بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ ١
نسخ
مشاركة
التفسير
ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ ١
تفسير سورة القمر وهي مكية .
قد تقدم في حديث أبي واقد : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ بقاف ، واقتربت الساعة ، في الأضحى والفطر ، وكان يقرأ بهما في المحافل الكبار ، لاشتمالهما على ذكر الوعد والوعيد وبدء الخلق وإعادته ، والتوحيد وإثبات النبوات ، وغير ذلك من المقاصد العظيمة .
يخبر تعالى عن اقتراب الساعة وفراغ الدنيا وانقضائها . كما قال تعالى : ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه [ سبحانه ] ) [ النحل : 1 ] ، وقال : ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) [ الأنبياء : 1 ] وقد وردت الأحاديث بذلك ، قال الحافظ أبو بكر البزار :
حدثنا محمد بن المثنى وعمرو بن علي قالا حدثنا خلف بن موسى ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب أصحابه ذات يوم ، وقد كادت الشمس أن تغرب فلم يبق منها إلا شف يسير ، فقال : " والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه ، وما نرى من الشمس إلا يسيرا " .
قلت : هذا حديث مداره على خلف بن موسى بن خلف العمي ، عن أبيه . وقد ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : ربما أخطأ .
حديث آخر يعضد الذي قبله ويفسره ، قال الإمام أحمد : حدثنا الفضل بن دكين ، حدثنا شريك ، حدثنا سلمة بن كهيل ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : كنا جلوسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - والشمس على قعيقعان بعد العصر ، فقال : " ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من النهار فيما مضى " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين ، حدثنا محمد بن مطرف ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " بعثت والساعة هكذا " . وأشار بإصبعيه : السبابة والوسطى .
أخرجاه من حديث أبي حازم سلمة بن دينار .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا الأعمش ، عن أبي خالد ، عن وهب السوائي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بعثت أنا والساعة كهذه من هذه إن كادت لتسبقها " وجمع الأعمش بين السبابة والوسطى .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله ، قال : قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك فسأله : ماذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر به الساعة ؟ فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أنتم والساعة كهاتين " .
تفرد به أحمد ، رحمه الله . وشاهد ذلك أيضا في الصحيح في أسماء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنه الحاشر الذي يحشر الناس على قدميه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا بهز بن أسد ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، حدثنا حميد بن هلال ، عن خالد بن عمير قال : خطب عتبة بن غزوان - قال بهز : وقال قبل هذه المرة - خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " أما بعد ، فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها ، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها ، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم ، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاما ما يدرك لها قعرا ، والله لتملؤنه ، أفعجبتم ! والله لقد ذكر لنا أن ما بين مصراعي الجنة مسيرة أربعين عاما ، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ الزحام " وذكر تمام الحديث ، انفرد به مسلم .
وقال أبو جعفر بن جرير : حدثني يعقوب ، حدثني ابن علية ، أخبرنا عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : نزلنا المدائن فكنا منها على فرسخ ، فجاءت الجمعة ، فحضر أبي وحضرت معه فخطبنا حذيفة فقال : ألا إن الله يقول : ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) ، ألا وإن الساعة قد اقتربت ، ألا وإن القمر قد انشق ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ، ألا وإن اليوم المضمار ، وغدا السباق ، فقلت لأبي : أيستبق الناس غدا ؟ فقال : يا بني إنك لجاهل ، إنما هو السباق بالأعمال . ثم جاءت الجمعة الأخرى فحضرنا فخطب حذيفة ، فقال : ألا إن الله عز وجل يقول : ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق ، ألا وإن الغاية النار ، والسابق من سبق إلى الجنة .
وقوله : ( وانشق القمر ) : قد كان هذا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة . وقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود أنه قال : " خمس قد مضين : الروم ، والدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر " . وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أي انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات .
ذكر الأحاديث الواردة في ذلك :
رواية أنس بن مالك :
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : سأل أهل مكة النبي - صلى الله عليه وسلم - آية ، فانشق القمر بمكة مرتين ، فقال : ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) .
ورواه مسلم ، عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق .
وقال البخاري : حدثني عبد الله بن عبد الوهاب ، حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ; أن أهل مكة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يريهم آية ، فأراهم القمر شقين ، حتى رأوا حراء بينهما .
وأخرجاه أيضا من حديث يونس بن محمد المؤدب ، عن شيبان ، عن قتادة . ورواه مسلم أيضا من حديث أبي داود الطيالسي ، ويحيى القطان ، وغيرهما ، عن شعبة ، عن قتادة ، به .
رواية جبير بن مطعم رضي الله عنه :
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا سليمان بن كثير ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصار فرقتين : فرقة على هذا الجبل ، وفرقة على هذا الجبل ، فقالوا : سحرنا محمد . فقالوا : إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم .
تفرد به الإمام أحمد من هذا الوجه ، وأسنده البيهقي في " الدلائل " من طريق محمد بن كثير ، عن أخيه سليمان بن كثير ، عن حصين بن عبد الرحمن ، [ به ] . وهكذا رواه ابن جرير من حديث محمد بن فضيل وغيره عن حصين ، به . ورواه البيهقي أيضا من طريق إبراهيم بن طهمان وهشيم ، كلاهما عن حصين عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن جده فذكره .
رواية عبد الله بن عباس [ رضي الله عنهما ]
قال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا بكر ، عن جعفر ، عن عراك بن مالك ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : انشق القمر في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ورواه البخاري أيضا ومسلم ، من حديث بكر بن مضر ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عراك [ بن مالك ] ، به مثله .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن مثنى ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا داود بن أبي هند ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ) قال : قد مضى ذلك ، كان قبل الهجرة ، انشق القمر حتى رأوا شقيه .
وروى العوفي ، عن ابن عباس نحو هذا .
وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن عمرو البزار ، حدثنا محمد بن يحيى القطعي ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كسف القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : سحر القمر . فنزلت : ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) إلى قوله : ( مستمر ) .
رواية عبد الله بن عمر :
قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا : حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا العباس بن محمد الدوري ، حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمر في قوله تعالى : ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) قال : وقد كان ذلك على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انشق فلقتين : فلقة من دون الجبل ، وفلقة من خلف الجبل ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اللهم اشهد " .
وهكذا رواه مسلم ، والترمذي ، من طرق عن شعبة ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، به . قال مسلم كرواية مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود . وقال الترمذي : حسن صحيح .
رواية عبد الله بن مسعود :
قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن ابن مسعود قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شقين حتى نظروا إليه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اشهدوا " .
وهكذا رواه البخاري ومسلم ، من حديث سفيان بن عيينة ، به . وأخرجاه من حديث الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة ، عن ابن مسعود ، به .
وقال ابن جرير : حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، حدثنا عمي يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن رجل ، عن عبد الله ، قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى فانشق القمر ، فأخذت فرقة خلف الجبل ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اشهدوا ، اشهدوا " .
قال البخاري : وقال أبو الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله : بمكة .
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت قريش : هذا سحر ابن أبي كبشة . قال : فقالوا : انظروا ما يأتيكم به السفار ، فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم . قال : فجاء السفار فقالوا : ذلك .
وقال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا العباس بن محمد الدوري ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا هشيم ، حدثنا مغيرة ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله ، قال : انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين ، فقال كفار قريش أهل مكة : هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة ، انظروا السفار ، فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق ، وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو سحر سحركم به . قال : فسئل السفار ، قال : وقدموا من كل وجهة ، فقالوا : رأيناه .
رواه ابن جرير من حديث المغيرة ، به . وزاد : فأنزل الله عز وجل : ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) . ثم قال ابن جرير :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، أخبرنا أيوب ، عن محمد - هو ابن سيرين - قال : نبئت أن ابن مسعود - رضي الله عنه - كان يقول : لقد انشق القمر .
وقال ابن جرير أيضا : حدثني محمد بن عمارة ، حدثنا عمرو بن حماد ، حدثنا أسباط ، عن سماك ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عبد الله قال : لقد رأيت الجبل من فرج القمر حين انشق .
ورواه الإمام أحمد عن مؤمل ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عبد الله ، قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى رأيت الجبل من بين فرجتي القمر .
وقال ليث عن مجاهد : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصار فرقتين ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر : " اشهد يا أبا بكر " . فقال المشركون : سحر القمر حتى انشق .
ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ ١
سورة القمر
مكية كلها في قول الجمهور . وقال مقاتل : إلا ثلاث آيات من قوله تعالى : أم يقولون نحن جميع منتصر إلى قوله : والساعة أدهى وأمر ولا يصح على ما يأتي . وهي خمس وخمسون آية .
بسم الله الرحمن الرحيم
اقتربت الساعة وانشق القمر
قوله تعالى : اقتربت الساعة وانشق القمر اقتربت : أي قربت مثل أزفت الآزفة على ما بيناه . فهي بالإضافة إلى ما مضى قريبة ; لأنه قد مضى أكثر الدنيا كما روى قتادة عن أنس قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كادت الشمس تغيب فقال : ما بقي من دنياكم فيما مضى إلا مثل ما بقي من هذا اليوم فيما مضى وما نرى من الشمس إلا يسيرا . وقال كعب ووهب : الدنيا ستة آلاف سنة . قال وهب : قد مضى منها خمسة آلاف سنة وستمائة سنة ؛ ذكره النحاس .
ثم قال تعالى : وانشق القمر أي وقد انشق القمر . وكذا قرأ حذيفة " اقتربت الساعة وقد انشق القمر " بزيادة " قد " وعلى هذا الجمهور من العلماء ; ثبت ذلك في صحيح البخاري وغيره من حديث ابن مسعود وابن عمر وأنس وجبير بن مطعم وابن عباس رضي الله عنهم . وعن أنس قال : سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية ، فانشق القمر بمكة مرتين فنزلت : اقتربت الساعة وانشق القمر إلى قوله : سحر مستمر يقول ذاهب قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . ولفظ البخاري عن أنس قال : انشق القمر فرقتين . وقال قوم : لم يقع انشقاق القمر بعد وهو منتظر ; أي : اقترب قيام الساعة وانشقاق القمر ; وأن الساعة إذا قامت انشقت السماء بما فيها من القمر وغيره . وكذا قال القشيري . وذكر الماوردي : أن هذا قول الجمهور ، وقال : لأنه إذا انشق ما بقي أحد إلا رآه ; لأنه آية والناس في الآيات سواء . وقال الحسن : اقتربت الساعة فإذا جاءت انشق القمر بعد النفخة الثانية . وقيل : وانشق القمر أي وضح الأمر وظهر ; والعرب تضرب بالقمر مثلا فيما وضح ; قال :
أقيموا بني أمي صدور مطيكم فإني إلى حي سواكم لأميل فقد حمت الحاجات والليل مقمر
وشدت لطيات مطايا وأرحل
وقيل : انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها ، كما يسمى الصبح فلقا ; لانفلاق الظلمة عنه .
وقد يعبر عن انفلاقه بانشقاقه كما قال النابغة : فلما أدبروا ولهم دوي دعانا عند شق الصبح داع
قلت : وقد ثبت بنقل الآحاد العدول أن القمر انشق بمكة ، وهو ظاهر التنزيل ، ولا يلزم أن يستوي الناس فيها ; لأنها كانت آية ليلية ; وأنها كانت باستدعاء النبي صلى الله عليه وسلم من الله تعالى عند التحدي . فروي أن حمزة بن عبد المطلب حين أسلم غضبا من سب أبي جهل الرسول صلى الله عليه وسلم طلب أن يريه آية يزداد بها يقينا في إيمانه . وقد تقدم في الصحيح أن أهل مكة هم الذين سألوا وطلبوا أن يريهم آية ، فأراهم انشقاق القمر فلقتين كما في حديث ابن مسعود وغيره . وعن حذيفة أنه خطب بالمدائن ثم قال : ألا إن الساعة قد اقتربت ، وأن القمر قد انشق على عهد نبيكم صلى الله عليه وسلم . وقد قيل : هو على التقديم والتأخير ، وتقديره انشق القمر واقتربت الساعة ; قاله ابن كيسان . وقد مر عن الفراء أن الفعلين إذا كانا متقاربي المعنى فلك أن تقدم وتؤخر عند قوله تعالى : ثم دنا فتدلى .
ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ ١
يخبر تعالى أن الساعة وهي القيامة اقتربت وآن أوانها، وحان وقت مجيئها، ومع ذلك، فهؤلاء المكذبون لم يزالوا مكذبين بها، غير مستعدين لنزولها، ويريهم الله من الآيات العظيمة الدالة على وقوعها ما يؤمن على مثله البشر، فمن أعظم الآيات الدالة على صحة ما جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، أنه لما طلب منه المكذبون أن يريهم من خوارق العادات ما يدل على [صحة ما جاء به و] صدقه، أشار صلى الله عليه وسلم إلى القمر بإذن الله تعالى، فانشق فلقتين، فلقة على جبل أبي قبيس، وفلقة على جبل قعيقعان، والمشركون وغيرهم يشاهدون هذه الآية الكبرى الكائنة في العالم العلوي، التي لا يقدر الخلق على التمويه بها والتخييل.
وَإِن يَرَوۡاْ ءَايَةٗ يُعۡرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحۡرٞ مُّسۡتَمِرّٞ ٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَإِن يَرَوۡاْ ءَايَةٗ يُعۡرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحۡرٞ مُّسۡتَمِرّٞ ٢
وقوله : ( وإن يروا آية ) أي : دليلا وحجة وبرهانا ) يعرضوا ) أي : لا ينقادون له ، بل يعرضون عنه ويتركونه وراء ظهورهم ، ( ويقولوا سحر مستمر ) أي : ويقولون : هذا الذي شاهدناه من الحجج سحر سحرنا به .
ومعنى ) مستمر ) أي : ذاهب . قاله مجاهد ، وقتادة ، وغيرهما ، أي : باطل مضمحل ، لا دوام له .
وَإِن يَرَوۡاْ ءَايَةٗ يُعۡرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحۡرٞ مُّسۡتَمِرّٞ ٢
قوله تعالى : وإن يروا آية يعرضوا هذا يدل على أنهم رأوا انشقاق القمر . قال ابن عباس : اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : إن كنت صادقا فاشقق لنا القمر فرقتين ، نصف على أبي قبيس ونصف على قعيقعان ; فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن فعلت تؤمنون قالوا : نعم ؟ وكانت ليلة بدر ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يعطيه ما قالوا ; فانشق القمر فرقتين ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي المشركين : يا فلان يا فلان اشهدوا . وفي حديث ابن مسعود : انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت قريش : هذا من سحر ابن أبي كبشة ; سحركم فاسألوا السفار ; فسألوهم فقالوا : قد رأينا القمر انشق فنزلت : اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا أي إن يروا آية تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم أعرضوا عن الإيمان ويقولوا سحر مستمر أي ذاهب ; من قولهم : مر الشيء واستمر إذا ذهب ; قاله أنس وقتادة ومجاهد والفراء والكسائي وأبو عبيدة ، واختاره النحاس . وقال أبو العالية والضحاك : محكم قوي شديد ، وهو من المرة وهي القوة ; كما قال لقيط :
حتى استمرت على شزر مريرته مر العزيمة لا قحما ولا ضرعا
وقال الأخفش : هو مأخوذ من إمرار الحبل وهو شدة فتله . وقيل : معناه مر من المرارة . يقال : أمر الشيء صار مرا ، وكذلك مر الشيء يمر بالفتح مرارة فهو مر ، وأمره غيره ومره . وقال الربيع : مستمر نافذ . يمان : ماض . أبو عبيدة : باطل . وقيل : دائم . قال امرؤ القيس :
وليس على شيء قويم بمستمر
أي بدائم . وقيل : يشبه بعضه بعضا ; أي قد استمرت أفعال محمد على هذا الوجه فلا يأتي بشيء له حقيقة بل الجميع تخييلات . وقيل : معناه قد مر من الأرض إلى السماء .
وَإِن يَرَوۡاْ ءَايَةٗ يُعۡرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحۡرٞ مُّسۡتَمِرّٞ ٢
فشاهدوا أمرا ما رأوا مثله، بل ولم يسمعوا أنه جرى لأحد من المرسلين قبله نظيره، فانبهروا لذلك، ولم يدخل الإيمان في قلوبهم، ولم يرد الله بهم خيرا، ففزعوا إلى بهتهم وطغيانهم، وقالوا: سحرنا محمد، ولكن علامة ذلك أنكم تسألون من قدم إليكم من السفر، فإنه وإن قدر على سحركم، لا يقدر أن يسحر من ليس مشاهدا مثلكم، فسألوا كل من قدم، فأخبرهم بوقوع ذلك، فقالوا: { سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } سحرنا محمد وسحر غيرنا، وهذا من البهت، الذي لا يروج إلا على أسفه الخلق وأضلهم عن الهدى والعقل، وهذا ليس إنكارا منهم لهذه الآية وحدها، بل كل آية تأتيهم، فإنهم مستعدون لمقابلتها بالباطل والرد لها، ولهذا قال: { وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا } ولم يعد الضمير على انشقاق القمر فلم يقل: وإن يروها بل قال: { وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا } وليس قصدهم اتباع الحق والهدى، وإنما قصدهم اتباع الهوى،
وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَكُلُّ أَمۡرٖ مُّسۡتَقِرّٞ ٣
نسخ
مشاركة
التفسير
وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَكُلُّ أَمۡرٖ مُّسۡتَقِرّٞ ٣
( وكذبوا واتبعوا أهواءهم ) أي : كذبوا بالحق إذ جاءهم ، واتبعوا ما أمرتهم به آراؤهم وأهواؤهم من جهلهم وسخافة عقلهم .
