : إنه منسوخ بآية السيف .
ولا تكن كصاحب الحوت يعني يونس عليه السلام . أي لا تكن مثله في الغضب والضجر والعجلة . وقال قتادة : إن الله تعالى يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم ويأمره بالصبر ولا يعجل كما عجل صاحب الحوت ; وقد مضى خبره في سورة " يونس ، والأنبياء ، والصافات " والفرق بين إضافة ذي وصاحب في سورة " يونس " فلا معنى للإعادة .
" إذ نادى " أي حين دعا في بطن الحوت فقال : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .
وهو مكظوم أي مملوء غما . وقيل : كربا . الأول قول ابن عباس ومجاهد . والثاني قول عطاء وأبي مالك . قال الماوردي : والفرق بينهما أن الغم في القلب ، والكرب في الأنفاس . وقيل : مكظوم محبوس . والكظم الحبس ; ومنه قولهم : فلان كظم غيظه ، أي حبس غضبه ; قاله ابن بحر . وقيل : إنه المأخوذ بكظمه وهو مجرى النفس ; قاله المبرد . وقد مضى هذا وغيره في " يوسف " .
فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ ٨٤
فلم يبق إلا الصبر لأذاهم، والتحمل لما يصدر منهم، والاستمرار على دعوتهم، ولهذا قال: { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } أي: لما حكم به شرعًا وقدرًا، فالحكم القدري، يصبر على المؤذي منه، ولا يتلقى بالسخط والجزع، والحكم الشرعي، يقابل بالقبول والتسليم، والانقياد التام لأمره.
وقوله: { وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ } وهو يونس بن متى، عليه الصلاة والسلام أي: ولا تشابهه في الحال، التي أوصلته، وأوجبت له الانحباس في بطن الحوت، وهو عدم صبره على قومه الصبر المطلوب منه، وذهابه مغاضبًا لربه، حتى ركب في البحر، فاقترع أهل السفينة حين ثقلت بأهلها أيهم يلقون لكي تخف بهم، فوقعت القرعة عليه فالتقمه الحوت وهو مليم [وقوله] { إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ } أي: وهو في بطنها قد كظمت عليه، أو نادى وهو مغتم مهتم بأن قال { لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } فاستجاب الله له، وقذفته الحوت من بطنها بالعراء وهو سقيم، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين.
لَّوۡلَآ أَن تَدَٰرَكَهُۥ نِعۡمَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ لَنُبِذَ بِٱلۡعَرَآءِ وَهُوَ مَذۡمُومٞ ٩٤
نسخ
مشاركة
التفسير
لَّوۡلَآ أَن تَدَٰرَكَهُۥ نِعۡمَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ لَنُبِذَ بِٱلۡعَرَآءِ وَهُوَ مَذۡمُومٞ ٩٤
يقول تعالى : ( فاصبر ) يا محمد على أذى قومك لك وتكذيبهم ; فإن الله سيحكم لك عليهم ، ويجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة ، ( ولا تكن كصاحب الحوت ) يعني : ذا النون ، وهو يونس بن متى عليه السلام حين ذهب مغاضبا على قومه ، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر والتقام الحوت له ، وشرود الحوت به في البحار وظلمات غمرات اليم ، وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير ، الذي لا يرد ما أنفذه من التقدير ، فحينئذ نادى في الظلمات . ( أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) [ الأنبياء : 87 ] . قال الله ( فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ) [ الأنبياء : 88 ] ، وقال تعالى : ( فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ) [ الصافات : 143 ، 144 ] وقال هاهنا : ( إذ نادى وهو مكظوم ) قال ابن عباس ومجاهد والسدي : وهو مغموم . وقال عطاء الخراساني وأبو مالك : مكروب . وقد قدمنا في الحديث أنه لما قال : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) خرجت الكلمة تحف حول العرش ، فقالت الملائكة : يا رب ، هذا صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة ، فقال الله : أما تعرفون هذا ؟ قالوا : لا . قال : هذا يونس . قالوا : يا رب ، عبدك الذي لا يزال يرفع له عمل صالح ودعوة مجابة ؟ قال : نعم . قالوا : أفلا ترحم ما كان يعمله في الرخاء فتنجيه من البلاء ؟ فأمر الله الحوت فألقاه بالعراء ; ولهذا قال تعالى : ( فاجتباه ربه فجعله من الصالحين )
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى " .
ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة .
لَّوۡلَآ أَن تَدَٰرَكَهُۥ نِعۡمَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ لَنُبِذَ بِٱلۡعَرَآءِ وَهُوَ مَذۡمُومٞ ٩٤
قوله تعالى : لولا أن تداركه نعمة من ربه قراءة العامة تداركه . وقرأ ابن هرمز والحسن " تداركه " بتشديد الدال ; وهو مضارع أدغمت التاء منه في الدال . وهو على تقدير حكاية الحال ; كأنه قال : لولا أن كان يقال فيه تتداركه نعمة . ابن عباس وابن مسعود : " تداركته " وهو خلاف المرسوم . و " تداركه " فعل ماض مذكر حمل على معنى النعمة ; لأن تأنيث النعمة غير حقيقي . و " تداركته " على لفظها . واختلف في معنى النعمة هنا ; فقيل النبوة ; قاله الضحاك . وقيل عبادته التي سلفت ; قاله ابن جبير . وقيل : نداؤه لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ; قاله ابن زيد . وقيل : نعمة الله عليه إخراجه من بطن الحوت ; قاله ابن بحر . وقيل : أي رحمة من ربه ; فرحمه وتاب عليه .
لنبذ بالعراء وهو مذموم أي لنبذ مذموما ولكنه نبذ سقيما غير مذموم . ومعنى " مذموم " في قول ابن عباس : مليم . قال بكر بن عبد الله : مذنب . وقيل : مذموم مبعد من كل خير . والعراء : الأرض الواسعة الفضاء التي ليس فيها جبل ولا شجر يستر . وقيل : ولولا فضل الله عليه لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة ، ثم نبذ بعراء القيامة مذموما . يدل عليه قوله تعالى : فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون .
لَّوۡلَآ أَن تَدَٰرَكَهُۥ نِعۡمَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ لَنُبِذَ بِٱلۡعَرَآءِ وَهُوَ مَذۡمُومٞ ٩٤
{ لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ } أي: لطرح في العراء، وهي الأرض الخالية { وَهُوَ مَذْمُومٌ } ولكن الله تغمده برحمته فنبذ وهو ممدوح، وصارت حاله أحسن من حاله الأولى،
فَٱجۡتَبَٰهُ رَبُّهُۥ فَجَعَلَهُۥ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ٠٥
نسخ
مشاركة
التفسير
فَٱجۡتَبَٰهُ رَبُّهُۥ فَجَعَلَهُۥ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ٠٥
يقول تعالى : ( فاصبر ) يا محمد على أذى قومك لك وتكذيبهم ; فإن الله سيحكم لك عليهم ، ويجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة ، ( ولا تكن كصاحب الحوت ) يعني : ذا النون ، وهو يونس بن متى عليه السلام حين ذهب مغاضبا على قومه ، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر والتقام الحوت له ، وشرود الحوت به في البحار وظلمات غمرات اليم ، وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير ، الذي لا يرد ما أنفذه من التقدير ، فحينئذ نادى في الظلمات . ( أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) [ الأنبياء : 87 ] . قال الله ( فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ) [ الأنبياء : 88 ] ، وقال تعالى : ( فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ) [ الصافات : 143 ، 144 ] وقال هاهنا : ( إذ نادى وهو مكظوم ) قال ابن عباس ومجاهد والسدي : وهو مغموم . وقال عطاء الخراساني وأبو مالك : مكروب . وقد قدمنا في الحديث أنه لما قال : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) خرجت الكلمة تحف حول العرش ، فقالت الملائكة : يا رب ، هذا صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة ، فقال الله : أما تعرفون هذا ؟ قالوا : لا . قال : هذا يونس . قالوا : يا رب ، عبدك الذي لا يزال يرفع له عمل صالح ودعوة مجابة ؟ قال : نعم . قالوا : أفلا ترحم ما كان يعمله في الرخاء فتنجيه من البلاء ؟ فأمر الله الحوت فألقاه بالعراء ; ولهذا قال تعالى : ( فاجتباه ربه فجعله من الصالحين )
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى " .
ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة .
فَٱجۡتَبَٰهُ رَبُّهُۥ فَجَعَلَهُۥ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ٠٥
فاجتباه ربه أي اصطفاه واختاره . فجعله من الصالحين قال ابن عباس : رد الله إليه الوحي ، وشفعه في نفسه وفي قومه ، وقبل توبته ، وجعله من الصالحين بأن أرسله إلى مائة ألف أو يزيدون .
فَٱجۡتَبَٰهُ رَبُّهُۥ فَجَعَلَهُۥ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ٠٥
{ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ } أي: اختاره واصطفاه ونقاه من كل كدر،. { فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } أي: الذين صلحت أعمالهم وأقوالهم ونياتهم، [وأحوالهم] فامتثل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أمر ربه، فصبر لحكم ربه صبرًا لا يدركه فيه أحد من العالمين.
وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ ١٥
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ ١٥
وقوله : ( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم ) قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : ( ليزلقونك ) لينفذونك بأبصارهم ، أي : ليعينونك بأبصارهم ، بمعنى : يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك ، وحمايته إياك منهم . وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق ، بأمر الله ، عز وجل ، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة .
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه : قال أبو داود : حدثنا سليمان بن داود العتكي ، حدثنا شريك ( ح ) ، وحدثنا العباس العنبري ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا شريك ، عن العباس بن ذريح ، عن الشعبي قال العباس : عن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم لا يرقأ " . لم يذكر العباس العين . وهذا لفظ سليمان .
حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه : قال أبو عبد الله ابن ماجه : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي جعفر الرازي ، عن حصين ، عن الشعبي ، عن بريدة بن الحصيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا رقية إلا من عين أو حمة " .
هكذا رواه ابن ماجه وقد أخرجه مسلم في صحيحه ، عن سعيد بن منصور ، عن هشيم ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عامر الشعبي ، عن بريدة موقوفا ، وفيه قصة ، وقد رواه شعبة ، عن حصين ، عن الشعبي ، عن بريدة . قاله الترمذي وروى هذا الحديث الإمام البخاري من حديث محمد بن فضيل وأبو داود من حديث مالك بن مغول ، والترمذي من حديث سفيان بن عيينة ، ثلاثتهم عن حصين ، عن عامر ، عن الشعبي ، عن عمران بن حصين موقوفا .
حديث أبي جندب بن جنادة : قال الحافظ أبو يعلى الموصلي رحمه الله : حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة بن البرند السامي ، حدثنا ديلم بن غزوان ، حدثنا وهب بن أبي دبي ، عن أبي حرب ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن العين لتولع الرجل بإذن الله ، فيتصاعد حالقا ، ثم يتردى منه " إسناده غريب ، ولم يخرجوه .
حديث حابس التميمي : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حرب ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، حدثني حية بن حابس التميمي : أن أباه أخبره : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا شيء في الهام ، والعين حق ، وأصدق الطيرة الفأل " .
وقد رواه الترمذي ، عن عمرو بن علي ، عن أبي غسان يحيى بن كثير ، عن علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير به ثم قال غريب . قال وروى شيبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن حية بن حابس عن أبيه ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قلت : كذلك رواه الإمام أحمد ، عن حسن بن موسى ، وحسين بن محمد ، عن شيبان عن يحيى بن أبي كثير ، عن حية ، حدثه عن أبيه ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا بأس في الهام ، والعين حق ، وأصدق الطيرة الفأل " .