وقوله : ( وكل أمر مستقر ) قال قتادة : معناه : أن الخير واقع بأهل الخير ، والشر واقع بأهل الشر .
وقال ابن جريج : مستقر بأهله . وقال مجاهد : ( وكل أمر مستقر ) أي : يوم القيامة .
وقال السدي : ( مستقر ) أي : واقع .
وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَكُلُّ أَمۡرٖ مُّسۡتَقِرّٞ ٣
وكذبوا نبينا واتبعوا أهواءهم أي ضلالاتهم واختياراتهم .
وكل أمر مستقر أي يستقر بكل عامل عمله ، فالخير مستقر بأهله في الجنة ، والشر مستقر بأهله في النار . وقرأ شيبة " مستقر " بفتح القاف ; أي لكل شيء وقت يقع فيه من غير تقدم وتأخر . وقد روي عن أبي جعفر بن القعقاع " وكل أمر مستقر " بكسر القاف والراء جعله نعتا لأمر و " كل " على هذا يجوز أن يرتفع بالابتداء والخبر محذوف ، كأنه قال : وكل أمر مستقر في أم الكتاب كائن . ويجوز أن يرتفع بالعطف على الساعة ; المعنى : اقتربت الساعة وكل أمر مستقر ; أي : اقترب استقرار الأمور يوم القيامة . ومن رفعه جعله خبرا عن ( كل ) .
وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَكُلُّ أَمۡرٖ مُّسۡتَقِرّٞ ٣
{ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ } كقوله تعالى: { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ } فإنه لو كان قصدهم اتباع الهدى، لآمنوا قطعا، واتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم، لأنه أراهم الله على يديه من البينات والبراهين والحجج القواطع، ما دل على جميع المطالب الإلهية، والمقاصد الشرعية، { وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ } أي: إلى الآن، لم يبلغ الأمر غايته ومنتهاه، وسيصير الأمر إلى آخره، فالمصدق يتقلب في جنات النعيم، ومغفرة الله ورضوانه، والمكذب يتقلب في سخط الله وعذابه، خالدا مخلدا أبدا.
وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّنَ ٱلۡأَنۢبَآءِ مَا فِيهِ مُزۡدَجَرٌ ٤
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّنَ ٱلۡأَنۢبَآءِ مَا فِيهِ مُزۡدَجَرٌ ٤
وقوله : ( ولقد جاءهم من الأنباء ) أي : من الأخبار عن قصص الأمم المكذبين بالرسل ، وما حل بهم من العقاب والنكال والعذاب ، مما يتلى عليهم في هذا القرآن ، ( ما فيه مزدجر ) أي : ما فيه واعظ لهم عن الشرك والتمادي على التكذيب .
وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّنَ ٱلۡأَنۢبَآءِ مَا فِيهِ مُزۡدَجَرٌ ٤
قوله تعالى : ولقد جاءهم من الأنباء أي من بعض الأنباء ; فذكر سبحانه من ذلك ما علم أنهم يحتاجون إليه ، وأن لهم فيه شفاء . وقد كان هناك أمور أكثر من ذلك ، وإنما اقتص علينا ما علم أن بنا إليه حاجة وسكت عما سوى ذلك ; وذلك قوله تعالى : ولقد جاءهم من الأنباء أي جاء هؤلاء الكفار من أنباء الأمم الخالية ما فيه مزدجر أي ما يزجرهم عن الكفر لو قبلوه . وأصله مزتجر فقلبت التاء دالا ; لأن التاء حرف مهموس والزاي حرف مجهور ، فأبدل من التاء دالا توافقها في المخرج وتوافق الزاي في الجهر . و " مزدجر " من الزجر وهو الانتهاء ، يقال : زجره وازدجره فانزجر وازدجر ، وزجرته أنا فانزجر أي كففته فكف ، كما قال :
فأصبح ما يطلب الغانيا ت مزدجرا عن هواه ازدجارا
وقرئ " مزجر " بقلب تاء الافتعال زايا وإدغام الزاي فيها ; حكاه الزمخشري .
وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّنَ ٱلۡأَنۢبَآءِ مَا فِيهِ مُزۡدَجَرٌ ٤
وقال تعالى -مبينا أنهم ليس لهم قصد صحيح، ولا اتباع للهدى-: { وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ } أي: الأخبار السابقة واللاحقة والمعجزات الظاهرة { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } أي: زاجر يزجرهم عن غيهم وضلالهم،
حِكۡمَةُۢ بَٰلِغَةٞۖ فَمَا تُغۡنِ ٱلنُّذُرُ ٥
نسخ
مشاركة
التفسير
حِكۡمَةُۢ بَٰلِغَةٞۖ فَمَا تُغۡنِ ٱلنُّذُرُ ٥
وقوله : ( حكمة بالغة ) أي : في هدايته تعالى لمن هداه وإضلاله لمن أضله ، ( فما تغن النذر ) يعني : أي شيء تغني النذر عمن كتب الله عليه الشقاوة ، وختم على قلبه ؟ فمن الذي يهديه من بعد الله ؟ وهذه الآية كقوله تعالى : ( قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ) [ الأنعام : 149 ] ، وكذا قوله تعالى : ( وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ) [ يونس : 101 ] .
حِكۡمَةُۢ بَٰلِغَةٞۖ فَمَا تُغۡنِ ٱلنُّذُرُ ٥
حكمة بالغة يعني القرآن وهو بدل من " ما " من قوله : ما فيه مزدجر ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف ; أي هو حكمة .
فما تغن النذر إذا كذبوا وخالفوا كما قال الله تعالى : وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ف " ما " نفي أي : ليست تغني عنهم النذر . ويجوز أن يكون استفهاما بمعنى التوبيخ ; أي : فأي شيء تغني النذر عنهم وهم معرضون عنها ، و " النذر " يجوز أن تكون بمعنى الإنذار ، ويجوز أن تكون جمع نذير .
حِكۡمَةُۢ بَٰلِغَةٞۖ فَمَا تُغۡنِ ٱلنُّذُرُ ٥
{ حِكْمَةٌ } منه تعالى { بَالِغَةٌ } أي: لتقوم حجته على المخالفين ولا يبقى لأحد على الله حجة بعد الرسل، { فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ } كقوله تعالى: { وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ لا يؤمنوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ }
فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡۘ يَوۡمَ يَدۡعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيۡءٖ نُّكُرٍ ٦
نسخ
مشاركة
التفسير
فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡۘ يَوۡمَ يَدۡعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيۡءٖ نُّكُرٍ ٦
يقول تعالى : فتول يا محمد عن هؤلاء الذين إذا رأوا آية يعرضون ويقولون : هذا سحر مستمر ، أعرض عنهم وانتظرهم ، ( يوم يدعو الداعي إلى شيء نكر ) أي : إلى شيء منكر فظيع ، وهو موقف الحساب وما فيه من البلاء ، بل والزلازل والأهوال
فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡۘ يَوۡمَ يَدۡعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيۡءٖ نُّكُرٍ ٦
قوله تعالى : فتول عنهم أي أعرض عنهم . قيل : هذا منسوخ بآية السيف . وقيل : هو تمام الكلام .
ثم قال : يوم يدعو الداعي العامل في يوم يخرجون من الأجداث أو خشعا أو فعل مضمر تقديره : واذكر يوم . وقيل : على حذف حرف الفاء وما عملت فيه من جواب الأمر ، تقديره : فتول عنهم فإن لهم يوم يدعو الداعي . وقيل : تول عنهم يا محمد فقد أقمت الحجة وأبصرهم يوم يدعو الداعي . وقيل : أي أعرض عنهم يوم القيامة ولا تسأل عنهم وعن أحوالهم ، فإنهم يدعون إلى شيء نكر وينالهم عذاب شديد . وهو كما تقول : لا تسأل عما جرى على فلان إذا أخبرته بأمر عظيم . وقيل : أي وكل أمر مستقر يوم يدعو الداعي . وقرأ ابن كثير " نكر " بإسكان الكاف ، وضمها الباقون وهما لغتان كعسر وعسر وشغل وشغل ، ومعناه الأمر الفظيع العظيم وهو يوم القيامة . والداعي هو إسرافيل عليه السلام . وقد روي عن مجاهد وقتادة أنهما قرأا " إلى شيء نكر " بكسر الكاف وفتح الراء على الفعل المجهول .
فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡۘ يَوۡمَ يَدۡعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيۡءٖ نُّكُرٍ ٦
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: قد بان أن المكذبين لا حيلة في هداهم، فلم يبق إلا الإعراض عنهم والتولي عنهم، [فقال:] { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } وانتظر بهم يوما عظيما وهولا جسيما، وذلك حين { يدعو الداع } إسرافيل عليه السلام { إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ } أي: إلى أمر فظيع تنكره الخليقة، فلم تر منظرا أفظع ولا أوجع منه، فينفخ إسرافيل نفخة، يخرج بها الأموات من قبورهم لموقف القيامة
خُشَّعًا أَبۡصَٰرُهُمۡ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ كَأَنَّهُمۡ جَرَادٞ مُّنتَشِرٞ ٧
نسخ
مشاركة
التفسير
خُشَّعًا أَبۡصَٰرُهُمۡ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ كَأَنَّهُمۡ جَرَادٞ مُّنتَشِرٞ ٧
( خشعا أبصارهم ) أي : ذليلة أبصارهم ( يخرجون من الأجداث ) وهي : القبور ، ( كأنهم جراد منتشر ) أي : كأنهم في انتشارهم وسرعة سيرهم إلى موقف الحساب إجابة للداعي ( جراد منتشر ) في الآفاق ; ولهذا قال :
خُشَّعًا أَبۡصَٰرُهُمۡ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ كَأَنَّهُمۡ جَرَادٞ مُّنتَشِرٞ ٧
خشعا أبصارهم الخشوع في البصر الخضوع والذلة ، وأضاف الخشوع إلى الأبصار لأن أثر العز والذل يتبين في ناظر الإنسان ; قال الله تعالى : أبصارها خاشعة وقال تعالى : خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي . ويقال : خشع واختشع إذا ذل . وخشع ببصره أي غضه . وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو " خاشعا " بالألف ويجوز في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة التوحيد ، نحو : " خاشعا أبصارهم " والتأنيث نحو : خاشعة أبصارهم ويجوز الجمع نحو : خشعا أبصارهم ، قال الحارث بن دوس الإيادي :
وشباب حسن أوجههم من إياد بن نزار بن معد
و " خشعا " جمع خاشع والنصب فيه على الحال من الهاء والميم في " عنهم " فيقبح الوقف على هذا التقدير على " عنهم " . ويجوز أن يكون حالا من المضمر في " يخرجون " فيوقف على عنهم . وقرئ " خشع أبصارهم " على الابتداء والخبر ، ومحل الجملة النصب على الحال ، كقوله :
وجدته حاضراه الجود والكرم
يخرجون من الأجداث أي : القبور واحدها جدث .
كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداعي وقال في موضع آخر : يوم يكون الناس كالفراش المبثوث فهما صفتان في وقتين مختلفين ; أحدهما : عند الخروج من القبور ، يخرجون فزعين لا يهتدون أين يتوجهون ، فيدخل بعضهم في بعض ; فهم حينئذ كالفراش المبثوث بعضه في بعض لا جهة له يقصدها ، الثاني : فإذا سمعوا المنادي قصدوه فصاروا كالجراد المنتشر ; لأن الجراد له جهة يقصدها .
خُشَّعًا أَبۡصَٰرُهُمۡ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ كَأَنَّهُمۡ جَرَادٞ مُّنتَشِرٞ ٧
{ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ } أي: من الهول والفزع الذي وصل إلى قلوبهم، فخضعت وذلت، وخشعت لذلك أبصارهم.
{ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ } وهي القبور، { كَأَنَّهُمْ } من كثرتهم، وروجان بعضهم ببعض { جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ } أي: مبثوث في الأرض، متكاثر جدا،
مُّهۡطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِۖ يَقُولُ ٱلۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَسِرٞ ٨
نسخ
مشاركة
التفسير
مُّهۡطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِۖ يَقُولُ ٱلۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَسِرٞ ٨
( مهطعين ) أي : مسرعين ( إلى الداعي ) ، لا يخالفون ولا يتأخرون ، ( يقول الكافرون هذا يوم عسر ) أي : يوم شديد الهول عبوس قمطرير ( فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير ) [ المدثر : 9 ، 10 ] .
مُّهۡطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِۖ يَقُولُ ٱلۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَسِرٞ ٨
و مهطعين معناه مسرعين ; قاله أبو عبيدة . ومنه قول الشاعر :
بدجلة دارهم ولقد أراهم بدجلة مهطعين إلى السماع
الضحاك : مقبلين . قتادة : عامدين . ابن عباس : ناظرين . عكرمة : فاتحين آذانهم إلى الصوت . والمعنى متقارب . يقال : هطع الرجل يهطع هطوعا إذا أقبل على الشيء ببصره لا يقلع عنه ; وأهطع إذا مد عنقه وصوب رأسه . قال الشاعر :
تعبدني نمر بن سعد وقد أرى ونمر بن سعد لي مطيع ومهطع
وبعير مهطع : في عنقه تصويب خلقة . وأهطع في عدوه أي أسرع .
يقول الكافرون هذا يوم عسر يعني يوم القيامة لما ينالهم فيه من الشدة .
مُّهۡطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِۖ يَقُولُ ٱلۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَسِرٞ ٨
{ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ } أي: مسرعين لإجابة النداء الداعي وهذا يدل على أن الداعي يدعوهم ويأمرهم بالحضور لموقف القيامة، فيلبون دعوته، ويسرعون إلى إجابته، { يَقُولُ الْكَافِرُونَ } الذين قد حضر عذابهم: { هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } كما قال تعالى { على الكافرين غير يسير } [مفهوم ذلك أنه يسير سهل على المؤمنين]
۞ كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ ٩
نسخ
مشاركة
التفسير
۞ كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ ٩
يقول تعالى : ( كذبت ) قبل قومك يا محمد ( قوم نوح فكذبوا عبدنا ) أي : صرحوا له بالتكذيب واتهموه بالجنون ، ( وقالوا مجنون وازدجر ) قال مجاهد : ( وازدجر ) أي : استطير جنونا . وقيل : ( وازدجر ) أي : انتهروه وزجروه وأوعدوه : ( لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين ) [ الشعراء : 116 ] . قاله ابن زيد ، وهذا متوجه حسن .
۞ كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ ٩
قوله تعالى : كذبت قبلهم قوم نوح ذكر جملا من وقائع الأمم الماضية تأنيسا للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية له . قبلهم أي قبل قومك .
فكذبوا عبدنا يعني نوحا . الزمخشري : فإن قلت ما معنى قوله : فكذبوا بعد قوله : كذبت ؟ قلت : معناه كذبوا فكذبوا عبدنا ; أي كذبوه تكذيبا على عقب تكذيب كلما مضى منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب ، أو كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا ; أي لما كانوا مكذبين بالرسل جاحدين للنبوة رأسا كذبوا نوحا لأنه من جملة الرسل .
وقالوا مجنون أي هو مجنون وازدجر أي زجر عن دعوى النبوة بالسب والوعيد بالقتل . وقيل إنما قال : وازدجر بلفظ ما لم يسم فاعله لأنه رأس آية .
۞ كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ ٩
لما ذكر تبارك وتعالى حال المكذبين لرسوله، وأن الآيات لا تنفع فيهم، ولا تجدي عليهم شيئا، أنذرهم وخوفهم بعقوبات الأمم الماضية المكذبة للرسل، وكيف أهلكهم الله وأحل بهم عقابه.
فذكر قوم نوح، أول رسول بعثه الله إلى قوم يعبدون الأصنام، فدعاهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، فامتنعوا من ترك الشرك وقالوا: { لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا }
ولم يزل نوح يدعوهم إلى الله ليلا ونهارا، وسرا وجهارا، فلم يزدهم ذلك إلا عنادا وطغيانا، وقدحا في نبيهم، ولهذا قال هنا: { فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ } لزعمهم أن ما هم عليه وآباؤهم من الشرك والضلال هو الذي يدل عليه العقل، وأن ما جاء به نوح عليه الصلاة والسلام جهل وضلال، لا يصدر إلا من المجانين، وكذبوا في ذلك، وقلبوا الحقائق الثابتة شرعا وعقلا، فإن ما جاء به هو الحق الثابت، الذي يرشد العقول النيرة المستقيمة، إلى الهدى والنور والرشد، وما هم عليه جهل وضلال مبين، [وقوله:] { وَازْدُجِرَ } أي: زجره قومه وعنفوه عندما دعاهم إلى الله تعالى، فلم يكفهم -قبحهم الله- عدم الإيمان به، ولا تكذيبهم إياه، حتى أوصلوا إليه من أذيتهم ما قدروا عليه، وهكذا جميع أعداء الرسل، هذه حالهم مع أنبيائهم.