حديث ابن عباس : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن الوليد ، عن سفيان ، عن دويد ، حدثني إسماعيل بن ثوبان ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العين حق ، العين حق ، تستنزل الحالق " غريب .
طريق أخرى : قال مسلم في صحيحه : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، أخبرنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا وهيب ، عن ابن طاوس عن أبيه ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " العين حق ، ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين ، وإذا اغتسلتم فاغسلوا " . انفرد به دون البخاري .
وقال عبد الرزاق ، عن سفيان الثوري ، عن منصور ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول : " أعيذكما بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة " ، ويقول هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام " .
أخرجه البخاري وأهل السنن من حديث المنهال به .
حديث أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف رضي الله عنه : " قال ابن ماجه : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف قال : مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل ، فقال : لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة ، فما لبث أن لبط به ، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له : أدرك سهلا صريعا . قال : " من تتهمون به ؟ " . قالوا : عامر بن ربيعة . قال : " علام يقتل أحدكم أخاه ؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة " . ثم دعا بماء فأمر عامرا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، وركبتيه ، وداخلة إزاره ، وأمره أن يصب عليه .
قال سفيان : قال معمر ، عن الزهري : وأمر أن يكفأ الإناء من خلفه .
وقد رواه النسائي من حديث سفيان بن عيينة ومالك بن أنس كلاهما عن الزهري به . ومن حديث سفيان بن عيينة أيضا عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي أمامة : ويكفأ الإناء من خلفه . ومن حديث ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف عن أبيه ، به . ومن حديث مالك أيضا ، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل عن أبيه ، به .
حديث أبي سعيد الخدري : قال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا عباد ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من أعين الجان وأعين الإنس ، فلما نزل المعوذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك .
ورواه الترمذي والنسائي من حديث سعيد بن إياس أبي مسعود الجريري به ، وقال الترمذي : حسن .
حديث آخر عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي ، حدثني عبد العزيز بن صهيب ، حدثني أبو نضرة ، عن أبي سعيد : أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اشتكيت يا محمد ؟ قال : " نعم " . قال : باسم الله أرقيك ، من كل شيء يؤذيك ، من شر كل نفس وعين يشفيك ، باسم الله أرقيك .
ورواه عن عفان ، عن عبد الوارث مثله . ورواه مسلم وأهل السنن - إلا أبا داود - من حديث عبد الوارث به .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا عفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا داود ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد - أو : جابر بن عبد الله ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى ، فأتاه جبريل فقال : باسم الله أرقيك ، من كل شيء يؤذيك ، من كل حاسد وعين الله يشفيك .
ورواه أيضا ، عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوي ، عن داود ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد به .
قال أبو زرعة الرازي : روى عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه ، عن عبد العزيز ، عن أبي نضرة ، وعن عبد العزيز ، عن أنس في معناه ، وكلاهما صحيح .
حديث أبى هريرة : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن العين حق " .
أخرجاه من حديث عبد الرزاق .
وقال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا إسماعيل بن علية ، عن الجريري ، عن مضارب بن حزن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العين حق " . تفرد به .
ورواه أحمد ، عن إسماعيل بن علية ، عن سعيد الجريري به .
وقال الإمام أحمد ، حدثنا ابن نمير ، حدثنا ثور - يعني ابن يزيد - عن مكحول ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العين حق ، ويحضرها الشيطان ، وحسد ابن آدم "
وقال أحمد : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن قيس : سئل أبو هريرة : هل سمعت رسول الله يقول : الطيرة في ثلاث : في المسكن والفرس والمرأة ؟ قال : قلت : إذا أقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أصدق الطيرة الفأل ، والعين حق " .
حديث أسماء بنت عميس : قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن عروة بن عامر ، عن عبيد بن رفاعة الزرقي قال : قالت أسماء : يا رسول الله ، إن بني جعفر تصيبهم العين ، أفأسترقي لهم ؟ قال : " نعم ، فلو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين " .
وكذا رواه الترمذي وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة به ، ورواه الترمذي أيضا والنسائي من حديث عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن عمرو بن دينار ، عن عروة بن عامر عن عبيد بن رفاعة ، عن أسماء بنت عميس ، به وقال الترمذي : حسن صحيح .
حديث عائشة ، رضي الله عنها : قال ابن ماجه : حدثنا علي بن أبي الخصيب ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ومسعر ، عن معبد بن خالد ، عن عبد الله بن شداد ، عن عائشة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تسترقي من العين .
ورواه البخاري ، عن محمد بن كثير ، عن سفيان ، عن معبد بن خالد به . وأخرجه مسلم من حديث سفيان ومسعر كلاهما عن معبد به ثم قال ابن ماجه :
حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو هشام المخزومي ، حدثنا وهيب ، عن أبي واقد ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استعيذوا بالله فإن النفس حق " . تفرد به
وقال أبو داود : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : كان يؤمر العائن فيتوضأ ويغسل منه المعين .
حديث سهل بن حنيف : قال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا أبو أويس ، حدثنا الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف : أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو مكة ، حتى إذا كانوا بشعب الخرار - من الجحفة - اغتسل سهل بن حنيف - وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد - فنظر إليه عامر بن ربيعة أخو بني عدي بن كعب ، وهو يغتسل ، فقال : ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة ، فلبط سهل ، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له : يا رسول الله ، هل لك في سهل . والله ما يرفع رأسه ولا يفيق . قال : " هل تتهمون فيه من أحد؟ " . قالوا : نظر إليه عامر بن ربيعة ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا ، فتغيظ عليه ، وقال : " علام يقتل أحدكم أخاه ، هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت؟ " ، ثم قال له : " اغتسل له " - فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح - ثم صب ذلك الماء عليه . يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه ، ثم يكفأ القدح وراءه ، ففعل ذلك ، فراح سهل مع الناس ، ليس به بأس .
حديث عامر بن ربيعة : " قال الإمام أحمد في مسند عامر : حدثنا وكيع حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن عيسى ، عن أمية بن هند بن سهل بن حنيف ، عن عبد الله بن عامر قال : انطلق عامر بن ربيعة وسهل بن حنيف يريدان الغسل ، قال : فانطلقا يلتمسان الخمر - قال : فوضع عامر جبة كانت عليه من صوف ، فنظرت إليه فأصبته بعيني فنزل الماء يغتسل . قال : فسمعت له في الماء فرقعة ، فأتيته فناديته ثلاثا فلم يجبني ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته . قال : فجاء يمشي فخاض الماء كأني أنظر إلى بياض ساقيه ، قال : فضرب صدره بيده ثم قال : " اللهم اصرف عنه حرها وبردها ووصبها " . قال : فقام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأى أحدكم من أخيه ، أو من نفسه أو من ماله ، ما يعجبه ، فليبرك ، فإن العين حق " .
حديث جابر : قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا محمد بن معمر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا طالب بن حبيب بن عمرو بن سهل الأنصاري - ويقال له : ابن الضجيع ، ضجيع حمزة رضي الله عنه - حدثني عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس " .
قال البزار : يعني العين . قال ولا نعلم يروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد .
قلت : بل قد روي من وجه آخر عن جابر ; قال الحافظ أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر الهروي - المعروف بشكر - في كتاب العجائب ، وهو مشتمل على فوائد جليلة وغريبة : حدثنا الرهاوي ، حدثنا يعقوب بن محمد ، حدثنا علي بن أبي علي الهاشمي ، حدثنا محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " العين حق ، لتورد الرجل القبر ، والجمل القدر ، وإن أكثر هلاك أمتي في العين " .