فَدَعَا رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَغۡلُوبٞ فَٱنتَصِرۡ ٠١
نسخ
مشاركة
التفسير
فَدَعَا رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَغۡلُوبٞ فَٱنتَصِرۡ ٠١
( فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ) أي : إني ضعيف عن هؤلاء وعن مقاومتهم)( فانتصر ) أنت لدينك .
فَدَعَا رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَغۡلُوبٞ فَٱنتَصِرۡ ٠١
فدعا ربه أي دعا عليهم حينئذ نوح وقال رب أني مغلوب أني مغلوب أي غلبوني بتمردهم فانتصر أي فانتصر لي . وقيل : إن الأنبياء كانوا لا يدعون على قومهم بالهلاك إلا بإذن الله عز وجل لهم فيه .
فَدَعَا رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَغۡلُوبٞ فَٱنتَصِرۡ ٠١
فعند ذلك دعا نوح ربه [فقال:] { أَنِّي مَغْلُوبٌ } لا قدرة لي على الانتصار منهم، لأنه لم يؤمن من قومه إلا القليل النادر، ولا قدرة لهم على مقاومة قومهم، { فَانْتَصِرْ } اللهم لي منهم، وقال في الآية الأخرى: { رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } الآيات
فَفَتَحۡنَآ أَبۡوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٖ مُّنۡهَمِرٖ ١١
نسخ
مشاركة
التفسير
فَفَتَحۡنَآ أَبۡوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٖ مُّنۡهَمِرٖ ١١
قال الله تعالى : ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ) . قال السدي : هو الكثير ( وفجرنا الأرض عيونا ) أي : نبعت جميع أرجاء الأرض ، حتى التنانير التي هي محال النيران نبعت عيونا ، ( فالتقى الماء ) أي : من السماء ومن الأرض ( على أمر قد قدر ) أي : أمر مقدر .
قال ابن جريج ، عن ابن عباس : ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ) كثير ، لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده ، ولا من السحاب ; فتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم ، فالتقى الماءان على أمر قد قدر .
وروى ابن أبي حاتم أن ابن الكواء سأل عليا عن المجرة فقال : هي شرج السماء ، ومنها فتحت السماء بماء منهمر .
فَفَتَحۡنَآ أَبۡوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٖ مُّنۡهَمِرٖ ١١
ففتحنا أبواب السماء أي فأجبنا دعاءه وأمرناه باتخاذ السفينة وفتحنا أبواب السماء بماء منهمر أي كثير ; قاله السدي . قال الشاعر :
أعيني جودا بالدموع الهوامر على خير باد من معد وحاضر
وقيل : إنه المنصب المتدفق ; ومنه قول امرئ القيس يصف غيثا :
راح تمريه الصبا ثم انتحى فيه شؤبوب جنوب منهمر
الهمر الصب ; وقد همر الماء والدمع يهمر همرا . وهمر أيضا إذا أكثر الكلام وأسرع . وهمر له من ماله أي أعطاه . قال ابن عباس : ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر من غير سحاب لم يقلع أربعين يوما . وقرأ ابن عامر ويعقوب : " ففتحنا " مشددة على التكثير . الباقون " ففتحنا " مخففا . ثم قيل : إنه فتح رتاجها وسعة مسالكها . وقيل : إنه المجرة وهي شرج السماء ومنها فتحت بماء منهمر ; قاله علي رضي الله عنه .
فَفَتَحۡنَآ أَبۡوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٖ مُّنۡهَمِرٖ ١١
فأجاب الله سؤاله، وانتصر له من قومه، قال تعالى: { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ } أي: كثير جدا متتابع
وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ ٢١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ ٢١
أي نبعت جميع أرجاء الأرض حتى التنانير التي هي محال النيران نبعت عيونا "فالتقى الماء" أي من السماء والأرض "على أمر قد قدر" أى أمر مقدر.
وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ ٢١
وفجرنا الأرض عيونا قال عبيد بن عمير : أوحى الله إلى الأرض أن تخرج ماءها فتفجرت بالعيون ، وإن عينا تأخرت فغضب عليها فجعل ماءها مرا أجاجا إلى يوم القيامة .
فالتقى الماء أي ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قدر أي على مقدار لم يزد أحدهما على الآخر ; حكاه ابن قتيبة . أي كان ماء السماء والأرض سواء . وقيل : قدر بمعنى قضي عليهم . قال قتادة : قدر لهم إذا كفروا أن يغرقوا . وقال محمد بن كعب : كانت الأقوات قبل الأجساد ، وكان القدر قبل البلاء ; وتلا هذه الآية . وقال : التقى الماء ، والالتقاء إنما يكون في اثنين فصاعدا ; لأن الماء يكون جمعا وواحدا . وقيل : لأنهما لما اجتمعا صارا ماء واحدا . وقرأ الجحدري : " فالتقى الماءان " . وقرأ الحسن : " فالتقى الماوان " وهما خلاف المرسوم . القشيري : وفي بعض المصاحف " فالتقى الماوان " وهي لغة طيئ . وقيل : كان ماء السماء باردا مثل الثلج وماء الأرض حارا مثل الحميم .
وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ ٢١
{ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا } فجعلت السماء ينزل منها من الماء شيء خارق للعادة، وتفجرت الأرض كلها، حتى التنور الذي لم تجر العادة بوجود الماء فيه، فضلا عن كونه منبعا للماء، لأنه موضع النار.
{ فَالْتَقَى الْمَاءُ } أي: ماء السماء والأرض { عَلَى أَمْرٍ } من الله له بذلك، { قَدْ قُدِرَ } أي: قد كتبه الله في الأزل وقضاه، عقوبة لهؤلاء الظالمين الطاغين
وَحَمَلۡنَٰهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلۡوَٰحٖ وَدُسُرٖ ٣١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَحَمَلۡنَٰهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلۡوَٰحٖ وَدُسُرٖ ٣١
( وحملناه على ذات ألواح ودسر ) : قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والقرظي ، وقتادة ، وابن زيد : هي المسامير ، واختاره ابن جرير ، قال : وواحدها دسار ، ويقال : دسير ، كما يقال : حبيك وحباك ، والجمع حبك .
وقال مجاهد : الدسر : أضلاع السفينة . وقال عكرمة والحسن : هو صدرها الذي يضرب به الموج .
وقال الضحاك : الدسر : طرفها وأصلها .
وقال العوفي عن ابن عباس : هو كلكلها .
وَحَمَلۡنَٰهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلۡوَٰحٖ وَدُسُرٖ ٣١
وحملناه على ذات ألواح أي على سفينة ذات ألواح .
ودسر قال قتادة : يعني المسامير التي دسرت بها السفينة أي شدت ; وقاله القرظي وابن زيد وابن جبير ورواه الوالبي عن ابن عباس . وقال الحسن وشهر بن حوشب وعكرمة : هي صدر السفينة التي تضرب بها الموج سميت بذلك لأنها تدسر الماء أي تدفعه ، والدسر الدفع والمخر ; ورواه العوفي عن ابن عباس قال : الدسر كلكل السفينة . وقال الليث : الدسار خيط من ليف تشد به ألواح السفينة . وفي الصحاح : الدسار واحد الدسر وهي خيوط تشد بها ألواح السفينة ، ويقال : هي المسامير ، وقال تعالى : على ذات ألواح ودسر . ودسر أيضا مثل عسر وعسر . والدسر الدفع ; قال ابن عباس في العنبر : إنما هو شيء يدسره البحر دسرا أي يدفعه . ودسره بالرمح . ورجل مدسر .
وَحَمَلۡنَٰهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلۡوَٰحٖ وَدُسُرٖ ٣١
{ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } أي: ونجينا عبدنا نوحا على السفينة ذات الألواح والدسر أي: المسامير [التي] قد سمرت [بها] ألواحها وشد بها أسرها
تَجۡرِي بِأَعۡيُنِنَا جَزَآءٗ لِّمَن كَانَ كُفِرَ ٤١
نسخ
مشاركة
التفسير
تَجۡرِي بِأَعۡيُنِنَا جَزَآءٗ لِّمَن كَانَ كُفِرَ ٤١
وقوله : ( تجري بأعيننا ) أي : بأمرنا بمرأى منا وتحت حفظنا وكلاءتنا ( جزاء لمن كان كفر ) أي جزاء لهم على كفرهم بالله وانتصارا لنوح عليه السلام .
تَجۡرِي بِأَعۡيُنِنَا جَزَآءٗ لِّمَن كَانَ كُفِرَ ٤١
تجري بأعيننا أي بمرأى منا . وقيل : بأمرنا . وقيل : بحفظ منا وكلاءة : وقد مضى في " هود " . ومنه قول الناس للمودع : عين الله عليك ; أي حفظه وكلاءته . وقيل : بوحينا . وقيل : أي بالأعين النابعة من الأرض . وقيل : بأعين أوليائنا من الملائكة الموكلين بحفظها ، وكل ما خلق الله تعالى يمكن أن يضاف إليه . وقيل : أي تجري بأوليائنا ، كما في الخبر : مرض عين من عيوننا فلم تعده .
جزاء لمن كان كفر أي جعلنا ذلك ثوابا وجزاء لنوح على صبره على أذى قومه وهو المكفور به ; فاللام في " لمن " لام المفعول له ; وقيل : كفر أي جحد ; ف " من " كناية عن نوح . وقيل : كناية عن الله والجزاء بمعنى العقاب ; أي عقابا لكفرهم بالله تعالى . وقرأ يزيد بن رومان وقتادة ومجاهد وحميد " جزاء لمن كان كفر " بفتح الكاف والفاء بمعنى : كان الغرق جزاء وعقابا لمن كفر بالله ، وما نجا من الغرق غير عوج بن عنق ; كان الماء إلى حجزته . وسبب نجاته أن نوحا احتاج إلى خشبة الساج لبناء السفينة فلم يمكنه حملها ، فحمل عوج تلك الخشبة إليه من الشام فشكر الله له ذلك ، ونجاه من الغرق .
تَجۡرِي بِأَعۡيُنِنَا جَزَآءٗ لِّمَن كَانَ كُفِرَ ٤١
{ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } أي: تجري بنوح ومن آمن معه، ومن حمله من أصناف المخلوقات برعاية من الله، وحفظ [منه] لها عن الغرق [ونظر]، وكلائه منه تعالى، وهو نعم الحافظ الوكيل، { جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ } أي: فعلنا بنوح ما فعلنا من النجاة من الغرق العام، جزاء له حيث كذبه قومه وكفروا به فصبر على دعوتهم، واستمر على أمر الله، فلم يرده عنه راد، ولا صده عنه صاد، كما قال [تعالى] عنه في الآية الأخرى: { قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ } الآية.
ويحتمل أن المراد: أنا أهلكنا قوم نوح، وفعلنا بهم ما فعلنا من العذاب والخزي، جزاء لهم على كفرهم وعنادهم، وهذا متوجه على قراءة من قرأها بفتح الكاف
وَلَقَد تَّرَكۡنَٰهَآ ءَايَةٗ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٥١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَقَد تَّرَكۡنَٰهَآ ءَايَةٗ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٥١
وقوله : ( ولقد تركناها آية ) قال قتادة : أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أول هذه الأمة . والظاهر أن المراد من ذلك جنس السفن ، كقوله تعالى : ( وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) [ يس : 41 ، 42 ] . وقال ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية ) [ الحاقة : 11 ، 12 ] ; ولهذا قال هاهنا : ( فهل من مدكر ) أي : فهل من يتذكر ويتعظ ؟
قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود ، عن ابن مسعود ، قال : أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( فهل من مدكر ) فقال رجل : يا أبا عبد الرحمن ، مدكر أو مذكر ؟ قال : أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( مدكر )
وهكذا رواه البخاري : حدثنا يحيى ، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود بن يزيد ، عن عبد الله قال : قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( فهل من مذكر ) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( فهل من مدكر )
وروى البخاري أيضا من حديث شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود ، عن عبد الله ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ : ( فهل من مدكر ) .
وقال : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا زهير ، عن أبي إسحاق ; أنه سمع رجلا يسأل الأسود : ( فهل من مدكر ) أو ) مذكر ) ؟ قال : سمعت عبد الله يقرأ : ( فهل من مدكر ) . وقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها : ( فهل من مدكر ) دالا .
وقد أخرج مسلم هذا الحديث وأهل السنن إلا ابن ماجه ، من حديث أبي إسحاق .
وَلَقَد تَّرَكۡنَٰهَآ ءَايَةٗ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٥١
ولقد تركناها آية يريد هذه الفعلة عبرة . وقيل : أراد السفينة تركها آية لمن بعد قوم نوح يعتبرون بها فلا يكذبون الرسل . قال قتادة : أبقاها الله بباقردى من أرض الجزيرة عبرة وآية ، حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة ، وكم من سفينة كانت بعدها فصارت رمادا .
فهل من مدكر متعظ خائف ، وأصله مذتكر مفتعل من الذكر ، فثقلت على الألسنة فقلبت التاء دالا لتوافق الذال في الجهر وأدغمت الذال فيها .
وَلَقَد تَّرَكۡنَٰهَآ ءَايَةٗ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٥١
{ وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } أي: ولقد تركنا قصة نوح مع قومه آية يتذكر بها المتذكرون، على أن من عصى الرسل وعاندهم أهلكه الله بعقاب عام شديد، أو أن الضمير يعود إلى السفينة وجنسها، وأن أصل صنعتها تعليم
من الله لعبده نوح عليه السلام، ثم أبقى الله تعالى صنعتها وجنسها بين الناس ليدل ذلك على رحمته بخلقه وعنايته، وكمال قدرته، وبديع صنعته، { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } ؟ أي: فهل من متذكر للآيات، ملق ذهنه وفكرته لما يأتيه منها، فإنها في غاية البيان واليسر؟
فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ٦١
نسخ
مشاركة
التفسير
فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ٦١
وقوله : ( فكيف كان عذابي ونذر ) أي : كيف كان عذابي لمن كفر بي وكذب رسلي ولم يتعظ بما جاءت به نذري ، وكيف انتصرت لهم ، وأخذت لهم بالثأر .
فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ٦١
فكيف كان عذابي ونذر أي إنذاري ، قال الفراء : الإنذار والنذر مصدران . وقيل : نذر جمع نذير ونذير بمعنى الإنذار كنكير بمعنى الإنكار .
فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ٦١
{ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } أي: فكيف رأيت أيها المخاطب عذاب الله الأليم وإنذاره الذي لا يبقي لأحد عليه حجة.
وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٧١
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٧١
( ولقد يسرنا القرآن للذكر ) أي : سهلنا لفظه ، ويسرنا معناه لمن أراده ، ليتذكر الناس . كما قال : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ) ، وقال تعالى : ( فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا ) [ مريم : 97 ] .
قال مجاهد : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر ) يعني : هونا قراءته .
وقال السدي : يسرنا تلاوته على الألسن .
وقال الضحاك عن ابن عباس : لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ، ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله ، عز وجل .
قلت : ومن تيسيره تعالى ، على الناس تلاوة القرآن ما تقدم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف " . وأوردنا الحديث بطرقه وألفاظه بما أغنى عن إعادته هاهنا ، ولله الحمد والمنة .
وقوله : ( فهل من مدكر ) أي : فهل من متذكر بهذا القرآن الذي قد يسر الله حفظه ومعناه ؟
وقال محمد بن كعب القرظي : فهل من منزجر عن المعاصي ؟
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا الحسن بن رافع ، حدثنا ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن مطر - هو الوراق - في قوله تعالى : ( فهل من مدكر ) هل من طالب علم فيعان عليه ؟
وكذا علقه البخاري بصيغة الجزم ، عن مطر الوراق و [ كذا ] رواه ابن جرير ، وروي عن قتادة مثله .
وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٧١
ولقد يسرنا القرآن للذكر أي سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه ; فهل من طالب لحفظه فيعان عليه ؟ ويجوز أن يكون المعنى : ولقد هيأناه للذكر ، مأخوذ من يسر ناقته للسفر : إذا رحلها ويسر فرسه للغزو إذا أسرجه وألجمه ; قال : وقمت إليه باللجام ميسرا هنالك يجزيني الذي كنت أصنع
وقال سعيد بن جبير : ليس من كتب الله كتاب يقرأ كله ظاهرا إلا القرآن ; وقال غيره : ولم يكن هذا لبني إسرائيل ، ولم يكونوا يقرءون التوراة إلا نظرا ، غير موسى وهارون ويوشع بن نون وعزير صلوات الله عليهم ، ومن أجل ذلك افتتنوا بعزير لما كتب لهم التوراة عن ظهر قلبه حين أحرقت ; على ما تقدم بيانه في سورة ( براءة ) فيسر الله تعالى على هذه الأمة حفظ كتابه ليذكروا ما فيه ; أي يفتعلوا الذكر ، والافتعال هو أن ينجع فيهم ذلك حتى يصير كالذات وكالتركيب فيهم .
فهل من مدكر قارئ يقرؤه . وقال أبو بكر الوراق وابن شوذب : فهل من طالب خير وعلم فيعان عليه ، وكرر في هذه السورة للتنبيه والإفهام . وقيل : إن الله تعالى اقتص في هذه السورة على هذه الأمة أنباء الأمم وقصص المرسلين ، وما عاملتهم به الأمم ، وما كان من عقبى أمورهم وأمور المرسلين ; فكان في كل قصة ونبإ ذكر للمستمع أن لو ادكر ، وإنما كرر هذه الآية عند ذكر كل قصة بقوله : فهل من مدكر لأن هل كلمة استفهام تستدعي أفهامهم التي ركبت في أجوافهم وجعلها حجة عليهم ; فاللام من " هل " للاستعراض والهاء للاستخراج .
وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٧١
{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } أي: ولقد يسرنا وسهلنا هذا القرآن الكريم، ألفاظه للحفظ والأداء، ومعانيه للفهم والعلم، لأنه أحسن الكلام لفظا، وأصدقه معنى، وأبينه تفسيرا، فكل من أقبل عليه يسر الله عليه مطلوبه غاية التيسير، وسهله عليه، والذكر شامل لكل ما يتذكر به العاملون من الحلال والحرام، وأحكام الأمر والنهي، وأحكام الجزاء والمواعظ والعبر، والعقائد النافعة والأخبار الصادقة، ولهذا كان علم القرآن حفظا وتفسيرا، أسهل العلوم، وأجلها على الإطلاق، وهو العلم النافع الذي إذا طلبه العبد أعين عليه، قال بعض السلف عند هذه الآية: هل من طالب علم فيعان [عليه]؟ ولهذا يدعو الله عباده إلى الإقبال عليه والتذكر بقوله: { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ }
كَذَّبَتۡ عَادٞ فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ٨١
نسخ
مشاركة
التفسير
كَذَّبَتۡ عَادٞ فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ٨١
قول تعالى مخبرا عن عاد قوم هود : إنهم كذبوا رسولهم أيضا ، كما صنع قوم نوح
كَذَّبَتۡ عَادٞ فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ٨١
قوله تعالى : كذبت عاد هم قوم هود .
فكيف كان عذابي ونذر وقعت " نذر " في هذه السورة في ستة أماكن محذوفة الياء في جميع المصاحف ، وقرأها يعقوب مثبتة في الحالين ، وورش في الوصل لا غير ، وحذف الباقون . ولا خلاف في حذف الياء من قوله : فما تغن النذر والواو من قوله : يدع فأما الياء من " الداع " الأولى فأثبتها في الحالين ابن محيصن ويعقوب وحميد والبزي ، وأثبتها ورش وأبو عمرو في الوصل ، وحذف الباقون . وأما " الداع " الثانية فأثبتها يعقوب وابن محيصن وابن كثير في الحالين ، وأثبتها أبو عمرو ونافع في الوصل ، وحذفها الباقون .
كَذَّبَتۡ عَادٞ فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ٨١
{ وعاد } هي القبيلة المعروفة باليمن، أرسل الله إليهم هودا عليه السلام يدعوهم إلى توحيد الله وعبادته، فكذبوه
إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ مُّسۡتَمِرّٖ ٩١
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ مُّسۡتَمِرّٖ ٩١
وأنه تعالى أرسل ( عليهم ريحا صرصرا ) ، وهي الباردة الشديدة البرد ، ( في يوم نحس ) أي : عليهم . قاله الضحاك ، وقتادة ، والسدي . ) مستمر ) عليهم نحسه ودماره ; لأنه يوم اتصل فيه عذابهم الدنيوي بالأخروي .
إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ مُّسۡتَمِرّٖ ٩١
إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا أي شديدة البرد ; قاله قتادة والضحاك . وقيل : شديدة الصوت . وقد مضى في ( حم السجدة ) .
في يوم نحس مستمر أي في يوم كان مشئوما عليهم . وقال ابن عباس : أي في يوم كانوا يتشاءمون به . الزجاج : قيل في يوم أربعاء . ابن عباس : كان آخر أربعاء في الشهر أفنى صغيرهم وكبيرهم . وقرأ هارون الأعور " نحس " بكسر الحاء وقد مضى القول فيه في فصلت في أيام نحسات . و في يوم نحس مستمر أي دائم الشؤم استمر عليهم بنحوسه ، واستمر عليهم فيه العذاب إلى الهلاك . وقيل : استمر بهم إلى نار جهنم . وقال الضحاك : كان مرا عليهم . وكذا حكى الكسائي أن قوما قالوا هو من المرارة ; يقال : مر الشيء وأمر أي كان كالشيء المر تكرهه النفوس . وقد قال : فذوقوا والذي يذاق قد يكون مرا . وقد قيل : هو من المرة بمعنى القوة . أي في يوم نحس مستمر مستحكم الشؤم كالشيء المحكم الفتل الذي لا يطاق نقضه . فإن قيل : فإذا كان يوم الأربعاء يوم نحس مستمر فكيف يستجاب فيه الدعاء ؟ وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم استجيب له فيه فيما بين الظهر والعصر . وقد مضى في ( البقرة ) حديث جابر بذلك . فالجواب - والله أعلم - ما جاء في خبر يرويه مسروق عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أتاني جبريل فقال : إن الله يأمرك أن تقضي باليمين مع الشاهد وقال : يوم الأربعاء يوم نحس مستمر ومعلوم أنه لم يرد بذلك أنه نحس على الصالحين ، بل أراد أنه نحس على الفجار والمفسدين ; كما كانت الأيام النحسات المذكورة في القرآن نحسات على الكفار من قوم عاد لا على نبيهم والمؤمنين به منهم ، وإذا كان كذلك لم يبعد أن يمهل الظالم من أول يوم الأربعاء إلى أن تزول الشمس ، فإذا أدبر النهار ولم يحدث رجعة استجيب دعاء المظلوم عليه ، فكان اليوم نحسا على الظالم ; ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان على الكفار ، وقول جابر في حديثه : " لم ينزل بي أمر غليظ " إشارة إلى هذا . والله أعلم .
إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ مُّسۡتَمِرّٖ ٩١
فأرسل الله عليهم { رِيحًا صَرْصَرًا } أي: شديدة جدا، { فِي يَوْمِ نَحْسٍ } أي: شديد العذاب والشقاء عليهم، { مُسْتَمِرٍّ } عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما.
تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٖ مُّنقَعِرٖ ٠٢
نسخ
مشاركة
التفسير
تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٖ مُّنقَعِرٖ ٠٢
وقوله : ( تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر ) وذلك أن الريح كانت تأتي أحدهم فترفعه حتى تغيبه عن الأبصار ، ثم تنكسه على أم رأسه ، فيسقط إلى الأرض ، فتثلغ رأسه فيبقى جثة بلا رأس ; ولهذا قال : ( كأنهم أعجاز نخل منقعر فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) .
تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٖ مُّنقَعِرٖ ٠٢
تنزع الناس في موضع الصفة للريح أي تقلعهم من مواضعهم . قيل : قلعتهم من تحت أقدامهم اقتلاع النخلة من أصلها . وقال مجاهد : كانت تقلعهم من الأرض ، فترمي بهم على رءوسهم فتندق أعناقهم وتبين رءوسهم عن أجسادهم . وقيل : تنزع الناس من البيوت . وقال محمد بن كعب عن أبيه قال النبي صلى الله عليه وسلم : انتزعت الريح الناس من قبورهم . وقيل : حفروا حفرا ودخلوها فكانت الريح تنزعهم منها وتكسرهم ، وتبقي تلك الحفر كأنها أصول نخل قد هلك ما كان فيها فتبقى مواضعها منقعرة . يروى أن سبعة منهم حفروا حفرا وقاموا فيها ليردوا الريح . قال ابن إسحاق : لما هاجت الريح قام نفر سبعة من عاد سمي لنا منهم ستة من أشد عاد وأجسمها ، منهم : عمرو بن الحلي والحارث بن شداد والهلقام وابنا تقن وخلجان بن سعد فأولجوا العيال في شعب بين جبلين ، ثم اصطفوا على باب الشعب ليردوا الريح عمن في الشعب من العيال ، فجعلت الريح تجعفهم رجلا رجلا ، فقالت امرأة من عاد : ذهب الدهر بعمرو ب ن حلي والهنيات ثم بالحرث والهل
قام طلاع الثنيات والذي سد مهب الريح أيام البليات الطبري : في الكلام حذف ، والمعنى تنزع الناس فتتركهم كأنهم أعجاز نخل منقعر ; فالكاف في موضع نصب بالمحذوف . الزجاج : الكاف في موضع نصب على الحال ، والمعنى تنزع الناس والمعنى تنزع الناس مشبهين بأعجاز نخل . والتشبيه قيل إنه للحفر التي كانوا فيها . والأعجاز جمع عجز وهو مؤخر الشيء ، وكانت عاد موصوفين بطول القامة ، فشبهوا بالنخل انكبت لوجوهها .وقال : أعجاز نخل منقعر للفظ النخل وهو من الجمع الذي يذكر ويؤنث . والمنقعر : المنقلع من أصله ; قعرت الشجرة قعرا قلعتها من أصلها فانقعرت . الكسائي : قعرت البئر أي نزلت حتى انتهيت إلى قعرها ، وكذلك الإناء إذا شربت ما فيه حتى انتهيت إلى قعره . وأقعرت البئر جعلت لها قعرا . وقال أبو بكر بن الأنباري : سئل المبرد بحضرة إسماعيل القاضي عن ألف مسألة هذه من جملتها ، فقيل له : ما الفرق بين قوله تعالى : ولسليمان الريح عاصفة و جاءتها ريح عاصف ، وقوله : كأنهم أعجاز نخل خاوية و أعجاز نخل منقعر ؟ فقال : كل ما ورد عليك من هذا الباب فإن شئت رددته إلى اللفظ تذكيرا ، أو إلى المعنى تأنيثا . وقيل : إن النخل والنخيل بمعنى ، يذكر ويؤنث ، كما ذكرنا .
تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٖ مُّنقَعِرٖ ٠٢
{ تَنْزِعُ النَّاسَ } من شدتها، فترفعهم إلى جو السماء، ثم تدفعهم بالأرض فتهلكهم، فيصبحون { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } أي: كأن جثثهم بعد هلاكهم مثل جذوع النخل الخاوي الذي أصابته الريح فسقط على الأرض، فما أهون الخلق على الله إذا عصوا أمره
فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ١٢
نسخ
مشاركة
التفسير
فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ١٢
أي فعاقبتهم فكيف كان عقابي لهم على كفرهم بي وتكذيبهم رسولي.
فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ١٢
أي إنذاري ; قال الفراء : إنذاري ; قال مصدران .
وقيل : " نذر " جمع نذير ونذير بمعنى الإنذار كنكير بمعنى الإنكار .
فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ١٢
{ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } كان [والله] العذاب الأليم، والنذارة التي ما أبقت لأحد عليه حجة،
وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٢٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٢٢
أي سهلنا لفظه ويسرنا معناه لمن أراده ليتذكر الناس كما قال "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب" وقال تعالى "فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا".
قال مجاهد "ولقد يسرنا القرآن للذكر" يعني هونا قراءته وقال السدي يسرنا تلاوته على الألسن وقال الضحاك عن ابن عباس لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله عز وجل قلت ومن تيسيره تعالى على الناس تلاوة القرآن ما تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف" وأوردنا الحديث بطرقه وألفاظه بما أغنى عن إعادته ههنا ولله الحمد والمنة وقوله "فهل من مدكر" أي فهل من متذكر بهذا القرآن الذي قد يسر الله حفظه ومعناه؟ وقال محمد بن كعب القرظي فهل من منزجر عن المعاصي؟ وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا الحسن بن رافع حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن مطر هو الوراق في قوله تعالى "فهل من مدكر" هل من طالب علم فيعان عليه وكذا علقه البخاري بصيغة الجزم عن مطر الوراق ورواه ابن جرير وروى عن قتادة مثله.
وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٢٢
لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ
أي سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه ; فهل من طالب لحفظه فيعان عليه ؟ ويجوز أن يكون المعنى : ولقد هيأناه للذكر مأخوذ من يسر ناقته للسفر : إذا رحلها ويسر فرسه للغزو إذا أسرجه وألجمه ; قال : وقمت إليه باللجام ميسرا هنالك يجزيني الذي كنت أصنع وقال سعيد بن جبير : ليس من كتب الله كتاب يقرأ كله ظاهرا إلا القرآن ; وقال غيره : ولم يكن هذا لبني إسرائيل , ولم يكونوا يقرءون التوراة إلا نظرا , غير موسى وهارون ويوشع بن نون وعزير صلوات الله عليهم , ومن أجل ذلك افتتنوا بعزير لما كتب لهم التوراة عن ظهر قلبه حين أحرقت ; على ما تقدم بيانه في سورة " التوبة " فيسر الله تعالى على هذه الأمة حفظ كتابه ليذكروا ما فيه ; أي يفتعلوا الذكر , والافتعال هو أن ينجع فيهم ذلك حتى يصير كالذات وكالتركيب .
فيهم .فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ
قارئ يقرؤه .
وقال أبو بكر الوراق وابن شوذب : فهل من طالب خير وعلم فيعان عليه , وكرر في هذه السورة للتنبيه والإفهام .
وقيل : إن الله تعالى اقتص في هذه السورة على هذه الأمة أنباء الأمم وقصص المرسلين , وما عاملتهم به الأمم , وما كان من عقبى أمورهم وأمور المرسلين ; فكان في كل قصة ونبأ ذكر للمستمع أن لو ادكر , وإنما كرر هذه الآية عند ذكر كل قصة بقوله : " فهل من مدكر " لأن " هل " كلمة استفهام تستدعي أفهامهم التي ركبت في أجوافهم وجعلها حجة عليهم ; فاللام من " هل " للاستعراض والهاء للاستخراج .
وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٢٢
{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } كرر تعالى ذلك رحمة بعباده وعناية بهم، حيث دعاهم إلى ما يصلح دنياهم وأخراهم.
كَذَّبَتۡ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ ٣٢
نسخ
مشاركة
التفسير
كَذَّبَتۡ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ ٣٢
هذا إخبار عن ثمود أنهم كذبوا رسولهم صالحا.
كَذَّبَتۡ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ ٣٢
هم قوم صالح كذبوا الرسل ونبيهم , أو كذبوا بالآيات التي هي النذر
كَذَّبَتۡ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ ٣٢
أي كذبت ثمود وهم القبيلة المعروفة المشهورة في أرض الحجر، نبيهم
صالحا عليه السلام، حين دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأنذرهم العقاب إن هم خالفوه
فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٗا مِّنَّا وَٰحِدٗا نَّتَّبِعُهُۥٓ إِنَّآ إِذٗا لَّفِي ضَلَٰلٖ وَسُعُرٍ ٤٢
نسخ
مشاركة
التفسير
فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٗا مِّنَّا وَٰحِدٗا نَّتَّبِعُهُۥٓ إِنَّآ إِذٗا لَّفِي ضَلَٰلٖ وَسُعُرٍ ٤٢
( فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر ) ، يقولون : لقد خبنا وخسرنا إن سلمنا كلنا قيادنا لواحد منا !
فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٗا مِّنَّا وَٰحِدٗا نَّتَّبِعُهُۥٓ إِنَّآ إِذٗا لَّفِي ضَلَٰلٖ وَسُعُرٍ ٤٢
فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه وندع جماعة . وقرأ أبو الأشهب وابن السميفع وأبو السمال العدوي " أبشر " بالرفع " واحد " كذلك رفع بالابتداء والخبر " نتبعه " . الباقون بالنصب على معنى أنتبع بشرا منا واحدا نتبعه . وقرأ أبو السمال : " أبشر " بالرفع " منا واحدا " بالنصب ، رفع " أبشر " بإضمار فعل يدل عليه " أؤلقي " كأنه قال : أينبأ بشر منا ، وقوله : واحدا يجوز أن يكون حالا من المضمر في " منا " والناصب له الظرف ، والتقدير : أينبأ بشر كائن منا منفردا ; ويجوز أن يكون حالا من الضمير في نتبعه منفردا لا ناصر له .
إنا إذا لفي ضلال أي ذهاب عن الصواب وسعر أي جنون ، من قولهم : ناقة مسعورة ، أي كأنها من شدة نشاطها مجنونة ، ذكره ابن عباس . قال الشاعر يصف ناقته :
تخال بها سعرا إذا السفر هزها ذميل وإيقاع من السير متعب
الذميل ضرب من سير الإبل . قال أبو عبيد : إذا ارتفع السير عن العنق قليلا فهو التزيد ، فإذا ارتفع عن ذلك فهو الذميل ، ثم الرسيم ; يقال : ذمل يذمل ويذمل ذميلا . قال الأصمعي : ولا يذمل بعير يوما وليلة إلا مهري قاله ج . وقال ابن عباس أيضا : السعر العذاب ، وقاله الفراء . مجاهد : بعد الحق . السدي : في احتراق . قال [ طرفة ] :
أصحوت اليوم أم شاقتك هر ومن الحب جنون مستعر
أي متقد ومحترق . أبو عبيدة : هو جمع سعير وهو لهيب النار . والبعير المجنون يذهب كذا وكذا لما يتلهب به من الحدة . ومعنى الآية : إنا إذا لفي شقاء وعناء مما يلزمنا .
فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٗا مِّنَّا وَٰحِدٗا نَّتَّبِعُهُۥٓ إِنَّآ إِذٗا لَّفِي ضَلَٰلٖ وَسُعُرٍ ٤٢
فكذبوه واستكبروا عليه، وقالوا -كبرا وتيها-: { أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ } أي: كيف نتبع بشرا، لا ملكا منا، لا من غيرنا، ممن هو أكبر عند الناس منا، ومع ذلك فهو شخص واحد { إِنَّا إِذًا } أي: إن اتبعناه وهو بهذه الحال { لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ } أي: إنا لضالون أشقياء، وهذا الكلام من ضلالهم وشقائهم، فإنهم أنفوا أن يتبعوا رسولا من البشر، ولم يأنفوا أن يكونوا عابدين للشجر والحجر والصور.
أَءُلۡقِيَ ٱلذِّكۡرُ عَلَيۡهِ مِنۢ بَيۡنِنَا بَلۡ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٞ ٥٢
نسخ
مشاركة
التفسير
أَءُلۡقِيَ ٱلذِّكۡرُ عَلَيۡهِ مِنۢ بَيۡنِنَا بَلۡ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٞ ٥٢
ثم تعجبوا من إلقاء الوحي عليه خاصة من دونهم ، ثم رموه بالكذب فقالوا : ( بل هو كذاب أشر ) أي : متجاوز في حد الكذب .
أَءُلۡقِيَ ٱلذِّكۡرُ عَلَيۡهِ مِنۢ بَيۡنِنَا بَلۡ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٞ ٥٢
قوله تعالى : أؤلقي الذكر عليه من بيننا أي خصص بالرسالة من بين آل ثمود وفيهم من هو أكثر مالا وأحسن حالا ؟ ! وهو استفهام معناه الإنكار .
بل هو كذاب أشر أي ليس كما يدعيه وإنما يريد أن يتعاظم ويلتمس التكبر علينا من غير استحقاق . والأشر المرح والتجبر والنشاط . يقال : فرس أشر إذا كان مرحا نشيطا ، قال امرؤ القيس يصف كلبا :
فيدركنا فغم داجن سميع بصير طلوب نكر
ألص الضروس حني الضلوع تبوع أريب نشيط أشر
وقيل : أشر بطر . والأشر البطر ; قال الشاعر :
أشرتم بلبس الخز لما لبستم ومن قبل ما تدرون من فتح القرى
وقد أشر بالكسر يأشر أشرا فهو أشر وأشران ، وقوم أشارى مثل سكران وسكارى ; قال الشاعر :
وخلت وعولا أشارى بها وقد أزهف الطعن أبطالها
وقيل : إنه المتعدي إلى منزلة لا يستحقها ; والمعنى واحد . وقال ابن زيد وعبد الرحمن بن حماد : الأشر الذي لا يبالي ما قال . وقرأ أبو جعفر وأبو قلابة " أشر " بفتح الشين وتشديد الراء يعني به أشرنا وأخبثنا .
أَءُلۡقِيَ ٱلذِّكۡرُ عَلَيۡهِ مِنۢ بَيۡنِنَا بَلۡ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٞ ٥٢
{ أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا } أي: كيف يخصه الله من بيننا وينزل عليه الذكر؟ فأي مزية خصه من بيننا؟ وهذا اعتراض من المكذبين على الله، لم يزالوا يدلون به، ويصولون ويجولون ويردون به دعوة الرسل، وقد أجاب الله عن هذه الشبهة بقول الرسل لأممهم: { قالت رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده } فالرسل من الله عليهم بصفات وأخلاق وكمالات، بها صلحوا لرسالات ربهم والاختصاص بوحيه،
ومن رحمته وحكمته أن كانوا من البشر، فلو كانوا من الملائكة لم يمكن البشر، أن يتلقوا عنهم، ولو جعلهم من الملائكة لعاجل الله المكذبين لهم بالعقاب العاجل.
والمقصود بهذا الكلام الصادر من ثمود لنبيهم صالح، تكذيبه، ولهذا حكموا عليه بهذا الحكم الجائر، فقالوا: { بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } أي: كثير الكذب والشر،
فقبحهم الله ما أسفه أحلامهم وأظلمهم، وأشدهم مقابلة للصادقين الناصحين بالخطاب الشنيع، لا جرم عاقبهم الله حين اشتد طغيانهم
سَيَعۡلَمُونَ غَدٗا مَّنِ ٱلۡكَذَّابُ ٱلۡأَشِرُ ٦٢
نسخ
مشاركة
التفسير
سَيَعۡلَمُونَ غَدٗا مَّنِ ٱلۡكَذَّابُ ٱلۡأَشِرُ ٦٢
هذا تهديد لهم شديد ووعيد أكيد.
سَيَعۡلَمُونَ غَدٗا مَّنِ ٱلۡكَذَّابُ ٱلۡأَشِرُ ٦٢
سيعلمون غدا أي سيرون العذاب يوم القيامة ، أو في حال نزول العذاب بهم في الدنيا . وقرأ ابن عامر وحمزة بالتاء على أنه من قول صالح لهم على الخطاب . الباقون بالياء ، إخبار من الله تعالى لصالح عنهم . وقوله : غدا على التقريب على عادة الناس في قولهم للعواقب : إن مع اليوم غدا ; قال :
للموت فيها سهام غير مخطئة من لم يكن ميتا في اليوم مات غدا
وقال الطرماح :
ألا عللاني قبل نوح النوائح وقبل اضطراب النفس بين الجوانح
وقبل غد يا لهف نفسي على غد إذا راح أصحابي ولست برائح
وإنما أراد وقت الموت ولم يرد غدا بعينه .
من الكذاب الأشر وقرأ أبو قلابة " الأشر " بفتح الشين وتشديد الراء جاء به على الأصل . قال أبو حاتم : لا تكاد العرب تتكلم بالأشر والأخير إلا في ضرورة الشعر ; كقول رؤبة :
بلال خير الناس وابن الأخير
وإنما يقولون هو خير قومه ، وهو شر الناس ; قال الله تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس وقال فسيعلمون من هو شر مكانا . وعن أبي حيوة بفتح الشين وتخفيف الراء . وعن مجاهد وسعيد بن جبير ضم الشين والراء والتخفيف ، قال النحاس : وهو معنى " الأشر " ومثله : رجل حذر وحذر .
سَيَعۡلَمُونَ غَدٗا مَّنِ ٱلۡكَذَّابُ ٱلۡأَشِرُ ٦٢
سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ
إِنَّا مُرۡسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتۡنَةٗ لَّهُمۡ فَٱرۡتَقِبۡهُمۡ وَٱصۡطَبِرۡ ٧٢
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنَّا مُرۡسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتۡنَةٗ لَّهُمۡ فَٱرۡتَقِبۡهُمۡ وَٱصۡطَبِرۡ ٧٢
ثم قال تعالى : ( إنا مرسلو الناقة فتنة لهم ) أي : اختبارا لهم ; أخرج الله لهم ناقة عظيمة عشراء من صخرة صماء طبق ما سألوا ، لتكون حجة الله عليهم في تصديق صالح ، عليه السلام فيما جاءهم به .
ثم قال آمرا لعبده ورسوله صالح : ( فارتقبهم واصطبر ) أي : انتظر ما يئول إليه أمرهم ، واصبر عليهم ، فإن العاقبة لك والنصر لك في الدنيا والآخرة
إِنَّا مُرۡسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتۡنَةٗ لَّهُمۡ فَٱرۡتَقِبۡهُمۡ وَٱصۡطَبِرۡ ٧٢
قوله تعالى : إنا مرسلو الناقة أي مخرجوها من الهضبة التي سألوها ، فروي أن صالحا صلى ركعتين ودعا فانصدعت الصخرة التي عينوها عن سنامها ، فخرجت ناقة عشراء وبراء .
فتنة لهم أي : اختبارا وهو مفعول له .
فارتقبهم أي : انتظر ما يصنعون .
واصطبر أي : اصبر على أذاهم ، وأصل الطاء في اصطبر تاء فتحولت طاء لتكون موافقة للصاد في الإطباق .
إِنَّا مُرۡسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتۡنَةٗ لَّهُمۡ فَٱرۡتَقِبۡهُمۡ وَٱصۡطَبِرۡ ٧٢
فأرسل الله الناقة التي هي من أكبر النعم عليهم، آية من آيات الله، ونعمة يحتلبون من ضرعها ما يكفيهم أجمعين، { فِتْنَةً لَهُمْ } أي: اختبارا منه لهم وامتحانا { فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ } أي: اصبر على دعوتك إياهم، وارتقب ما يحل بهم، أو ارتقب هل يؤمنون أو يكفرون ؟
وَنَبِّئۡهُمۡ أَنَّ ٱلۡمَآءَ قِسۡمَةُۢ بَيۡنَهُمۡۖ كُلُّ شِرۡبٖ مُّحۡتَضَرٞ ٨٢
نسخ
مشاركة
التفسير
وَنَبِّئۡهُمۡ أَنَّ ٱلۡمَآءَ قِسۡمَةُۢ بَيۡنَهُمۡۖ كُلُّ شِرۡبٖ مُّحۡتَضَرٞ ٨٢
( ونبئهم أن الماء قسمة بينهم ) أي : يوم لهم ويوم للناقة ; كقوله : ( قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ) [ الشعراء : 155 ] .
وقوله : ( كل شرب محتضر ) قال مجاهد : إذا غابت حضروا الماء ، وإذا جاءت حضروا اللبن .
وَنَبِّئۡهُمۡ أَنَّ ٱلۡمَآءَ قِسۡمَةُۢ بَيۡنَهُمۡۖ كُلُّ شِرۡبٖ مُّحۡتَضَرٞ ٨٢
ونبئهم أي أخبرهم أن الماء قسمة بينهم أي بين آل ثمود وبين الناقة ، لها يوم ولهم يوم ، كما قال تعالى : لها شرب ولكم شرب يوم معلوم . قال ابن عباس : كان يوم شربهم لا تشرب الناقة شيئا من الماء وتسقيهم لبنا وكانوا في نعيم ، وإذا كان يوم الناقة شربت الماء كله فلم تبق لهم شيئا . وإنما قال : بينهم لأن العرب إذا أخبروا عن بني آدم مع البهائم غلبوا بني آدم . وروى أبو الزبير عن جابر قال : لما نزلنا الحجر في مغزى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك ، قال : أيها الناس لا تسألوا في هذه الآيات ، هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث الله لهم ناقة فبعث الله عز وجل إليهم الناقة فكانت ترد من ذلك الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون منها مثل الذي كانوا يشربون يوم غبها وهو معنى قوله تعالى : ونبئهم أن الماء قسمة بينهم .
كل شرب محتضر الشرب - بالكسر - الحظ من الماء ; وفي المثل : ( آخرها أقلها شربا ) وأصله في سقي الإبل ، لأن آخرها يرد وقد نزف الحوض . ومعنى محتضر أي يحضره من هو له ; فالناقة تحضر الماء يوم وردها ، وتغيب عنهم يوم وردهم ; قاله مقاتل . وقال مجاهد : إن ثمود يحضرون الماء يوم غبها فيشربون ، ويحضرون اللبن يوم وردها فيحتلبون .
وَنَبِّئۡهُمۡ أَنَّ ٱلۡمَآءَ قِسۡمَةُۢ بَيۡنَهُمۡۖ كُلُّ شِرۡبٖ مُّحۡتَضَرٞ ٨٢
{ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } أي: وأخبرهم أن الماء أي: موردهم الذي يستعذبونه، قسمة بينهم وبين الناقة، لها شرب يوم ولهم شرب يوم آخر معلوم، { كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ } أي: يحضره من كان قسمته، ويحظر على من ليس بقسمة له.
فَنَادَوۡاْ صَاحِبَهُمۡ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ ٩٢
نسخ
مشاركة
التفسير
فَنَادَوۡاْ صَاحِبَهُمۡ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ ٩٢
ثم قال تعالى : ( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ) قال المفسرون : هو عاقر الناقة ، واسمه قدار بن سالف ، وكان أشقى قومه . كقوله : ( إذ انبعث أشقاها ) [ الشمس : 12 ] . ) فتعاطى ) أي : فجسر
فَنَادَوۡاْ صَاحِبَهُمۡ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ ٩٢
قوله تعالى : فنادوا صاحبهم يعني بالحض على عقرها فتعاطى عقرها فعقرها ، ومعنى تعاطى تناول الفعل ; من قولهم : عطوت أي تناولت ; ومنه قول حسان :
كلتاهما حلب العصير فعاطني بزجاجة أرخاهما للمفصل
قال محمد بن إسحاق : فكمن لها في أصل شجرة على طريقها فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها ، ثم شد عليها بالسيف فكشف عرقوبها ، فخرت ورغت رغاءة واحدة تحدر سقبها من بطنها ثم نحرها ، وانطلق سقبها حتى أتى صخرة في رأس جبل فرغا ثم لاذ بها ، فأتاهم صالح عليه السلام ; فلما رأى الناقة قد عقرت بكى وقال : قد انتهكتم حرمة الله فأبشروا بعذاب الله . وقد مضى في ( الأعراف ) بيان هذا المعنى . قال ابن عباس : وكان الذي عقرها أحمر أزرق أشقر أكشف أقفى . ويقال في اسمه قدار بن سالف . وقال الأفوه الأودي :
أو قبله كقدار حين تابعه على الغواية أقوام فقد بادوا
والعرب تسمي الجزار قدارا تشبيها بقدار بن سالف مشئوم آل ثمود ; قال مهلهل :
إنا لنضرب بالسيوف رءوسهم ضرب القدار نقيعة القدام
وذكره زهير فقال :
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
يريد الحرب ; فكنى عن ثمود بعاد .
فَنَادَوۡاْ صَاحِبَهُمۡ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ ٩٢
{ فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ } الذي باشر عقرها، الذي هو أشقى القبيلة { فَتَعَاطَى } أي: انقاد لما أمروه به من عقرها { فَعَقَرَ }
فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ٠٣
نسخ
مشاركة
التفسير
فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ٠٣
أي فعاقبتهم فكيف كان عقابي لهم على كفرهم بي وتكذيبهم رسولي.
فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ٠٣
أي إنذاري ; قال الفراء : إنذاري ; قال مصدران .
وقيل : " نذر " جمع نذير ونذير بمعنى الإنذار كنكير بمعنى الإنكار .
فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ٠٣
{ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } كان أشد عذاب
إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلۡمُحۡتَظِرِ ١٣
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلۡمُحۡتَظِرِ ١٣
( إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر ) أي : فبادوا عن آخرهم لم تبق منهم باقية ، وخمدوا وهمدوا كما يهمد يبيس الزرع والنبات . قاله غير واحد من المفسرين . والمحتظر - قال السدي - : هو المرعى بالصحراء حين يبس وتحرق ونسفته الريح .
وقال ابن زيد : كانت العرب يجعلون حظارا على الإبل والمواشي من يبيس الشوك ، فهو المراد من قوله : ( كهشيم المحتظر ) .
وقال سعيد بن جبير : ( كهشيم المحتظر ) : هو التراب المتناثر من الحائط . وهذا قول غريب ، والأول أقوى ، والله أعلم .
إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلۡمُحۡتَظِرِ ١٣
قوله تعالى : إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة يريد صيحة جبريل عليه السلام ، وقد مضى في " هود " .
فكانوا كهشيم المحتظر وقرأ الحسن وقتادة وأبو العالية " المحتظر " بفتح الظاء أرادوا الحظيرة . الباقون بالكسر أرادوا صاحب الحظيرة . وفي الصحاح : والمحتظر الذي يعمل الحظيرة . وقرئ " كهشيم المحتظر " فمن كسره جعله الفاعل ومن فتحه جعله المفعول به . ويقال للرجل القليل الخير : إنه لنكد الحظيرة . قال أبو عبيد : أراه سمى أمواله حظيرة لأنه حظرها عنده ومنعها ، وهي فعيلة بمعنى مفعولة . المهدوي : من فتح الظاء من " المحتظر " فهو مصدر ، والمعنى كهشيم الاحتظار . ويجوز أن يكون " المحتظر " هو الشجر المتخذ منه الحظيرة . قال ابن عباس : المحتظر هو الرجل يجعل لغنمه حظيرة بالشجر والشوك ; فما سقط من ذلك وداسته الغنم فهو الهشيم . قال :
أثرن عجاجة كدخان نار تشب بغرقد بال هشيم
وعنه : كحشيش تأكله الغنم . وعنه أيضا : كالعظام النخرة المحترقة ، وهو قول قتادة . وقال سعيد بن جبير : هو التراب المتناثر من الحيطان في يوم ريح . وقال سفيان الثوري : هو ما تناثر من الحظيرة إذا ضربتها بالعصا ، وهو فعيل بمعنى مفعول ، وقال ابن زيد : العرب تسمي كل شيء كان رطبا فيبس هشيما . والحظر المنع ، والمحتظر المفتعل يقال منه : احتظر على إبله وحظر أي جمع الشجر ووضع بعضه فوق بعض ليمنع برد الريح والسباع عن إبله ; قال الشاعر :
ترى جيف المطي بجانبيه كأن عظامها خشب الهشيم
وعن ابن عباس : أنهم كانوا مثل القمح الذي ديس وهشم ; فالمحتظر على هذا الذي يتخذ حظيرة على زرعه ، والهشيم فتات السنبلة والتبن .
إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلۡمُحۡتَظِرِ ١٣
أرسل الله عليهم صيحة ورجفة أهلكتهم عن آخرهم، ونجى الله صالحا ومن آمن معه
وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٢٣
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٢٣
أي سهلنا لفظه ويسرنا معناه لمن أراده ليتذكر الناس كما قال "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب" وقال تعالى "فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا".