ثم رواه عن شعيب بن أيوب ، عن معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد تدخل الرجل العين في القبر ، وتدخل الجمل القدر " .
حديث عبد الله بن عمرو : " قال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا رشدين بن سعد ، عن الحسن بن ثوبان ، عن هشام بن أبي رقية ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا عدوى ولا طيرة ، ولا هامة ولا حسد ، والعين حق " . تفرد به أحمد .
حديث عن علي : روى الحافظ ابن عساكر من طريق خيثمة بن سليمان الحافظ ، حدثنا عبيد بن محمد الكشوري ، حدثنا عبد الله بن عبد الله بن عبد ربه البصري ، عن أبي رجاء ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي ؛ أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فوافقه مغتما ، فقال : يا محمد ، ما هذا الغم الذي أراه في وجهك ؟ قال : " الحسن والحسين أصابتهما عين " . قال : صدق بالعين ، فإن العين حق ، أفلا عوذتهما بهؤلاء الكلمات ؟ قال : " وما هن يا جبريل ؟ " . قال : قل : اللهم ذا السلطان العظيم ، ذا المن القديم ، ذا الوجه الكريم ، ولي الكلمات التامات ، والدعوات المستجابات ، عاف الحسن والحسين من أنفس الجن ، وأعين الإنس ، فقالها النبي صلى الله عليه وسلم فقاما يلعبان بين يديه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " عوذوا أنفسكم ونساءكم وأولادكم بهذا التعويذ ، فإنه لم يتعوذ المتعوذون بمثله " .
قال الخطيب البغدادي : تفرد بروايته أبو رجاء محمد بن عبيد الله الحيطي من أهل تستر . ذكره ابن عساكر في ترجمة " طراد بن الحسين " ، من تاريخه .
وقوله : ( ويقولون إنه لمجنون ) أي : يزدرونه بأعينهم ويؤذونه بألسنتهم ، ويقولون : ( إنه لمجنون ) أي : لمجيئه بالقرآن
وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ ١٥
قوله تعالى : وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون
قوله تعالى : وإن يكاد الذين كفروا إن هي المخففة من الثقيلة . " ليزلقونك " أي يعتانونك .
" بأبصارهم " أخبر بشدة عداوتهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأرادوا أن يصيبوه بالعين فنظر إليه قوم من قريش وقالوا : ما رأينا مثله ولا مثل حججه . وقيل : كانت العين في بني أسد ، حتى إن البقرة السمينة أو الناقة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول : يا جارية ، خذي المكتل والدرهم فأتينا بلحم هذه الناقة ، فما تبرح حتى تقع للموت فتنحر . وقال الكلبي : كان رجل من العرب يمكث لا يأكل شيئا يومين أو ثلاثة ، ثم يرفع جانب الخباء فتمر به الإبل أو الغنم فيقول : لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه . فما تذهب إلا قليلا حتى تسقط منها طائفة هالكة . فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعين فأجابهم ; فلما مر النبي صلى الله عليه وسلم أنشد :
قد كان قومك يحسبونك سيدا وإخال أنك سيد معيون
فعصم الله نبيه صلى الله عليه وسلم ونزلت : وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك . وذكر نحوه الماوردي . وأن العرب كانت إذا أراد أحدهم أن يصيب أحدا - يعني في نفسه وماله - تجوع ثلاثة أيام ، ثم يتعرض لنفسه وماله فيقول : تالله ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر منه ولا أحسن ; فيصيبه بعينه فيهلك هو وماله ; فأنزل الله تعالى هذه الآية . قال القشيري : وفي هذا نظر ; لأن الإصابة بالعين إنما تكون مع الاستحسان والإعجاب لا مع الكراهية والبغض ; ولهذا قال :
ويقولون إنه لمجنون أي ينسبونك إلى الجنون إذا رأوك تقرأ القرآن .