قال مجاهد "ولقد يسرنا القرآن للذكر" يعني هونا قراءته وقال السدي يسرنا تلاوته على الألسن وقال الضحاك عن ابن عباس لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله عز وجل قلت ومن تيسيره تعالى على الناس تلاوة القرآن ما تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف" وأوردنا الحديث بطرقه وألفاظه بما أغنى عن إعادته ههنا ولله الحمد والمنة وقوله "فهل من مدكر" أي فهل من متذكر بهذا القرآن الذي قد يسر الله حفظه ومعناه؟ وقال محمد بن كعب القرظي فهل من منزجر عن المعاصي؟ وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا الحسن بن رافع حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن مطر هو الوراق في قوله تعالى "فهل من مدكر" هل من طالب علم فيعان عليه وكذا علقه البخاري بصيغة الجزم عن مطر الوراق ورواه ابن جرير وروى عن قتادة مثله.
وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٢٣
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ
أي سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه ; فهل من طالب لحفظه فيعان عليه ؟ ويجوز أن يكون المعنى : ولقد هيأناه للذكر مأخوذ من يسر ناقته للسفر : إذا رحلها ويسر فرسه للغزو إذا أسرجه وألجمه ; قال : وقمت إليه باللجام ميسرا هنالك يجزيني الذي كنت أصنع وقال سعيد بن جبير : ليس من كتب الله كتاب يقرأ كله ظاهرا إلا القرآن ; وقال غيره : ولم يكن هذا لبني إسرائيل , ولم يكونوا يقرءون التوراة إلا نظرا , غير موسى وهارون ويوشع بن نون وعزير صلوات الله عليهم , ومن أجل ذلك افتتنوا بعزير لما كتب لهم التوراة عن ظهر قلبه حين أحرقت ; على ما تقدم بيانه في سورة " التوبة " فيسر الله تعالى على هذه الأمة حفظ كتابه ليذكروا ما فيه ; أي يفتعلوا الذكر , والافتعال هو أن ينجع فيهم ذلك حتى يصير كالذات وكالتركيب .
فيهم .فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ
قارئ يقرؤه .
وقال أبو بكر الوراق وابن شوذب : فهل من طالب خير وعلم فيعان عليه , وكرر في هذه السورة للتنبيه والإفهام .
وقيل : إن الله تعالى اقتص في هذه السورة على هذه الأمة أنباء الأمم وقصص المرسلين , وما عاملتهم به الأمم , وما كان من عقبى أمورهم وأمور المرسلين ; فكان في كل قصة ونبأ ذكر للمستمع أن لو ادكر , وإنما كرر هذه الآية عند ذكر كل قصة بقوله : " فهل من مدكر " لأن " هل " كلمة استفهام تستدعي أفهامهم التي ركبت في أجوافهم وجعلها حجة عليهم ; فاللام من " هل " للاستعراض والهاء للاستخراج .
وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٢٣
{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ }
كَذَّبَتۡ قَوۡمُ لُوطِۢ بِٱلنُّذُرِ ٣٣
نسخ
مشاركة
التفسير
كَذَّبَتۡ قَوۡمُ لُوطِۢ بِٱلنُّذُرِ ٣٣
يقول تعالى مخبرا عن قوم لوط كيف كذبوا رسولهم وخالفوه ، وارتكبوا المكروه من إتيان الذكور ، وهي الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين ; ولهذا أهلكهم الله هلاكا لم يهلكه أمة من الأمم ، فإنه تعالى أمر جبريل عليه السلام ، فحمل مدائنهم حتى وصل بها إلى عنان السماء ، ثم قلبها عليهم وأرسلها ، وأتبعت بحجارة من سجيل منضود ; ولهذا قال هاهنا .
كَذَّبَتۡ قَوۡمُ لُوطِۢ بِٱلنُّذُرِ ٣٣
أخبر عن قوم لوط أيضا لما كذبوا لوطا .
كَذَّبَتۡ قَوۡمُ لُوطِۢ بِٱلنُّذُرِ ٣٣
أي: { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ } لوطا عليه السلام، حين دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن الشرك والفاحشة التي ما سبقهم بها أحد من العالمين،
إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ حَاصِبًا إِلَّآ ءَالَ لُوطٖۖ نَّجَّيۡنَٰهُم بِسَحَرٖ ٤٣
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ حَاصِبًا إِلَّآ ءَالَ لُوطٖۖ نَّجَّيۡنَٰهُم بِسَحَرٖ ٤٣
( إنا أرسلنا عليهم حاصبا ) وهي : الحجارة ، ( إلا آل لوط نجيناهم بسحر ) أي : خرجوا من آخر الليل فنجوا مما أصاب قومهم ، ولم يؤمن بلوط من قومه أحد ولا رجل واحد حتى ولا امرأته ، أصابها ما أصاب قومها ، وخرج نبي الله لوط وبنات له من بين أظهرهم سالما لم يمسسه سوء ; ولهذا قال تعالى :
إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ حَاصِبًا إِلَّآ ءَالَ لُوطٖۖ نَّجَّيۡنَٰهُم بِسَحَرٖ ٤٣
إنا أرسلنا عليهم حاصبا أي ريحا ترميهم بالحصباء وهي الحصى ; قال النضر : الحاصب : الحصباء في الريح . وقال أبو عبيدة : الحاصب : الحجارة . وفي الصحاح : والحاصب الريح الشديدة التي تثير الحصباء وكذلك الحصبة ; قال لبيد :
جرت عليها أن خوت من أهلها أذيالها كل عصوف حصبه
عصفت الريح أي : اشتدت فهي ريح عاصف وعصوف . وقال الفرزدق :
مستقبلين شمال الشام تضربنا بحاصب كنديف القطن منثور
إلا آل لوط يعني من تبعه على دينه ولم يكن إلا بنتاه نجيناهم بسحر قال الأخفش : إنما أجراه لأنه نكرة ، ولو أراد " سحر " يوما بعينه لما أجراه ، ونظيره : اهبطوا مصرا لما نكره ، فلما عرفه في قوله : ادخلوا مصر إن شاء الله لم يجره ، وكذا قال الزجاج : " سحر " إذا كان نكرة يراد به سحر من الأسحار يصرف ، تقول أتيته سحرا ، فإذا أردت سحر يومك لم تصرفه ، تقول : أتيته سحر يا هذا ، وأتيته بسحر . والسحر : هو ما بين آخر الليل وطلوع الفجر ، وهو في كلام العرب اختلاط سواد الليل ببياض أول النهار ; لأن في هذا الوقت يكون مخاييل الليل ومخاييل النهار .
إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ حَاصِبًا إِلَّآ ءَالَ لُوطٖۖ نَّجَّيۡنَٰهُم بِسَحَرٖ ٤٣
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ ۖ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ
نِّعۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَاۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي مَن شَكَرَ ٥٣
نسخ
مشاركة
التفسير
نِّعۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَاۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي مَن شَكَرَ ٥٣
نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ
نِّعۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَاۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي مَن شَكَرَ ٥٣
نعمة من عندنا إنعاما منا على لوط وابنتيه ; فهو نصب لأنه مفعول به .
كذلك نجزي من شكر أي من آمن بالله وأطاعه .
نِّعۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَاۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي مَن شَكَرَ ٥٣
نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ
وَلَقَدۡ أَنذَرَهُم بَطۡشَتَنَا فَتَمَارَوۡاْ بِٱلنُّذُرِ ٦٣
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَقَدۡ أَنذَرَهُم بَطۡشَتَنَا فَتَمَارَوۡاْ بِٱلنُّذُرِ ٦٣
أي : ولقد كان قبل حلول العذاب بهم قد أنذرهم بأس الله وعذابه ، فما التفتوا إلى ذلك ، ولا أصغوا إليه ، بل شكوا فيه وتماروا به ،
وَلَقَدۡ أَنذَرَهُم بَطۡشَتَنَا فَتَمَارَوۡاْ بِٱلنُّذُرِ ٦٣
ولقد أنذرهم يعني لوطا خوفهم بطشتنا عقوبتنا وأخذنا إياهم بالعذاب فتماروا بالنذر أي شكوا فيما أنذرهم به الرسول ولم يصدقوه ، وهو تفاعل من المرية .
وَلَقَدۡ أَنذَرَهُم بَطۡشَتَنَا فَتَمَارَوۡاْ بِٱلنُّذُرِ ٦٣
فكذبوه واستمروا على شركهم وقبائحهم، حتى إن الملائكة الذين جاءوه بصورة أضياف حين سمع بهم قوم لوط، جاؤوهم مسرعين، يريدون إيقاع الفاحشة فيهم، لعنهم الله وقبحهم، وراودوه عنهم،
فأمر الله جبريل عليه السلام، فطمس أعينهم بجناحه، وأنذرهم نبيهم بطشة الله وعقوبته { فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ }
وَلَقَدۡ رَٰوَدُوهُ عَن ضَيۡفِهِۦ فَطَمَسۡنَآ أَعۡيُنَهُمۡ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ ٧٣
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَقَدۡ رَٰوَدُوهُ عَن ضَيۡفِهِۦ فَطَمَسۡنَآ أَعۡيُنَهُمۡ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ ٧٣
( ولقد راودوه عن ضيفه ) وذلك ليلة ورد عليه الملائكة : جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل في صورة شباب مرد حسان محنة من الله بهم ، فأضافهم لوط [ عليه السلام ] وبعثت امرأته العجوز السوء إلى قومها ، فأعلمتهم بأضياف لوط ، فأقبلوا يهرعون إليه من كل مكان ، فأغلق لوط دونهم الباب ، فجعلوا يحاولون كسر الباب ، وذلك عشية ، ولوط ، عليه السلام ، يدافعهم ويمانعهم دون أضيافه ، ويقول لهم : ( هؤلاء بناتي ) يعني : نساءهم ، ( إن كنتم فاعلين ) [ الحجر : 71 ] ( قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق ) أي : ليس لنا فيهن أرب ، ( وإنك لتعلم ما نريد ) [ هود : 79 ] فلما اشتد الحال وأبوا إلا الدخول ، خرج عليهم جبريل ، عليه السلام ، فضرب أعينهم بطرف جناحه ، فانطمست أعينهم . يقال : إنها غارت من وجوههم . وقيل : إنه لم تبق لهم عيون بالكلية
وَلَقَدۡ رَٰوَدُوهُ عَن ضَيۡفِهِۦ فَطَمَسۡنَآ أَعۡيُنَهُمۡ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ ٧٣
ولقد راودوه عن ضيفه أي أرادوا منه تمكينهم ممن كان أتاه من الملائكة في هيئة الأضياف طلبا للفاحشة على ما تقدم . يقال : راودته على كذا مراودة وروادا أي أردته . وراد الكلأ يروده رودا وريادا ، وارتاده ارتيادا بمعنى أي طلبه ; وفي الحديث : إذا بال أحدكم فليرتد لبوله أي يطلب مكانا لينا أو منحدرا .
فطمسنا أعينهم يروى أن جبريل عليه السلام ضربهم بجناحه فعموا . وقيل : صارت أعينهم كسائر الوجه لا يرى لها شق ، كما تطمس الريح الأعلام بما تسفي عليها من التراب . وقيل : لا ، بل أعماهم الله مع صحة أبصارهم فلم يروهم . قال الضحاك : طمس الله على أبصارهم فلم يروا الرسل ; فقالوا : لقد رأيناهم حين دخلوا البيت فأين ذهبوا ؟ فرجعوا ولم يروهم .
فذوقوا عذابي ونذر أي فقلنا لهم ذوقوا ، والمراد من هذا الأمر الخبر ; أي : فأذقتهم عذابي الذي أنذرهم به لوط .
وَلَقَدۡ رَٰوَدُوهُ عَن ضَيۡفِهِۦ فَطَمَسۡنَآ أَعۡيُنَهُمۡ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ ٧٣
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ
وَلَقَدۡ صَبَّحَهُم بُكۡرَةً عَذَابٞ مُّسۡتَقِرّٞ ٨٣
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَقَدۡ صَبَّحَهُم بُكۡرَةً عَذَابٞ مُّسۡتَقِرّٞ ٨٣
قال الله تعالى : ( ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر ) أي : لا محيد لهم عنه ، ولا انفكاك لهم منه
وَلَقَدۡ صَبَّحَهُم بُكۡرَةً عَذَابٞ مُّسۡتَقِرّٞ ٨٣
ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر أي دائم عام استقر فيهم حتى يفضي بهم إلى عذاب الآخرة . وذلك العذاب قلب قريتهم عليهم وجعل أعلاها أسفلها . و " بكرة " هنا نكرة فلذلك صرفت .
وَلَقَدۡ صَبَّحَهُم بُكۡرَةً عَذَابٞ مُّسۡتَقِرّٞ ٨٣
{ وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ } قلب الله عليهم ديارهم، وجعل أسفلها أعلاها، وتتبعهم بحجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك للمسرفين، ونجى الله لوطا وأهله من الكرب العظيم، جزاء لهم على شكرهم لربهم، وعبادته وحده لا شريك له.
فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ ٩٣
نسخ
مشاركة
التفسير
فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ ٩٣
فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ
فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ ٩٣
فذوقوا عذابي ونذر العذاب الذي نزل بهم من طمس الأعين غير العذاب الذي أهلكوا به ، فلذلك حسن التكرير .
فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ ٩٣
فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ
وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٠٤
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٠٤
أي سهلنا لفظه ويسرنا معناه لمن أراده ليتذكر الناس كما قال "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب" وقال تعالى "فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا".
قال مجاهد "ولقد يسرنا القرآن للذكر" يعني هونا قراءته وقال السدي يسرنا تلاوته على الألسن وقال الضحاك عن ابن عباس لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله عز وجل قلت ومن تيسيره تعالى على الناس تلاوة القرآن ما تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف" وأوردنا الحديث بطرقه وألفاظه بما أغنى عن إعادته ههنا ولله الحمد والمنة وقوله "فهل من مدكر" أي فهل من متذكر بهذا القرآن الذي قد يسر الله حفظه ومعناه؟ وقال محمد بن كعب القرظي فهل من منزجر عن المعاصي؟ وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا الحسن بن رافع حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن مطر هو الوراق في قوله تعالى "فهل من مدكر" هل من طالب علم فيعان عليه وكذا علقه البخاري بصيغة الجزم عن مطر الوراق ورواه ابن جرير وروى عن قتادة مثله.
وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٠٤
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ
أي سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه ; فهل من طالب لحفظه فيعان عليه ؟ ويجوز أن يكون المعنى : ولقد هيأناه للذكر مأخوذ من يسر ناقته للسفر : إذا رحلها ويسر فرسه للغزو إذا أسرجه وألجمه ; قال : وقمت إليه باللجام ميسرا هنالك يجزيني الذي كنت أصنع وقال سعيد بن جبير : ليس من كتب الله كتاب يقرأ كله ظاهرا إلا القرآن ; وقال غيره : ولم يكن هذا لبني إسرائيل , ولم يكونوا يقرءون التوراة إلا نظرا , غير موسى وهارون ويوشع بن نون وعزير صلوات الله عليهم , ومن أجل ذلك افتتنوا بعزير لما كتب لهم التوراة عن ظهر قلبه حين أحرقت ; على ما تقدم بيانه في سورة " التوبة " فيسر الله تعالى على هذه الأمة حفظ كتابه ليذكروا ما فيه ; أي يفتعلوا الذكر , والافتعال هو أن ينجع فيهم ذلك حتى يصير كالذات وكالتركيب فيهم .فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ
قارئ يقرؤه .
وقال أبو بكر الوراق وابن شوذب : فهل من طالب خير وعلم فيعان عليه , وكرر في هذه السورة للتنبيه والإفهام .
وقيل : إن الله تعالى اقتص في هذه السورة على هذه الأمة أنباء الأمم وقصص المرسلين , وما عاملتهم به الأمم , وما كان من عقبى أمورهم وأمور المرسلين ; فكان في كل قصة ونبأ ذكر للمستمع أن لو ادكر , وإنما كرر هذه الآية عند ذكر كل قصة بقوله : " فهل من مدكر " لأن " هل " كلمة استفهام تستدعي أفهامهم التي ركبت في أجوافهم وجعلها حجة عليهم ; فاللام من " هل " للاستعراض والهاء للاستخراج .
وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٠٤
سبق تفسيرها
وَلَقَدۡ جَآءَ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ ٱلنُّذُرُ ١٤
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَقَدۡ جَآءَ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ ٱلنُّذُرُ ١٤
يقول تعالى مخبرا عن فرعون وقومه إنهم جاءهم رسول الله موسى وأخوه هارون بالبشارة إن آمنوا ، والنذارة إن كفروا ، وأيدهما بمعجزات عظيمة وآيات متعددة ، فكذبوا بها كلها ، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ، أي : فأبادهم الله ولم يبق منهم مخبرا ولا عينا ولا أثرا .
وَلَقَدۡ جَآءَ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ ٱلنُّذُرُ ١٤
قوله تعالى : ولقد جاء آل فرعون النذر يعني القبط والنذر موسى وهارون . وقد يطلق لفظ الجمع على الاثنين .