قلت : أقوال المفسرين واللغويين تدل على ما ذكرنا ، وأن مرادهم بالنظر إليه قتله . ولا يمنع كراهة الشيء من أن يصاب بالعين عداوة حتى يهلك . وقرأ ابن عباس وابن مسعود والأعمش وأبو وائل ومجاهد " ليزهقونك " أي ليهلكونك . وهذه قراءة على التفسير ، من زهقت نفسه وأزهقها . وقرأ أهل المدينة " ليزلقونك " بفتح الياء . وضمها الباقون ; وهما لغتان بمعنى ; يقال : زلقه يزلقه وأزلقه يزلقه إزلاقا إذا نحاه وأبعده . وزلق رأسه يزلقه زلقا إذا حلقه . وكذلك أزلقه وزلقه تزليقا . ورجل زلق وزملق - مثال هدبد - وزمالق وزملق - بتشديد الميم - وهو الذي ينزل قبل أن يجامع ; حكاه الجوهري وغيره . فمعنى الكلمة إذا التنحية والإزالة ; وذلك لا يكون في حق النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهلاكه وموته . قال الهروي : أراد ليعتانونك بعيونهم فيزيلونك عن مقامك الذي أقامك الله فيه عداوة لك . وقال ابن عباس : ينفذونك بأبصارهم ; يقال : زلق السهم وزهق إذا نفذ ; وهو قول مجاهد . أي ينفذونك من شدة نظرهم . وقال الكلبي : يصرعونك . وعنه أيضا والسدي وسعيد بن جبير : يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة . وقال العوفي : يرمونك . وقال المؤرج : يزيلونك . وقال النضر بن شميل والأخفش : يفتنونك . وقال عبد العزيز بن يحيى : ينظرون إليك نظرا شزرا بتحديق شديد . وقال ابن زيد : ليمسونك . وقال جعفر الصادق : ليأكلونك . وقال الحسن وابن كيسان : ليقتلونك . وهذا كما يقال : صرعني بطرفه ، وقتلني بعينه . قال الشاعر :
ترميك مزلقة العيون بطرفها وتكل عنك نصال نبل الرامي
وقال آخر :
يتقارضون إذا التقوا في مجلس نظرا يزل مواطئ الأقدام
وقيل : المعنى أنهم ينظرون إليك بالعداوة حتى كادوا يسقطونك . وهذا كله راجع إلى ما ذكرنا ، وأن المعنى الجامع : يصيبونك بالعين . والله أعلم .
وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ ١٥
فجعل الله له العاقبة { والعاقبة للمتقين } ولم يدرك أعداؤه فيه إلا ما يسوءهم، حتى إنهم حرصوا على أن يزلقوه بأبصارهم أي: يصيبوه بأعينهم، من حسدهم وغيظهم وحنقهم، هذا منتهى ما قدروا عليه من الأذى الفعلي، والله حافظه وناصره، وأما الأذى القولي، فيقولون فيه أقوالًا، بحسب ما توحي إليهم قلوبهم، فيقولون تارة "مجنون" وتارة "ساحر" وتارة "شاعر".
وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ٢٥
نسخ
مشاركة
التفسير
وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ٢٥
قال الله تعالى ( وما هو إلا ذكر للعالمين )
وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ٢٥
قوله تعالى : وما هو إلا ذكر للعالمين أي وما القرآن إلا ذكر للعالمين . وقيل : أي وما محمد إلا ذكر للعالمين يتذكرون به . وقيل : معناه شرف ; أي القرآن . كما قال تعالى : وإنه لذكر لك ولقومك والنبي صلى الله عليه وسلم شرف للعالمين أيضا . شرفوا باتباعه والإيمان به صلى الله عليه وسلم .
وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ٢٥
قال تعالى { وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } أي: وما هذا القرآن الكريم، والذكر الحكيم، إلا ذكر للعالمين، يتذكرون به مصالح دينهم ودنياهم.
تم تفسير سورة القلم، والحمد لله رب العالمين.
صَدَق الْلَّه الْعَظِيْم