وَلَقَدۡ جَآءَ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ ٱلنُّذُرُ ١٤
أي: { وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ } أي: فرعون وقومه { النُّذُرُ } فأرسل الله إليهم موسى الكليم، وأيده بالآيات الباهرات، والمعجزات القاهرات
كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذۡنَٰهُمۡ أَخۡذَ عَزِيزٖ مُّقۡتَدِرٍ ٢٤
نسخ
مشاركة
التفسير
كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذۡنَٰهُمۡ أَخۡذَ عَزِيزٖ مُّقۡتَدِرٍ ٢٤
يقول تعالى مخبرا عن فرعون وقومه إنهم جاءهم رسول الله موسى وأخوه هارون بالبشارة إن آمنوا ، والنذارة إن كفروا ، وأيدهما بمعجزات عظيمة وآيات متعددة ، فكذبوا بها كلها ، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ، أي : فأبادهم الله ولم يبق منهم مخبرا ولا عينا ولا أثرا .
كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذۡنَٰهُمۡ أَخۡذَ عَزِيزٖ مُّقۡتَدِرٍ ٢٤
كذبوا بآياتنا معجزاتنا الدالة على توحيدنا ونبوة أنبيائنا ; وهي العصا ، واليد ، والسنون ، والطمسة ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم . وقيل : النذر : الرسل ; فقد جاءهم يوسف وبنوه إلى أن جاءهم موسى . وقيل : النذر الإنذار .
فأخذناهم أخذ عزيز أي غالب في انتقامه مقتدر أي قادر على ما أراد .
كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذۡنَٰهُمۡ أَخۡذَ عَزِيزٖ مُّقۡتَدِرٍ ٢٤
وأشهدهم من العبر ما لم يشهد عليه أحدا غيرهم فكذبوا بآيات الله كلها، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر، فأغرقهم في اليم هو وجنوده والمراد من ذكر هذه القصص تحذير [الناس و] المكذبين لمحمد صلى الله عليه وسلم.
أَكُفَّارُكُمۡ خَيۡرٞ مِّنۡ أُوْلَٰٓئِكُمۡ أَمۡ لَكُم بَرَآءَةٞ فِي ٱلزُّبُرِ ٣٤
نسخ
مشاركة
التفسير
أَكُفَّارُكُمۡ خَيۡرٞ مِّنۡ أُوْلَٰٓئِكُمۡ أَمۡ لَكُم بَرَآءَةٞ فِي ٱلزُّبُرِ ٣٤
ثم قال : ( أكفاركم ) أي : أيها المشركون من كفار قريش ( خير من أولئكم ) يعني : من الذين تقدم ذكرهم ممن أهلكوا بسبب تكذيبهم الرسل ، وكفرهم بالكتب : أأنتم خير أم أولئك ؟ ( أم لكم براءة في الزبر ) أي : أم معكم من الله براءة ألا ينالكم عذاب ولا نكال ؟ .
أَكُفَّارُكُمۡ خَيۡرٞ مِّنۡ أُوْلَٰٓئِكُمۡ أَمۡ لَكُم بَرَآءَةٞ فِي ٱلزُّبُرِ ٣٤
قوله تعالى : أكفاركم خير من أولئكم خاطب العرب . وقيل : أراد كفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : استفهام ، وهو استفهام إنكار ومعناه النفي ; أي ليس كفاركم خيرا من كفار من تقدم من الأمم الذين أهلكوا بكفرهم .
أم لكم براءة في الزبر أي في الكتب المنزلة على الأنبياء بالسلامة من العقوبة . وقال ابن عباس : أم لكم في اللوح المحفوظ براءة من العذاب .
أَكُفَّارُكُمۡ خَيۡرٞ مِّنۡ أُوْلَٰٓئِكُمۡ أَمۡ لَكُم بَرَآءَةٞ فِي ٱلزُّبُرِ ٣٤
{ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ } أي: هؤلاء الذين كذبوا أفضل الرسل، خير من أولئك المكذبين، الذين ذكر الله هلاكهم وما جرى عليهم؟ فإن كانوا خيرا منهم، أمكن أن ينجوا من العذاب، ولم يصبهم ما أصاب أولئك الأشرار، وليس الأمر كذلك، فإنهم إن لم يكونوا شرا منهم، فليسوا بخير منهم، { أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ } أي: أم أعطاكم الله عهدا وميثاقا في الكتب التي أنزلها على الأنبياء، فتعتقدون حينئذ أنكم الناجون بإخبار الله ووعده؟ وهذا غير واقع، بل غير ممكن عقلا وشرعا، أن تكتب براءتهم في الكتب الإلهية المتضمنة للعدل والحكمة، فليس من الحكمة نجاة أمثال هؤلاء المعاندين المكذبين، لأفضل الرسل وأكرمهم على الله، فلم يبق إلا أن يكون بهم قوة ينتصرون بها،
أَمۡ يَقُولُونَ نَحۡنُ جَمِيعٞ مُّنتَصِرٞ ٤٤
نسخ
مشاركة
التفسير
أَمۡ يَقُولُونَ نَحۡنُ جَمِيعٞ مُّنتَصِرٞ ٤٤
ثم قال مخبرا عنهم : ( أم يقولون نحن جميع منتصر ) أي : يعتقدون أنهم مناصرون بعضهم بعضا ، وأن جمعهم يغني عنهم من أرادهم بسوء
أَمۡ يَقُولُونَ نَحۡنُ جَمِيعٞ مُّنتَصِرٞ ٤٤
أم يقولون نحن جميع منتصر أي جماعة لا تطاق لكثرة عددهم وقوتهم ، ولم يقل منتصرين اتباعا لرءوس الآي ; فرد الله عليهم فقال :
أَمۡ يَقُولُونَ نَحۡنُ جَمِيعٞ مُّنتَصِرٞ ٤٤
فأخبر تعالى أنهم يقولون: { نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ }
سَيُهۡزَمُ ٱلۡجَمۡعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ ٥٤
نسخ
مشاركة
التفسير
سَيُهۡزَمُ ٱلۡجَمۡعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ ٥٤
قال الله تعالى : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) أي : سيتفرق شملهم ويغلبون .
قال البخاري : حدثنا إسحاق ، حدثنا خالد ، عن خالد - وقال أيضا : حدثنا محمد ، حدثنا عفان بن مسلم ، عن وهيب ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال - وهو في قبة له يوم بدر - : " أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا " . فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده وقال : حسبك يا رسول الله ! ألححت على ربك . فخرج وهو يثب في الدرع وهو يقول : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ) .
وكذا رواه البخاري والنسائي في غير موضع ، من حديث خالد - وهو ابن مهران الحذاء - به .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الربيع الزهراني ، حدثنا حماد عن أيوب ، عن عكرمة ، قال : لما نزلت ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) [ قال ] قال عمر : أي جمع يهزم ؟ أي جمع يغلب ؟ قال عمر : فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثب في الدرع ، وهو يقول : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) فعرفت تأويلها يومئذ .
سَيُهۡزَمُ ٱلۡجَمۡعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ ٥٤
سيهزم الجمع أي جمع كفار مكة ، وقد كان ذلك يوم بدر وغيره . وقراءة العامة سيهزم بالياء على ما لم يسم فاعله " الجمع " بالرفع . وقرأ رويس عن يعقوب " سنهزم " بالنون وكسر الزاي " الجمع " نصبا .
ويولون الدبر قراءة العامة بالياء على الخبر عنهم . وقرأ عيسى وابن إسحاق ورويس عن يعقوب " وتولون " بالتاء على الخطاب . و " الدبر " اسم جنس كالدرهم والدينار فوحد والمراد الجمع لأجل رءوس الآي . وقال مقاتل : ضرب أبو جهل فرسه يوم بدر فتقدم من الصف وقال : نحن ننتصر اليوم من محمد وأصحابه ; فأنزل الله تعالى : نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر . وقال سعيد بن جبير : قال سعد بن أبي وقاص : لما نزل قوله تعالى : سيهزم الجمع ويولون الدبر كنت لا أدري أي الجمع ينهزم ، فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ويقول : اللهم إن قريشا جاءتك تحادك وتحاد رسولك بفخرها وخيلائها فأخنهم الغداة ثم قال : سيهزم الجمع ويولون الدبر فعرفت تأويلها . وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه أخبر عن غيب فكان كما أخبر . أخنى عليه الدهر : أي أتى عليه وأهلكه ، ومنه قول النابغة :
أخنى عليه الذي أخنى على لبد
وأخنيت عليه : أفسدت . قال ابن عباس : كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين ; فالآية على هذا مكية . وفي البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : لقد أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة وإني لجارية ألعب : بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر . وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة له يوم بدر : أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده وقال : حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك ; وهو في الدرع فخرج وهو يقول : سيهزم الجمع ويولون الدبر
سَيُهۡزَمُ ٱلۡجَمۡعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ ٥٤
قال تعالى مبينا لضعفهم، وأنهم مهزومون: { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ } فوقع كما أخبر، هزم الله جمعهم الأكبر يوم بدر، وقتل من صناديدهم وكبرائهم ما ذلوا به ونصر الله دينه ونبيه وحزبه المؤمنين.
بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوۡعِدُهُمۡ وَٱلسَّاعَةُ أَدۡهَىٰ وَأَمَرُّ ٦٤
نسخ
مشاركة
التفسير
بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوۡعِدُهُمۡ وَٱلسَّاعَةُ أَدۡهَىٰ وَأَمَرُّ ٦٤
وقال البخاري : حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام بن يوسف ; أن ابن جريج أخبرهم : أخبرني يوسف بن ماهك قال : إني عند عائشة أم المؤمنين ، قالت : نزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - بمكة - وإني لجارية ألعب -( بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ) هكذا رواه هاهنا مختصرا . ورواه في فضائل القرآن مطولا ، ولم يخرجه مسلم .
بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوۡعِدُهُمۡ وَٱلسَّاعَةُ أَدۡهَىٰ وَأَمَرُّ ٦٤
بل الساعة موعدهم يريد القيامة .
والساعة أدهى وأمر أي أدهى وأمر مما لحقهم يوم بدر . وأدهى من الداهية وهي الأمر العظيم ; يقال : دهاه أمر كذا - أي أصابه - دهوا ودهيا . وقال ابن السكيت : دهته داهية دهواء ودهياء وهي توكيد لها .
بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوۡعِدُهُمۡ وَٱلسَّاعَةُ أَدۡهَىٰ وَأَمَرُّ ٦٤
ومع ذلك، فلهم موعد يجمع به أولهم وآخرهم، ومن أصيب في الدنيا منهم، ومن متع بلذاته، ولهذا قال: { بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } الذي يحازون به، ويؤخذ منهم الحق بالقسط، { وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ } أي: أعظم وأشق، وأكبر من كل ما يتوهم، أو يدور بالبال
إِنَّ ٱلۡمُجۡرِمِينَ فِي ضَلَٰلٖ وَسُعُرٖ ٧٤
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنَّ ٱلۡمُجۡرِمِينَ فِي ضَلَٰلٖ وَسُعُرٖ ٧٤
يخبرنا تعالى عن المجرمين أنهم في ضلال عن الحق ، وسعر مما هم فيه من الشكوك والاضطراب في الآراء ، وهذا يشمل كل من اتصف بذلك من كافر ومبتدع من سائر الفرق .
إِنَّ ٱلۡمُجۡرِمِينَ فِي ضَلَٰلٖ وَسُعُرٖ ٧٤
قوله تعالى : إن المجرمين في ضلال وسعر
قوله تعالى : إن المجرمين في ضلال وسعر أي في حيدة عن الحق و " سعر " أي : احتراق . وقيل : جنون على ما تقدم في هذه السورة .
إِنَّ ٱلۡمُجۡرِمِينَ فِي ضَلَٰلٖ وَسُعُرٖ ٧٤
{ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ } أي: الذين أكثروا من فعل الجرائم، وهي الذنوب العظيمة من الشرك وغيره، من المعاصي { فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ } أي: هم ضالون في الدنيا، ضلال عن العلم، وضلال عن العمل، الذي ينجيهم من العذاب، ويوم القيامة في العذاب الأليم، والنار التي تتسعر بهم، وتشتعل في أجسامهم، حتى تبلغ أفئدتهم.
يَوۡمَ يُسۡحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ ٨٤
نسخ
مشاركة
التفسير
يَوۡمَ يُسۡحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ ٨٤
ثم قال : ( يوم يسحبون في النار على وجوههم ) أي : كما كانوا في سعر وشك وتردد أورثهم ذلك النار ، وكما كانوا ضلالا سحبوا فيها على وجوههم ، لا يدرون أين يذهبون ، ويقال لهم تقريعا وتوبيخا : ( ذوقوا مس سقر ) .
يَوۡمَ يُسۡحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ ٨٤
يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر فنزلت : يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر خرجه الترمذي أيضا وقال حديث حسن صحيح . وروى مسلم عن طاوس قال : أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : كل شيء بقدر . قال : وسمعت عبد الله بن عمر يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : كل شيء بقدر حتى العجز والكيس - أو - الكيس والعجز وهذا إبطال لمذهب القدرية . ذوقوا أي يقال لهم ذوقوا ، ومسها : ما يجدون من الألم عند الوقوع فيها . و " سقر " اسم من أسماء جهنم لا ينصرف ; لأنه اسم مؤنث معرفة ، وكذا لظى وجهنم . وقال عطاء : سقر الطبق السادس من جهنم . وقال قطرب : سقر من سقرته الشمس وصقرته لوحته . ويوم مسمقر ومصمقر : شديد الحر .
يَوۡمَ يُسۡحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ ٨٤
{ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ } التي هي أشرف ما بهم من الأعضاء، وألمها أشد من ألم غيرها، فيهانون بذلك ويخزون، ويقال لهم:
{ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ } أي: ذوقوا ألم النار وأسفها وغيظها ولهبها.
إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ ٩٤
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ ٩٤
وقوله : ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) ، كقوله : ( وخلق كل شيء فقدره تقديرا ) [ الفرقان : 2 ] وكقوله : ( سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ) [ الأعلى : 1 - 3 ] أي : قدر قدرا ، وهدى الخلائق إليه ; ولهذا يستدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة على إثبات قدر الله السابق لخلقه ، وهو علمه الأشياء قبل كونها وكتابته لها قبل برئها ، وردوا بهذه الآية وبما شاكلها من الآيات ، وما ورد في معناها من الأحاديث الثابتات على الفرقة القدرية الذين نبغوا في أواخر عصر الصحابة . وقد تكلمنا على هذا المقام مفصلا وما ورد فيه من الأحاديث في شرح " كتاب الإيمان " من " صحيح البخاري " رحمه الله ، ولنذكر هاهنا الأحاديث المتعلقة بهذه الآية الكريمة :
قال أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان الثوري ، عن زياد بن إسماعيل السهمي ، عن محمد بن عباد بن جعفر ، عن أبي هريرة قال : جاء مشركو قريش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يخاصمونه في القدر ، فنزلت : ( يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر ) .
وهكذا رواه مسلم والترمذي وابن ماجه ، من حديث وكيع ، عن سفيان الثوري ، به .
وقال البزار : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا الضحاك بن مخلد ، حدثنا يونس بن الحارث ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : ما نزلت هذه الآيات : ( إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر ) ، إلا في أهل القدر .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سهل بن صالح الأنطاكي ، حدثني قرة بن حبيب ، عن كنانة حدثنا جرير بن حازم ، عن سعيد بن عمرو بن جعدة ، عن ابن زرارة ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تلا هذه الآية : ( ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر ) ، قال : " نزلت في أناس من أمتي يكونون في آخر الزمان يكذبون بقدر الله " .
وحدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا مروان بن شجاع الجزري ، عن عبد الملك بن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : أتيت ابن عباس وهو ينزع من زمزم ، وقد ابتلت أسافل ثيابه ، فقلت له : قد تكلم في القدر . فقال : أو [ قد ] فعلوها ؟ قلت : نعم . قال : فوالله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم : ( ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر ) ، أولئك شرار هذه الأمة ، فلا تعودوا مرضاهم ولا تصلوا على موتاهم ، إن رأيت أحدا منهم فقأت عينيه بأصبعي هاتين .
وقد رواه الإمام أحمد من وجه آخر ، وفيه مرفوع ، فقال :
حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا الأوزاعي ، عن بعض إخوته ، عن محمد بن عبيد المكي ، عن عبد الله بن عباس ، قال : قيل له : إن رجلا قدم علينا يكذب بالقدر فقال : دلوني عليه - وهو أعمى - قالوا : وما تصنع به يا أبا عباس قال : والذي نفسي بيده لئن استمكنت منه لأعضن أنفه حتى أقطعه ، ولئن وقعت رقبته في يدي لأدقنها ; فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " كأني بنساء بني فهر يطفن بالخزرج ، تصطفق ألياتهن مشركات ، هذا أول شرك هذه الأمة ، والذي نفسي بيده لينتهين بهم سوء رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يكون قدر خيرا ، كما أخرجوه من أن يكون قدر شرا " .
ثم رواه أحمد عن أبي المغيرة ، عن الأوزاعي ، عن العلاء بن الحجاج ، عن محمد بن عبيد ، فذكر مثله . لم يخرجوه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن يزيد ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثني أبو صخر ، عن نافع قال : كان لابن عمر صديق من أهل الشام يكاتبه ، فكتب إليه عبد الله بن عمر : إنه بلغني أنك تكلمت في شيء من القدر ، فإياك أن تكتب إلي ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر " .
رواه أبو داود ، عن أحمد بن حنبل ، به .
وقال أحمد : حدثنا أنس بن عياض ، حدثنا عمر بن عبد الله مولى غفرة ، عن عبد الله بن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لكل أمة مجوس ، ومجوس أمتي الذين يقولون : لا قدر . إن مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم " .
لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه .
وقال أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا رشدين ، عن أبي صخر حميد بن زياد ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " سيكون في هذه الأمة مسخ ، ألا وذاك في المكذبين بالقدر والزنديقية " .
ورواه الترمذي وابن ماجه ، من حديث أبي صخر حميد بن زياد ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح غريب .
وقال أحمد : حدثنا إسحاق بن الطباع ، أخبرني مالك ، عن زياد بن سعد ، عن عمرو بن مسلم ، عن طاوس اليماني قال : سمعت ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كل شيء بقدر ، حتى العجز والكيس " .
ورواه مسلم منفردا به ، من حديث مالك .
وفي الحديث الصحيح : " استعن بالله ولا تعجز ، فإن أصابك أمر فقل : قدر الله وما شاء فعل ، ولا تقل : لو أني فعلت لكان كذا ، فإن لو تفتح عمل الشيطان " .
وفي حديث ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : " واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء ، لم يكتبه الله لك ، لم ينفعوك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يكتبه الله عليك ، لم يضروك . جفت الأقلام وطويت الصحف " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا الحسن بن سوار ، حدثنا الليث ، عن معاوية ، عن أيوب بن زياد ، حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة ، حدثني أبي قال : دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت ، فقلت : يا أبتاه ، أوصني واجتهد لي . فقال : أجلسوني . فلما أجلسوه قال : يا بني ، إنك لما تطعم طعم الإيمان ، ولم تبلغ حق حقيقة العلم بالله ، حتى تؤمن بالقدر خيره وشره . قلت : يا أبتاه ، وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره ؟ قال : تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك . يا بني ، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن أول ما خلق الله القلم . ثم قال له : اكتب . فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة " يا بني ، إن مت ولست على ذلك دخلت النار .
ورواه الترمذي عن يحيى بن موسى البلخي ، عن أبي داود الطيالسي ، عن عبد الواحد بن سليم ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن الوليد بن عبادة ، عن أبيه ، به . وقال : حسن صحيح غريب .
وقال سفيان الثوري ، عن منصور ، عن ربعي بن خراش ، عن رجل ، عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع : يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، بعثني بالحق ، ويؤمن بالموت ، ويؤمن بالبعث بعد الموت ، ويؤمن بالقدر خيره وشره " .
وكذا رواه الترمذي من حديث النضر بن شميل ، عن شعبة ، عن منصور ، به . ورواه من حديث أبي داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن منصور ، عن ربعي ، عن علي ، فذكره وقال : " هذا عندي أصح " . وكذا رواه ابن ماجه من حديث شريك ، عن منصور ، عن ربعي ، عن علي ، به .
وقد ثبت في صحيح مسلم من رواية عبد الله بن وهب وغيره ، عن أبي هانئ الخولاني ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة " زاد ابن وهب : ( وكان عرشه على الماء ) [ هود : 7 ] . ورواه الترمذي وقال : حسن صحيح غريب .
إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ ٩٤
الثانية : قوله تعالى : إنا كل شيء قراءة العامة كل بالنصب . وقرأ أبو السمال " كل " بالرفع على الابتداء . ومن نصب فبإضمار فعل وهو اختيار الكوفيين ; لأن " إن " تطلب الفعل فهي به أولى ، والنصب أدل على العموم في المخلوقات لله تعالى ; لأنك لو حذفت " خلقناه " المفسر وأظهرت الأول لصار إنا خلقنا كل شيء بقدر . ولا يصح كون خلقناه صفة لشيء ; لأن الصفة لا تعمل فيما قبل الموصوف ، ولا تكون تفسيرا لما يعمل فيما قبله .
الذي عليه أهل السنة أن الله سبحانه قدر الأشياء ; أي علم مقاديرها وأحوالها وأزمانها قبل إيجادها ، ثم أوجد منها ما سبق في علمه أنه يوجده على نحو ما سبق في علمه ، فلا يحدث حدث في العالم العلوي والسفلي إلا وهو صادر عن علمه تعالى وقدرته وإرادته دون خلقه ، وأن الخلق ليس لهم فيها إلا نوع اكتساب ومحاولة ونسبة وإضافة ، وأن ذلك كله إنما حصل لهم بتيسير الله تعالى وبقدرته وتوفيقه وإلهامه ، سبحانه لا إله إلا هو ، ولا خالق غيره ; كما نص عليه القرآن والسنة ، لا كما قالت القدرية وغيرهم من أن الأعمال إلينا والآجال بيد غيرنا .
قال أبو ذر رضي الله عنه : قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : الأعمال إلينا والآجال بيد غيرنا ; فنزلت هذه الآيات إلى قوله : إنا كل شيء خلقناه بقدر فقالوا : يا محمد يكتب علينا الذنب ويعذبنا ؟ فقال : أنتم خصماء الله يوم القيامة .
روى أبو الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم . خرجه ابن ماجه في سننه . وخرج أيضا عن ابن عباس وجابر قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صنفان من أمتي ليس لهم في الإسلام نصيب : أهل الإرجاء والقدر . وأسند النحاس : وحدثنا إبراهيم بن شريك الكوفي قال حدثنا عقبة بن مكرم الضبي قال حدثنا يونس بن بكير عن سعيد بن ميسرة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : القدرية الذين يقولون الخير والشر بأيدينا ليس لهم في شفاعتي نصيب ولا أنا منهم ولا هم مني . وفي صحيح مسلم أن ابن عمر تبرأ منهم ولا يتبرأ إلا من كافر ، ثم أكد هذا بقوله : والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر . وهذا مثل قوله تعالى في المنافقين : وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله وهذا واضح . وقال أبو هريرة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : الإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن .
إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ ٩٤
{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } وهذا شامل للمخلوقات والعوالم العلوية والسفلية، أن الله تعالى وحده خلقها لا خالق لها سواه، ولا مشارك له في خلقها
وخلقها بقضاء سبق به علمه، وجرى به قلمه، بوقتها ومقدارها، وجميع ما اشتملت عليه من الأوصاف، وذلك على الله يسير،
وَمَآ أَمۡرُنَآ إِلَّا وَٰحِدَةٞ كَلَمۡحِۢ بِٱلۡبَصَرِ ٠٥
نسخ
مشاركة
التفسير
وَمَآ أَمۡرُنَآ إِلَّا وَٰحِدَةٞ كَلَمۡحِۢ بِٱلۡبَصَرِ ٠٥
وقوله : ( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ) . وهو إخبار عن نفوذ مشيئته في خلقه كما أخبر بنفوذ قدره فيهم ، فقال : ( وما أمرنا إلا واحدة ) أي : إنما نأمر بالشيء مرة واحدة ، لا نحتاج إلى تأكيد بثانية ، فيكون ذلك الذي نأمر به حاصلا موجودا كلمح البصر ، لا يتأخر طرفة عين ، وما أحسن ما قال بعض الشعراء :
إذا ما أراد الله أمرا فإنما يقول له : كن ، قولة فيكون
وَمَآ أَمۡرُنَآ إِلَّا وَٰحِدَةٞ كَلَمۡحِۢ بِٱلۡبَصَرِ ٠٥
قوله تعالى : وما أمرنا إلا واحدة أي إلا مرة واحدة .
كلمح بالبصر أي قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر . واللمح : النظر بالعجلة ; يقال : لمح البرق ببصره . وفي الصحاح : لمحه وألمحه إذا أبصره بنظر خفيف ، والاسم اللمحة ، ولمح البرق والنجم لمحا أي لمع .
وَمَآ أَمۡرُنَآ إِلَّا وَٰحِدَةٞ كَلَمۡحِۢ بِٱلۡبَصَرِ ٠٥
{ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ } فإذا أراد شيئا قال له كن فيكون كما أراد، كلمح البصر، من غير ممانعة ولا صعوبة.
وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَآ أَشۡيَاعَكُمۡ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ١٥
نسخ
مشاركة
التفسير
وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَآ أَشۡيَاعَكُمۡ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ١٥
وقوله : ( ولقد أهلكنا أشياعكم ) يعني : أمثالكم وسلفكم من الأمم السابقة المكذبين بالرسل ، ( فهل من مدكر ) أي : فهل من متعظ بما أخزى الله أولئك ، وقدر لهم من العذاب ، كما قال : ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل ) [ سبأ : 54 ] .
وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَآ أَشۡيَاعَكُمۡ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ١٥
قوله تعالى : ولقد أهلكنا أشياعكم أي أشباهكم في الكفر من الأمم الخالية . وقيل : أتباعكم وأعوانكم .
فهل من مدكر أي من يتذكر .
وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَآ أَشۡيَاعَكُمۡ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ١٥
{ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ } من الأمم السابقين الذين عملوا كما عملتم، وكذبوا كما كذبتم { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } أي: متذكر يعلم أن سنة الله في الأولين والآخرين واحدة، وأن حكمته كما اقتضت إهلاك أولئك الأشرار، فإن هؤلاء مثلهم، ولا فرق بين الفريقين.
وَكُلُّ شَيۡءٖ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ ٢٥
نسخ
مشاركة
التفسير
وَكُلُّ شَيۡءٖ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ ٢٥
وقوله : ( وكل شيء فعلوه في الزبر ) أي : مكتوب عليهم في الكتب التي بأيدي الملائكة عليهم السلام
وَكُلُّ شَيۡءٖ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ ٢٥
قوله تعالى : وكل شيء فعلوه في الزبر أي جميع ما فعلته الأمم قبلهم من خير أو شر كان مكتوبا عليهم ; وهذا بيان قوله : إنا كل شيء خلقناه بقدر . في الزبر أي في اللوح المحفوظ . وقيل : في كتب الحفظة . وقيل : في أم الكتاب .
وَكُلُّ شَيۡءٖ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ ٢٥
{ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ } أي: كل ما فعلوه من خير وشر مكتوب
عليهم في الكتب القدرية
وَكُلُّ صَغِيرٖ وَكَبِيرٖ مُّسۡتَطَرٌ ٣٥
نسخ
مشاركة
التفسير
وَكُلُّ صَغِيرٖ وَكَبِيرٖ مُّسۡتَطَرٌ ٣٥
( وكل صغير وكبير ) أي : من أعمالهم ( مستطر ) أي : مجموع عليهم ، ومسطر في صحائفهم ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر ، حدثنا سعيد بن مسلم بن بانك : سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير ، حدثني عوف بن الحارث - وهو ابن أخي عائشة لأمها - عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " يا عائشة ، إياك ومحقرات الذنوب ، فإن لها من الله طالبا " .
ورواه النسائي وابن ماجه ، من طريق سعيد بن مسلم بن بانك المدني . وثقه أحمد ، وابن معين ، وأبو حاتم ، وغيرهم .
وقد رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمة سعيد بن مسلم هذا من وجه آخر ، ثم قال سعيد : فحدثت بهذا الحديث عامر بن هشام فقال لي : ويحك يا سعيد بن مسلم ! لقد حدثني سليمان بن المغيرة أنه عمل ذنبا فاستصغره ، فأتاه آت في منامه فقال له : يا سليمان :
لا تحقرن من الذنوب صغيرا إن الصغير غدا يعود كبيرا
إن الصغير ولو تقادم عهده عند الإله مسطر تسطيرا
فازجر هواك عن البطالة لا تكن صعب القياد وشمرن تشميرا
إن المحب إذا أحب إلهه طار الفؤاد وألهم التفكيرا
فاسأل هدايتك الإله بنية فكفى بربك هاديا ونصيرا
وَكُلُّ صَغِيرٖ وَكَبِيرٖ مُّسۡتَطَرٌ ٣٥
وكل صغير وكبير مستطر أي كل ذنب كبير وصغير مكتوب على عامله قبل أن يفعله ليجازى به ، ومكتوب إذا فعله ; سطر يسطر سطرا كتب ; واستطر مثله .
وَكُلُّ صَغِيرٖ وَكَبِيرٖ مُّسۡتَطَرٌ ٣٥
{ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ } أي: مسطر مكتوب،
وهذا حقيقة القضاء والقدر، وأن جميع الأشياء كلها، قد علمها الله تعالى، وسطرها عنده في اللوح المحفوظ، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَنَهَرٖ ٤٥
نسخ
مشاركة
التفسير
إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَنَهَرٖ ٤٥
وقوله : ( إن المتقين في جنات ونهر ) أي : بعكس ما الأشقياء فيه من الضلال والسعر والسحب في النار على وجوههم ، مع التوبيخ والتقريع والتهديد .
إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَنَهَرٖ ٤٥
قوله تعالى : إن المتقين في جنات ونهر لما وصف الكفار وصف المؤمنين أيضا . ونهر يعني أنهار الماء والخمر والعسل واللبن ; قاله ابن جريج . ووحد لأنه رأس الآية ، ثم الواحد قد ينبئ عن الجميع . وقيل : في نهر في ضياء وسعة ; ومنه النهار لضيائه ، ومنه أنهرت الجرح ; قال الشاعر :
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها يرى قائم من دونها ما وراءها
وقرأ أبو مجلز وأبو نهيك والأعرج وطلحة بن مصرف وقتادة " ونهر " بضمتين كأنه جمع نهار لا ليل لهم ; كسحاب وسحب . قال الفراء : أنشدني بعض العرب :
إن تك ليليا فإني نهر متى أرى الصبح فلا أنتظر
أي صاحب النهار .
وقال آخر :
لولا الثريدان هلكنا بالضمر ثريد ليل وثريد بالنهر
إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَنَهَرٖ ٤٥
{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ } لله، بفعل أوامره وترك نواهيه، الذين اتقوا الشرك والكبائر والصغائر.
{ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ } أي: في جنات النعيم، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، من الأشجار اليانعة، والأنهار الجارية، والقصور الرفيعة، والمنازل الأنيقة، والمآكل والمشارب اللذيذة، والحور الحسان، والروضات البهية في الجنان، ورضوان الملك الديان، والفوز بقربه.
فِي مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۢ ٥٥
نسخ
مشاركة
التفسير
فِي مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۢ ٥٥
وقوله : ( في مقعد صدق ) أي : في دار كرامة الله ورضوانه وفضله ، وامتنانه وجوده وإحسانه ، ( عند مليك مقتدر ) أي : عند الملك العظيم الخالق للأشياء كلها ومقدرها ، وهو مقتدر على ما يشاء مما يطلبون ويريدون ; وقد قال الإمام أحمد :
حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن عمرو بن أوس ، عن عبد الله بن عمرو - يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور ، عن يمين الرحمن ، وكلتا يديه يمين : الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا " .
انفرد بإخراجه مسلم والنسائي ، من حديث سفيان بن عيينة ، بإسناده مثله .
آخر تفسير سورة " اقتربت " ، ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة
فِي مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۢ ٥٥
في مقعد صدق أي مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة عند مليك مقتدر أي يقدر على ما يشاء . و " عند " هاهنا عندية القربة والزلفة والمكانة والرتبة والكرامة والمنزلة . قال الصادق : مدح الله المكان الصدق فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق . وقرأ عثمان البتي " في مقاعد صدق " بالجمع ; والمقاعد مواضع قعود الناس في الأسواق وغيرها . قال عبد الله بن بريدة : إن أهل الجنة يدخلون كل يوم على الجبار تبارك وتعالى ، فيقرءون القرآن على ربهم تبارك وتعالى ، وقد جلس كل إنسان مجلسه الذي هو مجلسه ، على منابر من الدر والياقوت والزبرجد والذهب والفضة بقدر أعمالهم ، فلا تقر أعينهم بشيء قط كما تقر بذلك ، ولم يسمعوا شيئا أعظم ولا أحسن منه ، ثم ينصرفون إلى منازلهم ، قريرة أعينهم إلى مثلها من الغد . وقال ثور بن يزيد عن خالد بن معدان : بلغنا أن الملائكة يأتون المؤمنين يوم القيامة فيقولون : يا أولياء الله انطلقوا ; فيقولون : إلى أين ؟ فيقولون : إلى الجنة ; فيقول المؤمنون : إنكم تذهبون بنا إلى غير بغيتنا . فيقولون : فما بغيتكم ؟ فيقولون : مقعد صدق عند مليك مقتدر . وقد روي هذا الخبر على الخصوص بهذا المعنى ; ففي الخبر : أن طائفة من العقلاء بالله عز وجل تزفها الملائكة إلى الجنة والناس في الحساب ، فيقولون للملائكة : إلى أين تحملوننا ؟ فيقولون إلى الجنة . فيقولون : إنكم لتحملوننا إلى غير بغيتنا ; فيقولون : وما بغيتكم ؟ فيقولون : المقعد الصدق مع الحبيب كما أخبر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، والله أعلم .
تم تفسير سورة ( القمر ) والحمد لله .
فِي مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۢ ٥٥
{ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ } فلا تسأل بعد هذا عما يعطيهم ربهم من كرامته وجوده، ويمدهم به من إحسانه ومنته، جعلنا الله منهم، ولا حرمنا خير ما عنده بشر ما عندنا.
تم تفسير سورة اقتربت، ولله الحمد والشكر
صَدَق الْلَّه الْعَظِيْم